«أنصار بيت المقدس».. مخزون «الإخوان» الاستراتيجي!

خبراء أمن مصريون أكدوا لـ {الشرق الأوسط} أن المعركة مع الإرهاب طويلة

«أنصار بيت المقدس».. مخزون «الإخوان» الاستراتيجي!
TT

«أنصار بيت المقدس».. مخزون «الإخوان» الاستراتيجي!

«أنصار بيت المقدس».. مخزون «الإخوان» الاستراتيجي!

أكد خبراء أمنيون واستراتيجيون لـ«الشرق الأوسط» أن جماعة أنصار بيت المقدس تمثل تحولا خطيرا في أسلوب الأعمال والجماعات الإرهابية التي شهدتها مصر على مدار تاريخها الحديث، لما شهدته الفترة الأخيرة من أعمال عنف وإرهاب غير مألوفة ومختلفة عما كان يحدث من عمليات إرهابية سابقة.
فقد اتسمت العمليات الإرهابية الأخيرة في مصر بانتقال ميدانها من الأطراف في سيناء إلى داخل القطر المصري في قراه ومدنه حتى وصل إلى العاصمة القاهرة، لتشهد تفجيرات انتحارية وسيارات مفخخة لم يعهدها المصريون حتى في أصعب فترات الإرهاب التي مرت بها مصر.
لذلك، أصبحت جماعة أنصار بيت المقدس، التي اعترفت بمسؤوليتها عن تلك العمليات الإرهابية، مثار جدل كبير على الأصعدة كافة، لا سيما مع تزامن نشاطها مع سقوط الرئيس المعزول محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما أثار الاتهام بوجود علاقة ما بين الجماعتين، بل ذهب البعض إلى أن جماعة أنصار بيت المقدس ما هي إلا ميليشيات تتبع القيادي الإخواني خيرت الشاطر.
ولا شك في أن هناك تساؤلات كثيرة حول جماعة بيت المقدس وحقيقتها، وهو ما نحاول البحث عن إجابات له مع الخبراء والمحللين.

الخبير الاستراتيجي اللواء عبد الرافع درويش رئيس حزب فرسان مصر، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «نقطة التحول في جماعة أنصار بيت المقدس عندما تولى الرئيس السابق محمد مرسي، حيث كان يدعمهم ويرسل لهم سيارات في سيناء، وأنهم كانوا يسعون لما يسمى غزة الكبرى التي تضم سيناء حتى العريش وغزة على مساحة الـ700 كم، ضمن الخطة الأميركية الصهيونية، ومعها بعض دول المنطقة، كبديل استعماري جديد لحل مشكلة إسرائيل، وذلك في إطار نظرية الشرق الأوسط الجديد التي كشفت عنها كوندوليزا رايس، وهو ما وافق عليه الرئيس المعزول مقابل 25 مليون دولار التي يسأل عنها أوباما الآن. ولذلك، فأنا أعد ما حدث يوم 3/7 من عام 2013 نصرا يشبه نصر 1973، لأننا استرددنا فيه سدس الأرض المصرية التي باعها (الإخوان)».
ويضيف درويش أن «ليبيا كانت المقر الرئيس لـ(الجهاد) وجماعة بيت المقدس، وكانت هناك سيارات تحمل شبابا ما بين 25 - 35 سنة من مرسى علم بمصر إلى مصراتة بليبيا لتدريبهم هناك بهدف إنشاء جيش حر على شاكلة (الجيش الحر) بسوريا ليحل محل القوات المسلحة المصرية، وتزامن ذلك مع ما قاله عاصم عبد الماجد بإنشاء شرطة في أسيوط تكون موازية لوزارة الداخلية المصرية، وذلك في إطار خطة شاملة للسيطرة على الدولة المصرية».
وأضاف أن «المشكلة بدأت في أعقاب ثورة يناير، حيث لم يكن هناك أي حزب منظم في مصر إلا جماعة الإخوان، خاصة أن الثورة كانت بلا قيادة. وتنظيم الإخوان هذا تنظيم دولي، مصروف عليه 45 مليار دولار لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير وإحداث الفوضى الخلاقة للقضاء على الجيوش العربية، لضمان عدم القدرة على الوقوف أمام إسرائيل وتحقيقا لأمنها. وتأكيدا لذلك، نرى المخطط واضحا على الخريطة العربية؛ بداية من الصومال في الجنوب، ووصولا لموريتانيا غربا حيث نجد سيطرة للإخوان المسلمين، ثم الجزائر قبل سيطرة الجيش، وبعدها المغرب نجد أن رئيس الحكومة من الإخوان المسلمين رغم أنها ملكية، ثم تونس وليبيا، كذلك من الإخوان المسلمين، ثم مصر قبل أحداث الثلاثين من يونيو (حزيران)، واليمن وسوريا، ثم العراق وبدءوا أيضا بإثارة الفتنة بين السنة والشيعة تحت اسم الهلال الشيعي الذي يجمع سوريا والعراق ولبنان وإيران. ومن الغريب أن إيران الشيعية تدعم حماس السنية لتكون هي الشوكة في ظهر مصر وتعد هي الجناح العسكري للإخوان المسلمين، وفي الوقت نفسه يعملون على خلق ما يسمى الهلال السني لإحداث الفتن والمعارك الداخلية لإنهاك الجيوش العربية».
واستطرد أن «جماعة بيت المقدس لم تجر عملية واحدة ضد إسرائيل منذ تولي (الإخوان)، وكذلك لم يحدث أي تفجير لخط الغاز المصري بسيناء أثناء حكم (الإخوان)، بينما بدأ العمل ضد القوات المسلحة المصرية عندما قرر الفريق السيسي هدم الأنفاق بيننا وبين غزة».
وعن دخول الإرهاب إلى القاهرة والمدن بعد سيناء، قال اللواء عبد الرافع درويش: «إنهم هربوا من سيناء بعد زيادة الضغط عليهم من قبل الجيش، وأصبحت آخر أوراقهم العمليات الانتحارية وتفجير النفس، وهي مؤشر على قرب نهاية هذه الجماعات الإرهابية، لأن ذلك آخر ما يمكن عمله عندهم، بعد أن فقدوا حب الحياة تحت تأثير وصولهم لمرحلة اليأس. ويجب أن نعلم أنه لا توجد دولة في العالم تستطيع أن توقف الإرهاب بنسبة 100 في المائة، لكنه سيجري تجفيف منابع الإرهاب لأقصى درجة، إلا أن المعركة ستطول لبعض الوقت، وعلى الشعب أن يقبل تحمل الخسائر ويقدم بعض التضحيات. فهذه الجماعة تحاول جر الجيش لحروب جانبية، ويبدو كأنهم هم الذين يحاربون دولة الإرهاب وليس العكس». ويشير اللواء درويش إلى «لجوء هذه الجماعة لتغيير أسلوبها بعد محاصرتها وتضييق الخناق عليها؛ حيث أصبحوا يلجأون لخطف الأشخاص وطلب الفدية للحصول على موارد كما فعلوا وخطفوا الدكتورة نادية الأنصاري أستاذ الكبد وطالبوها بفدية ثلاثة ملايين جنيه. ونحن الآن في حالة حرب، وهي تعني أن من يرفع يده بأي شيء يموت، وضرورة تحقيق العدالة الناجزة السريعة، فما دامت هناك قرائن وأدلة فلا بد من صدور أحكام سريعة. ومن ثم، لا بد لرئيس الجمهورية أن يعلن حالة الحرب بكل شروطها وقوانينها، كما أطالب الحكومة المصرية بأن تتوجه إلى حماس الذين أعلنوا الحرب ضدنا وركبوا السيارات البيضاء ذات الدفع الرباعي وعليها علامة (الإخوان)، لترى هؤلاء الناس وتضربهم هناك قبل أن أنتظر ليأتوا ويضربوا أولادنا، كما فعل أنور السادات في معمر القذافي عندما شتم مصر وأعلن الحرب علينا، فأرسل إليه طائرات تضربه، وساعتها قال السادات: (ولادي يؤدبون الولد المجنون اللي هناك)، قاصدا القذافي دون أن تعترض دولة واحدة في العالم. فجماعة بيت المقدس تغيرت 180 درجة وتحولت من مقاومة الاحتلال ونصرة بيت المقدس إلى محاربة مصر».
من ناحية أخرى، كشف القيادي الإخواني المنشق أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، لـ«الشرق الأوسط»، عن أن «أنصار بيت المقدس» جماعة ناتجة عن تزاوج بين مائة عنصر من عناصر ألوية الناصر صلاح الدين وعناصر جماعة التوحيد والجهاد التي كانت تدعى سابقا «التكفير والجهاد».
وأوضح أن «(ألوية صلاح الدين) كانت تستهدف إسرائيل وتطلق الصواريخ عليه، حتى دخلت حماس في التهدئة مع الإسرائيليين وتحفظت كيانات كانت تمارس المقاومة ومنها (ألوية الناصر صلاح الدين)، حيث خرج منها 100 عنصر اعترضوا على التهدئة وقرروا نقل المعركة من غزة إلى سيناء، وتسللوا إليها ليرتبطوا بجماعة التوحيد والجهاد التي غيرت وجهتها من التكفير للتوحيد أثناء وجود بعضهم داخل السجون في أعقاب حادث طابا وشرم الشيخ عام 2004، وعندما تلاقيا معا كونا جماعة أنصار بيت المقدس التي تنتمي إليها (كتائب الفرقان) إحدى أذرعها التي تمارس العنف بتقنيات أعلى، من خلال استخدام أسلحة الـ(آر بي جي) والطائرات، وهي التي استهدفت محطة القمر الصناعي بمنطقة المعادي في القاهرة».
وحول طبيعة العلاقة بين «أنصار بيت المقدس» وجماعة الإخوان، أوضح أحمد بان أنه «بصرف النظر عن وجود صلات عضوية صارمة وواضحة بين (أنصار بيت المقدس) و(الإخوان)، أو أن الأمر لا يعدو كونه شكلا من أشكال تلاق للمصالح بينهما في إسقاط الدولة المصرية - إلا أننا نرى أن حجم عمليات (بيت المقدس) أكبر من قدراتها كتنظيم، ليس فقط في العنصر البشري أو الأسلحة المستخدمة، وإنما هناك مسألة أخرى تتعلق بنقل هذه الأسلحة ورصد أماكن التفجير وتحديد مواعيد العمليات، ومن ثم فإن جماعة أنصار بيت المقدس تحظى بمن يحتضنها ويساعدها في استهداف الأماكن»، وهو ما عده المنشق الإخواني أحمد بان مؤشرا على وجود تعاون بين «الإخوان» و«أنصار بيت المقدس»، في إطار عملية توزيع الأدوار، مشيرا إلى أن «جماعة الإخوان تعمل على إنهاك الجيش والشرطة من خلال المظاهرات واستنزاف مقدرات الدولة من جانب، بينما تقوم جماعة أنصار بيت المقدس بالعمليات الإرهابية ليصب كله في النهاية في صالح خطة واحدة لإنهاك وإخضاع الدولة المصرية وجيشها وكسره. وهو ليس تنظيما بالمعنى، بل يتكون من مجموعات صغيرة العدد ولا توجد بينها علاقة تنظيمية واضحة بقدر ما يوجد بينها من رابط عقدي وآيديولوجي. وفي الوقت نفسه، ينفي بان وجود علاقة مؤكدة مع حماس، مشيرا إلى أن «أعضاء بيت المقدس هم ممن انقلبوا على حماس واعترضوا على التهدئة مع الصهاينة، بدليل أن حماس ضربت مسجدا للسلفية الجهادية لتأكيد احترامها لاتفاقها مع إسرائيل».
وحول الجانب الأمني، أكد بان أن «الأجهزة الأمنية بحاجة إلى رسم خريطة معلومات محدثة، لأن التحدي الحقيقي هو اعتماد الأمن على خريطة لم يجر تحديثها، بعد أن طرأت جماعات جديدة على جماعات العنف الإسلامي». ولفت النظر إلى خطورة الدور الخفي للمخابرات الأجنبية، وخاصة الإسرائيلية، التي توجه جماعات العنف هذه تجاه تحقيق مصالحها، مؤكدا أن «الموساد» يخترق هذه الجماعات من خلال عناصر لواء المستعربين الذين دخلوا لسيناء منذ أربعين سنة واستوطنوا أرضها وعاشوا كسيناويين لهم بطاقات رقم قومي مصرية رغم علاقاتهم القوية بـ«الموساد». ويتوقع بان أن يستمر العنف لمدة عام كامل إضافي، مشيرا إلى أن العامل الحاسم في المسألة هو قدرات النظام الجديد في سحب مجموعة من الرافضين لإحداث توازن ونقص في حجم الكتلة الشعبية التي تمثل دعما معنويا لهذه الجماعات.
على صعيد آخر، قال الدكتور عمرو الشوبكي، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، لـ«الشرق الأوسط»، إن جماعة أنصار بيت المقدس جماعة تستخدم نفس تكتيك الجماعات التكفيرية المتأثرة بـ(القاعدة) في استخدامها العمليات الانتحارية، وأنها في ذلك تختلف عن العنف الذي كانت تمارسه جماعات الجهاد الذين كانوا يستهدفون النظام القائم، على عكس جماعة بيت المقدس التي تعد جزءا من حالة فلسطينية إقليمية مرتبطة بنموذج (القاعدة)، لا يتجاوز عددهم المائة من القيادات، لكنهم يستطيعون زيادة العدد من خلال توظيف المزيد وتجنيدهم بالمال أو الخطاب، وقد ساهمت الحالة الإقليمية أيضا وما يحدث في سوريا والعراق في دعم مثل هذه الجماعة».
ونفى أيضا أن تكون هناك روابط عقدية بينها وبين جماعة الإخوان، على اعتبار أن الأولى تكفيرية لا تتردد في رفع دعاوى تكفير النظم وتبرير العنف فقهيا. أما جماعة الإخوان، فهم ليسوا كذلك حتى لو مارست قياداتهم العنف نتيجة الصراع على السلطة.
وأضاف أنه «مع ذلك، فهذا لا يمنع (الإخوان) من دعمها لجماعة بيت المقدس لاعتبارات السياسة»، وقال الشوبكي إنه «في عهد مرسي، تركت جماعة أنصار بيت المقدس تمرح وتصول وتجول في سيناء، وكانت تعد ظهيرا لدعم (الإخوان)، أو لنقل إن (الإخوان) تعاملوا معها كأنها مخزون استراتيجي يمكن أن يستخدم لصالحهم لو تطلب الأمر وتركت لها حرية الحركة من خلال فتح الأبواب والمعابر. وبعد سقوط (الإخوان) والرئيس مرسي، تواصلت قيادات بمكتب الإرشاد لجماعة الإخوان بمصر مع جماعة أنصار بيت المقدس وقدموا لها دعما ماديا ومعنويا ولوجيستيا، وأصبح هناك ما يشبه التنسيق فيما بين (الإخوان) وجماعة بيت المقدس، فهما ليسا جماعة واحدة من الناحية التنظيمية، ولكنهما متقاربان من حيث التوظيف السياسي. ولا شك في أن هذه الجماعة تغلغلت نتيجة الاختراقات الأمنية خلال حكم مرسي، خاصة في شبه جزيرة سيناء، ولكن هناك تعامل أمني معها ومحاولات لمواجهتها».
وحول الخريطة الإرهابية ومدى تغيرها في المنطقة بظهور بيت المقدس في مصر، أكد الدكتور عمرو الشوبكي أن «خريطة الجماعات المتطرفة تغيرت ولو جزئيا، والدليل مظاهر العنف الذي ما زال موجودا في سيناء، وهو يختلف عما كان يقوم به تنظيم الجهاد و(الجماعة الإسلامية) من عمليات والذين انتهي عصرهم، ولذلك لا بد من رسم خريطة جديدة للجماعات المتطرفة في مصر، على أن يبدأ التأريخ لها منذ أحداث طابا عام 2004 ليتعاظم تأثيرها مع عهد الرئيس مرسي».
القيادي الإخواني المنشق خالد الزعفراني صرح لـ«الشرق الأوسط» بأن «(أنصار بيت المقدس) ما هي إلا اندماج لمجموعة من الجماعات المتطرفة التي وحدها القيادي الإخواني خيرت الشاطر للاستقراء بها»، وقال إنه «كانت هناك جماعات تكفيرية في سيناء مثل (التوحيد والجهاد) التي أسسها طبيب أسنان مصري يدعى خالد مساعد وقد قتل في مواجهات مع الشرطة وكان ضمن المشاركين في تفجيرات طابا، وقد التقى جماعة (الناجين من النار) لتكوين جماعة إرهابية في سيناء، وقد أسقطوا طائرة لمسؤول كبير في جهاز أمن الدولة بسيناء، وجرى علاجه في ألمانيا في أواخر عهد مبارك. كما كانت هناك جماعة الفرقان التكفيرية في سيناء، وهي جماعة لها نوع من الوجود في غزة وعناصرها مصريون وفلسطينيون. هذا بالإضافة إلى بعض الجماعات السلفية الجهادية التي تحمل فكر التكفير القطبي عن أتباع سيد قطب، إلى جانب بعض جماعات أهل السنة الذين كانوا يعملون كظهير فكري للجماعات التكفيرية المتطرفة، وكانت مهيأة لمدهم بأي عدد من الأفراد، ولكنهم كانوا أوشكوا على التلاشي في أواخر عهد مبارك. لكن مع ثورة يناير، عاد تيار التكفير القطبي ينتشر بسيناء والإسكندرية والدلتا، وظهروا في مختلف الأماكن، بل أصبحت لهم جمعيات مشهرة رسميا في وزارة الشؤون الاجتماعية المصرية. ثم قام خيرت الشاطر بجمع هذه الجماعات تحت اسم (أنصار بيت المقدس) لجعلهم قوة داعمة لهم. وقد ظهرت السلفية الجهادية على يد مؤسسها الفلسطيني عبد اللطيف موسى الذي كان يدرس بالإسكندرية، قبل أن يعود إلى غزة وينقلب هو وبعض أنصاره على حماس حتى طاردتهم في أحد المساجد وقتلتهم، ليهرب الباقون ويكونوا جماعة أنصار بيت المقدس فيما بعد، حيث تواصل خيرت الشاطر ومحمد الظواهري وجعل جماعة أنصار بيت المقدس كلها موحدة تحت راية (القاعدة) وبرعاية الشاطر والظواهري».
ولا شك في أن طبيعة التضاريس بسيناء ووجود الأسلحة القديمة من أيام الحروب في المنطقة ساعدا هذه الجماعات التي كادت تتلاشى حتى جاء حكم «الإخوان» وعادوا يتصدرون المشهد بكل وضوح، لدرجة أنهم حضروا اجتماع سد النهضة مع الرئيس مرسي قبل حضورهم جميعا مؤتمر دعم سوريا في أخريات عهد مرسي.
ويكشف الزعفراني لـ«الشرق الأوسط» عن أن «الرئيس مرسي أطلق يد هذه الجماعات بشكل كبير، لدرجة أن الأوامر كانت تخرج من جماعة الإخوان لـ(الحرس الجمهوري)، وكانت هناك اجتماعات يحضرها هؤلاء المتطرفون دون أن تستطيع قيادات أمنية الدخول!». وقال الزعفراني إن الرئيس مرسي وجه له الدعوة مع كرم زهدي وناجح إبراهيم في إحدى زياراته للإسكندرية، ويؤكد أنه فوجئ بأن جماعة الإخوان هي المتحكمة وأن الأجهزة الأمنية تكاد تحضر بـ«العافية»، على حد قوله.
وأوضح الزعفراني أن «الهجوم على جهاز أمن الدولة وحرق المستندات وتسريح عدد كبير من الضباط لأعمال إدارية، في الوقت الذي كان يختص فيه الجهاز بملفات العنف والتطرف، هو ما أدى إلى أن هذه الجماعات لم تعد متابعة وظهر ظهيرها الفكري على السطح، كما جرى الإفراج عن كثير من رموز التكفير. ولا شك في أن (الإخوان) أخطأوا بهذه التصرفات، فإذا كانوا يريدون احتواء الجماعات المتطرفة فما حدث هو العكس، حيث غرق (الإخوان) في أفكارهم وهو ما أدى إلى إسقاطهم».
وفي تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، أكد اللواء فؤاد علام، وكيل جهاز أمن الدولة المصري سابقا، أن «جماعة أنصار بيت المقدس وغيرها من الجماعات الإرهابية جرى تجميعها بمعرفة جماعة الإخوان في عهد مرسي، وهم يمثلون تطورا خطيرا في الجماعات المتطرفة عن الجماعات السابقة، من حيث تسليحهم وخططهم وتدريباتهم واستخدامهم السيارات المفخخة والأسلحة المتطورة والصواريخ المضادة للدبابات والطائرات واللجوء للعمليات الانتحارية، ويرجع هذا التطور النوعي في الجماعات الإرهابية إلى حكم (الإخوان)، لأنهم فتحوا قنوات مع حماس ومع التنظيمات الإرهابية في غزة ومع (القاعدة) وأفغانستان».
ويؤكد علام أن فترة الانهيار الأمني التي حدثت في ثورة يناير ولمدة أكثر من عام، حسب قوله، هي السبب في فتح الحدود وزيادة التهريب، وقال إنه «خلال عهد مرسي، كان يجري منع سلطات الأمن من اتخاذ أي إجراءات ضد الإرهابيين، كما حدث عندما أوقف العملية (نسر) في سيناء، كما ساهم غياب المعلومات وتوقف اختراقات أجهزة أمن الدولة لهذه الجماعات في زيادة استفحال خطر الإرهاب وظهور جماعات مثل بيت المقدس وغيرها، لأنها ليست وحدها التي تمارس الإرهاب، فهناك جماعات كثيرة تحتاج لمواجهتها بمنظومة متكاملة لا تقتصر على الأمن فقط، بل تتضمن أيضا المحور السياسي والثقافي والإعلامي والديني والاجتماعي، ويأتي الجانب الأمني في النهاية، وعندما تكتمل هذه المنظومة يمكن القضاء على الإرهاب ونختصر وقتا طويلا في مواجهته، أما لو ترك الأمر للأمن فقط، فلن يقضى على جماعة أنصار بيت المقدس وغيرها، وربما ستزداد الحالة سوءا».



واشنطن واستراتيجية الـ«لا استراتيجية» في الشرق الأوسط

بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
TT

واشنطن واستراتيجية الـ«لا استراتيجية» في الشرق الأوسط

بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)

بعد عام على هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول)، تتخبط منطقة الشرق الأوسط في موجة تصعيد مستمر، من دون أي بوادر حلحلة في الأفق. فمن الواضح أن إسرائيل مصرة على الخيارات العسكرية التصعيدية، ضاربة بعرض الحائط كل المبادرات الدولية للتهدئة، ومن الواضح أيضاً أن الولايات المتحدة وإدارة الرئيس جو بايدن، إما عاجزتان عن التأثير على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وإما غير مستعدتين لممارسة ضغوطات كافية عليه للتجاوب مع دعواتها لوقف التصعيد. هذا في وقت تعيش فيه الولايات المتحدة موسماً انتخاباً ساخناً تتمحور فيه القرارات حول كيفية تأثيرها على السباق الرئاسي.

السؤال الأبرز المطروح حالياً هو عما إذا كان هناك استراتيجية أميركية ما حيال ملف الشرق الأوسط، انطلاقاً من الحرب الدائرة منذ عام. فقد واجهت الإدارة الحالية انتقادات حادة بسبب غياب منطقة الشرق الأوسط عن لائحة أولوياتها منذ تسلم بايدن السلطة. ولكن الأمور منذ 7 أكتوبر 2023 تغيرت جذرياً.

تحدثت «الشرق الأوسط» إلى غيث العمري، المستشار السابق لفريق المفاوضات الفلسطيني خلال محادثات الوضع الدائم وكبير الباحثين في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الذي رأى أن الإدارة الأميركية سعت فعلياً إلى عدم إعطاء الأولوية لمنطقة الشرق الأوسط، وحوّلت تركيزها ومواردها إلى أولويات أخرى. ويقول العمري: «جاءت هجمات 7 أكتوبر لتفاجئ الولايات المتحدة التي لم تكن مستعدة لها، والتي افتقرت لما يلزم لمواجهة أزمة بهذا الحجم». ويرى العمري أن الولايات المتحدة اعتمدت منذ السابع من أكتوبر وحتى تاريخنا هذا على سياسة «مجزأة مبنية على رد الفعل»، مضيفاً: «إنها لم تتمكن من رسم المشهد الاستراتيجي أو ممارسة النفوذ على حلفائها الإقليميين».

امرأة تعرض صورة لجنود إسرائيليين بعد استعادتهم لموقع كفرعزّة إثر هجمات 7 أكتوبر 2023 (د.ب.أ)

تحدثت «الشرق الأوسط» أيضاً إلى جون الترمان، المسؤول السابق في وزارة الخارجية ومدير برنامج الشرق الأوسط في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية، فقال: «فشلت إدارة بايدن بالتأكيد في تحقيق العديد من أهدافها في العام الماضي، ولكن في الوقت نفسه لم تندلع حرب إقليمية كبيرة بعد». ويعرب الترمان عن «دهشته» من أنه ورغم «الإخفاقات»، فإن الولايات المتحدة «لا تزال هي النقطة المحورية للدبلوماسية الإقليمية».

وفيما تدافع إدارة بايدن عن أدائها بالقول إنها أظهرت الردع من خلال إرسال تعزيزات أميركية إلى المنطقة، إلا أن العمري يختلف مع هذه المقاربة، لافتاً إلى أن نشر هذه الأصول العسكرية ربما ساهم في المراحل المبكرة من الحرب «في ردع إيران و(حزب الله) من الانخراط في تصعيد كبير، إلا أنه فشل في ردعهما إلى جانب وكلائهما كالحوثيين من الانخراط في أنشطة خبيثة على مستوى منخفض». وأضاف: «لقد تسبب ذلك في زيادة الضغط، وأدى في النهاية إلى انتقال الحرب إلى لبنان وربما مناطق أخرى».

الدبلوماسية «هي الحل»

في خضم التصعيد، تبقى إدارة بايدن مصرة على تكرار التصريحات نفسها من أن الحل الدبلوماسي هو الحل الوحيد، محذرة من توسع رقعة الصراع في المنطقة. وعن ذلك يقول الترمان إن بايدن يريد حلولاً دبلوماسية؛ «لأن الحلول العسكرية تتطلب هزيمة شاملة لأحد الأطراف. ونظراً للرّهانات العالية لكلا الجانبين، فإن الحل العسكري بعيد المنال، وسينجم عنه المزيد من الموت والدمار أكثر بكثير مما شهدناه حتى الآن».

أما العمري فيرى أن التركيز على الدبلوماسية هو أمر مناسب؛ لأنه «في نهاية المطاف، تنتهي الحروب وستكون هناك حاجة إلى حل دبلوماسي»، مضيفاً: «عندما يأتي (اليوم التالي)، يجب أن تكون الأسس لترتيبات دبلوماسية جاهزة».

إلا أن العمري يحذر في الوقت نفسه من أن الدبلوماسية وحدها غير كافية إذا لم تكن مدعومة بقوة واضحة، بما في ذلك القوة العسكرية، ويفسر ذلك قائلاً: «إذا لم تتمكن الولايات المتحدة من إقناع خصومها بأنها مستعدة لاستخدام قوتها لإيذائهم، وحلفائها بأنها مستعدة لفعل ما يلزم لمساعدتهم، فإن نفوذها تجاه الطرفين سيكون محدوداً».

تجميد الأسلحة لإسرائيل

سقوط أعداد هائلة من المدنيين في حربي غزة ولبنان منذ بدء العمليات الإسرائيلية للرد على هجمات 7 أكتوبر 2023، دفع الكثيرين إلى دعوة بايدن لوضع قيود على الأسلحة الأميركية لإسرائيل، بهدف ممارسة نوع من الضغوط على نتنياهو لوقف التصعيد، لكن الترمان يرفض النظرة القائلة بأن تجميد الأسلحة سيمهد للحل، ويفسر قائلاً: «إذا اعتمدت إدارة بايدن هذه المقاربة، أتوقع أن يعترض الكونغرس بشدة، وقد تكون النتيجة عرضاً للضعف والهشاشة في سياسة البيت الأبيض، بدلاً من صورة تقديم حلول». ويحذّر الترمان من أن خطوة من هذا النوع من شأنها كذلك أن تدفع إسرائيل إلى «الشعور بمزيد من العزلة التي قد تولّد بالتالي شعوراً أكبر بعدم الالتزام بأي قيود».

الرئيس الأميركي جو بايدن خارجاً من البيت الأبيض ليستقل الطائرة إلى نيويورك (أ.ب)

ويوافق العمري مع هذه المقاربة، مشيراً إلى أنه «من غير الواضح أن أي وسيلة ضغط ستنجح»، فيقول: «إسرائيل تشعر بأنها مهددة وجودياً، مما يجعلها أقل استعداداً لتقبل أي تأثير خارجي». ويوفر العمري نظرة شاملة عن مقاربة الإدارة الأميركية في غزة ولبنان التي تحد من الضغوط التي ترغب في ممارستها على إسرائيل، فيفسر قائلاً: «رغم أن الولايات المتحدة غير راضية عن بعض جوانب سير الحرب، خصوصاً فيما يتعلق بالخسائر البشرية بين المدنيين، فإنها تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بعد السابع من أكتوبر». لهذا السبب يشير العمري إلى أن الولايات المتحدة تحتاج إلى تحقيق توازن في الضغط بطرق يمكن أن تغير سلوك إسرائيل «دون تقييد قدرتها على تحقيق الهدف المشروع المتمثل في هزيمة (حماس)»، مضيفاً: «هذا التوازن ليس سهلاً».

بالإضافة إلى ذلك، يذكّر العمري بطبيعة العلاقة التاريخية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي «تتجاوز القضية الإسرائيلية - الفلسطينية»، فيقول: «الولايات المتحدة تستفيد استراتيجياً من هذه العلاقة، بما في ذلك الفوائد المتعلقة بالتهديدات الإقليمية الأخرى مثل الأنشطة الإيرانية. وبذلك، فإن الولايات المتحدة لديها مصالحها الاستراتيجية الخاصة التي يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار».

أي حل في نهاية النفق

رغم التصعيد المستمر، تعمل الولايات المتحدة على بناء استراتيجية تضمن عدم خروج الأمور عن السيطرة، ودخول إيران على خط المواجهة، ويشدد العمري على أن «الأولوية الآن هي ضمان بقاء إيران خارج هذه الحرب»، مشيراً إلى أن هذا الأمر ضروري للحد من انتشار الصراع، و«لإضعاف مصداقية إيران الإقليمية ونفوذها مع وكلائها»، لكنه يرى في الوقت نفسه أنه «لا يمكن تحقيق مثل هذه النتيجة إلا إذا كانت إيران مقتنعة بأن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام العمل العسكري».

عنصران من الدفاع المدني الفلسطيني في دير البلح في غزة (أ.ف.ب)

أما الترمان الذي يؤكد ضرورة استمرار الولايات المتحدة «في تقديم مسار للمضي قدماً لجميع الأطراف»، فيحذّر من أن هذا لا يعني أنها يجب أن «تحمي الأطراف من العواقب الناجمة عن أفعالهم»، ويختم قائلاً: «هناك مفهوم يسمى (الخطر الأخلاقي)، يعني أن الناس يميلون إلى اتخاذ سلوكيات أكثر خطورة إذا اعتقدوا أن الآخرين سيحمونهم من الخسارة».