سكان حديدة اليمن... بين قهر الجبابات الحوثية وجحيم الألغام

TT

سكان حديدة اليمن... بين قهر الجبابات الحوثية وجحيم الألغام

تتوزع معاناة السكان في محافظة الحديدة اليمنية بين الألغام التي زرعتها الميليشيات الحوثية في كل مكان وتردي الخدمات والجبايات التي تفرضها الجماعة الانقلابية تحت عناوين مختلفة لتزيدهم معاناة فوق معاناتهم، حيث تسبب الانقلاب وما ترتب عليه في تراجع نشاط الميناء الذي كان المصدر الأساسي لعمل الكثير من سكان المدينة كما تسببت الألغام المزروعة وسط المزارع والطرقات إلى جانب ارتفاع أسعار الديزل في تراجع الإنتاج الزراعي بشكلٍ غير مسبوق.
وتقول عبير وهي معلمة في الحديدة إن السكان استبشروا بأن إعادة تموضع القوات الحكومية من وسط المدينة وجنوبها ستنهي شبح الحرب وتعود الحياة إلى طبيعتها لكن الذي تبين أن الحوثيين كانوا قد زرعوا الألغام في جنبات الشوارع والحدائق وأماكن تنزه الناس في ساحل البحر وبين الأحياء السكنية، فتحولت المدينة إلى مصيدة من الألغام والخنادق.
وأضافت في حديثها لـ«الشرق الأوسط» أن هذه المأساة يرافقها سعي حوثي محموم لجمع الجبايات، مع تردٍ كبير في الخدمات حيث رفعت أسعار استهلاك الكيلوواط من الكهرباء من 12 ريالاً إلى 250 ريالاً وهي أسعار يصعب على معظم سكان المدينة دفعها (الدولار نحو 600 ريال).
وبالمثل يشكو محمد وهو موظف حكومي من تفاقم أزمة الوقود وسوء الأحوال المعيشية ويؤكد في حديث عبر الهاتف لـ«الشرق الأوسط» أن المحافظة تعاني بشدة جراء أزمة وقود خانقة مع ارتفاع الأسعار إلى الضعف، وكذلك في ظل أزمة في غاز الطبخ المنزلي حيث يتحكم مشرفو الحوثيين بتوزيع هذه المادة على السكان استناداً إلى إثبات الهوية وبواقع أسطوانة غاز واحدة كل ستة أسابيع، إلى جانب إطلاق يد مندوبيها على المحلات التجارية لفرض جبايات متعددة ومعها أصبح الوضع المعيشي للناس لا يطاق.
وبحسب السكان لم تكتف الميليشيات بما تفعله بهم بل منحت تجارها حق بيع خدمة الكهرباء بأسعار خيالية حيث وصل سعر الكيلوواط إلى 350 ريالاً، في ظل تكرار انقطاع خدمة الكهرباء العمومية، حيث ينعم القيادات الحوثية والميسورون بالكهرباء وحدهم في حين أن بقية السكان يعيشون في جحيم بسبب ارتفاع درجة الحرارة وتردي الأحوال المعيشية وانعدام فرص العمل بعد أن تحولت الموانئ الثلاثة من مصدر دخل إلى مواقع للمسلحين ومصدر أموال لقيادة الميليشيات والعاملين معها فقط.
ووفق ما يقوله سكان المدينة فإن صفيحة البترول عبوة 20 لتراً بلغ سعرها أكثر من30 ألف ريال في السوق السوداء التي تديرها الميليشيات في ظل أزمة خانقة وإغلاق معظم محطات شركة النفط الحكومية أمام السكان واقتصار عملها على تزويد المقاتلين الحوثيين وقادة الميليشيات بالوقود، في حين بلغ سعر أسطوانة الغاز أكثر من 15 ألف ريال في السوق السوداء.
أما في جنوب المحافظة والذي كان مسرحاً لهجمات مستمرة لميليشيات الحوثي ضد مواقع القوات المشتركة (الموالية للشرعية) طوال ثلاثة أعوام فقد كشفت عملية إعادة التموضع التي نفذتها هذه القوات عن حجم الكارثة التي خلفتها الميليشيات بزراعة آلاف الألغام.
وفي أحدث واقعة متعلقة بالواقع المأساوي لهذه الألغام، ذكرت مصادر محلية أن لغماً انفجر بثلاثة أطفال كانوا يقومون برعي الأغنام في قرية الحنجلة بمديرية حيس جنوب الحديدة، وأن الضحايا هم موسى ساويد حسين (12 عاماً)، وعادل علي حسين جماعي (10 أعوام)، ومحفوظ يوسف حسين جماعي (14 عاماً) ما أسفر عن إصابتهم بجروح خطيرة، وأن شخصاً من أبناء المنطقة يدعى سليمان علي حسين، كان بالقرب من الأطفال الثلاثة لحظة وقوع الانفجار، سارع في نقلهم إلى المستشفى الميداني في الخوخة لتلقي العلاج.
ووفق تقارير أممية فإن مديرية حيس تعد أكثر المديريات المنكوبة في الساحل الغربي بحقول وشبكات ألغام الميليشيا الحوثية، بما فيها الألغام الفردية المحرمة دولياً بموجب اتفاقية أوتاوا والتي تقضي بتفجير الألغام الفردية المزروعة والمخزنة ومحاكمة مستخدميها.
التقارير ذكرت أن ما يقرب من 120 ضحية من المدنيين سقطوا في الحديدة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي، وهو ما يمثل أعلى إجمالي ربع سنوي في المحافظة منذ أواخر عام 2020 بزيادة 65 في المائة تقريباً حيث سقط نحو 70 ضحية مدنية تم الإبلاغ عنها خلال الربع السنوي السابق.
وفي الوقت نفسه، سجلت تعز المجاورة أكثر من 140 ضحية مدنية، بزيادة أكثر من 50 في المائة 90 ضحية مدنية سجلت في الربع الأخير من السنة المنتهية، حيث سقط غالبية الضحايا المدنيين في الأسابيع الخمسة الأخيرة من الربع ذاته، في حين استمرت قيود الوصول والتحديات البيروقراطية في إعاقة الجهات الفاعلة الإنسانية عن تقديم المساعدة في اليمن.


مقالات ذات صلة

قيود حوثية جديدة تستهدف طالبات كُبرى الجامعات اليمنية

المشرق العربي طالبات جامعة صنعاء في مواجهة قيود حوثية جديدة (غيتي)

قيود حوثية جديدة تستهدف طالبات كُبرى الجامعات اليمنية

بدأت الجماعة الحوثية إجراءات جديدة لتقييد الحريات الشخصية للطالبات الجامعيات والتضييق عليهن، بالتزامن مع دعوات حقوقية لحماية اليمنيات من العنف.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ونائبه خلال استقبال المبعوث الأميركي والسفير فاجن... الاثنين (سبأ)

جهود إقليمية ودولية لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن برعاية أممية

شهدت العاصمة السعودية، الرياض، في اليومين الماضيين، حراكاً دبلوماسياً نشطاً بشأن الملف اليمني، ركَّز على الجهود الإقليمية والدولية لخفض التصعيد.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

تتزايد أعداد القتلى من قيادات الجماعة الحوثية الذين يجري تشييعهم دون الإشارة إلى أماكن سقوطهم، بالتوازي مع مقتل مشرفين حوثيين على أيدي السكان.

وضاح الجليل (عدن)
أوروبا مدنيون يرتدون زياً عسكرياً يشاركون في تدريب عسكري من قبل جنود أوكرانيين في كييف (أ.ف.ب)

تقرير: بمساعدة الحوثيين... روسيا تجند يمنيين للقتال في أوكرانيا

أفاد تقرير صحافي أن روسيا تقوم بتجنيد رجال من اليمن لإرسالهم إلى الجبهة في أوكرانيا بمساعدة من الحوثيين في اليمن.

«الشرق الأوسط» (لندن )
العالم العربي مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

فرضت الجماعة الحوثية إتاوات جديدة على الكسارات وناقلات حصى الخرسانة المسلحة، وأقدمت على ابتزاز ملاكها، واتخاذ إجراءات تعسفية؛ ما تَسَبَّب بالإضرار بقطاع البناء.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

أكدت مصر خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت، على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وسط لقاءات ومباحثات تناولت مجالات التعاون، لا سيما الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة.

تلك الزيارة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأتي تأكيداً على مساعي مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي بوتيرة أكبر ونشاط أوسع، خصوصاً في ضوء علاقات البلدين التاريخية، وكذلك حجم الاستثمارات بين البلدين الكبيرة، مشددين على أهمية التنسيق بين بلدين مهمين في المنطقة.

واستهل عبد العاطي زيارته إلى الكويت بلقاء ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح، الأحد، مؤكداً «عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوافر الإرادة السياسية لدى قيادتي البلدين من أجل تطوير العلاقات لآفاق أرحب»، مبدياً «الحرص على تعزيز التعاون والتنسيق مع دولة الكويت وزيادة وتيرته»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وأبدى الوزير المصري «تطلُّع مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، أخذاً في الحسبان ما اتخذته الحكومة المصرية من خطوات طموحة لجذب الاستثمارات، وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي»، مشدداً على «دعم مصر الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري».

وفي مايو (أيار) الماضي، قال سفير الكويت بالقاهرة، غانم صقر الغانم، في مقابلة مع «القاهرة الإخبارية» إن الاستثمارات الكويتية في مصر متشعبة بعدة مجالات، وتبلغ أكثر من 15 مليار دولار، بينها 10 مليارات دولار للقطاع الخاص.

كما اجتمع عبد العاطي مع الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي، مؤكداً «الحرص على الارتقاء بعلاقات التعاون إلى آفاق أرحب، بما يحقق طموحات ومصالح الشعبين الشقيقين»، وفق بيان ثانٍ لـ«الخارجية المصرية».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (الخارجية المصرية)

فرص استثمارية

عرض الوزير المصري «الفرص الاستثمارية العديدة التي تذخر بها مصر في شتى القطاعات، والتي يمكن للشركات الكويتية الاستفادة منها، فضلاً عن الاتفاق على تبادل الوفود الاقتصادية، وتشجيع زيادة الاستثمارات الكويتية في مصر»، مبدياً «ترحيب مصر ببحث مجالات التعاون الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة».

كما بحث الوزير المصري في لقاء مع وزيرة المالية ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، نوره الفصام، الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر بشتى القطاعات، وسط تأكيد على حرص الجانب المصري على تعزيز الاستثمارات الكويتية في مصر وإمكانية تعزيز نشاط الشركات المصرية لدعم عملية التنمية في الكويت.

ووفق خبير شؤون الخليج في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بالقاهرة، الدكتور محمد عز العرب، فإن الزيارة تحمل أبعاداً عديدة، أبرزها الحرص المصري على تطوير العلاقات المصرية العربية، ومنها العلاقات مع الكويت لأسباب ترتبط بالتوافقات المشتركة بين البلدين والتعاون ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الأمني أيضاً.

التنسيق المشترك

البعد الثاني في الزيارة مرتبط بالاستثمارات الكويتية التي تستحوذ على مكانة متميزة وسط استثمارات خليجية في مصر، وفق عز العرب، الذي لفت إلى أن الزيارة تحمل بعداً ثالثاً هاماً مرتبطاً بالتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والدولية خاصة وهناك إدراك مشترك على أولوية خفض التصعيد والتعاون الثنائي بوصفه صمام أمان للمنطقة.

تحديات المنطقة

يرى الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، طارق بروسلي، أن زيارة عبد العاطي «خطوة مهمة في إطار العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين، وتعكس عمق التفاهم والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين والشعبين الشقيقين».

وتحمل الزيارة قدراً كبيراً من الأهمية، وفق المحلل السياسي الكويتي ورئيس «المنتدى الخليجي للأمن والسلام» فهد الشليمي، خصوصاً وهي تأتي قبيل أيام من القمة الخليجية بالكويت، مطلع الشهر المقبل، وما سيتلوها من ترأس الكويت مجلس التعاون الخليجي على مدار عام، فضلاً عن تحديات كبيرة تشهدها المنطقة، لا سيما في قطاع غزة وحربها المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، الأحد، بأن أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تلقى رسالة شفهية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتعلق بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين وآخر المستجدات الإقليمية والدولية، خلال استقبال ولي العهد لوزير الخارجية المصري.

كما نوهت بأن عبد العاطي التقى رئيس الوزراء بالإنابة، و«جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين إضافة إلى بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية».

تطوير العمل الدبلوماسي

وتهدف الزيارة، وفق بروسلي، إلى «تعميق التعاون في عدة مجالات والتنسيق المشترك في المواقف على الصعيدين الإقليمي والدولي، لا سيما في قضايا فلسطين وسوريا ولبنان واليمن»، مرجحاً أن تسهم المباحثات المصرية الكويتية في «زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز الاستثمارات وزيادة التنسيق الأمني ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة».

ويعتقد بروسلي أن الزيارة «ستكون فرصة لبحث تطوير العمل الدبلوماسي، ودعم البرامج التعليمية المتبادلة بين البلدين والخروج بمذكرات تفاهم تكون سبباً في تحقيق التكامل الإقليمي، وتعزيز التعاون في ظل التحديات المشتركة بالمنطقة».

بينما يؤكد الشليمي أن الزيارة لها أهمية أيضاً على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً على مستوى تعزيز الاستثمارات، إضافة إلى أهمية التنسيق بين وقت وآخر بين البلدين، في ظل حجم المصالح المشتركة الكبيرة التي تستدعي التعاون المستمر.