واشنطن تلوِّح مجدداً بخيار «محاسبة الحوثيين»

الإدارة الأميركية نددت بالهجمات على الإمارات والسعودية

TT

واشنطن تلوِّح مجدداً بخيار «محاسبة الحوثيين»

عادت الإدارة الأميركية مرة أخرى إلى التلويح بخيار «محاسبة الحوثيين»، وذلك بعد استهداف الجماعة الحوثية المتمردة للمرة الثانية خلال أقل من أسبوع العاصمة الإماراتية أبوظبي، وكذلك استهداف المدن السعودية.
وأكدت الإدارة في بيانات وتصريحات رسمية صدرت من البيت الأبيض، ووزارة الخارجية، ووزارة الدفاع، الوقوف مع «الشركاء» السعوديين والإماراتيين، في وجه الهجمات التي تستهدف أمن واستقرار تلك البلدان.
واستمراراً لـ«المساعي الدبلوماسية» التي تجريها الإدارة الأميركية مع دول المنطقة، التقى جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي، مع سفيرة السعودية لدى الولايات المتحدة، الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان، وسفير دولة الإمارات يوسف العتيبة، مساء الاثنين، وذلك لمناقشة هجمات الحوثيين المستمرة ضد أهداف مدنية، في الإمارات والسعودية، والتي أسفرت عن مقتل مدنيين وضحايا.
وأوضح بيان من البيت الأبيض، أن السفراء وسوليفان استعرضوا الجهود المشتركة «لمحاسبة الحوثيين»، كما جدد سوليفان خلال الاجتماع «التزام الولايات المتحدة بأمن الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية»؛ حيث يعيش ويعمل عشرات الآلاف من المواطنين الأميركيين.
ودعا المسؤول الأميركي إلى دعم الجهود التي تقودها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب في اليمن، والالتزام بالقانون الإنساني الدولي، للوصول في نهاية المطاف من خلال «عملية سياسية» للاستقرار، وهو ما أكدت عليه أيضاً المتحدثة الرسمية للبيت الأبيض جين ساكي، بدعم كل الجهود التي تدعو إلى وقف إطلاق النار، والتعبير عن «قلق عميق» بشأن التقارير التي تتحدث عن ازدياد الصراع، واستمرار المأساة الإنسانية في اليمن.
بدوره، جدد المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية نيد برايس، التزام بلاده بالوقوف مع شركائها في المنطقة، السعودية والإمارات، والمساعدة في «تعزيز الدفاع» عن «الشركاء»، معتبراً أن هذه الهجمات على الإمارات والسعودية، وكذلك الغارات الجوية الأخيرة في اليمن، تعتبر «تصعيداً مقلقاً لا يؤدي إلا إلى تفاقم معاناة الشعب اليمني».
وخلال مؤتمره الصحافي في وزارة الخارجية، أول من أمس الاثنين، دعا برايس إلى «الالتزام بوقف إطلاق النار، والامتثال بموجبات القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك تلك المتعلقة بحماية جميع المدنيين»؛ مشدداً على أن الشعب اليمني يحتاج «بشكل عاجل» إلى حل دبلوماسي للصراع، وإلى «حل دبلوماسي يحسن حياتهم، ويسمح لهم بتقرير مستقبلهم بشكل جماعي».
من جهته، دعا سفير الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبة، مرة أخرى، الإدارة الأميركية لإعادة تصنيف جماعة الحوثيين المدعومة من إيران، ضمن قائمة «المنظمات الأجنبية الإرهابية»؛ حيث نقل حساب السفارة الإماراتية لدى الولايات المتحدة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، عن العتيبة، تأكيده أن «تعاوناً وثيقاً بين الإمارات والولايات المتحدة ساعد في التصدي لهجمات حوثية جديدة على الإمارات».
ورأى العتيبة أن وقف تدفق المال والسلاح للحوثيين من الجهات الداعمة لهم، يجب أن يكون الخطوة التالية، ملمحاً إلى إيران، ومضيفاً أن «الولايات المتحدة يجب أن تتحرك الآن لوضع الحوثيين مجدداً على قائمة الإرهاب».
من جانبه، أفصح متحدث عن «البنتاغون» لقناة «العربية»، عن أن هجمات وصواريخ الحوثي التي استهدفت أبوظبي أول من أمس، كانت موجَّهة للقاعدة الأميركية في الإمارات، مؤكداً أن منظومة الدفاع الأميركية تفاعلت مع صواريخ الحوثي «بشكل فعَّال»، وأنه «لا حاجة لإضافة مزيد من المنظومات المضادة للصواريخ في الإمارات».
كما نقلت وكالة «أسوشييتد برس» عن مسؤول أميركي لم تفصح عنه، تصريحاته بأن كلاً من الجيش الأميركي والإماراتي، أطلقا صواريخ اعتراضية خلال الهجوم الذي شنه الحوثيون؛ مشيراً إلى أن «الهجوم المضاد المشترك» منع الصواريخ من ضرب الإمارات.
وكانت وكالة أنباء الإمارات الرسمية (وام)، نقلت أن شظايا صاروخ سقطت فوق العاصمة الإماراتية أبوظبي، دون التسبب في حدوث أي أضرار، على الرغم من أن الهجوم تسبب في «تعطل حركة المرور» إلى مطار أبوظبي الدولي لمدة ساعة تقريباً. ونسب المتحدث باسم الحوثي «الفضل» إلى الجماعة في الهجوم الأخير.
وفي وقت لاحق من يوم الاثنين، قالت القيادة المركزية الأميركية، إن القوات الأميركية في قاعدة «الظفرة» الجوية، بالقرب من أبوظبي: «واجهت تهديدين صاروخيين داخليين مع عدة صواريخ باتريوت اعتراضية، متزامنة مع جهود القوات المسلحة الإماراتية في الساعات الأولى من صباح 24 يناير (كانون الثاني) 2022»
وأكدت أن «الجهود المشتركة» نجحت في منع كلا الصاروخين من التأثير على القاعدة، وتابع البيان: «لم تقع إصابات في صفوف القوات الأميركية».
ويأتي أحدث إطلاق صاروخي، بعد أن أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن هجوم بطائرة مُسيَّرة، على منشأة نفطية في أبوظبي الأسبوع الماضي، أسفر عن مقتل 3 أشخاص وإصابة 6 آخرين، وكذلك هجوم على الحدود الجنوبية السعودية، واستهداف مدينتي خميس مشيط وجازان، والاستمرار في المعارك الداخلية في اليمن.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.