وفد أميركي في كييف لـ«تقديم الدعم بوجه الاستفزازات الروسية»

ألمانيا تتعهد بذل «كل ما في وسعنا» لضمان أمن أوكرانيا

الرئيس الأوكراني السابق بيترو بوروشينكو لدى مثوله أمام محكمة بالعاصمة كييف بتهمة الخيانة العظمى... وذلك بعد وصوله من وارسو (إ.ب.أ)
الرئيس الأوكراني السابق بيترو بوروشينكو لدى مثوله أمام محكمة بالعاصمة كييف بتهمة الخيانة العظمى... وذلك بعد وصوله من وارسو (إ.ب.أ)
TT

وفد أميركي في كييف لـ«تقديم الدعم بوجه الاستفزازات الروسية»

الرئيس الأوكراني السابق بيترو بوروشينكو لدى مثوله أمام محكمة بالعاصمة كييف بتهمة الخيانة العظمى... وذلك بعد وصوله من وارسو (إ.ب.أ)
الرئيس الأوكراني السابق بيترو بوروشينكو لدى مثوله أمام محكمة بالعاصمة كييف بتهمة الخيانة العظمى... وذلك بعد وصوله من وارسو (إ.ب.أ)

أكدت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك أمس أن بلادها ستبذل كل ما في وسعها لضمان أمن أوكرانيا، التي تزورها للمرة الأولى منذ تولت منصبها، في ظل ازدياد المخاوف من اجتياح روسي محتمل. وجاء هذا تزامناً مع وصول 7 أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي إلى أوكرانيا في زيارة رسمية تهدف «لإظهار دعمهم للبلاد بوجه التحديات الروسية».
وتأتي الزيارة الأولى للوزيرة الألمانية الجديدة إلى أوكرانيا في خضم أزمة جيوسياسية تتهم فيها دول أوروبية والولايات المتحدة الكرملين بالسعي لشن هجوم عسكري على أوكرانيا، ما من شأنه أن يشعل نزاعاً قد يزعزع استقرار القارة. وقالت في مؤتمر صحافي بعدما عقدت محادثات مع نظيرها الأوكراني دميترو كوليبا: «سنبذل كل ما في وسعنا لضمان أمن أوكرانيا. سنبذل كل ما في وسعنا لضمان أمن أوروبا». وجاءت تصريحاتها عشية لقاء مرتقب ستجريه مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في موسكو. وأضافت: «نحن مستعدون لبدء حوار جدّي مع روسيا» من أجل محاولة نزع فتيل وضع «خطير جداً» حالياً.
من جهته، قال كوليبا إنه طرح الملف الحساس حول إرسال ألمانيا الأسلحة لكييف بعدما اتّهمت هذه الأخيرة برلين في ديسمبر (كانون الأول) بعدم توريد الأسلحة الدفاعية في إطار التعاون مع حلف شمال الأطلسي. وأكّد أن «حوارنا مع ألمانيا حول هذا الموضوع سيتواصل (...) نعلم مكان وماهية الأسلحة التي نستطيع الحصول عليها. نعلم جيداً كيفية استخدامها للدفاع عن أراضينا. نعمل على ذلك يومياً والنتائج ليست بسيّئة».
بدورهم، قال أعضاء مجلس الشيوخ الذين شرعوا في زيارة إلى كييف في بيان إن زيارتهم تشمل لقاءات بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ومسؤولين آخرين «لإعادة التأكيد على دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا التي تستمر بمواجهة الاستفزازات الروسية». وأعرب السيناتور الجمهوري روب بورتمان عن «فخره بالانضمام إلى زملائه في هذه الزيارة المهمة لأوكرانيا»، مشيراً إلى أن «البلاد تستمر بالدفاع عن أراضيها ضد الاعتداءات الروسية المتزايدة وتسعى في الوقت نفسه لتطبيق إصلاحات داخلية حساسة لتعزيز ديمقراطيتها».
أما السيناتورة الديمقراطية جين شاهين فقالت إن وفد الكونغرس من الحزبين يرسل رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي مفادها بأن الولايات المتحدة تدعم بحزم شركاءها الأوكرانيين في الدفاع عن سيادتهم بوجه الاعتداءات الروسية. وتابعت شاهين: «أنا فخورة بالمشاركة في الوفد لتمثيل الولايات المتحدة في تعزيز تعهداتنا لحلفائنا الأوكرانيين ودعمهم في طموحاتهم للانضمام إلى الناتو، وأتطلع قدماً لتعزيز روابطنا فيما تتوجه البلاد نحو مستقبل مزهر داعم للديمقراطية».
وأشار الوفد الزائر إلى أن «روسيا تستمر في تحدي سيادة أوكرانيا وقيمها الديمقراطية». ورأى السيناتور الجمهوري كيفين كرايمر أن هذا «غير مقبول» مؤكداً ضرورة إعادة التشديد على الدعم الأميركي لأوكرانيا بوجه هذه الاعتداءات، وأضاف: «وفدنا من الحزبين يظهر لفلاديمير بوتين الموقف الأميركي ويرسل رسالة واضحة بوقوفنا إلى جانب أوكرانيا».
أما السيناتور الديمقراطي ريتشارد بلومنثال، فقد أشار إلى أن هدف الزيارة هو تقييم طبيعة الدعم الأميركي الذي تحتاجه أوكرانيا لردع أي اجتياح روسي فقال إن «الهجمات السيبرانية الروسية الأخيرة تظهر الحاجة لتحرك قوي الآن يتضمن دعماً عسكرياً قوياً وعقوبات قاسية والتعاون مع حلفاء الناتو»، وأضاف بلومنثال أنه «في هذه اللحظة التاريخية يجب أن نثبت بالفعل وليس بالقول فقط أننا ندعم الشعب الأوكراني في دفاعه ضد الاعتداء الروسي الفاضح، وهذه رسالة سنسلمها وجهاً لوجه». وشدد السيناتور الديمقراطي كريس مرفي على ضرورة أن ترى كل من أوكرانيا وروسيا وأوروبا أن «الجمهوريين والديمقراطيين سيقفون سوية للدفاع عن أوكرانيا بوجه أي اجتياح روسي».
وكان مجلس الشيوخ قد صوّت الأسبوع الماضي ضد إقرار عقوبات بحق خط أنابيب النفط الروسي (نورد ستريم 2) رغم دعم أوكرانيا العلني للعقوبات، وقالت الإدارة الأميركية التي عارضت العقوبات إنه من شأنها أن تهدد التعاون بين الولايات المتحدة وحلفائها، تحديداً ألمانيا التي تطالها عقوبات متعلقة بخط الأنابيب. وبالمقابل دعم البيت الأبيض مشروع قانون طرحه السيناتور الديمقراطي بوب مننديز لفرض عقوبات على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعدد من المسؤولين الروس «في حال الاعتداء على أوكرانيا».
ويهدف المشروع المذكور إلى فرض عقوبات على بوتين وعلى قادة عسكريين ومسؤولين حكوميين في حال حصول أي اعتداء روسي على أوكرانيا. كما يستهدف شركات روسية يستعملها النظام المصرفي الروسي لتبادل معلومات مهمة مع مؤسسات مالية أخرى. وإضافة إلى ذلك، يتضمن المشروع بنوداً لتعزيز أمن أوكرانيا ويدعو الإدارة الأميركية إلى بذل أقصى جهدها للحرص على عدم تشغيل خط أنابيب (نورد ستريم 2). وهددت روسيا بقطع العلاقات مع الولايات المتحدة في حال أقر مشروع القانون المذكور وتم فرض عقوبات أميركية على بوتين.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟