خيم الغموض على الأوضاع في بوركينا فاسو أمس (الاثنين)، حين سيطر متمردون عسكريون على مبنى التلفزيون الحكومي واقتحموا مقر إقامة رئيس البلاد، وأطلقوا النيران على موكب رئاسي، وسط تضارب الأنباء حول مصير الرئيس، لينزلق البلد الفقير الواقع في غرب أفريقيا نحو محطة جديدة من عدم الاستقرار، معقداً بذلك الوضع بشكل عام في منطقة غرب أفريقيا.
وأعلن العسكريون بعد الظهر عبر التلفزيون الرسمي استيلاءهم على السلطة، مشيرين إلى أنّهم حلّوا الحكومة والبرلمان وأغلقوا حدود البلاد وعلّقوا العمل بالدستور، حسب ما أورد تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
وظهرت على شاشة التلفزيون الرسمي مجموعة من العسكريين بالبزّة المرقّطة يتوسّطهم ضابط برتبة كابتن تلا بياناً موقّعاً باسم الليفتنانت-كولونيل بول-هنري سانداوغو داميبا، رئيس «الحركة الوطنية للحماية والاستعادة» التي نفّذت الانقلاب واستولت على السلطة.
وقال البيان إنّ الجيش أطاح بالرئيس روك مارك كابوري وحلّ الحكومة والبرلمان وعلّق العمل بالدستور. وأضاف أنّ المجلس العسكري الحاكم قرّر كذلك إغلاق حدود البلاد اعتباراً من الساعة صفر (بالتوقيتين المحلّي والعالمي) من فجر الثلاثاء. ووعد البيان بأن «تعود البلاد إلى النظام الدستوري» في غضون «فترة زمنية معقولة» لم يحدّد مدّتها.
ونقلت وكالات الأنباء عن مصادر أمنية ودبلوماسية أن الرئيس كابوري وقع في قبضة المتمردين، وأنه بحوزتهم في ثكنة عسكرية بالعاصمة واغادوغو، لكن مصادر عديدة نفت الخبر رغم تداوله على نطاق واسع.
وقالت هذه المصادر إن الرئيس غادر مقر إقامته في حي بادوا بالعاصمة، قبل ساعتين من وصول المتمردين ومحاصرتهم للمكان، فيما نقلت إذاعة محلية عن أحد عناصر الحرس الشخصي للسيدة الأولى أن «وحدة من الدرك الوطني وصلت إلى مقر إقامة الرئيس، وطلبت منه مرافقتها نحو مكان آمن قبل وصول المتمردين بساعتين على الأقل».
وأكد شهود عيان أن إجراءات أمنية استثنائية وغير معهودة فرضت على ثكنة عسكرية تابعة للدرك الوطني في العاصمة، مرجحين أن يكون الرئيس موجوداً داخل الثكنة تحت حراسة عناصر الدرك، رفقة رئيس الحكومة ورئيس الجمعية الوطنية (البرلمان)، فيما لم يصدر أي تأكيد أو نفي رسمي. وتثير هذه الأنباء مخاوف الشارع في واغادوغو، من وقوع مواجهات بين الدرك والجيش، وتكريس حالة الانقسام داخل المؤسسة العسكرية في البلد الذي يعاني من تحديات أمنية عميقة، وهجمات إرهابية متكررة منذ 2015.
ووسط تضارب الأنباء، نشر الرئيس تغريدة دعا فيها المتمردين إلى التخلي عن السلاح، وقال إن «أمتنا تعيش لحظات عصيبة، ويتوجب علينا في مثل هذه اللحظات أن نحافظ على مكتسباتنا الديمقراطية... أدعو من حملوا السلاح إلى وضعه من أجل المصلحة العليا للأمة». وختم رئيس بوركينا فاسو، قائلاً إنه «من خلال الحوار والاستماع لبعضنا، يجب علينا تسوية خلافاتنا»، لكن تغريدة الرئيس لم تكشف أي معلومات حول مكان وجوده ولا وضعيته، فيما تشير المصادر إلى أن حسابه يدار من طرف خلية إعلامية تتبع لرئاسة الجمهورية، وليس من طرفه شخصياً.
وتجمهر المئات من الشباب في ساحة الأمة وسط العاصمة، ورددوا هتافات مؤيدة للجيش وتدعو إلى استقالة الرئيس وحكومته، التي يعتقدون أنها فشلت في إدارة الأزمة الأمنية في البلد، وكان المحتجون يقتربون كثيراً من بوابة الثكنة العسكرية التي يتمركز فيها المتمردون، موجهين التحية للجنود الذين يحرسون البوابة.
كما تجمع المئات من السكان أمام المحطة الطرقية في مدينة واغادوغو، حيث تعرض موكب من السيارات التابعة لرئاسة الجمهورية إلى إطلاق نار كثيف، وبقيت عدة سيارات مرمية على جنبات الطريق وآثار الرصاص وبعض الدماء واضحة في إحداها.
ولم يعرف سبب استهداف هذا الموكب ولا الجهة التي استهدفته، لكن مصادر محلية قالت إن المتمردين هم من أطلقوا عليه الرصاص بغية توقيف الرئيس الذي لم يكن موجوداً في الموكب.
وأمام تضارب الأنباء حول مصير الرئيس وكبار المسؤولين، وتصاعد التوتر في البلاد، عبرت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا «إيكواس» عن قلقها حيال الوضع ودعت إلى «التهدئة» معبرة عن تضامنها مع الرئيس روش مارك كابوري والحكومة والشعب في بوركينا فاسو. وطلبت مجموعة «إيكواس» من الجيش في بوركينا فاسو أن «يحافظ على صفته الجمهورية، وأن يتحاور مع السلطات»، وفق نص بيان صادر عن المجموعة الإقليمية مساء الأحد.
أما سفارة الولايات المتحدة فأعلنت إغلاق أبوابها، بسبب ما قالت إنه «مشاكل أمنية»، وطلبت من الرعايا الأميركيين «البقاء في مكان آمن والابتعاد عن التجمعات، والحد من التحركات إلا في حالات الضرورة القصوى، ومتابعة وسائل الإعلام للاطلاع على ما يجري».
وتعيش بوركينا فاسو منذ عدة أسابيع حالة من الاحتقان والتوتر السياسي، وخرجت مظاهرات يوم السبت الماضي، للاحتجاج على فشل الحكومة في الحد من الهجمات الإرهابية، أوقفت إثرها الشركة عشرات المحتجين. وفي مطلع يناير (كانون الثاني) الجاري اعتقلت السلطات ثمانية جنود على الأقل، وجهت إليهم تهمة «التآمر لإسقاط نظام الحكم»، وقال المدعي العام العسكري إن النيابة العامة العسكرية «تلقت السبت بلاغاً عن مشروع لزعزعة استقرار مؤسسات الجمهورية خططت له مجموعة من العسكريين».
وكشفت السلطات أن الكولونيل إيمانويل زونغرانا، هو من كان يقود محاولة الانقلاب، وهو قائد الفيلق الثاني عشر في سلاح مشاة الكوماندوس، وكان يشغل منصب قائد تجمع القوات في القطاع الغربي المنخرطة في محاربة الإرهاب في هذا البلد الذي يعاني بشكل منتظم من هجمات مسلحة.
ويتزامن هذا التوتر الأمني والسياسي مع فقدان الجيش للسيطرة على مناطق واسعة من البلاد، حيث أدت الهجمات الإرهابية إلى إغلاق أكثر من 3 آلاف مدرسة، وفق ما أعلنت السلطات، بينما تشير الأمم المتحدة إلى أن الإرهاب تسبب في نزوح أكثر من 1.4 مليون شخص داخل بوركينا فاسو، وانعدام الأمن الغذائي لأكثر من 2.8 مليون آخرين.
تمرد عسكري في بوركينا فاسو يعمّق أزمة الساحل الأفريقي
غموض حول مصير الرئيس... والانقلابيون يعلّقون العمل بالدستور
تمرد عسكري في بوركينا فاسو يعمّق أزمة الساحل الأفريقي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة