مهمات 2022 الفضائية: صواريخ عملاقة... ومحطة مدارية صينية

9 دول تستعد للمساهمة في رحلات إلى القمر

صاروخ «ناسا» العملاق لمشروع «أرتميس» لرحلات القمر
صاروخ «ناسا» العملاق لمشروع «أرتميس» لرحلات القمر
TT

مهمات 2022 الفضائية: صواريخ عملاقة... ومحطة مدارية صينية

صاروخ «ناسا» العملاق لمشروع «أرتميس» لرحلات القمر
صاروخ «ناسا» العملاق لمشروع «أرتميس» لرحلات القمر

تتابعت الرحلات الفضائية عام 2021 في استعراضات مثيرة، حتى أنها كانت كثيفة في بعض الأحيان. فقد هبطت عربتان جوالتان على سطح المريخ تتبع إحداهما طوافة تجريبية، وحلَّق مليارديران في رحلة إلى حافة الفضاء، بينما تجاوزهما ثالثٌ وحلق أكثر في المدار. بعدها، سافر ويليام شاتنر إلى الفضاء، واستمتع مليونير رابع بالإقامة في المحطة الفضائية الدولية.
لكن العروض لم تنتهِ هنا؛ لأن الصين بدأت في بناء محطتها الفضائية الخاصة التي تعتمد على صاروخٍ كبير وصل إلى الفضاء، إلا أن التحكم به خرج عن السيطرة؛ لأن جزءاً منه عاد ودخل إلى الغلاف الجوي. كما تسببت بعض الهفوات في اهتزازات غير متوقعة في المحطة الفضائية الدولية في المدار، وودعت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) كويكباً، وعادت إلى الأرض تحمل عينات منه. وعمدت الوكالة عينها إلى إطلاق بعثة جديدة مهمتها الاصطدام بكويكب آخر، لدراسة حماية البشرية من ضربات الصخور الفضائية مستقبلاً.
توقعات فضائية
بينما شهد العام الماضي كثيراً من الأحداث الفضائية الأخرى، فإنه يمكن القول إن سنة 2022 تبدو مزدحمة أيضاً.
إذن، ماذا عن التوقعات الفضائية للعام الجاري؟
> مزيد من الصواريخ العملاقة: من المتوقع أن يشهد العام الجاري إطلاق صاروخين يقلعان إلى الفضاء لأول مرة، هما نظام إقلاع الفضاء التابع لوكالة «ناسا»، ومركبة «ستارشيب» المملوكة لشركة «سبيس إكس». ويتميز كلاهما بحجمٍ كبير جداً، ويختلفان تماماً عن أي نوع آخر من الصواريخ.
صُمم نظام الإقلاع الفضائي «Space Launch System» التابع لـ«ناسا» ليؤدي دور مركبة الإطلاق بين الكواكب، ولكنه سيأتي متأخراً سنوات عن موعده الذي كان محدداً ومتجاوزاً ميزانيته الأساسية بمليارات الدولارات. وقد طور هذا الصاروخ الأحادي الاستخدام متعاقدون متخصصون في الصناعات الجوفضائية، وتبلغ كلفة الإطلاق الواحد منه حوالى ملياري دولار.
تقول «ناسا» إن برنامج «أرتميس» (Artemis program) لا يمكنه إرسال رواد الفضاء من جديد إلى القمر دون صاروخٍ عملاق. ومن المقرر أن يحمل الصاروخ في إقلاعه التجريبي غير المأهول الأول كبسولة «أوريون» في دورة حول القمر، ومن ثم يعود إلى الأرض، على أن يحصل هذا الإطلاق في مارس (آذار) أو أبريل (نيسان).
في المقابل، صممت شركة «سبايس إكس» صاروخ «ستارشيب» (Starship) القابل لإعادة الاستخدام وحده، ليشكل ركيزة أساسية لرؤية مؤسس الشركة إيلون ماسك، الهادفة لإرسال البشر إلى كوكب المريخ. تخطط الشركة أيضاً لتطوير نسخة من «ستارشيب» ستُستخدم مستقبلاً لإرسال رواد «ناسا» إلى سطح القمر. وقد أتم القسم الأعلى من الصاروخ اختبارات طيران على ارتفاعات عدة، انتهت بانفجارات كبيرة، ولم يكن النجاح حليفه إلا في اختبار واحد. وفي وقتٍ غير محدد من العام الجاري، من المتوقع أن يتزاوج نموذج تجريبي غير مأهول من «ستارشيب» مع منصة داعمة كبيرة قابلة لإعادة الاستخدام. وبعد إقلاعه من موقع إطلاق تابع لشركة «سبيس إكس» في تكساس، سيتوجه الصاروخ للدوران حول المدار قبل العودة والسقوط في البحر مقابل إحدى جزر هاواي.
مهمات القمر
> زوار كثر متوقعون على القمر: وُصف العام الماضي بأنه عام البعثات المريخية، ولكن القمر هو الوجهة الفضائية المسيطرة على الأرجح في 2022، إذ يُقدر عدد الرحلات التي تخطط لها دول وشركات خاصة للدوران حول مدار القمر أو الهبوط على سطحه بتِسع. ترعى «ناسا» خمساً من هذه البعثات، ويبدو أن مواعيد إطلاق بعضها واضح أكثر من الأخرى. فبالإضافة إلى كبسولة «أوريون» التي ستدور حول القمر وتتجه للعودة إلى الأرض، قد ينطلق قمر صناعي مصغر اسمه «كابستون» بواسطة صاروخ «روكيت لاب» من موقع إطلاق في نيوزيلندا في مارس، لدراسة مدارٍ قمري يمكن استخدامه مستقبلاً لبناء قاعدة مشتركة بين «ناسا» وأوروبا. وتتولى تنظيم 3 من هذه الرحلات المتجهة إلى سطح القمر شركات خاصة برعاية برنامج «ناسا» للخدمات التجارية للحمولة القمرية. وتهدف هذه الجهود إلى تكرار تجربة «ناسا» الناجحة في الاعتماد على شركات كـ«سبيس إكس» لنقل الحمولات ورواد الفضاء لاحقاً إلى المحطة الفضائية. ومن المتوقع أن تكون الرحلة الأولى من نصيب شركة «إنتويتيف ماشينز» في هيوستن.
وتأتي سائر الرحلات القمرية من دولٍ أخرى، كالهند التي ستحاول من جديد بعد هبوطها الفاشل على سطح القمر في صيف 2019. وصرحت روسيا بدورها بأنها تعتزم الهبوط على القمر للمرة الأولى منذ 1976، بالإضافة إلى مركبة كورية جنوبية ستدور في مدار القمر، وقد تصعد على متن صاروخ «سبيس إكس» في أغسطس (آب) على أبعد تقدير.
من جهتها، تعمل شركة «آي سبيس» اليابانية على إنزال مركبة من تطويرها تنقل حمولات متنوعة، أبرزها عربة جوالة تابعة للإمارات العربية المتحدة، على سطح القمر. ولكن تجدر الإشارة إلى أن مواعيد إطلاق وهبوط هذه الرحلات غير ثابتة، وتحددها الرياح القمرية.
محطة صينية
> استكمال المحطة الفضائية الصينية: التزمت الصين أخيراً بكلامها الذي أعلنت فيه أن برنامجها الفضائي سيتحقق وفق جدولٍ زمني محدد. لذا، إذا قالت إنها ستنهي بناء محطة «تيانغونغ» في المدار عام 2022، فهذا يعني أن حظوظ اكتمالها كبيرة جداً. وفي 2021، عمدت الصين إلى إضافة وحدة «تيانهي» الفضائية في مدار الأرض المنخفض، وأرسلت بعثتين مختلفتين من رواد الفضاء، وقد تطلق وحدتها المخبرية «وينتيان» في منتصف العام إلى المدار، لتلتحم مع «تيانهي». وفي وقتٍ لاحقٍ من 2022، قد ينضم مختبر «منغتيان» لتكملة محطة «تيانغونغ» الفضائية.
وتجدر الإشارة إلى أن وحدتي «وينتيان» و«منغتيان» ستنطلقان على متن «لونغ مارش 5 بي»، أكبر صاروخ صنعته الصين حتى اليوم.
وسبق لهذا الصاروخ أن أذهل العالم في مايو (أيار) الماضي، عندما سجل انطلاقة خارجة عن السيطرة إلى غلاف الأرض الجوي، معززاً بذلك احتمالاً مستبعداً ولكن غير مستحيل، بالتسبب في الأضرار والإصابات عند هبوطه. صحيحٌ أن الصاروخ سقط في مياه المحيط الهندي دون التسبب في حادثة، ولكن لم يتضح بعد ما إذا كانت الصين ستغير طريقة إدارتها له، ما يعني أننا قد نعيش في عام 2022 حالتين أخريين من «أين سيسقط الصاروخ»؟
التصدي للكويكبات
درست وكالة «ناسا» كثيراً من الكويكبات عن قرب، ولكنها اليوم تخطط للاصطدام بأحدها عمداً. وقد يشهد سبتمبر (أيلول) المقبل اختبار «إعادة توجيه مزدوج» لصدم كويكب «ديمورفوس» الصغير بكويكب أكبر منه اسمه «ديدايموس».
يعتبر الاصطدام بالكويكب تكتيكاً محتملاً للدفاع عن الأرض؛ فإذا اتجهت صخرة ضخمة نحو كوكبنا، فإن بعض العلماء يعتقدون أن الرهان الأضمن للبشرية سيكون على تغيير مسار الصخرة لتجنب صدمها لنا.
وتهدف حملة «إعادة التوجيه المزدوج» إلى توفير البيانات حول فعالية هذه المقاربة. لكن كويكبات أخرى تلوح في الأفق! إذ ظهر «سايكي» (Psyche)، وهو جسمٌ ضخم في حزام الكويكبات الممتد بين المريخ والمشتري، مكون بمعظمه من الحديد وأنواع أخرى من المعادن. ترجح هذه التركيبة أن «سايكي» شكل في بداية حياة النظام الشمسي نواة جسمٍ فشل في التحول إلى كوكب. وتخطط «ناسا» لإطلاق بعثة سُميت تيمناً بهذا الجسم الصيف المقبل، على متن صاروخ «فالكون هيفي» من إنتاج «سبيس إكس»، تصل إلى وجهتها بحسب جدولها الزمني عام 2026، لتوفر للعلماء أول نظرة قريبة على هذا العالم المعدني الغريب.
* خدمة «نيويورك تايمز»


 


مقالات ذات صلة

«بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

عالم الاعمال «بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

«بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

تعود فعالية الأمن السيبراني الأبرز عالمياً «بلاك هات» في نسختها الثالثة إلى «مركز الرياض للمعارض والمؤتمرات» ببلدة ملهم شمال العاصمة السعودية الرياض.

تكنولوجيا «غوغل» تطلق النسخة الأولية من آندرويد 16 للمطورين مع ميزات جديدة لتعزيز الخصوصية ومشاركة البيانات الصحية (غوغل)

«غوغل» تطلق النسخة الأولية من آندرويد 16 للمطورين مع ميزات جديدة

أطلقت «غوغل» النسخة التجريبية الأولية من آندرويد 16 للمطورين، وهي خطوة تمهد الطريق للتحديثات الكبيرة المقبلة في هذا النظام.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
تكنولوجيا «أبل» تؤكد مشكلة اختفاء الملاحظات بسبب خلل بمزامنة (iCloud) وتوضح خطوات استعادتها مع توقع تحديث (iOS) قريب (أبل)

اختفاء الملاحظات في أجهزة آيفون... المشكلة والحلول

وفقاً لتقرير رسمي من «أبل»، فإن المشكلة تتعلق بإعدادات مزامنة الآيكلاود (iCloud).

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
تكنولوجيا تمكنك «دورا» من تصميم مواقع ثلاثية الأبعاد مذهلة بسهولة تامة باستخدام الذكاء الاصطناعي دون الحاجة لأي معرفة برمجية (دورا)

صمم موقعك ثلاثي الأبعاد بخطوات بسيطة ودون «كود»

تتيح «دورا» للمستخدمين إنشاء مواقع مخصصة باستخدام الذكاء الاصطناعي عبر إدخال وصف نصي بسيط.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص يحول الذكاء الاصطناعي الطابعات من مجرد خدمة بسيطة إلى أداة أكثر ذكاءً واستجابة لحاجات المستخدمين (أدوبي)

خاص كيف يجعل الذكاء الاصطناعي الطابعات أكثر ذكاءً؟

تلتقي «الشرق الأوسط» الرئيسة العامة ومديرة قسم الطباعة المنزلية في شركة «إتش بي» (HP) لفهم تأثير الذكاء الاصطناعي على عمل الطابعات ومستقبلها.

نسيم رمضان (بالو ألتو - كاليفورنيا)

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية
TT

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية

«تخيل أنك بحاجة إلى إجراء عملية جراحية في غضون بضع دقائق لأنك قد لا تنجو... لا يوجد جراحون في الجوار ولكن يوجد روبوت جراحي مستقل متاح يمكنه إجراء هذا الإجراء باحتمالية عالية جداً للنجاح، هل ستغتنم الفرصة؟» هذا ما أجابني به طالب ما بعد الدكتوراه بجامعة جونز هوبكنز عبر البريد الإلكتروني، لدى سؤالي عن التطوير الجديد.

تعليم الروبوت بمقاطع فيديو للجراحة

لأول مرة في التاريخ، تمكن كيم وزملاؤه من تعليم الذكاء الاصطناعي استخدام آلة جراحة آلية لأداء مهام جراحية دقيقة، من خلال جعلها تشاهد آلاف الساعات من الإجراءات الفعلية التي تحدث في ردهات جراحية حقيقية. ويقول فريق البحث إنه تطور رائد يتجاوز حدوداً طبية محددة ويفتح الطريق لعصر جديد في الرعاية الصحية.

وفقاً لورقتهم البحثية المنشورة حديثاً، يقول الباحثون إن الذكاء الاصطناعي تمكن من تحقيق مستوى أداء مماثل لجراحي البشر دون برمجة مسبقة.

جراحة بتوظيف الروبوت

تدريب على العروض بدلاً من البرمجة

وبدلاً من محاولة برمجة الروبوت بشق الأنفس للعمل -وهو ما تقول ورقة البحث إنه فشل دائماً في الماضي- قاموا بتدريب هذا الذكاء الاصطناعي من خلال شيء يسمى التعلم بالتقليد، وهو فرع من الذكاء الاصطناعي حيث تراقب الآلة وتكرر الأفعال البشرية. سمح هذا للذكاء الاصطناعي بتعلم التسلسلات المعقدة للأفعال المطلوبة لإكمال المهام الجراحية عن طريق تقسيمها إلى مكونات حركية. وتترجم هذه المكونات إلى أفعال أبسط -مثل زوايا المفاصل ومواضعها ومساراتها- والتي يسهل فهمها وتكرارها وتكييفها أثناء الجراحة.

توظيف روبوت «دافنشي» للتدريب

استخدم كيم وزملاؤه نظام دافنشي الجراحي كأيدٍ وعيون لهذا الذكاء الاصطناعي. ولكن قبل استخدام المنصة الروبوتية الراسخة (التي يستخدمها الجراحون حالياً لإجراء عمليات دقيقة محلياً وعن بُعد) لإثبات نجاح الذكاء الاصطناعي الجديد، قاموا أيضاً بتشغيل محاكاة افتراضية. وقد سمح هذا بتكرار أسرع وتحقق من السلامة قبل تطبيق الإجراءات التي تم تعلمها على الأجهزة الفعلية.

«كل ما نحتاجه هو إدخال الصورة، ثم يجد نظام الذكاء الاصطناعي هذا الإجراء الصحيح»، كما يقول كيم. كانت روبوتات دافنشي أيضاً مصدر مقاطع الفيديو التي حللها الذكاء الاصطناعي، باستخدام أكثر من 10000 تسجيل تم التقاطها بواسطة كاميرات المعصم أثناء العمليات الجراحية التي يقودها الإنسان.

تعلّم 3 مهام جراحية

وكان الهدف تعلم ثلاث مهام جراحية: التعامل مع إبرة جراحية وتحديد موضعها، ورفع الأنسجة والتلاعب بها بعناية، والخياطة -كلها مهام معقدة تتطلب تحكماً دقيقاً وحساساً للغاية.

مكنت مجموعة البيانات واسعة النطاق هذه الذكاء الاصطناعي من تعلم الاختلافات الدقيقة بين الإجراءات الجراحية المتشابهة، مثل شدة التوتر المناسب اللازم للتعامل مع الأنسجة دون التسبب في ضرر.

تعد مقاطع الفيديو التدريبية هذه جزءاً صغيراً جداً من مستودع واسع النطاق للبيانات الجراحية. مع ما يقرب من 7000 روبوت دافنشي قيد الاستخدام في جميع أنحاء العالم، هناك مكتبة ضخمة من العروض الجراحية للمراقبة والتعلم منها، والتي يستخدمها فريق البحث الآن لتوسيع ذخيرة الذكاء الاصطناعي الجراحية لدراسة جديدة لم تُنشر بعد.

«في عملنا المتابع، والذي سنصدره قريباً، ندرس ما إذا كانت هذه النماذج يمكن أن تعمل في الإجراءات الجراحية طويلة المدى التي تنطوي على هياكل تشريحية غير مرئية»، يكتب كيم، في إشارة إلى الإجراءات الجراحية المعقدة التي تتطلب التكيف مع حالة المريض في أي وقت معين، مثل إجراء عملية جراحية على جرح داخلي خطير.

التحقق من صحة النموذج المطور

أثناء التطوير، عمل الفريق عن كثب مع الجراحين الممارسين لتقييم أداء النموذج وتقديم ملاحظات حاسمة (خاصة فيما يتعلق بالتعامل الدقيق مع الأنسجة)، والتي قام الروبوت بدمجها في عملية التعلم الخاصة به.

أخيراً، للتحقق من صحة النموذج، استخدموا مجموعة بيانات منفصلة غير مدرجة في التدريب الأولي لإنشاء محاكاة افتراضية، ما يضمن قدرة الذكاء الاصطناعي على التكيف مع السيناريوهات الجراحية الجديدة وغير المرئية قبل الشروع في اختبارها في الإجراءات المادية. أكد هذا التحقق المتبادل قدرة الروبوت على التعميم بدلاً من مجرد حفظ الإجراءات، وهو أمر بالغ الأهمية بالطبع نظراً للعدد المجهول المحتمل الذي قد ينشأ في غرفة العمليات.

جراح آلي «ذو خبرة»

كل شيء سار بشكل جميل إذ تعلم نموذج الروبوت هذه المهام إلى مستوى الجراحين ذوي الخبرة. يقول أكسل كريغر، الأستاذ المساعد في الهندسة الميكانيكية في جامعة جونز هوبكنز والمؤلف الرئيسي للدراسة، في بيان عبر البريد الإلكتروني: «إنه لأمر سحري حقاً أن يكون لدينا هذا النموذج حيث كل ما نقوم به هو تلقيمه مدخلات الكاميرا، ويمكنه التنبؤ بالحركات الروبوتية اللازمة للجراحة». «نعتقد أن هذا يمثل خطوة مهمة إلى الأمام نحو أفق جديد في مجال الروبوتات الطبية».

تطوير رائد

إن أحد مفاتيح هذا النجاح هو استخدام الحركات النسبية بدلاً من التعليمات المطلقة. ففي نظام دافنشي قد لا تنتهي الأذرع الآلية إلى حيث هي مقصودة تماماً بسبب التناقضات الطفيفة في حركة المفصل التي تتراكم على مدار عدة حركات ويمكن أن تؤدي في النهاية إلى أخطاء كبيرة -خاصة في بيئة حساسة مثل الجراحة. كان على الفريق إيجاد حل، لذا بدلاً من الاعتماد على هذه القياسات، قام بتدريب النموذج على التحرك بناءً على ما يلاحظه في الوقت الفعلي أثناء إجراء العملية.

لكن الابتكار الرئيسي هنا هو أن التعلم بالتقليد يزيل الحاجة إلى البرمجة اليدوية للحركات الفردية. قبل هذا الاختراق، كانت برمجة الروبوت للخياطة تتطلب ترميزاً يدوياً لكل حركة بالتفصيل. يقول كيم إن هذه الطريقة كانت أيضاً عرضة للخطأ وتشكل قيداً رئيسياً في تقدم الجراحة الروبوتية. إذ إنها حدت مما يمكن للروبوت فعله بسبب جهود التطوير، والافتقار إلى المرونة التي جعلت من الصعب للغاية على الروبوتات القيام بمهام جديدة.

ومع ذلك، يسمح التعلم بالتقليد للروبوت بالتكيف بسرعة مع أي شيء يمكن مشاهدته، والتعلم على غرار طالب الجراحة. «(نحن) نحتاج فقط إلى جمع بيانات التعلم التقليدي لإجراءات مختلفة، ويمكننا تدريب الروبوت على تعلمها في غضون يومين»، كما يقول كريغر. «هذا يسمح لنا بالتعجيل نحو هدف الاستقلالية مع تقليل الأخطاء الطبية وتحقيق جراحة أكثر دقة».

تقييم مدى النجاح

لقياس مدى نجاح الذكاء الاصطناعي، حدد الباحثون مقاييس الأداء الرئيسية، مثل الدقة في وضع الإبرة والاتساق في التلاعب بالأنسجة باستخدام مجموعة من البيئات الجراحية الوهمية المادية، والتي تضمنت محاكيات الأنسجة الاصطناعية والدمى الجراحية. وكانت النتائج مذهلة. يقول كريغر: «النموذج جيد جداً في تعلم الأشياء التي لم نعلمه إياها. على سبيل المثال، إذا أسقط الإبرة، فسوف يلتقطها تلقائياً ويستمر».

لا تعد هذه القدرة على التكيف مهمة فقط لمواصلة تعلم مهارات جديدة ولكنها أيضاً ضرورية للتعامل مع الأحداث غير المتوقعة في الجراحات الحية، مثل تمزق الشريان أو تغير العلامات الحيوية للمريض فجأة. بالإضافة إلى ذلك، أظهر النموذج كفاءة زمنية محسنة، ما أدى إلى تقليل وقت الانتهاء للمهام الجراحية القياسية مثل الخياطة بنحو 30 في المائة، وهو أمر واعد بشكل خاص للعمليات الحرجة من حيث الوقت.

ويتصور العلماء سيناريو حيث تساعد هذه الروبوتات الجراحين في المواقف عالية الضغط، وتعزيز قدراتهم وتقليل الخطأ البشري. سيؤثر جراحو الذكاء الاصطناعي المستقبليون بشكل كبير على توفر الرعاية الجراحية، مما يجعل التدخلات الطبية عالية الجودة متاحة لعدد أكبر.

اللوائح التنظيمية وأخلاقيات الطب

هناك أيضاً تحديات أخلاقية وتنظيمية يجب معالجتها قبل نشر مثل هذا الذكاء الاصطناعي في بيئات جراحية حقيقية دون إشراف بشري. فالقفزة نحو الروبوتات الجراحية المستقلة تثير مخاوف أخلاقية جديدة.

هناك قضية المساءلة: من سيكون مسؤولاً إذا حدثت مشكلة؟ الشركة التي صنعت الجراح الذكي؟ المهنيون الطبيون الذين يشرفون عليه (إذا كان هناك أي إشراف)؟ هناك أيضاً مسألة موافقة المريض، والتي ستتطلب تثقيف كل من الشخص الذي يخضع للجراحة والأشخاص المحيطين به حول ماهية هذا الذكاء الاصطناعي، وما الذي يمكنهم فعله بالضبط، وما هي المخاطر التي تشكلها الروبوتات مقارنة بالجراحين البشر.

يعترف كيم بأن المستقبل الآن في منطقة رمادية حيث يمكن للجميع مجرد التكهن بما يجب أن يحدث أو سيحدث. ستكون أيدي السلطات التنظيمية مشغولة، من معالجة المساءلة والمخاوف الأخلاقية عند السماح لجراحي الذكاء الاصطناعي بالعمل بشكل مستقل، إلى وضع معايير للحصول على موافقة مستنيرة من المرضى.

ولكن عند الاختيار بين إجراء عملية جراحية طارئة منقذة للحياة بواسطة جراح مستقل أو عدم تلقي العلاج لأن الجراح البشري غير متاح (مثلاً في مكان بعيد أو منطقة متخلفة)، يزعم كيم أن الخيار الأفضل واضح. يمكنني بسهولة أن أتخيل مستقبلاً قريباً حيث يبدأ الناس في اختيار روبوتات الذكاء الاصطناعي على نظرائهم من البشر - في ظل وجود دليل إحصائي على أن جراحي الذكاء الاصطناعي يعملون بأمان.

وبعيداً عن التحديات الأخلاقية والقانونية، هناك حاجة إلى المزيد من العمل لتمكين التنفيذ العملي. ستحتاج المستشفيات إلى الاستثمار في البنية الأساسية التي تدعم جراحة الروبوتات بالذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الأجهزة المادية والخبرة الفنية للتشغيل والصيانة. بالإضافة إلى ذلك، سيكون تدريب الفرق الطبية على إدارة العملية أمراً بالغ الأهمية. فالأطباء سيحتاجون إلى فهم الآلة ومتى يكون التدخل ضرورياً، وفي النهاية تحويل الجراحين البشريين من المهام الجراحية المباشرة إلى أدوار تركز على الإشراف والسلامة.

جراحات بسيطة أولاً

على المستوى العملي، يتصور الباحثون تقدماً تدريجياً، بدءاً بجراحات أبسط وأقل خطورة مثل إصلاح الفتق والتقدم تدريجياً إلى عمليات أكثر تعقيداً. سيساعد النهج التدريجي في التحقق من موثوقية الروبوت مع معالجة المخاوف التنظيمية والأخلاقية بمرور الوقت، فضلاً عن مساعدة السكان على الثقة في الذكاء الاصطناعي لإجراء العمليات الحرجة للحياة.

يقول كريغر: «ما زلنا في المراحل الأولى من فهم ما يمكن أن تحققه هذه الآلات حقاً. الهدف النهائي هو الحصول على أنظمة جراحية مستقلة تماماً وموثوقة وقابلة للتكيف وقادرة على إجراء العمليات الجراحية التي تتطلب حالياً اختصاصياً مدرباً تدريباً عالياً».

* مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً