السودان: «يونيتامس» تواصل مشاوراتها للخروج من الأزمة

عشرات الضباط المتقاعدين يطالبون قيادة الجيش بالاستجابة لمطالب المحتجين

الموفد الأممي فولكر بيرتس خلال لقائه عبر الفيديو عدداً من القيادات الحزبية السودانية أمس (سونا)
الموفد الأممي فولكر بيرتس خلال لقائه عبر الفيديو عدداً من القيادات الحزبية السودانية أمس (سونا)
TT

السودان: «يونيتامس» تواصل مشاوراتها للخروج من الأزمة

الموفد الأممي فولكر بيرتس خلال لقائه عبر الفيديو عدداً من القيادات الحزبية السودانية أمس (سونا)
الموفد الأممي فولكر بيرتس خلال لقائه عبر الفيديو عدداً من القيادات الحزبية السودانية أمس (سونا)

واصلت بعثة الأمم المتحدة في السودان (يونيتامس) مشاوراتها حول عملية الانتقال السياسي والخروج من الأزمة الحالية، أمس، للأسبوع الثاني على التوالي مع القوى المعنية، فيما شن ضباط متقاعدون من رتب مختلفة هجوماً عنيفاً على القيادة العسكرية، وطالبوها بالتنحي وتسليم السلطة للمدنيين على الفور.
وأجرت «يونيتامس» مشاورات مع ممثلين عن الأجندة النسائية و«حزب الأمة الوطني» و«جيش تحرير السودان - المجلس الانتقالي» و«الحزب الاتحادي الديمقراطي» و«اللجنة المركزية لقوى الحرية والتغيير»، حيث قدم المشاركون في المشاورات اقتراحات عملية حول كيفية المضي قدماً نحو الانتقال، وطرحوا وجهات نظر بشأن نطاق عملية المشاورات ومعاييرها، بما في ذلك سبل تعزيز الدعم الدولي.
وتناول جزء كبير من المناقشات القضايا العاجلة ذات الأولوية، بما في ذلك إنهاء العنف، بالإضافة إلى معالجة أسباب الأزمة الحالية.
وأكدت «يونيتامس» أنها ستواصل الاجتماع في الأسبوع المقبل، مع الأحزاب السياسية ولجان المقاومة في دارفور ومجموعات المجتمع المدني، بما في ذلك المجموعات النسائية وعائلات شهداء الاحتجاجات الأخيرة وممثلو تجمع المهنيين والمجموعات الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام، كما سيتم إدراج الجيش وقوات الأمن في إطار المشاورات.
وستواصل «يونيتامس» توسيع نطاق المشاورات، وإشراك المجموعات من جميع ولايات السودان من أجل ضمان أن تكون العملية ملكاً للسودانيين بالفعل، بالإضافة إلى الدعوة للمشاركة الهادفة للمرأة. ويتواصل إجراء المزيد من المشاورات مع ممثلين عن النطاق الكامل للطيف السياسي والمجتمع المدني السوداني في الأسابيع المقبلة.
في هذا الوقت، حذر ضباط متقاعدون ذوو رتب عالية من احتمال استيلاء الشعب على القيادة العامة والقصر الجمهوري ومجلس الوزراء عنوة، وحملوا القيادة المسؤولية عن الانفلات الأمني والتدهور الاقتصادي والتمزق الاجتماعي الذي تعيشه البلاد منذ انقلاب أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وقال الضباط الذين تتراوح رتبهم بين فريق ولواء ورتب وسيطة وملازمين، في نداء موجه لرئيس وأعضاء السلطة العسكرية، إنهم يتابعون بـ«حسرة وألم» ما آلت إليه أوضاع البلاد، من انفلات أمني وتدهور اقتصادي وتمزق اجتماعي، وسقوط الشهداء والحروب والمجازر في غرب البلاد، واحتمالات أن تدخل تداعيات تلك الأوضاع البلاد في متاهة الضياع.
وأرجع النداء، الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، ما تعانيه البلاد إلى ممارسات القادة العسكريين، وطالبوهم بتسليم السلطة «اليوم قبل الغد» لأصحابها المدنيين الذين هم جديرون بها، باعتبار ذلك واجباً كفله لهم الدستور، وبأن يقتصر دور الجيش وفقاً للدستور في حماية الوطن والمواطنين، والدفاع عن البلاد وصونها ضد الأعداء، واستعادة أراضيه المغتصبة.
إلى ذلك، اعتذر وكيل وزارة الشباب والرياضة أيمن سيد سليم، عن قبول تكليف قائد الجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، له وزيراً للشباب والرياضة، معتبراً الأمر غير دستوري.
وقال سليم إنه فوجئ بتكليفه بمهام الوزير، من جهة غير مجلس الوزراء، «وهو أمر غير دستوري، وعليه أتقدم لكم في مجلس الوزراء، باستقالتي من أي منصب في وزارة الشباب والرياضة الاتحادية».
وتم تعيين سليم وكيلاً لوزارة الشباب الرياضة بقرار من رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك، وبعد انقلاب أكتوبر، تم تكليفه من قبل رئيس الوزراء بتسيير مهام الوزارة، قبل أن يصدر قرار قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة بتكليفه وآخرين بمهام الوزراء أول من أمس.
وأثناء ذلك تواصلت الاحتجاجات وتنوعت أشكالها في العاصمة الخرطوم، ومدن البلاد الأخرى، وأقام عدد من المساجد «صلاة الغائب» على شهداء الثورة السودانية الذين قتلوا برصاص الأجهزة الأمنية عقب صلاة الجمعة، قبل أن يخرج المصلون في مظاهرات نددت باغتيال المحتجين السلميين في عدد من أحياء العاصمة الخرطوم، وبعض مدن البلاد الأخرى، وذلك امتداداً للاحتجاجات التي ظلت تشهدها البلاد منذ الانقلاب الذي نفذه القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان 25 أكتوبر الماضي.
وقابلت الأجهزة الأمنية والعسكرية الاحتجاجات التي تطالب بإسقاط الانقلاب وتسليم السلطة للمدنيين، بعنف مفرط استخدمت فيه الرصاص الحي والمطاطي، وقنابل الغاز المدمع والصوت، والمياه الملونة، والضرب بالسياط والعصي، والدهس بالسيارات العسكرية، ما أدى لمقتل 72 شخصاً، معظمهم بالرصاص في الرأس والصدر والبطن، وإصابة 619 بينها إصابات بالغة، توفي منهم ثلاثة متأثرين بالإصابات، وذلك وفقاً لتقرير «لجنة أطباء السودان المركزية» الصادر أمس.
وأول من أمس، قدم رئيس القضاء السوداني وقضاة المحاكم العليا والاستئناف والعامة والمحاكم الجزئية، مذكرة لرئيس مجلس السيادة الانتقالي، حذروا فيها من المنعطف الخطير الذي تمر به البلاد، وأعلنوا رفضهم لحالات القتل والاعتداء على المتظاهرين، ودعوا السلطات إلى التوقف عن الاعتداءات على المواطنين، وتوعدوا باتخاذ إجراءات تكفل حماية الموطنين بموجب القانون والدستور.
وتوقف نحو مائتي وكيل نيابة عن العمل احتجاجاً على استمرار العنف وانتهاكات حقوق الإنسان، ومثلهم فعل المستشارون بوزارة العدل الذين توقفوا عن العمل ليومين احتجاجاً على العنف المفرط ضد المدنيين.



جيران الضاحية يشاركونها القلق والخوف على إيقاع الغارات الإسرائيلية

أشخاص قرب دمار سبّبه القصف الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)
أشخاص قرب دمار سبّبه القصف الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)
TT

جيران الضاحية يشاركونها القلق والخوف على إيقاع الغارات الإسرائيلية

أشخاص قرب دمار سبّبه القصف الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)
أشخاص قرب دمار سبّبه القصف الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)

«نعيش الخوف المتواصل كل ليلة»... بهذه العبارة تلخص اللبنانية جمال خ، ما تعيشه في منطقة عين الرمانة المحاذية لضاحية بيروت الجنوبية، وذلك في معرض وصف مشاعرها ومشاعر عائلتها على وقع القصف الإسرائيلي للضاحية. وعين الرمانة كما سكانها، تحمل ذكريات أليمة؛ فهي كانت منطلق الحرب الأهلية اللبنانية، ثم بقيت سنوات طويلة خط تماس مفتوحاً بين المتحاربين.

جمال لم تغادر منزلها حتى الساعة، وتصف إيقاع يومياتها قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «نسارع لتأمين احتياجاتنا قبل الظهر على وقع صوت المسيّرات، ولكن اعتباراً من الثانية بعد الظهر، نلازم المنزل خوفاً من الغارات».

وتشبه حياة جمال وعائلتها يوميّات آلاف المواطنين الذين ما زالوا يعيشون في المناطق المتاخمة للضاحية الجنوبية. وقد عاش أبناء هذه المناطق كل الحروب التي عصفت بلبنان ومآسيها، ويعيشون اليوم حرباً جديدة قد لا يكون لها تأثير مباشر عليهم لجهة التدمير، إنما لها كل التأثيرات الأخرى للحروب من خوف وقلق، وسماع دوي القصف والغارات التي تتركز خلال ساعات الليل.

أيام صعبة

وعاشت الضاحية عشرة أيام صعبة خلال الأسبوعين الماضيين، وكانت تتلقى كل ليلة تهديدات وطلبات لإخلاء الأبنية، كما نفذت فيها إسرائيل اغتيالات، استهدف أحدها أمين عام «حزب الله»، حسن نصر الله، واستهدف آخر خليفته هاشم صفي الدين، وقياديين آخرين، منهم الشيخ نبيل قاووق الذي استهدفته غارة جوية في منطقة الشياح الموازية لعين الرمانة. لكن وتيرة قصف الضاحية تراجعت منذ يوم الخميس الماضي، حيث لم تُسجل أي غارة، رغم طلب إخلاء بعض الأبنية الصادر عن الجيش الإسرائيلي.

أطفال يلاعبون قطة في شاحنة تستخدمها عائلات نزحت من الجنوب اللبناني (إ.ب.أ)

وتقول جمال: «هذه الحرب تختلف عن حرب يوليو (تموز) 2006، والواضح أن نوع السلاح المستخدم يفوق بدرجات ما كان يستعمل في عدوان تموز»، مشيرة إلى أنه «مهما كانت المنطقة المستهدفة في الضاحية الجنوبية، فإن صوت الغارة يدوّي بشكل كبير ويُحدث هزات في زجاج الأبنية في المناطق المحيطة».

وتضيف: «في السنوات الأخيرة، اعتقدنا أننا ارتحنا من رعب الحروب، إلا أننا للأسف نعيش يومياتها، وبشكل أسوأ من كل ما مرّ على لبنان سابقاً».

تهجير جديد

وكما عين الرمانة، يعيش جيران الضاحية في مناطق الحدث وبعبدا والحازمية وفرن الشباك (تسكنها أغلبية مسيحية)، القلق نفسه.

وتقول إليز، التي تعيش في عين الرمانة وتعمل في الحدث: «لا أستطيع أن أصف الشعور الذي عشناه. بيتنا يفصله خط واحد عن منطقتي الشيّاح والضاحية. وقبل أيام شنوا غارة خلف البيت، وهذا ما شكّل رعباً لنا، خصوصاً أن والدي مريض. هربنا حاملين أحلامنا ومخاوفنا وذكرياتنا». وتضيف باكية: «إنها ليست المرة الأولى التي نتهجّر فيها، ولكن هذه المرة الجرح كبير، ونشعر وكأن العودة إلى البيت لن تكون آمنة مع كل الأحداث!».

حياة مختصرة

ويجمع سكان محيط الضاحية على أن «هذه الحرب مختلفة عن كل الحروب التي مرّت بنا، ولا تقارَن حتى بحرب تموز من حيث الأصوات والخوف الذي نعيشه».

دخان بعد قصف على الضاحية الجنوبية الأسبوع الماضي (أ.ب)

وتقول برنا ن، التي تعيش في فرن الشبّاك: «بين الترقب والخوف، نتسمّر قبالة شاشة التلفاز. هذا مختصر يومياتنا». وتضيف: «التوتر والإرهاق من الخوف وعدم النوم يرافقنا منذ أسابيع، منذ بدء التطورات الميدانية التي تطول الضاحية».

أما زينة ع، التي تسكن في تحويطة فرن الشباك مع عائلتها المؤلّفة من طفلين، فتقول إن حياتها تم اختصارها بين الذهاب إلى العمل، والعودة بسرعة إلى البيت، «بعد أن أشتري ما ينقصنا سريعاً». وتتابع: «دائماً نحن مرتابون. نخاف الجلوس على الشرفات أو الخروج في المساء، وفي الليل نتناول الحبوب المهدئة علّنا نتمكن من النوم قليلاً، لكننا نفكر بأن وضعنا لا يزال أفضل من أهالي الضاحية الذين تهجّروا أو قُتلوا أو جُرحوا».

أقسى الحروب منذ 1975

في الحدث، يعيش إسكندر، الذي اختبر الحروب المتعاقبة على لبنان منذ عام 1975، ولم يترك بيته خلال تلك الحروب، لكنه بسبب تقدمه في السن، يعيش الآن حالة ترقّب وخوف وانتظار. ويقول: «نشاهد القصف وكأنه مسرح مفتوح أمامنا، لا سيما حين يستهدف القصف مناطق الليلكي وبرج البراجنة وحارة حريك».

ويصر إسكندر على عدم المغادرة. ورغم أن السكان لم يحصلوا على ضمانات، لكنه مطمئن إلى أنه «لا مخازن للأسلحة في المنطقة، ولا مراكز لـ(حزب الله)؛ لذلك يُفترض ألا نتعرّض لأي غارات».

أنقاض مبانٍ مدمرة بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت يوم 10 أكتوبر (أ.ف.ب)

إبادة جماعية

ويؤكد إسكندر، الذي عاصر كل الحروب التي مرّت على لبنان، أن «ما نعيشه اليوم هو نوع من أنواع الجنون؛ فهي ليست معركة بين جيشين، إنما عملية إبادة جماعية».

وعلى رغم قساوة المشهد في عام 1982 عندما دخل الإسرائيليون إلى بيروت وحاصروا بيروت الغربية وضواحيها، «فإن ما نعيشه اليوم هو أقسى بأشواط». ويقول: «ما يحصل اليوم هو حصار مفروض من البحر والجو... حصار مطلق على الضاحية ومحيطها».

ولا ينفي إسكندر أنه «حزين على وطني، وعلى أولادي الذين غادر آخرهم قبل أسبوع!»، ويضيف بحرقة: «لقد تشتّتت العائلة اللبنانية!». ويسأل: «ألا يوجد صوت في كل العالم يدعو إلى إيقاف هذا الجنون وهذا القتل وهذه المذبحة التي تحصل بحق لبنان؟!»، متمنياً أن يرتاح لبنان من الحروب «بعد هذا العمر والتجارب المقلقة». ويتابع: «ألا يستحق لبنان أن يتم التعامل معه من قبل الدول بشكل أفضل؟!».