«الإنذار القصوى» في بغداد تحسباً لهجمات الميليشيات

قادة «الحرس» الإيراني يلاحقون آخر التسويات بين الصدر وخصومه

TT

«الإنذار القصوى» في بغداد تحسباً لهجمات الميليشيات

مع الانتهاء من تحرير هذا التقرير، كانت السلطات الأمنية العراقية تنفذ حالة الإنذار القصوى، تحسباً لهجمات مسلحة في بغداد، ومدن أخرى. فبعد ساعات من زيارة قائد «فيلق القدس» الإيراني، إسماعيل قاآني، عقدت فصائل مسلحة اجتماعات متعددة لبحث «آليات تطويق مشروع الصدر» في تشكيل حكومة أغلبية بمعزل عنهم.
وقال ضابط عراقي، لـ«الشرق الأوسط»، ظهر أمس الاثنين، إن «القوات العراقية تلقت أوامر بالانتشار في مناطق متفرقة، وفقاً لقواعد الاشتباك»، وفي هذه الأثناء قال 3 قياديين من فصائل شيعية، إنها «عقدت اجتماعات منفصلة في مقرات عسكرية تابعة للفصائل»، من دون ذكر أي تفاصيل بشأن مخرجاتها؛ لكن هذه الأنشطة تزامنت مع زيارة محمد كوثراني، مسؤول الملف العراقي في «حزب الله» اللبناني، لمدينة النجف، وكان من المرجح أن يتوجه إلى العاصمة بغداد للقاء قادة الفصائل.
وفي وقت لاحق، قالت مصادر سياسية متعددة، إن شخصيات قيادية في «الحرس الثوري» الإيراني التحقت بقاآني في بغداد، للقاء قيادات في الإطار التنسيقي، في إشارة إلى حجم الأزمة السياسية وحاجة إيران لشخصيات مفاوضة تفوق قدرة ناقل الرسائل، الجنرال قاآني.
وزار قائد «فيلق القدس» مدينة النجف، أول من أمس الاثنين، وظهر في مقطع مرئي وهو يصلي عند قبر رجل الدين الشيعي محمد الصدر، وهو والد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وأخذ بعدها فريقه للقاء قوى الإطار التنسيقي في بغداد.
وتجري الحوارات الإيرانية الأخيرة بدافع براغماتي للتكيف مع التحولات المتسارعة التي يديرها الصدر، وبهذا المعنى تحاول الفصائل الشيعية المسلحة التأثير على جميع الأطراف المعنية لاستعادة الحافز الشيعي لحماية وحدة البيت السياسي، وهو ما تفشل فيه حتى الساعة.
وبينما تجري هذه المحاولات، تفيد مصادر خاصة لـ«الشرق الأوسط»، بأن الصدر رفض لقاء قاآني في مقر إقامته بالحنانة بالنجف، رغم «الحركة الناعمة» التي قام بها الأخير بالصلاة عند قبر الصدر الأب، وبهذا الرفض ساد الارتباك أجواء اجتماعاته اللاحقة في بغداد مع قادة الإطار.
لكن مصادر سياسية من بغداد أكدت حدوث اللقاء بينهما، وأن الزائر الإيراني سمع من الصدر «رفضاً قاطعاً لمشاركة المالكي في الحكومة، ومرونة مع الآخرين». والحال أن قاآني أبلغ قادة الإطار بضرورة الالتحاق بالصدر في مشروع الأغلبية، وترك المالكي، تفادياً لخسائر سياسية فادحة. بهذا المعنى تحول رئيس الوزراء الأسبق إلى خطر يهدد الحل الشيعي للأزمة.
وقال عضو الإطار التنسيقي، أحمد الموسوي، في تصريح صحافي، إن قاآني «دعا قوى الإطار للتفاهم على مشاركة جزء منه في الحكومة» التي سيقودها الصدر.
وكانت الفكرة الإيرانية تستند على القبول التام بتصدر التيار الصدري نتائج الانتخابات، وقيادته للحكومة الجديدة؛ لكنه من خلفه بيت شيعي موحد، على غرار ما حدث في الدورات البرلمانية الماضية؛ لكن الرفض المتكرر واللافت للصدر يدفع الإيرانيين، ولو متأخراً، للتفاهم على تركيب قطع «الدومينو» مع صديق مزعج كالصدر، والتضحية بعدد من الحلفاء، أبرزهم المالكي.
مشكلة الإيرانيين، ومعهم الفصائل المسلحة، أنهم غير قادرين على تحمل تكاليف هذا التدوير السريع في مراكز النفوذ، ونقل احتكار السلطات إلى الصدر المتعطش لإجراء تغييرات في المعادلة الحاكمة، لصالحه بالطبع.
ولفهم المقاربة التي يعمل عليها الصدر، فإنه لا يريد إقصاءً كلياً للإطار التنسيقي؛ لكن أفضلية الفوز بالانتخابات تتيح له اختيار الشركاء، وعزل آخرين «يراهم غير ملائمين لمشروعه الإصلاحي» كما يقول قيادي شيعي في الإطار. وبغض النظر عما إذا كان مصطلح الإصلاح مطابقاً لمضمون المقاربة الصدرية، فإن التيار لديه مشكلة جوهرية مع مشاركة جهات تستحوذ على محركات القرار السياسي والأمني.
وفي تفاصيل هذه الفرضية، دخل «الإطار» في ارتباك واضح، وخاض في سلسلة من الأخطاء التي استدرجته إلى أكثر حالاته السياسية ضعفاً، ففي المفاوضات التفصيلية «وافقوا على رئيس وزراء يرشحه الصدر»؛ لكنهم يريدون الحق في إبداء الرأي عليه، فضلاً عن وضع «الفيتو» على تجديد ولاية رئيس الجمهورية الحالي برهم صالح، بينما يعيد مفاوضو الصدر خصومهم إلى المربع الأول: حكومة أغلبية، بخطوط حمراء. وبحسب ما يترشح من أجواء الإطار التنسيقي، فإن وصفة الصدر غير التقليدية، تدفع حلفاء المالكي من الفصائل المسلحة إلى إبداء ردود فعل عنيفة، أبرزهم حركة «النجباء» التي يصفها قياديون في الإطار بأنها «صفوة الصفوة»؛ نظراً لتسليحها وتدريبها المتقدمين، فضلاً عن «كتائب حزب الله» ومجموعات صغيرة أخرى.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.