«ألف دولار مقابل حذف اسمك من قائمة الإنتربول»... عرض جديد لمعارضين في جنوب سوريا

روسيا تقود مفاوضات جديدة في ريف درعا

شباب يجرون تسويات في محافظة درعا (درعا 24)
شباب يجرون تسويات في محافظة درعا (درعا 24)
TT

«ألف دولار مقابل حذف اسمك من قائمة الإنتربول»... عرض جديد لمعارضين في جنوب سوريا

شباب يجرون تسويات في محافظة درعا (درعا 24)
شباب يجرون تسويات في محافظة درعا (درعا 24)

اشتكى مواطنون من السويداء، جنوب سوريا، من مطالب جديدة يبثها متعاقدون من أبناء السويداء مع جهاز الأمن العسكري، بالمطالبة بدفع مبلغ ألف دولار أميركي لأحد المسؤولين في الفرع، مقابل إجراء تسوية وإبعاد الملاحَقة عن الراغب في التسوية من قبل «الإنتربول»، وذلك بعد أن طرح جهاز الأمن العسكري مؤخراً التسويات في السويداء للراغبين والمطلوبين من أبناء المدينة.
وقال ريان معروف، مدير تحرير «شبكة السويداء 24»، لـ«الشرق الأوسط»: «أجرى مطلوبون من السويداء تسوية في فرع الأمن العسكري مؤخراً، بعد أن طرح الفرع تسويات جديدة في المحافظة، وعمد أحد المتعاقدين من مدينة شهبا مع فرع الأمن العسكري، بالتنسيق مع أحد المسؤولين في الفرع بالسويداء إلى أخذ مبالغ مالية من المتقدمين لإجراء التسويات، بحسب الشخص والتهمة والملاحقات الموجودة بحقه، ووصل بعضها إلى دفع مبلغ ألف دولار أميركي من الشخص الواحد. وتلعب أيضاً العلاقات الشخصية دورها في ذلك بحسب طبيعة علاقة الراغب في التسوية مع مسؤولي الفرع، أو الوسطاء، أو قادة المجموعات المسلحة المرتبطة مع الأمن العسكري. ويدفع هؤلاء مقابل إجراء التسوية في فرع الأمن العسكري هدية للضابط المسؤول تسمى محلياً (إكرامية)، وآخر مبلغ 200 ألف ليرة سورية».
وأضاف أن «أحد أبناء السويداء الذين أجروا التسوية مؤخراً تواصل مع أحد الوسطاء لإجراء التسوية في فرع الأمن العسكري، وطلب منه الوسيط اصطحاب صور شخصية وصور عن البطاقة الشخصية التعريفية، ومبلغ ألف دولار، ثم أخذه إلى فرع الأمن العسكري. ودفع له المبلغ المطلوب، ووقع هناك على ورقة تعهد بعدم ممارسة أي أعمال خارجة عن القانون ومعادية للدولة السورية. وقال إن الإجراءات كانت بسيطة ولم تستغرق أكثر من 10 دقائق. وبالفعل أبعدت المطالب والملاحقات الأمنية التي كانت بحقه، ولكنها لم تبعد الدعاوى الجنائية ذات الحق الشخصي بوصفها غير خاصة بالعلاقة مع الدولة، وكانوا قد أخبروه سابقاً بأن هذه التسوية سوف تشطب الدعاوى الجنائية الشخصية، وأنها تمنع ملاحقته من قبل (الإنتربول الدولي)؛ خصوصاً إذا كان يرغب في السفر». وأشار إلى أن «بعض الذين أجروا التسوية سافروا خارج البلاد بعد إبعاد الملاحقات الأمنية عنهم، ولا يوجد بحقهم دعاوى شخصية، بينما لم يستطع آخرون السفر بطريقة شرعية رغم إجراء التسويات باعتبار وجود ملاحقات ودعاوى شخصية جنائية بحقهم، رغم إجرائهم التسوية، مما دفع بهم للمغادرة بطريقة غير شرعية عبر لبنان».
وعدّ التسويات التي يطرحها الوسطاء مقابل مبالغ مالية لعدم ملاحقة المطلوب من «الإنتربول»: «ليست إلا حجة ووسيلة جديدة لجباية الأموال وإقناع المطلوبين والراغبين في التسوية بدفع المبالغ المالية وبالدولار... في حين لم تطرح الحكومة السورية التسويات بشكل رسمي في السويداء، كما حدث في محافظة درعا المجاورة للسويداء، وأخذ بموجبها المتقدمون للتسوية تأجيلاً من الخدمة الإلزامية والاحتياطية في الجيش، وشطبت الملاحقات الأمنية عن كثيرين من دون دفع مبالغ مالية، بحسب الشخص وقضيته كما يحدث الآن في السويداء».
وفي درعا، استهدفت عبوة ناسفة حافلة عسكرية لـ«قوات حفظ النظام» الذين يعملون في مركز نصيب الحدودي مع الأردن، على أوتوستراد دمشق - درعا عند جسر بلدة صيدا بريف درعا الشرقي مساء الأربعاء، ما أدى إلى إصابة 12 عنصراً، نقلوا إلى المستشفى الوطني في مدينة درعا. وشهدت المنطقة بعدها انتشاراً أمنياً، وقطعت قوات للنظام الطريق لفترة من الوقت، وعثرت فرق الهندسة على عبوة ناسفة ثانية كانت قرب مكان تفجير الحافلة، وعملت على تفكيكها قبل انفجارها.
وتُعتبر المنطقة التي وقعت فيها حادثة الاستهداف منطقة أمنية، حيث يُوجَد في محيط جسر بلدة صيدا حاجز عسكري وثكنة الرادار العسكرية وتنتشر فيها الدوريات الأمنية بشكل دائم. وشهدت سابقاً المنطقة عمليات استهداف لعناصر من النظام وعناصر محلية انضمت إلى تشكيلات تابعة للنظام بعد اتفاق التسوية.
وقال ناشطون في ريف درعا الشرقي إن «الجانب الروسي عاد بمفاوضات جديدة إلى بلدة ناحتة بريف درعا الشرقي، حيث جرى مؤخراً عدة اجتماعات بينهم وبين بعض وجهاء المنطقة والمدعو إسماعيل الشكري أبرز المطلوبين للنظام السوري والجانب الروسي، ودخلت الشرطة العسكرية إلى بلدة ناحتة الأربعاء، وأجروا مفاوضات مع إسماعيل الشكري، وهو من الرافضين للتسوية مع مجموعته، ومتهم من قبل النظام بتنفيذ عمليات اغتيال لعناصر محلية، واستهداف لقوات النظام، والتبعية لتنظيم (داعش)، وتجارة المخدرات والسلاح بين درعا والسويداء».
وطالب الجانب الروسي إسماعيل الشكري «بتسليم جميع قطع السلاح التي يملكها مع سلاح مجموعته وخضوعهم للتسوية، والتوقف عن العمليات المعادية للنظام وعناصره في المنطقة». وهدده الروس بـ«الملاحقة في حال رفض الشروط المطروحة»، بينما طالب الشكري بإطلاق سراح شقيقه المعتقل، دون التأكد من الوصول إلى اتفاق نهائي بين الأطراف.
يُذكر أن مجموعة محلية مسلحة وقوات من النظام السوري نفذت في 24 نوفمبر الماضي، هجوماً عسكري على إحدى المزارع على أطراف بلدة ناحتة، كان يُوجَد فيها الشكري ومجموعته، أدت إلى مقتل اثنين من المطلوبين واعتقال شقيق الشكري، وهو مصاب، وهروب إسماعيل الشكري بعد إصابته. كما تعرض منزل الشكري إلى عدة حملات مداهمة، ثم قامت القوات المقتحمة بهدم وحرق منازل لمطلوبين بعد هروبهم من البلدة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.