وسط مساعٍ تجريها مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون ليبيا، ستيفاني ويليامز، بهدف التقريب بين ما تسمى «الأطراف الفاعلة» هناك، للتوافق على موعد جديد لإجراء الانتخابات العامة المؤجلة في يونيو (حزيران) المقبل، بدا مصير هذا الاستحقاق غامضاً حتى الآن، في ظل تمسك كل فصيل سياسي بما يراه مناسباً وضرورياً، كي تتجاوز البلاد المرحلة الانتقالية بأقل الخسائر.
فمنذ اليوم الأول لتأجيل الاستحقاق الذي كان مقرراً في الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي، انصبَّ حديث الأطراف المنخرطة في العملية السياسي حول أن قانون الانتخابات الرئاسية هو المتسبب في تعطيل القطار السياسي الذي كاد أن يصل إلى محطته الأخيرة؛ لكن أظهرت مجمل الآراء لاحقاً وجود عراقيل عدة، من بينها مواقف محلية ودولية تجاه بعض المتنافسين الذين يوصفون بأنهم جدليون، من بينهم نجل الرئيس الراحل معمر القذافي، سيف الإسلام.
وعبَّر رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السائح، عن هذه الحالة إجمالاً، بوجود مجموعة من العراقيل تعترض المسار؛ مشترطاً زوال «الظروف القاهرة» التي حالت دون إجراء الاستحقاق في السابق، لإتمامه ثانية في الرابع والعشرين من الجاري، غير أن هذه «الظروف» التي أشار إليها لا تزال قائمة، لذا «يظل الحلم بإنهاء الفترة الانتقالية مؤجلاً لدى قطاع كبير من الليبيين».
وبالنظر إلى «الظروف القاهرة» التي أشار إليها، نجدها تتمثل في الخروقات الأمنية بالاعتداء على بعض مقار المفوضية، واعتراض بعض الجهات على مرشحين بعينهم ضمن السباق الانتخابي، من بينهم رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» عبد الحميد الدبيبة، وسيف الإسلام القذافي الذي لم تتمكن هيئة الدفاع عنه من تقديم طعن على استبعاده من الترشح، إلا بعد مدة 4 أيام من محاصرة مسلحين محكمة استئناف سبها (جنوبي البلاد).
وللرد على منتقديه بشأن ترشحه في السباق، رغم ما قطعه على نفسه سابقاً من عدم المشاركة في الاستحقاق، ربط الدبيبة دخوله مرة ثانية الماراثون الانتخابي بما يتوفر لديه من فرص تضمن فوزه، وقال في تصريحات تلفزيونية: «إذا كانت لدي حظوظ وشعبية فسأتقدم للانتخابات الرئاسية مثل بقية المرشحين، وإذا لم يتوفر ذلك فلن أتقدم».
غير أن الدبيبة الذي أبدى تمسكه بإعداد «قاعدة دستورية» أولاً للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة، أعاد ملف الانتخابات الليبية إلى المربع الأول، ما يستوجب ضرورة الاستفتاء الشعبي على الدستور الليبي بداية، ما يضع مستقبل هذا الاستحقاق على المحك، بالنظر إلى عدم توافق عديد من الأطياف المجتمعية -من بينهم الأمازيغ والتبو والطوارق- على مشروع الدستور.
وقبل قرابة 5 أعوام أقرت الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور «مسوَّدة الدستور» بأغلبية الأصوات في يوليو (تموز) عام 2017، ورفعتها في حينها إلى مجلس النواب في طبرق (شرق) لإقرارها، وسط رفض واسع حينها من قبل قبائل وأطراف مختلفة، من بينهم أنصار «التيار الفيدرالي» في إقليم برقة، فضلاً عن ملاحقتها بدعاوى قضائية أمام محاكم ليبية مختلفة، تطالب ببطلان التصويت عليها.
وأمام جملة من الانتقادات والاتهامات التي وُجهت للهيئة، قال أحد أعضائها الدكتور البدري الشريف، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، إنها (هيئة الدستور) منتخبة قبل نحو 5 أعوام، وتتكون من 60 شخصاً، يمثلون أقاليم ليبيا الثلاثة بالتساوي، مبرزاً أنها «تتمتع باستقلالية، ولا تتبع أي سلطة في البلاد».
وكان مجلس النواب قد أقر في 24 سبتمبر (أيلول) 2018، قانون الاستفتاء على مشروع الدستور، مع تعديل الإعلان الدستوري ليتوافق مع نصوص القانون، عبر توقيع أكثر من 135 عضواً من إجمالي 190 بالموافقة، وهو ما أطلق عليه معارضو الدستور «التوقيع عن بُعد»، ومنذ ذلك التاريخ والمسودة لم ترَ النور.
ومع فشل إجراء الانتخابات، وإعادة بعض السياسيين الحديث عن المسوَّدة، التقى فوزي النويري رئيس مجلس النواب المُكلَّف، في العاصمة طرابلس، بلجنة التواصل للهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، لجسر الهوة، وللوقوف على آخر مستجدات العملية السياسية، ولمناقشة سبل دعم المسار الدستوري، والدفع به «باعتباره أهم مسارات الحل للأزمة الليبية».
ويرى سياسي ليبي تحدث إلى «الشرق الأوسط»، أن «عدم التوصل إلى توافق على قانون الانتخابات الرئاسية في المرة الأولى، قبل أن يصدره رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، منفرداً دون عرضه للتصويت على المجلس، كفيل بإعادة التجاذبات حوله مجدداً»، وذهب إلى أن «وجود حالة من الرغبة لدى بعض الأطراف الليبية في إقصاء كل منهم للآخر قد يدفع في هذا الاتجاه».
وبرهن على ذلك بأن «تيار الإسلام السياسي سيتمسك برفض خوض العسكريين للانتخابات، بقصد حرمان المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ(الجيش الوطني) من المنافسة، كما أن الطرف المقابل سيضع شروطاً لمنع المحسوبين على غرب البلاد، أو نجل القذافي، من الترشح، وهو ما قد يواجَه بالعنف من قبل بعض التيارات».
وتعول أطراف محلية ودولية على إتمام الانتخابات «في أقرب الآجال» من خلال «إطار قانوني واضح المعالم»، وهو ما أشار إليه النائب الديمقراطي بالكونغرس الأميركي تيد دويتش، بأن «الأغلبية الساحقة من الليبيين تريد إجراء انتخابات خالية من العنف والترهيب».
مستقبل الانتخابات الليبية مرهون بـ«المرشحين الجدليين» و{معضلة الدستور»
مخاوف من استمرار التجاذبات السياسية حول القوانين المنظِّمة للاستحقاق
مستقبل الانتخابات الليبية مرهون بـ«المرشحين الجدليين» و{معضلة الدستور»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة