الحريري: لا فرصة للبنان في ظل النفوذ الإيراني والانقسام الوطني

علّق عمله السياسي وحض محازبي «المستقبل» على اتخاذ الخطوة نفسها وعدم الترشح للانتخابات النيابية

الحريري في نهاية مؤتمره الصحافي أمس (إ.ب.أ)
الحريري في نهاية مؤتمره الصحافي أمس (إ.ب.أ)
TT

الحريري: لا فرصة للبنان في ظل النفوذ الإيراني والانقسام الوطني

الحريري في نهاية مؤتمره الصحافي أمس (إ.ب.أ)
الحريري في نهاية مؤتمره الصحافي أمس (إ.ب.أ)

أعلن رئيس الحكومة اللبنانية السابق، رئيس «تيار المستقبل»، سعد الحريري تعليق عمله في الحياة السياسية، داعياً «تيار المستقبل» لاتخاذ الخطوة نفسها وعدم الترشح للانتخابات النيابية وعدم التقدم بأي ترشيحات من «التيار» أو باسم «التيار»، لاقتناعه بـ«أنه لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان، في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة».
وفيما كان لافتاً أن كلمة الحريري كانت مقتضبة، من دون أن يتطرق بشكل تفصيلي إلى خلفية قراره، تحدث عن التسويات التي أتت على حسابه وخسارة ثروته الشخصية وبعض صداقاته الخارجية والكثير من تحالفاته الوطنية.
وجاءت مواقف الحريري التي كان قد مهّد لها منذ فترة في لبنان، في كلمة توجه بها إلى اللبنانيين أمس من مقره في «بيت الوسط» في بيروت، في حضور أعضاء كتلة «المستقبل» النيابية وهيئة الرئاسة في تيار «المستقبل» ونقيب الصحافة عوني الكعكي وإعلاميين.
وقال الحريري: «بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وقع الخيار علي لمواصلة مشروعه السياسي... لمواصلة مشروع رفيق الحريري، وليس لكي تبقى عائلة الحريري في السياسة، بغض النظر عن المشروع والمبادئ والظروف، ومشروع رفيق الحريري يمكن اختصاره بفكرتين: أولاً: منع الحرب الأهلية في لبنان، وثانياً: حياة أفضل للبنانيين. نجحت في الأولى، ولم يكتب لي النجاح الكافي في الثانية».
وأضاف: «لا شك أن منع الحرب الأهلية فرض علي تسويات، من احتواء تداعيات أحداث 7 مايو (أيار) إلى اتفاق الدوحة إلى زيارة دمشق إلى انتخاب ميشال عون إلى قانون الانتخابات، وغيرها»، موضحاً أن «هذه التسويات، التي أتت على حسابي، قد تكون السبب في عدم اكتمال النجاح للوصول لحياة أفضل للبنانيين. والتاريخ سيحكم».
وأضاف: «لكن الأساس، أن الهدف كان وسيبقى دائماً تخطي العقبات للوصول إلى لبنان منيع في وجه الحرب الأهلية، ويوفر حياة أفضل لكل اللبنانيين، وهذا كان سبب كل خطوة اتخذتها، كما كان سبب خسارتي لثروتي الشخصية وبعض صداقاتي الخارجية والكثير من تحالفاتي الوطنية وبعض الرفاق وحتى الإخوة».
وتابع: «قد أكون قادراً على تحمل كل هذا، لكن ما لا يمكنني تحمله هو أن يكون عدد من اللبنانيين الذين لا أرى من موجب لبقائي في السياسة سوى لخدمتهم، باتوا يعتبرونني أحد أركان السلطة التي تسببت بالكارثة والمانعة لأي تمثيل سياسي جديد من شأنه أن ينتج حلولاً لبلدنا وشعبنا».
وذكّر باستقالته من الحكومة إثر الانتفاضة الشعبية في 17 أكتوبر (تشرين الأول)، قائلاً: «من باب تحمل المسؤولية، كنت الوحيد الذي استجاب لثورة 17 أكتوبر 2019 فقدمت استقالة حكومتي. وكنت الوحيد الذي حاول بعد كارثة 4 أغسطس (آب) في بيروت (انفجار المرفأ) تغيير طريقة العمل عبر حكومة من الاختصاصيين. واللبنانيون يعرفون في الحالتين ما كانت النتيجة، وهم يتكبدون من لحمهم الحي تكلفة الإنكار».
من هنا قال: «ومن باب تحمل المسؤولية أيضاً، ولأنني مقتنع بأن لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة، أعلن، تعليق عملي بالحياة السياسية ودعوة عائلتي في تيار المستقبل لاتخاذ الخطوة نفسها، وعدم الترشح للانتخابات النيابية وعدم التقدم بأي ترشيحات من تيار المستقبل أو باسم التيار».
وتوجّه إلى أبناء وبنات مدرسة رفيق الحريري بالقول: «نحن باقون بخدمة أهلنا وشعبنا ووطننا، لكن قرارنا هو تعليق أي دور أو مسؤولية مباشرة في السلطة والنيابة والسياسة بمعناها التقليدي، وسنبقى من موقعنا كمواطنين متمسكين بمشروع رفيق الحريري لمنع الحرب الأهلية والعمل من أجل حياة أفضل لجميع اللبنانيين... نحن باقون في خدمة لبنان واللبنانيين، وبيوتنا ستبقى مفتوحة للإرادات الطيبة ولأهلنا وأحبتنا من كل لبنان».
وختم الحريري كلمته دامعاً ومستذكراً والده، حيث قال: «أخيراً، قد يكون أفضل الكلام في هذه اللحظة ما قاله رفيق الحريري في بيان عزوفه قبل 17 عاماً: (أستودع الله سبحانه وتعالى هذا البلد الحبيب لبنان وشعبه الطيب. وأعبر من كل جوارحي عن شكري وامتناني لكل الذين تعاونوا معي خلال الفترة الماضية)».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.