«رسالة تطمين أميركية» تمهّد لعبور الغاز المصري إلى لبنان

وزير الطاقة لـ«الشرق الأوسط»: سنؤمن الكهرباء بنحو 10 ساعات يومياً

رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مجتمعاً مع السفيرة الأميركية أمس (دالاتي ونهرا)
رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مجتمعاً مع السفيرة الأميركية أمس (دالاتي ونهرا)
TT

«رسالة تطمين أميركية» تمهّد لعبور الغاز المصري إلى لبنان

رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مجتمعاً مع السفيرة الأميركية أمس (دالاتي ونهرا)
رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مجتمعاً مع السفيرة الأميركية أمس (دالاتي ونهرا)

تخطّى مشروع استجرار الغاز والكهرباء من مصر والأردن باتجاه لبنان، جزءاً كبيراً من العوائق السياسية والتقنية، مع تسليم واشنطن رئاسة الحكومة اللبنانية كتاباً خطياً من وزارة الخزانة الأميركية يلغي المخاوف من العقوبات الأميركية المرتبطة بقانون «قيصر»، ما يمهد لتغذية كهربائية إلى حدود العشر ساعات يومياً، حسب ما أكد وزير الطاقة اللبناني وليد فياض لـ«الشرق الأوسط»، وسط ترجيحات بأن يبدأ التحسن بالتغذية جزئياً بدءاً من أبريل (نيسان) المقبل.
ويعول لبنان على تمديد الغاز من مصر إلى لبنان عبر الأردن وسوريا لتشغيل محطة إنتاج الكهرباء عاملة على الغاز في شمال لبنان، كما يعول على استجرار الطاقة الكهربائية من الأردن لتأمين تغذية إضافية. وكانت المخاوف من العقوبات الناتجة عن «قانون قيصر» واحدة من المعضلات السياسية التي أخرت المشروع، إضافة إلى تفاصيل تقنية مثل إصلاح خطوط النقل.
وبددت واشنطن أمس الهواجس اللبنانية حيال المشروع، إذ سلمت سفيرة الولايات المتحدة لدى لبنان دوروتي شيا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي كتابا رسميا من وزارة الخزانة الأميركية «أجابت خلاله على بعض الهواجس التي كانت لدى السلطات اللبنانية في ما يتعلق باتفاقيات الطاقة الإقليمية التي ساعدت الولايات المتحدة في تسهيلها وتشجيعها بين لبنان والأردن ومصر»، حسب ما قالت شيا بعد اللقاء.
وأوضحت السفيرة الأميركية أنه «لن يكون هناك أي مخاوف من قانون العقوبات الأميركية»، لافتة إلى أن «هذه الرسالة التي تم تسليمها تمثل زخما إلى الأمام وحدثا رئيسيا في الوقت الذي نواصل فيه إحراز تقدم لتحقيق طاقة أكثر استدامة ونظافة للمساعدة في معالجة أزمة الطاقة التي يعاني منها الشعب اللبناني».
وأكد وزير الطاقة اللبناني وليد فياض أن رسالة الخزانة الأميركية هي بمثابة «رسالة تطمين إضافية» من السلطات الأميركية لتبديد الهواجس، تتزامن مع رسالتين أخريين تلقتهما القاهرة وعمان، لافتاً إلى أنه «على أساس هذا الكتاب، سيكون الجانب المصري مستعداً للقيام بتوقيع عقود التزويد وعبور الغاز مع الجانب اللبناني». وأشار في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه على أساس توقيع العقد، «ستحصل الأطراف الثلاثة (لبنان والأردن ومصر) على موافقة نهائية من الجانب الأميركي تتيح المباشرة بضخ الغاز باتجاه لبنان عبر الأردن وسوريا».
ويتوقع مواكبون لهذا الملف أن يتم إنجاز التواقيع والمباشرة بضخ الغاز إلى محطة دير عمار في شمال لبنان، خلال شهرين. ويتزامن العمل به مع العمل على إنجاز ملف استجرار الطاقة الكهربائية من الأردن إلى لبنان، لتأمين تحسين إضافي بالتغذية الكهربائية.
وساهم تحرك الوزير فياض باتجاه الأردن ومصر منذ تسلمه حقيبة الطاقة في سبتمبر (أيلول) الماضي، ببلورة اتفاق يقضي بإيصال الغاز المصري إلى لبنان، بعد تلقي الرئيس ميشال عون رسالة أميركية عبر السفيرة لدى لبنان تتضمن قراراً أميركياً بتسهيل عبورها لوضع حل لأزمة انقطاع الكهرباء التي تصل إلى 20 ساعة يومياً في بعض المناطق اللبنانية.
وأشارت مصادر مواكبة لملف استجرار الغاز عبر سوريا لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الغاز المصري سيصل إلى جنوب سوريا، بينما سيحصل لبنان على حصته من أحد حقول الغاز في حمص في وسط سوريا. وسيقتطع الجانب السوري نسبة 10 في المائة كحصة لقاء عبور الغاز المصري. أما الكهرباء الأردنية، فسيتم تمريرها عبر خطوط نقل سورية إلى لبنان، وتقتطع سوريا نسبة 8 في المائة من الكهرباء الأردنية لقاء عبورها إلى لبنان، بحسب الاتفاقية الإقليمية.
وفيما يعد كتاب وزارة الخزانة الأميركية الأخير جواز انطلاق لمشروع استجرار الطاقة الإقليمي لكونه يتضمن تعهداً سياسياً بتسهيل المشروع، تمضي وزارة الطاقة اللبنانية بدءاً من اليوم بمشروع إنجاز التفاصيل التقنية. وأعلن فياض «أننا تعاقدنا مع شركة لإصلاح خط الغاز في لبنان وتجهيزه لنقل الغاز من الأراضي السورية، بموافقة استثنائية من رئيس الجمهورية ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي»، مشيراً إلى أن المباشرة بأعمال الصيانة «ستنطلق اليوم لتكون جاهزة لنقل الغاز». ولفت إلى أن الأمور الفنية المتصلة بإصلاح خطوط نقل الكهرباء من الأردن عبر الأراضي السورية «تم الانتهاء منها عبر صيانة تلك الخطوط في سوريا». ومن المتوقع إنجاز جميع الأمور الفنية والتقنية على الخطين في أواخر فبراير (شباط) المقبل.



تقلبات المناخ تهدد الأمن الغذائي في اليمن

الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
TT

تقلبات المناخ تهدد الأمن الغذائي في اليمن

الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)

يشتكي غالبية مزارعي الحبوب في اليمن من تراجع إنتاجهم سنوياً بسبب تقلبات المناخ وتغير مواسم الأمطار وما تسببه غزارتها غير المتوقعة من جرف للتربة وتخريب للأراضي، وهو ما يتسبب لاحقاً في الإضرار بأمنهم الغذائي خلال الأشهر المقبلة التي تدخل فيها البلاد حالة من الجفاف الموسمي.

وينتهي، منتصف الخريف، موسم زراعة الحبوب في غالبية أنحاء اليمن، بالتزامن مع انخفاض درجات الحرارة وانقطاع الأمطار الموسمية ودخول البلاد في حالة من الجفاف، ويبدأ المزارعون حصر إنتاجهم من الحبوب وتخزينها للاستهلاك، كما يتم تخزين الزرع كأعلاف للمواشي التي تعاني من جفاف المراعي وشح الحشائش والأعشاب التي تتغذى عليها.

وبقدر ما يشعر المزارعون بالفرح خلال فترة جمع محصول موسم زراعة الحبوب، التي تشهد احتفاليات متوارثة تتعدد فيها الأغاني والأهازيج، يخالطهم شعور بالحزن بسبب اضطرارهم لانتظار موسم الأمطار المقبل لأشهر طويلة، وأملهم بهطول أمطار شتوية تساعدهم في زراعة أنواع أخرى من الحبوب.

امرأتان يمنيتان في محافظة تعز تنقلان العلف لتخزينه كغذاء للمواشي بعد انتهاء موسم الحصاد وبدء مواسم الجفاف (البنك الدولي)

يقول سعيد محمد، وهو مزارع مخضرم في مديرية الشمايتين جنوب محافظة تعز (جنوب غرب) إن فصلي الخريف والشتاء يشهدان في الغالب تراجعاً كبيراً في الإنتاج الزراعي، لكن بعض الأعوام قد تشهد سقوط أمطار خفيفة تساعد بعض المزارعين في إنتاج كميات محدودة من حبوب مختلفة عن تلك التي أنتجوها خلال الموسم السابق.

ويوضح المزارع السبعيني في رسالة نقلها لـ«الشرق الأوسط» أحد أبنائه، بسبب عدم خبرته في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أن بعض المزارعين يحتاطون لمواسم الجفاف بتجميع مياه السيول في خزانات مبنية من الحجارة والأسمنت لزراعة أنواع من الخضراوات، بينما ينتظر آخرون هطول الأمطار الشتوية الخفيفة، وهي نادرة ويقضي المزارعون شتاءهم في انتظارها.

الأمل بأمطار الشتاء

ينتج المزارعون خلال موسم الأمطار الصيفية الذرة الشامية والذرة الرفيعة بأنواعها ومن البقوليات اللوبياء، أما في الشتاء فيكتفون بالذرة الشامية والشعير والعدس والخضراوات.

لكن المزارع حسين أحمد، من مديرية القبيطة التابعة لمحافظة لحج (جنوب)، يشير إلى أن أمطار الشتاء عادة ما تكون وخيمة على المزارعين، خصوصاً مالكي المواشي التي قد تعاني لأسابيع وأشهر طويلة من الجوع وانقطاعها عن المرعى، واعتمادها على ما جرى تخزينه من أعلاف.

مزروعات حبوب يبست في انتظار الأمطار بسبب عدم خبرة المزارعين اليمنيين بتغير مواسم الأمطار (غيتي)

ويبين أحمد، لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الشتوية تأتي خفيفة وعلى مدى أيام طويلة متصلة مصحوبة بانتشار ضباب كثيف، خصوصاً في المرتفعات الجبلية، ويمنع المزارعون من استخدام الأراضي بشكل جيد، بينما لا تتمكن المواشي من مغادرة مأواها بسبب هذه الأمطار.

إلا أنه، وبعد انقشاع الضباب وتوقف الأمطار، تعود الحياة إلى المراعي التي تعود الحشائش للنمو فيها، وهو ما يفيد المزارعين في الحصول على المزيد من الألبان ومنتجاتها.

وتساهم أمطار الشتاء، على ندرتها، في زيادة المياه الجوفية بفضل هطولها البطيء والطويل مما يساهم في تغلغلها داخل طبقات الأرض وفقاً للخبراء الجيولوجيين، كما تعمل على تحسين جودة الإنتاج الحيواني.

وتراجعت المساحة التي تحتلها زراعة الحبوب في اليمن من أكثر من 585 ألف هكتار قبل الحرب الدائرة في البلاد منذ عام 2014، إلى أقل من 529 ألف هكتار بحسب بعض البيانات والتقديرات عن هيئات حكومية وأخرى تحت سيطرة الجماعة الحوثية، أي بما يزيد على 56 ألف هكتار، من إجمالي المساحة المحصولية المقدرة بـمليون و 124 ألف هكتار.

استثمار بلا ضمانات

يستمر موسم زراعة الحبوب أكثر من 5 أشهر، ويبدأ غالباً منتصف مايو (أيار) الذي يشهد إلقاء البذور في التربة، لينتهي في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) وبدايات نوفمبر (تشرين الثاني) بحصد السنابل، ثم نزع الزرع.

مزارع يمني يحصّل منتوجاً قليلاً من قصب السكر الذي يزرع على نحو محدود في البلاد (رويترز)

ويرى الخبير الزراعي محمد سيف ثابت أن أوضاع المزارعين في السنوات الأخيرة تتشابه في جميع الفصول، خصوصاً مع تبدل مواسم الأمطار الصيفية وتغير مواقيتها، ما يصعِّب عليهم تحديدها أو توقعها، إلى جانب التغير الكبير في كمياتها وما تتسبب به من جرف للتربة وتخريب للأراضي.

ويقول ثابت في إيضاحاته لـ«الشرق الأوسط» إن ما يعاني منه المزارعون في الصيف خلال الأعوام الأخيرة، يشبه إلى حد كبير ما يمرون به في الشتاء، حيث يلجأ الكثير منهم إلى بذل جهد كبير وإنفاق أموال في تسوية الأرض ودفن البذور متوقعاً هطول الأمطار. إلا أن تلك البذور قد تتحلل قبل هطول الأمطار، أو تنبش الطيور التربة لتناولها، وهو ما يدفع بعضهم إلى دفن بديل عنها. أما إذا هطلت الأمطار ولم تنبت تلك البذور بسبب تحللها أو نبشها من قبل الطيور، فإنه يستحيل على المزارعين إعادة التجربة قبل أن تعود التربة إلى الجفاف مرة أخرى.

الذرة الرفيعة من أكثر أنواع الحبوب التي يفضلها المزارعون اليمنيون لسهولة الحصول على منتوج وفير منها (إكس)

وأبدى مصدر في وزارة الزراعة اليمنية انزعاجه من لجوء غالبية المزارعين إلى حصد سنابل الحبوب قبل نضجها وتناولها بعد شيها أو سلقها بوصفها وجبات إضافية، فيما يُعرف محلياً بـ«الجهيش»، وهو ما يتسبب في إهلاك الكثير من المحصول والإضرار بالأمن الغذائي للمزارعين خلال الأشهر اللاحقة.

وتابع المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن هذه العادة المتوارثة أصبحت غاية لغالبية المزارعين، لكن الفارق أن المزارعين في السابق، قبل عشرات وربما مئات السنين،كانوا يعتمدون على «الجهيش» بوصفها وجبات أساسية، إلى جانب قلة استهلاكهم لها، في الوقت نفسه الذي يملكون فيه كميات من ناتج الحبوب يغطي موسم الجفاف.

أما في الوقت الراهن؛ فإن غالبية المزارعين يكتفون بالحصول على «الجهيش» ولا يقومون بتخزين سوى كميات قليلة من الحبوب.