عودة المخاوف من تأجيل الانتخابات اللبنانية

درباس: الميثاقية لا تغيب بغياب الحريري

TT

عودة المخاوف من تأجيل الانتخابات اللبنانية

منذ إعلان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري تعليق نشاط «تيار المستقبل» السياسي، وعدم المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة ارتفعت الأصوات التي تتحدث عن إمكانية تأجيل الاستحقاق الانتخابي منطلقة في ذلك مما تقول إنه «غياب الميثاقية» عنها أو المخاوف المرتبطة بالأوضاع الأمنية أو السياسة الداخلية والخارجية.
ويؤكد الوزير السابق، ونقيب محامي الشمال السابق رشيد درباس لـ«الشرق الأوسط» أن الميثاقية بمفهومها القانوني والدستوري لا تنزع عن الاستحقاق الانتخابي بغياب الحريري، لا سيما أنه بالتأكيد سيترشح أشخاص من الطائفة السنية، ويتحدث عما يمكن تسميته بالميثاقية الوطنية في معركة لا يحضر فيها الأكثر تمثيلا في الطائفة، ويصبح عندها الصراع غير متكافئ، ويؤدي إلى خلل وطني ومعنوي، مع تأكيده أنه «إذا قرر البعض التذرع بغياب الميثاقية فيعني أنهم يبحثون عن حجة لتأجيل الانتخابات». ومع تشديده على أن قرار الحريري لا يعني أن الطائفة السنية لن تنتخب يقول: «إذا قرروا تأجيل الانتخابات فهناك كتل نيابية سبق لها أن أعلنت أنها ستستقيل من البرلمان، أهمها تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية إضافة إلى الحزب التقدمي الاشتراكي، وبالتالي هذه اللعبة ليست ذكية، وسيصبح لزاما عليهم إجراء الانتخابات، وأي حجة عندها لن تنفع».
في المقابل، لا تنفي مصادر في «التيار الوطني الحر» مقربة من رئاسة الجمهورية أن هناك حديثا عن احتمال تأجيل الانتخابات، كاشفة أن المخاوف لا تقتصر فقط على سياسيين ومسؤولين في لبنان إنما أيضا على دبلوماسيين عبروا صراحة عن تخوفهم من أن يحصل أي أمر يؤدي إلى تأجيل الانتخابات، مع تأكيدها أنه لا أحد يملك حتى الساعة جوابا واضحا». وتوضح أن ما يتم التداول به هو أن تحصل مقاطعة سنية شاملة للانتخابات عبر دعوة من دار الفتوى مثلاً وتضامن غير السنة معها، بحيث يصبح الحديث عن عدم ميثاقية الانتخابات، مع تذكيرها في الوقت عينه أنه في العام 1992 قاطع المسيحيون الانتخابات وحصلت رغم ذلك بمشاركة فقط 13 في المائة منهم فقط حتى بعد دعوة بكركي إلى المقاطعة. ورغم ذلك تؤكد المصادر التي تشير إلى الإرباك الذي أحدثته مقاطعة الحريري للاستحقاق، إلى أن ما يتم التداول به يبقى في دائرة المخاوف ولا يرتقي حتى الساعة إلى الطرح الجدي لا سيما أن الاستعدادات للانتخابات لا تزال مستمرة من قبل مختلف الأطراف وبينها الجهات السنية التي لا تدور في فلك «المستقبل».
كذلك يرى النائب ميشال ضاهر الذي لطالما عبر عن مخاوفه من تأجيل الانتخابات أن أحداثا عدة سياسية وأمنية قد تؤدي إلى اتخاذ قرار بتأجيل الاستحقاق مع اعتباره أن لبنان سيذهب آجلا أم آجلا إلى مؤتمر تأسيسي، ويقول: «أخشى أن تتجه الأمور إلى التصعيد والمواجهة، وتتسبب في المس بالاستحقاق الانتخابي. وما يعزز شكي هو عدم اتخاذ الرئيس الحريري وكتلته خيار الاستقالة من الندوة البرلمانية. ‏عندها قد تتم الدعوة إلى مؤتمر وطني برعاية دولية للعبور إلى الجمهورية الثالثة لأن هذا النظام فشل على جميع الصعد».
ويضيف ضاهر في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «قد يكون عدم اتخاذ الحريري قراره بالاستقالة من البرلمان وهو الذي أعلن تعليق عمله السياسي يعني أنه يتخوف كما عدد كبير من اللبنانيين من الإطاحة بالانتخابات النيابية والتمديد للمجلس الحالي، وبالتالي الذهاب إلى مؤتمر تأسيسي برعاية دولية»، مضيفا «هذا المؤتمر إذا حصل لا بد أن تقر قراراته في البرلمان اللبناني، حيث لا يمكن أن يكون طرف لبناني أساسي ويمثل الأغلبية في الطائفة السنية غائبا عنه»، لذا يرجح ضاهر «بأن الحريري أبقى كتلته موجودة في البرلمان كي لا يفقد المجلس ميثاقيته؛ تحسبا لحدث كهذا في هذه المرحلة التي تسبق الانتخابات النيابية المفترض إنجازها».
وفي حين يشدد ضاهر على أن حجة غياب الميثاقية عن الانتخابات النيابية المقبلة التي قد يحملها البعض غير منطقية ولا يمكن القبول بها، لا سيما أن أطرافا سنية أخرى موجودة في الساحة، ويتحدث عما يمكن أن يحصل على الصعيد الأمني من أحداث مفتعلة من شأنها أن تكون السبب في الذهاب إلى المؤتمر التأسيسي بعدما بات الجميع مقتنعا أن النظام الحالي لم يعد صالحا، ويربط كذلك بين مقاربة لبنان للمبادرة الكويتية واتجاه الأوضاع في لبنان إلى المزيد من التأزم، موضحا «إذا رفضها (حزب الله) وبالتالي لم يتجاوب معها لبنان، فعندها وبدل أن يستعيد لبنان عافيته شيئا فشيئا ويصحح علاقاته مع محيطه العربي ستزيد الضغوط عليه، وستتفاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي قد تتحول إلى ثورة جياع، وبالتالي يصبح إجراء الانتخابات أمرا شبه مستحيل».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.