الجوع يصل إلى البرلمان السوري... وقلق على «لقمة العيش» في دمشق

انتقادات لقرار الحكومة رفع أسعار الوقود

سوريون في شارع بدمشق مغطى بالثلوج أمس (أ.ف.ب)
سوريون في شارع بدمشق مغطى بالثلوج أمس (أ.ف.ب)
TT

الجوع يصل إلى البرلمان السوري... وقلق على «لقمة العيش» في دمشق

سوريون في شارع بدمشق مغطى بالثلوج أمس (أ.ف.ب)
سوريون في شارع بدمشق مغطى بالثلوج أمس (أ.ف.ب)

أعرب نائب في مجلس الشعب (البرلمان) السوري عن أن الجوع وصل إلى زملائه، في وقت ساد فيه قلق شوارع دمشق على «لقمة العيش» بسبب ارتفاع الأسعار.
وطالب النائب ناصر يوسف الناصر، عبر صفحته في «فيسبوك»، رئيس الحكومة حسين عرنوس بالاستقالة، متحدثاً عن الفساد وانتشار المعاناة والجوع والفقر بين المواطنين. وقال إنه «كمواطن؛ قبل أن يكون عضواً في مجلس الشعب، جاع أيضاً».
وبعد توجيه الحكومة العديد من الضربات الموجعة للسوريين برفع أسعار المحروقات لمرات عدة والكهرباء والخبز والدواء ومعظم المواد الأساسية، في إطار توجهها لتقليص الدعم الحكومي لتلك المواد، من أجل تخفيف العبء عن الحكومة العاجزة عن ترميم الوضع الاقتصادي المنهار، قال عرنوس خلال جلسة لمجلس الشعب (البرلمان) الأحد الماضي: «بغية محاربة الفساد في توزيع المشتقات النفطية؛ فسيتم توزيع دعم نقدي مباشر لمستحقيه بعد رفع أسعار البنزين والمازوت المدعوم ليعادل سعرها السوق العالمية».
سيدة أربعينية في دمشق، قالت لـ«الشرق الأوسط» إنها «صدمت» من تصريحات عرنوس؛ إذ إن «الناس من ضيق الحال صارت تحكي مع حالها بالبيوت والشوارع».
ولم تقتصر الصدمة على «معدمي الحال»؛ بل امتدت لتشمل «ميسوري الحال»؛ وبينهم الأسر التي لديها لاجئون أو مغتربون خارج البلاد وتصل إليها منهم حوالات بالدولار الأميركي (ما بين 100 و200 دولار شهرياً)، ويقول أحدهم لـ«الشرق الأوسط»: «ما بيحكوا شي إلا وينفذوه، وكل مرة بيرفعوا البنزين والمازوت بتولع أسعار كل شي أكثر. يعني الناس الفقيرة رح تزداد (فقر)، والماشي حالها رح تصير فقيرة من ورا قرارات الحكومة».
وصدم أنطونيو غوتيريش؛ الأمين العام للأمم المتحدة، أعضاء مجلس الأمن في تقرير قدمه مؤخراً ونشرت «الشرق الأوسط» مضمونه، بإظهار عمق المأساة السورية، ودقه ناقوس الخطر، لدى قوله إن 90 في المائة من السوريين يعيشون «في فقر»، و60 في المائة منهم يعانون من «انعدام الأمن الغذائي»، إضافة إلى أن «7.78 مليون لم يكن لديهم عدد أطباء أو مرافقة طبية مستوفية للمعايير الدنيا المقبولة عالمياً».
ورأى خبراء اقتصاديون لـ«الشرق الأوسط»، أنه في حال جرى تنفيذ تصريحات عرنوس، فإن ذلك سيؤدي إلى «موجة ارتفاع عاتية غير مسبوقة في الأسعار تجْهز أكثر على الغالبية العظمى المعدمة»؛ لأن ذلك سيزيد أكثر من تآكل القدرة الشرائية بالنسبة إليها.
وتعاني مناطق سيطرة الحكومة منذ فترة طويلة من أزمة خانقة في المحروقات بسبب سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» العربية - الكردية على حقول النفط والغاز في شمال وشمال شرقي البلاد، وصعوبة في تأمين النفط خارجياً بسبب العقوبات الأميركية.
ورفعت الحكومة السورية سعر لتر البنزين 4 مرات خلال العام الماضي. ويساوي الدولار الأميركي حالياً أكثر 3500 ليرة، بعدما كان نحو 45 ليرة قبل اندلاع الحرب المستمرة منذ أكثر من 10 سنوات.
كانت الحكومة أعلنت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، رفع أسعار الكهرباء لجميع فئات الاستهلاك المنزلي بنسبة مائة في المائة، في وقت يمر فيه عموم مناطق سيطرة الحكومة بأزمة كهرباء خانقة هي الأسوأ خلال سنوات الحرب، حيث تصل ساعات انقطاع التيار إلى ما بين 22 و23 ساعة في اليوم، بينما يغرق كثير من المناطق في الظلام ليومين متتاليين؛ وبعضها لثلاثة.
وفي كل مرة كانت الحكومة ترفع فيها أسعار الوقود تتبعها موجة ارتفاع جديدة في أسعار أغلب المواد الغذائية والخضراوات والمستلزمات المعيشية وأجور النقل، في حين لا يتجاوز الراتب الشهري للموظف الحكومي 80 ألف ليرة سورية. وتؤكد دراسات أن العائلة المكونة من 5 أفراد تحتاج في ظل الغلاء غير المسبوق إلى أكثر من مليون ونصف المليون ليرة.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.