«عاصفة الحزم» تنجح في قطع طرق استراتيجية لنقل السلاح

مراقبون: مقاتلو الحوثي وصالح يتبعون خط سير المهربين للتنقل والإمداد

يمني من مقاتلي الحراك الجنوبي الموالين للرئيس عبد ربه منصور هادي يرفع رمز النصر أمس (أ.ف.ب)
يمني من مقاتلي الحراك الجنوبي الموالين للرئيس عبد ربه منصور هادي يرفع رمز النصر أمس (أ.ف.ب)
TT

«عاصفة الحزم» تنجح في قطع طرق استراتيجية لنقل السلاح

يمني من مقاتلي الحراك الجنوبي الموالين للرئيس عبد ربه منصور هادي يرفع رمز النصر أمس (أ.ف.ب)
يمني من مقاتلي الحراك الجنوبي الموالين للرئيس عبد ربه منصور هادي يرفع رمز النصر أمس (أ.ف.ب)

ركز كثير من الضربات التي نفذتها طائرات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في عملية «عاصفة الحزم»، على أهداف عسكرية واستراتيجية لمواقع المتمردين الحوثيين والقوات المتحالفة معهم والموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، وتمكنت الغارات الجوية التي وقعت، أمس، من قطع طريق الإمداد للحوثيين بين محافظتي إب وتعز، حيث استهدفت الغارات جسر «نقيل سمارة» في محافظة إب، بوسط البلاد، الذي يقع في طريق يربط إب بتعز، حيث كان الدعم اللوجستي لجماعة الحوثي يصل من العاصمة صنعاء إلى تعز عبر محافظة إب، وقبل ذلك استهدف طيران التحالف طرقا كثيرة في مختلف أنحاء البلاد، وذلك لقطع طرق الإمداد عن الحوثيين، فقد تمكنت تلك الغارات من قطع الإمدادات عن الحوثيين في محافظة عدن، وذلك بقصف جسور أو عبارات صغيرة على الطريق بين تعز وعدن، ومنذ استهداف تلك الجسور، إضافة إلى الكمائن التي قامت بها المقاومة الشعبية من مسلحي القبائل، تراجعت، بصورة كبيرة، عمليات الدعم التي كانت تصل من تعز إلى عدن.
وحسب مصادر محلية يمنية لـ«الشرق الأوسط»، فقد جرى استهداف بعض الطرق التي تربط العاصمة صنعاء بمحافظتي عمران وصعدة، في شمال البلاد، وأدى استهداف هذه الطرق إلى تخفيف عمليات نقل الأسلحة وتخزينها التي كان يقوم بها الحوثيون بين صنعاء وصعدة، المعقل الرئيسي لجماعة الحوثي، كما ضربت الطائرات في عملية «عاصفة الحزم» طرقا استراتيجية كان يستخدمها المسلحون الحوثيون والقوات العسكرية المتمردة على الشرعية الدستورية، والموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، وتمتد تلك الطرق بين محافظات البيضاء وشبوة وأبين ويتجه بعضها نحو محافظة عدن.
وقالت مصادر في المقاومة اليمنية لـ«الشرق الأوسط» إن قوات التحالف منذ بدء العمليات العسكرية في 26 مارس (آذار) الماضي، وحتى اللحظة، وهي تتجنب استهداف الطرق التي يستخدمها المواطنون في تنقلاتهم وتعد استراتيجية بالنسبة لهم، غير أن الميليشيات الحوثية تتعمد استخدام هذه الطرق في عملياتها العسكرية، وأضافت المصادر أنه يلاحظ أن الجسور أو العبارات التي ضربت، كان استهدافها ضروريا لوقف تمدد الحوثيين وبالأخص باتجاه نقل أسلحة ومعدات عسكرية إلى محافظة عدن، جنوب البلاد، التي يستميت الحوثيون وقوات صالح من أجل السيطرة عليها، وتشير المصادر إلى أن الضربات حققت كثيرا من الأهداف في هذا الاتجاه، فقد أصبحت قوات الحوثيين وصالح شبه مقطعة الأوصال في المناطق التي توجد بها، فلم يعد لديها سوى محافظتين خطهما مفتوح، بشكل مباشر، هما تعز والحديدة، وغير ذلك، فالطرق مقطوعة أو مستهدفة بين تعز وإب، وتعز وعدن وأبين والبيضاء وشبوة باتجاه عدن وصنعاء وصعدة وعمران، في أقصى شمال البلاد، في الوقت الذي تمنع فيه المقاومة الشعبية الشرسة في محافظة الضالع الجنوبية، ميليشيات الحوثي وقوات صالح من العبور باتجاه مدينة عدن من اتجاه وسط البلاد.
وذكر مواطنون أنه، ومن خلال وقائع العمليات العسكرية والحرب منذ أواخر الشهر الماضي وحتى اليوم، يتبين أن الحوثيين وصالح كانوا يخططون لخوض هذه الحرب منذ فترة طويلة وكانوا يستعدون لها بكل الوسائل، وهو ما بينته عمليات تخزين الأسلحة والذخائر والمؤن في المناطق السكنية والتجارية وغيرها من المقار في محافظة عدن، التي ما زال الحوثيون يواصلون مساعيهم لإسقاطها، لكنهم يواجهون مقاومة شرسة. وبحسب ما يطرحه المواطنون، فإن ضمن الأدلة على استعداد الحوثيين لإخضاع كل المناطق اليمنية بالقوة المسلحة، ما قاموا به من استعدادات عسكرية في محافظة الحديدة واتخاذهم منازل خصوم عسكريين وسياسيين ومزارع مسؤولين كبار، مواقع لتخزين الأسلحة. وقد استهدفت غارات طائرات التحالف، اليومين الماضيين، عددا من تلك المواقع في الحديدة بغرب البلاد، ويتضح من خريطة المواجهات أن الحوثيين ومعهم حليفهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، خططوا مطولا للانقلاب على الشرعية ووضع الجميع أمام الأمر الواقع، كما يقول المواطنون الذين يؤكدون أنه لولا تدخل دول التحالف وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، في الوقت المناسب، لكانوا أحكموا قبضتهم على جنوب البلاد وابتلعوه، كما فعلوا مع العاصمة صنعاء والمحافظات الشمالية والغربية وبعض المحافظات في وسط البلاد.
وفي ضوء وقائع وتفاصيل مجريات التطورات على الساحة اليمنية خلال الأسابيع القليلة الماضية، يؤكد المراقبون أن الحوثيين ومعهم الموالون لصالح، على دراية ومعرفة بطرق غير رسمية يستخدمها المهربون للمواد المحظورة في اليمن أو تستخدمها العصابات للتنقل بين المحافظات، ولذلك يستخدمونها، حاليا، في تنقلاتهم بعد استهداف الطرق الرئيسية المعروفة للجميع، ويشير المراقبون إلى أن تلك الطرق باتت في خطة الغارات الجوية، كما سبق أن أكد المتحدث باسم قوات التحالف، العميد ركن أحمد عسيري. ويرى المراقبون أن مزيدا من الضربات الجوية، سوف تؤدي إلى عزل المجاميع الحوثية في أماكن محددة، ويمكن بعد ذلك، التعامل معهم عبر قوات برية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.