«أنصار بيت المقدس».. مخزون «الإخوان» الاستراتيجي!

خبراء أمن مصريون أكدوا لـ {الشرق الأوسط} أن المعركة مع الإرهاب طويلة

«أنصار بيت المقدس».. مخزون «الإخوان» الاستراتيجي!
TT

«أنصار بيت المقدس».. مخزون «الإخوان» الاستراتيجي!

«أنصار بيت المقدس».. مخزون «الإخوان» الاستراتيجي!

أكد خبراء أمنيون واستراتيجيون لـ«الشرق الأوسط» أن جماعة أنصار بيت المقدس تمثل تحولا خطيرا في أسلوب الأعمال والجماعات الإرهابية التي شهدتها مصر على مدار تاريخها الحديث، لما شهدته الفترة الأخيرة من أعمال عنف وإرهاب غير مألوفة ومختلفة عما كان يحدث من عمليات إرهابية سابقة.
فقد اتسمت العمليات الإرهابية الأخيرة في مصر بانتقال ميدانها من الأطراف في سيناء إلى داخل القطر المصري في قراه ومدنه حتى وصل إلى العاصمة القاهرة، لتشهد تفجيرات انتحارية وسيارات مفخخة لم يعهدها المصريون حتى في أصعب فترات الإرهاب التي مرت بها مصر.
لذلك، أصبحت جماعة أنصار بيت المقدس، التي اعترفت بمسؤوليتها عن تلك العمليات الإرهابية، مثار جدل كبير على الأصعدة كافة، لا سيما مع تزامن نشاطها مع سقوط الرئيس المعزول محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما أثار الاتهام بوجود علاقة ما بين الجماعتين، بل ذهب البعض إلى أن جماعة أنصار بيت المقدس ما هي إلا ميليشيات تتبع القيادي الإخواني خيرت الشاطر.
ولا شك في أن هناك تساؤلات كثيرة حول جماعة بيت المقدس وحقيقتها، وهو ما نحاول البحث عن إجابات له مع الخبراء والمحللين.

الخبير الاستراتيجي اللواء عبد الرافع درويش رئيس حزب فرسان مصر، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «نقطة التحول في جماعة أنصار بيت المقدس عندما تولى الرئيس السابق محمد مرسي، حيث كان يدعمهم ويرسل لهم سيارات في سيناء، وأنهم كانوا يسعون لما يسمى غزة الكبرى التي تضم سيناء حتى العريش وغزة على مساحة الـ700 كم، ضمن الخطة الأميركية الصهيونية، ومعها بعض دول المنطقة، كبديل استعماري جديد لحل مشكلة إسرائيل، وذلك في إطار نظرية الشرق الأوسط الجديد التي كشفت عنها كوندوليزا رايس، وهو ما وافق عليه الرئيس المعزول مقابل 25 مليون دولار التي يسأل عنها أوباما الآن. ولذلك، فأنا أعد ما حدث يوم 3/7 من عام 2013 نصرا يشبه نصر 1973، لأننا استرددنا فيه سدس الأرض المصرية التي باعها (الإخوان)».
ويضيف درويش أن «ليبيا كانت المقر الرئيس لـ(الجهاد) وجماعة بيت المقدس، وكانت هناك سيارات تحمل شبابا ما بين 25 - 35 سنة من مرسى علم بمصر إلى مصراتة بليبيا لتدريبهم هناك بهدف إنشاء جيش حر على شاكلة (الجيش الحر) بسوريا ليحل محل القوات المسلحة المصرية، وتزامن ذلك مع ما قاله عاصم عبد الماجد بإنشاء شرطة في أسيوط تكون موازية لوزارة الداخلية المصرية، وذلك في إطار خطة شاملة للسيطرة على الدولة المصرية».
وأضاف أن «المشكلة بدأت في أعقاب ثورة يناير، حيث لم يكن هناك أي حزب منظم في مصر إلا جماعة الإخوان، خاصة أن الثورة كانت بلا قيادة. وتنظيم الإخوان هذا تنظيم دولي، مصروف عليه 45 مليار دولار لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير وإحداث الفوضى الخلاقة للقضاء على الجيوش العربية، لضمان عدم القدرة على الوقوف أمام إسرائيل وتحقيقا لأمنها. وتأكيدا لذلك، نرى المخطط واضحا على الخريطة العربية؛ بداية من الصومال في الجنوب، ووصولا لموريتانيا غربا حيث نجد سيطرة للإخوان المسلمين، ثم الجزائر قبل سيطرة الجيش، وبعدها المغرب نجد أن رئيس الحكومة من الإخوان المسلمين رغم أنها ملكية، ثم تونس وليبيا، كذلك من الإخوان المسلمين، ثم مصر قبل أحداث الثلاثين من يونيو (حزيران)، واليمن وسوريا، ثم العراق وبدءوا أيضا بإثارة الفتنة بين السنة والشيعة تحت اسم الهلال الشيعي الذي يجمع سوريا والعراق ولبنان وإيران. ومن الغريب أن إيران الشيعية تدعم حماس السنية لتكون هي الشوكة في ظهر مصر وتعد هي الجناح العسكري للإخوان المسلمين، وفي الوقت نفسه يعملون على خلق ما يسمى الهلال السني لإحداث الفتن والمعارك الداخلية لإنهاك الجيوش العربية».
واستطرد أن «جماعة بيت المقدس لم تجر عملية واحدة ضد إسرائيل منذ تولي (الإخوان)، وكذلك لم يحدث أي تفجير لخط الغاز المصري بسيناء أثناء حكم (الإخوان)، بينما بدأ العمل ضد القوات المسلحة المصرية عندما قرر الفريق السيسي هدم الأنفاق بيننا وبين غزة».
وعن دخول الإرهاب إلى القاهرة والمدن بعد سيناء، قال اللواء عبد الرافع درويش: «إنهم هربوا من سيناء بعد زيادة الضغط عليهم من قبل الجيش، وأصبحت آخر أوراقهم العمليات الانتحارية وتفجير النفس، وهي مؤشر على قرب نهاية هذه الجماعات الإرهابية، لأن ذلك آخر ما يمكن عمله عندهم، بعد أن فقدوا حب الحياة تحت تأثير وصولهم لمرحلة اليأس. ويجب أن نعلم أنه لا توجد دولة في العالم تستطيع أن توقف الإرهاب بنسبة 100 في المائة، لكنه سيجري تجفيف منابع الإرهاب لأقصى درجة، إلا أن المعركة ستطول لبعض الوقت، وعلى الشعب أن يقبل تحمل الخسائر ويقدم بعض التضحيات. فهذه الجماعة تحاول جر الجيش لحروب جانبية، ويبدو كأنهم هم الذين يحاربون دولة الإرهاب وليس العكس». ويشير اللواء درويش إلى «لجوء هذه الجماعة لتغيير أسلوبها بعد محاصرتها وتضييق الخناق عليها؛ حيث أصبحوا يلجأون لخطف الأشخاص وطلب الفدية للحصول على موارد كما فعلوا وخطفوا الدكتورة نادية الأنصاري أستاذ الكبد وطالبوها بفدية ثلاثة ملايين جنيه. ونحن الآن في حالة حرب، وهي تعني أن من يرفع يده بأي شيء يموت، وضرورة تحقيق العدالة الناجزة السريعة، فما دامت هناك قرائن وأدلة فلا بد من صدور أحكام سريعة. ومن ثم، لا بد لرئيس الجمهورية أن يعلن حالة الحرب بكل شروطها وقوانينها، كما أطالب الحكومة المصرية بأن تتوجه إلى حماس الذين أعلنوا الحرب ضدنا وركبوا السيارات البيضاء ذات الدفع الرباعي وعليها علامة (الإخوان)، لترى هؤلاء الناس وتضربهم هناك قبل أن أنتظر ليأتوا ويضربوا أولادنا، كما فعل أنور السادات في معمر القذافي عندما شتم مصر وأعلن الحرب علينا، فأرسل إليه طائرات تضربه، وساعتها قال السادات: (ولادي يؤدبون الولد المجنون اللي هناك)، قاصدا القذافي دون أن تعترض دولة واحدة في العالم. فجماعة بيت المقدس تغيرت 180 درجة وتحولت من مقاومة الاحتلال ونصرة بيت المقدس إلى محاربة مصر».
من ناحية أخرى، كشف القيادي الإخواني المنشق أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، لـ«الشرق الأوسط»، عن أن «أنصار بيت المقدس» جماعة ناتجة عن تزاوج بين مائة عنصر من عناصر ألوية الناصر صلاح الدين وعناصر جماعة التوحيد والجهاد التي كانت تدعى سابقا «التكفير والجهاد».
وأوضح أن «(ألوية صلاح الدين) كانت تستهدف إسرائيل وتطلق الصواريخ عليه، حتى دخلت حماس في التهدئة مع الإسرائيليين وتحفظت كيانات كانت تمارس المقاومة ومنها (ألوية الناصر صلاح الدين)، حيث خرج منها 100 عنصر اعترضوا على التهدئة وقرروا نقل المعركة من غزة إلى سيناء، وتسللوا إليها ليرتبطوا بجماعة التوحيد والجهاد التي غيرت وجهتها من التكفير للتوحيد أثناء وجود بعضهم داخل السجون في أعقاب حادث طابا وشرم الشيخ عام 2004، وعندما تلاقيا معا كونا جماعة أنصار بيت المقدس التي تنتمي إليها (كتائب الفرقان) إحدى أذرعها التي تمارس العنف بتقنيات أعلى، من خلال استخدام أسلحة الـ(آر بي جي) والطائرات، وهي التي استهدفت محطة القمر الصناعي بمنطقة المعادي في القاهرة».
وحول طبيعة العلاقة بين «أنصار بيت المقدس» وجماعة الإخوان، أوضح أحمد بان أنه «بصرف النظر عن وجود صلات عضوية صارمة وواضحة بين (أنصار بيت المقدس) و(الإخوان)، أو أن الأمر لا يعدو كونه شكلا من أشكال تلاق للمصالح بينهما في إسقاط الدولة المصرية - إلا أننا نرى أن حجم عمليات (بيت المقدس) أكبر من قدراتها كتنظيم، ليس فقط في العنصر البشري أو الأسلحة المستخدمة، وإنما هناك مسألة أخرى تتعلق بنقل هذه الأسلحة ورصد أماكن التفجير وتحديد مواعيد العمليات، ومن ثم فإن جماعة أنصار بيت المقدس تحظى بمن يحتضنها ويساعدها في استهداف الأماكن»، وهو ما عده المنشق الإخواني أحمد بان مؤشرا على وجود تعاون بين «الإخوان» و«أنصار بيت المقدس»، في إطار عملية توزيع الأدوار، مشيرا إلى أن «جماعة الإخوان تعمل على إنهاك الجيش والشرطة من خلال المظاهرات واستنزاف مقدرات الدولة من جانب، بينما تقوم جماعة أنصار بيت المقدس بالعمليات الإرهابية ليصب كله في النهاية في صالح خطة واحدة لإنهاك وإخضاع الدولة المصرية وجيشها وكسره. وهو ليس تنظيما بالمعنى، بل يتكون من مجموعات صغيرة العدد ولا توجد بينها علاقة تنظيمية واضحة بقدر ما يوجد بينها من رابط عقدي وآيديولوجي. وفي الوقت نفسه، ينفي بان وجود علاقة مؤكدة مع حماس، مشيرا إلى أن «أعضاء بيت المقدس هم ممن انقلبوا على حماس واعترضوا على التهدئة مع الصهاينة، بدليل أن حماس ضربت مسجدا للسلفية الجهادية لتأكيد احترامها لاتفاقها مع إسرائيل».
وحول الجانب الأمني، أكد بان أن «الأجهزة الأمنية بحاجة إلى رسم خريطة معلومات محدثة، لأن التحدي الحقيقي هو اعتماد الأمن على خريطة لم يجر تحديثها، بعد أن طرأت جماعات جديدة على جماعات العنف الإسلامي». ولفت النظر إلى خطورة الدور الخفي للمخابرات الأجنبية، وخاصة الإسرائيلية، التي توجه جماعات العنف هذه تجاه تحقيق مصالحها، مؤكدا أن «الموساد» يخترق هذه الجماعات من خلال عناصر لواء المستعربين الذين دخلوا لسيناء منذ أربعين سنة واستوطنوا أرضها وعاشوا كسيناويين لهم بطاقات رقم قومي مصرية رغم علاقاتهم القوية بـ«الموساد». ويتوقع بان أن يستمر العنف لمدة عام كامل إضافي، مشيرا إلى أن العامل الحاسم في المسألة هو قدرات النظام الجديد في سحب مجموعة من الرافضين لإحداث توازن ونقص في حجم الكتلة الشعبية التي تمثل دعما معنويا لهذه الجماعات.
على صعيد آخر، قال الدكتور عمرو الشوبكي، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، لـ«الشرق الأوسط»، إن جماعة أنصار بيت المقدس جماعة تستخدم نفس تكتيك الجماعات التكفيرية المتأثرة بـ(القاعدة) في استخدامها العمليات الانتحارية، وأنها في ذلك تختلف عن العنف الذي كانت تمارسه جماعات الجهاد الذين كانوا يستهدفون النظام القائم، على عكس جماعة بيت المقدس التي تعد جزءا من حالة فلسطينية إقليمية مرتبطة بنموذج (القاعدة)، لا يتجاوز عددهم المائة من القيادات، لكنهم يستطيعون زيادة العدد من خلال توظيف المزيد وتجنيدهم بالمال أو الخطاب، وقد ساهمت الحالة الإقليمية أيضا وما يحدث في سوريا والعراق في دعم مثل هذه الجماعة».
ونفى أيضا أن تكون هناك روابط عقدية بينها وبين جماعة الإخوان، على اعتبار أن الأولى تكفيرية لا تتردد في رفع دعاوى تكفير النظم وتبرير العنف فقهيا. أما جماعة الإخوان، فهم ليسوا كذلك حتى لو مارست قياداتهم العنف نتيجة الصراع على السلطة.
وأضاف أنه «مع ذلك، فهذا لا يمنع (الإخوان) من دعمها لجماعة بيت المقدس لاعتبارات السياسة»، وقال الشوبكي إنه «في عهد مرسي، تركت جماعة أنصار بيت المقدس تمرح وتصول وتجول في سيناء، وكانت تعد ظهيرا لدعم (الإخوان)، أو لنقل إن (الإخوان) تعاملوا معها كأنها مخزون استراتيجي يمكن أن يستخدم لصالحهم لو تطلب الأمر وتركت لها حرية الحركة من خلال فتح الأبواب والمعابر. وبعد سقوط (الإخوان) والرئيس مرسي، تواصلت قيادات بمكتب الإرشاد لجماعة الإخوان بمصر مع جماعة أنصار بيت المقدس وقدموا لها دعما ماديا ومعنويا ولوجيستيا، وأصبح هناك ما يشبه التنسيق فيما بين (الإخوان) وجماعة بيت المقدس، فهما ليسا جماعة واحدة من الناحية التنظيمية، ولكنهما متقاربان من حيث التوظيف السياسي. ولا شك في أن هذه الجماعة تغلغلت نتيجة الاختراقات الأمنية خلال حكم مرسي، خاصة في شبه جزيرة سيناء، ولكن هناك تعامل أمني معها ومحاولات لمواجهتها».
وحول الخريطة الإرهابية ومدى تغيرها في المنطقة بظهور بيت المقدس في مصر، أكد الدكتور عمرو الشوبكي أن «خريطة الجماعات المتطرفة تغيرت ولو جزئيا، والدليل مظاهر العنف الذي ما زال موجودا في سيناء، وهو يختلف عما كان يقوم به تنظيم الجهاد و(الجماعة الإسلامية) من عمليات والذين انتهي عصرهم، ولذلك لا بد من رسم خريطة جديدة للجماعات المتطرفة في مصر، على أن يبدأ التأريخ لها منذ أحداث طابا عام 2004 ليتعاظم تأثيرها مع عهد الرئيس مرسي».
القيادي الإخواني المنشق خالد الزعفراني صرح لـ«الشرق الأوسط» بأن «(أنصار بيت المقدس) ما هي إلا اندماج لمجموعة من الجماعات المتطرفة التي وحدها القيادي الإخواني خيرت الشاطر للاستقراء بها»، وقال إنه «كانت هناك جماعات تكفيرية في سيناء مثل (التوحيد والجهاد) التي أسسها طبيب أسنان مصري يدعى خالد مساعد وقد قتل في مواجهات مع الشرطة وكان ضمن المشاركين في تفجيرات طابا، وقد التقى جماعة (الناجين من النار) لتكوين جماعة إرهابية في سيناء، وقد أسقطوا طائرة لمسؤول كبير في جهاز أمن الدولة بسيناء، وجرى علاجه في ألمانيا في أواخر عهد مبارك. كما كانت هناك جماعة الفرقان التكفيرية في سيناء، وهي جماعة لها نوع من الوجود في غزة وعناصرها مصريون وفلسطينيون. هذا بالإضافة إلى بعض الجماعات السلفية الجهادية التي تحمل فكر التكفير القطبي عن أتباع سيد قطب، إلى جانب بعض جماعات أهل السنة الذين كانوا يعملون كظهير فكري للجماعات التكفيرية المتطرفة، وكانت مهيأة لمدهم بأي عدد من الأفراد، ولكنهم كانوا أوشكوا على التلاشي في أواخر عهد مبارك. لكن مع ثورة يناير، عاد تيار التكفير القطبي ينتشر بسيناء والإسكندرية والدلتا، وظهروا في مختلف الأماكن، بل أصبحت لهم جمعيات مشهرة رسميا في وزارة الشؤون الاجتماعية المصرية. ثم قام خيرت الشاطر بجمع هذه الجماعات تحت اسم (أنصار بيت المقدس) لجعلهم قوة داعمة لهم. وقد ظهرت السلفية الجهادية على يد مؤسسها الفلسطيني عبد اللطيف موسى الذي كان يدرس بالإسكندرية، قبل أن يعود إلى غزة وينقلب هو وبعض أنصاره على حماس حتى طاردتهم في أحد المساجد وقتلتهم، ليهرب الباقون ويكونوا جماعة أنصار بيت المقدس فيما بعد، حيث تواصل خيرت الشاطر ومحمد الظواهري وجعل جماعة أنصار بيت المقدس كلها موحدة تحت راية (القاعدة) وبرعاية الشاطر والظواهري».
ولا شك في أن طبيعة التضاريس بسيناء ووجود الأسلحة القديمة من أيام الحروب في المنطقة ساعدا هذه الجماعات التي كادت تتلاشى حتى جاء حكم «الإخوان» وعادوا يتصدرون المشهد بكل وضوح، لدرجة أنهم حضروا اجتماع سد النهضة مع الرئيس مرسي قبل حضورهم جميعا مؤتمر دعم سوريا في أخريات عهد مرسي.
ويكشف الزعفراني لـ«الشرق الأوسط» عن أن «الرئيس مرسي أطلق يد هذه الجماعات بشكل كبير، لدرجة أن الأوامر كانت تخرج من جماعة الإخوان لـ(الحرس الجمهوري)، وكانت هناك اجتماعات يحضرها هؤلاء المتطرفون دون أن تستطيع قيادات أمنية الدخول!». وقال الزعفراني إن الرئيس مرسي وجه له الدعوة مع كرم زهدي وناجح إبراهيم في إحدى زياراته للإسكندرية، ويؤكد أنه فوجئ بأن جماعة الإخوان هي المتحكمة وأن الأجهزة الأمنية تكاد تحضر بـ«العافية»، على حد قوله.
وأوضح الزعفراني أن «الهجوم على جهاز أمن الدولة وحرق المستندات وتسريح عدد كبير من الضباط لأعمال إدارية، في الوقت الذي كان يختص فيه الجهاز بملفات العنف والتطرف، هو ما أدى إلى أن هذه الجماعات لم تعد متابعة وظهر ظهيرها الفكري على السطح، كما جرى الإفراج عن كثير من رموز التكفير. ولا شك في أن (الإخوان) أخطأوا بهذه التصرفات، فإذا كانوا يريدون احتواء الجماعات المتطرفة فما حدث هو العكس، حيث غرق (الإخوان) في أفكارهم وهو ما أدى إلى إسقاطهم».
وفي تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، أكد اللواء فؤاد علام، وكيل جهاز أمن الدولة المصري سابقا، أن «جماعة أنصار بيت المقدس وغيرها من الجماعات الإرهابية جرى تجميعها بمعرفة جماعة الإخوان في عهد مرسي، وهم يمثلون تطورا خطيرا في الجماعات المتطرفة عن الجماعات السابقة، من حيث تسليحهم وخططهم وتدريباتهم واستخدامهم السيارات المفخخة والأسلحة المتطورة والصواريخ المضادة للدبابات والطائرات واللجوء للعمليات الانتحارية، ويرجع هذا التطور النوعي في الجماعات الإرهابية إلى حكم (الإخوان)، لأنهم فتحوا قنوات مع حماس ومع التنظيمات الإرهابية في غزة ومع (القاعدة) وأفغانستان».
ويؤكد علام أن فترة الانهيار الأمني التي حدثت في ثورة يناير ولمدة أكثر من عام، حسب قوله، هي السبب في فتح الحدود وزيادة التهريب، وقال إنه «خلال عهد مرسي، كان يجري منع سلطات الأمن من اتخاذ أي إجراءات ضد الإرهابيين، كما حدث عندما أوقف العملية (نسر) في سيناء، كما ساهم غياب المعلومات وتوقف اختراقات أجهزة أمن الدولة لهذه الجماعات في زيادة استفحال خطر الإرهاب وظهور جماعات مثل بيت المقدس وغيرها، لأنها ليست وحدها التي تمارس الإرهاب، فهناك جماعات كثيرة تحتاج لمواجهتها بمنظومة متكاملة لا تقتصر على الأمن فقط، بل تتضمن أيضا المحور السياسي والثقافي والإعلامي والديني والاجتماعي، ويأتي الجانب الأمني في النهاية، وعندما تكتمل هذه المنظومة يمكن القضاء على الإرهاب ونختصر وقتا طويلا في مواجهته، أما لو ترك الأمر للأمن فقط، فلن يقضى على جماعة أنصار بيت المقدس وغيرها، وربما ستزداد الحالة سوءا».



فلسطينيون ظلوا بلا عائلة... وعائلات كاملة شُطبت من السجل المدني

TT

فلسطينيون ظلوا بلا عائلة... وعائلات كاملة شُطبت من السجل المدني

جنازة جماعية في 7 مارس 2024 لـ47 فلسطينياً قتلتهم إسرائيل في رفح (أ.ف.ب)
جنازة جماعية في 7 مارس 2024 لـ47 فلسطينياً قتلتهم إسرائيل في رفح (أ.ف.ب)

216 ليس مجرد رقم عادي بالنسبة لعائلة «سالم» الموزعة بين مدينة غزة وشمالها. فهذا هو عدد الأفراد الذين فقدتهم العائلة من الأبناء والأسر الكاملة، (أب وأم وأبنائهما) وأصبحوا بذلك خارج السجل المدني، شأنهم شأن مئات العائلات الأخرى التي أخرجتها الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ عام.

سماهر سالم (33 عاماً) من سكان حي الشيخ رضوان، فقدت والدتها وشقيقها الأكبر واثنتين من شقيقاتها و6 من أبنائهم، إلى جانب ما لا يقل عن 60 آخرين من أعمامها وأبنائهم، ولا تعرف اليوم كيف تصف الوحدة التي تشعر بها ووجع الفقد الذي تعمق وأصبح بطعم العلقم، بعدما اختطفت الحرب أيضاً نجلها الأكبر.

وقالت سالم لـ«الشرق الأوسط»: «أقول أحياناً إنني وسط كابوس ولا أصدق ما جرى».

وقصفت إسرائيل منزل سالم وآخرين من عائلتها في 11 ديسمبر (كانون الأول) 2023، وهو يوم حفر في عقلها وقلبها بالدم والألم.

رجل يواسي سيدة في دفن أفراد من عائلتهما في خان يونس في 2 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

تتذكر سالم لحظة غيرت كل شيء في حياتها، وهي عندما بدأت تدرك أنها فقدت والدتها وشقيقاتها وأولادهن. «مثل الحلم مثل الكذب... بتحس إنك مش فاهم، مش مصدق أي شي مش عارف شو بيصير». قالت سالم وأضافت: «لم أتخيل أني سأفقد أمي وأخواتي وأولادهن في لحظة واحدة. هو شيء أكبر من الحزن».

وفي غمرة الحزن، فقدت سالم ابنها البكر، وتحول الألم إلى ألم مضاعف ترجمته الأم المكلومة والباقية بعبارة واحدة مقتضبة: «ما ظل إشي».

وقتلت إسرائيل أكثر من 41 ألف فلسطيني في قطاع غزة خلال عام واحد في الحرب التي خلّفت كذلك 100 ألف جريح وآلاف المفقودين، وأوسع دمار ممكن.

وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي، بين الضحايا 16.859 طفلاً، ومنهم 171 طفلاً رضيعاً وُلدوا وقتلوا خلال الحرب، و710 عمرهم أقل من عام، و36 قضوا نتيجة المجاعة، فيما سجل عدد النساء 11.429.

إلى جانب سالم التي بقيت على قيد الحياة، نجا قلائل آخرون من العائلة بينهم معين سالم الذي فقد 7 من أشقائه وشقيقاته وأبنائهم وأحفادهم في مجزرة ارتكبت بحي الرمال بتاريخ 19 ديسمبر 2023 (بفارق 8 أيام على الجريمة الأولى)، وذلك بعد تفجير الاحتلال مبنى كانوا بداخله.

وقال سالم لـ«الشرق الأوسط»: «93 راحوا في ضربة واحدة، في ثانية واحدة، في مجزرة واحدة».

وأضاف: «دفنت بعضهم وبعضهم ما زال تحت الأنقاض. وبقيت وحدي».

وتمثل عائلة سالم واحدة من مئات العائلات التي شطبت من السجل المدني في قطاع غزة خلال الحرب بشكل كامل أو جزئي.

وبحسب إحصاءات المكتب الحكومي في قطاع غزة، فإن الجيش الإسرائيلي أباد 902 عائلة فلسطينية خلال عام واحد.

أزهار مسعود ترفع صور أفراد عائلتها التي قتلت بالكامل في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة (رويترز)

وقال المكتب الحكومي إنه في إطار استمرار جريمة الإبادة الجماعية التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي برعاية أميركية كاملة، فقد قام جيش الاحتلال بإبادة 902 عائلة فلسطينية ومسحها من السجل المدني بقتل كامل أفرادها خلال سنة من الإبادة الجماعية في قطاع غزة.

وأضاف: «كما أباد جيش الاحتلال الإسرائيلي 1364 أسرة فلسطينية قتل جميع أفرادها، ولم يتبقَّ سوى فرد واحد في الأسرة الواحدة، ومسح كذلك 3472 أسرة فلسطينية قتل جميع أفرادها ولم يتبقَّ منها سوى فردين اثنين في الأسرة الواحدة».

وأكد المكتب: «تأتي هذه الجرائم المتواصلة بحق شعبنا الفلسطيني في إطار جريمة الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي برعاية أميركية كاملة، وبمشاركة مجموعة من الدول الأوروبية والغربية التي تمد الاحتلال بالسلاح القاتل والمحرم دولياً مثل المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول».

وإذا كان بقي بعض أفراد العائلات على قيد الحياة ليرووا ألم الفقد فإن عائلات بأكملها لا تجد من يروي حكايتها.

في السابع عشر من شهر سبتمبر (أيلول) المنصرم، كانت عائلة ياسر أبو شوقة، من بين العائلات التي شطبت من السجل المدني، بعد أن قُتل برفقة زوجته وأبنائه وبناته الخمسة، إلى جانب اثنين من أشقائه وعائلتيهما بشكل كامل.

وقضت العائلة داخل منزل مكون من عدة طوابق قصفته طائرة إسرائيلية حربية أطلقت عدة صواريخ على المنزل في مخيم البريج وسط قطاع غزة.

وقال خليل أبو شوقة ابن عم العائلة لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد ما يعبر عن هذه الجريمة البشعة».

وأضاف: «كل أبناء عمي وأسرهم قتلوا بلا ذنب. وذهبوا مرة واحدة. شيء لا يصدق».

الصحافيون والعقاب الجماعي

طال القتل العمد عوائل صحافيين بشكل خاص، فبعد قتل الجيش الإسرائيلي هائل النجار (43 عاماً) في شهر مايو (أيار) الماضي، قتلت إسرائيل أسرته المكونة من 6 أفراد بينهم زوجته و3 أطفال تتراوح أعمارهم بين عامين و13 عاماً.

وقال رائد النجار، شقيق زوجة هائل: «لقد كان قتلاً مع سبق الإصرار، ولا أفهم لماذا يريدون إبادة عائلة صحافي».

وقضى 174 صحافياً خلال الحرب الحالية، آخرهم الصحافية وفاء العديني وزوجها وابنتها وابنها، بعد قصف طالهم في دير البلح، وسط قطاع غزة، وهي صحافية تعمل مع عدة وسائل إعلام أجنبية.

الصحافي غازي أشرف علول يزور عائلته على شاطئ غزة وقد ولد ابنه في أثناء عمله في تغطية أخبار الموت (إ.ب.أ)

إنه القتل الجماعي الذي لا يأتي بطريق الخطأ، وإنما بدافع العقاب.

وقال محمود بصل، المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني بغزة، إن الاحتلال الإسرائيلي استخدم الانتقام وسيلة حقيقية خلال هذه الحرب، وقتل عوائل مقاتلين وسياسيين ومسؤولين حكوميين وصحافيين ونشطاء ومخاتير ووجهاء وغيرهم، في حرب شنعاء هدفها إقصاء هذه الفئات عن القيام بمهامها.

وأضاف: «العمليات الانتقامية كانت واضحة جداً، واستهداف العوائل والأسر والعمل على شطب العديد منها من السجل المدني، كان أهم ما يميز العدوان الحالي».

وأردف: «ما حدث ويحدث بحق العوائل جريمة مكتملة الأركان».