جان دورميسون.. آخر المطلعين الكبار على تاريخ الأدب الفرنسي

العضو البارز في الأكاديمية الفرنسية منذ أكثر من 40 سنة

جان دورميسون
جان دورميسون
TT

جان دورميسون.. آخر المطلعين الكبار على تاريخ الأدب الفرنسي

جان دورميسون
جان دورميسون

أعترف بأني شعرت بالحزن عندما سمعت بأن الكاتب الفرنسي الشهير جان دورميسون سقط مغشيا عليه في برنامج تلفزيوني قبل أيام، فنقلوه إلى المستشفى مباشرة ولا يزال فيه حتى اللحظة. ولكن اطمئنوا يبدو أن أخباره مشجعة وصحته تتحسن على الرغم من أنه بلغ من العمر عتيا (90 سنة تقريبا). لماذا شعرت بالحزن؟ لأنه مولع بالأدب إلى أقصى حد ممكن، ولأن قراءته من أمتع ما يكون. وكل من هو مولع بالأدب صديقي وأستاذي. ولا أفهم كيف يمكن أن يوجد مثقف واحد لا علاقة له بطراوة الأدب وعبق الشعر. وقد قرأت له حتى الآن كثيرا من الكتب، بل وقدمت بعضها هنا أو هناك. وهو على أي حال أحد أعمدة الفكر والسياسة في فرنسا. وكان مسؤولا عن قسم الفلسفة والعلوم الإنسانية في الـ«يونيسكو» سابقا، ورئيسا لتحرير جريدة الـ«فيغارو» في فترة من الفترات. كما انتخب عضوا بارزا في الأكاديمية الفرنسية منذ أكثر من 40 سنة. وهو مقرب من اليمين الديغولي، وبالتالي فليس معاديا للعرب أو كارها للإسلام بشكل مسبق كسواه.
ولكن جان دورميسون كاتب وأديب قبل كل شيء آخر، وربما كان آخر المطلعين الكبار على تاريخ الأدب الفرنسي. فهو مشبع به إشباعا. ربما كان يعرف عن راسين وكورنيه وموليير وفولتير وشاتوبريان وفيكتور هيغو وعشرات الآخرين أكثر مما يعرفون عن أنفسهم! وحلمه هو أن يدخل محراب الأدب، أن يصبح خالدا فيه كما حصل لهؤلاء الكبار ولأمثالهم كمارسيل بروست مثلا. إنه يبيع الدنيا كلها برواية «بحثًا عن الزمن الضائع». ولكنه يعترف بكل صدق وأمانة بأنه لم يستطع تحقيق ذلك. لقد اقترب من المرتبة العليا دون أن يصلها. ورحم الله امرءا عرف قدر نفسه.
أحيانا يستعرض جان دورميسون شريط حياته السابق فيتحدث عن كل شيء: عن الحب، والحياة، والموت، وما بعد الموت، عن النجاح والفشل، عن الشخصيات التي تعرف عليها على مدار عمره المديد، عن الأدباء الكبار الذين يحبهم، عن السياسيين الذين التقى بهم، عن الحرب والسلم، عن العرب واليهود، عن الصراع بين العالم الإسلامي والغرب، عن حرب الجزائر، عن النظريات العلمية الحديثة، عن سارتر وآرون، إلخ، إلخ.. فهو يتحدث مثلا عن فترة الخمسينات من القرن العشرين وهيمنة جان بول سارتر على المسرح الثقافي الفرنسي، ويقول: كان سارتر رائع الذكاء وكريما إلى أقصى الحدود. وكنا نلتقي به في مقاهي السان جيرمان دوبريه وسط العاصمة الفرنسية. كنا لا نزال شبابا في أول العمر ونحلم بتغيير العالم وكتابة أعظم المؤلفات. وبالتالي فشخصية سارتر كانت تسحرنا، لأنه أبدع في كل المجالات: من فلسفة، ومسرح، ونقد أدبي، ومقالة سياسية، وكنا نحلم بأن نصبح مثله، بأن نرتفع إلى مستواه. ثم يردف جان دورميسون قائلا: وكان سارتر يقدم نفسه كسقراط جديد هدفه تعليم الشبيبة وتثقيفها. كان يعتبر نفسه نبي العصور الحديثة، أو قل: كان الآخرون يعتبرونه كذلك. نقول ذلك على الرغم من أنه أخطأ كثيرا في مواقفه السياسية. فقد أيّد الاتحاد السوفياتي على طول الخط عندما كان لا يزال ستالينيا توتاليتاريا. وحقد على أميركا والمعسكر الغربي على طول الخط على الرغم من أنه كان يمثل معسكر الديمقراطية والحرية. ولذلك اختلفت معه لأن أصولي يمينية ولأني كنت مقربا من عدوه اللدود: ريمون آرون. وبعد أن ساهم في المقاومة ضد الاحتلال النازي بشكل ضعيف جدا راح سارتر يشكل فلسفته الوجودية فور انتهاء الحرب العالمية الثانية. ثم انتقل بعدئذ إلى الماركسية أو قل إلى نوع من المصالحة بين الوجودية والماركسية. وراح يقول بأن كل معاد للشيوعية هو شخص حقير أو كلب! وعندما كانوا يسألونه: من هو الديكتاتور أكثر، ستالين أم ديغول كان يجيبهم: ديغول! ولكن على الرغم من هذا العمى الآيديولوجي، فإن سارتر يظل قمة من قمم الأدب الفرنسي في عصرنا الراهن. وقد كتب عن طفولته كتابا جميلا وناجحا جدا بعنوان «الكلمات». ثم ألف كتابا ضخما في الفلسفة يدعى «الوجود والعدم». وقد لقي نجاحا منقطع النظير بعد الحرب العالمية الثانية، لأنه أعطى الشبيبة الفرنسية التي خرجت محطمة بعد الحرب الأمل بمستقبل أفضل، أو الأمل بالقدرة على مواجهة الخيبات المدمرة. ولكن كتابه مستعار من فلاسفة الألمان في الواقع: أي من كتب هوسيرل، وكارل ياسبرز، وهيدغر. وبالتالي فهو مقلّد أكثر مما هو مبدع. نقول ذلك على الرغم من أن مقدرته على اختراع المصطلحات الفلسفية الجديدة تدعو للإعجاب والدهشة. ولكن، هل يمكن أن يرتفع فلسفيا إلى مرتبة هيدغر؟ ثم يتحدث جان دورميسون عن نهاية سارتر، ويقول: لقد حشدت جنازة سارتر وراءها عشرات الآلاف من البشر عام 1980. وغصت شوارع باريس بالناس من أولها إلى آخرها: أي حتى الوصول إلى المقبرة في حي المونبارناس. ولا تضاهيها أي جنازة أخرى في التاريخ الحديث، اللهمّ إلا جنازة فيكتور هيغو قبل مائة سنة. فعندئذ هبت باريس كلها عن بكرة أبيها لكي تودع شاعرها الأكبر. أفتح هنا قوسا وأقول بأن المجلة الأدبية الفرنسية «الماغازين ليتيرير» أجرت استفتاء في عددها الأخير شهر أبريل (نيسان) وتبين فيه أن فيكتور هيغو هو أديب فرنسا الأول؛ إذ حصد معظم الأصوات، في حين أن سارتر جاء في المرتبة الخامسة عشرة ولم يحصد إلا اثني عشر صوتا. أما فولتير فقد جاء في المرتبة السادسة ونال 29 صوتا.. ثم قالت المجلة بأن شكسبير هو أديب الإنجليز الأول بلا منازع، ودانتي هو الأول بالنسبة للإيطاليين، وغوته بالنسبة للألمان، وسيرفانتس بالنسبة للإسبان، إلخ.. ولكن ماذا عن العرب؟ لا أحد يطرح هذا السؤال. حتما المتنبي هو الشاعر العربي الأول. أما بالنسبة للنثر فهناك حيرة وخيارات كثيرة. هل هو الجاحظ أم التوحيدي أم المعري؟ أم شخص آخر؟ أنا شخصيا أميل إلى المعري لأنه نبغ شعرا ونثرا على حد سواء. وهذا نادر. ثم إني أضع رسالة الغفران فوق كل الآداب العربية قاطبة. بحياته كلها لم يحلق الأدب العربي إلى هذا المستوى، إلى هذا العلوّ. لكن ماذا عن العصور الحديثة؟ من هو الشاعر العربي الأول؟ أنصحك وأنصح نفسي بعدم الإجابة لكيلا تتعرض لعملية اغتيال.
لكن لنعد إلى جان دورميسون. فيما يخص الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي يقول لنا ما يلي: لقد التقيت بسيدة فرنسية مهمة من أصل يهودي، وقالت لي ما يلي: الشيء الذي يحزنني في الوقت الحاضر هو موقف الناس في الغرب تجاهنا. فقد تغير في السنوات الأخيرة ما عدا في أميركا لحسن الحظ. أما في ألمانيا، وفرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا، فإن الجماهير أصبحت تنصرف عنا إلى حد كبير وتتعاطف مع الفلسطينيين.
صحيح أن الشعوب الأوروبية لا تزال تقف معنا عندما تحصل عملية انتحارية وتحصد عشرات الناس بين قتلى وجرحى في تل أبيب، أو نتانيا، أو القدس، إلخ.. ولكن الدعاية الفلسطينية فعلت مفعولها في أوروبا وأصبحت تجذب إلى قضيتها كثيرين. وهذا شيء حديث العهد وما كان معروفا في الماضي. في السابق كانت الدعاية الإسرائيلية هي وحدها المهيمنة على الساحة. أما الآن فلا. وهذا ما يقلقني. وعندئذ يطرح عليها جان دورميسون هذا السؤال: ولكن أليس للفلسطينيين الحق في إقامة دولتهم على أرضهم؟ فتجيبه السيدة اليهودية قائلة: لهم الحق. ولكن نحن أيضا لنا الحق. فإسرائيل هي أرضنا منذ الأزل وإلى الأبد بصك إلهي توراتي. لقد عدنا إليها بعد ألفي سنة وكأننا غادرناها البارحة. ألم تسمع بقصة الأرض الموعودة؟ ولكن العرب لا هدف لهم إلا استئصالنا ومحونا من الوجود. إنهم يحلمون بالقضاء علينا يوما ما أو رمينا في البحر.
وعندئذ يجيب دورميسون: المشكلة هي أنكم حتى لو انتصرتم على العرب ألف مرة، فإن الكلمة الأخيرة ستكون لهم. لماذا؟ لأن المنطقة هي لهم من الأساس. ثم لأنهم سوف يغمرونكم بالعدد من داخلكم ومن خارجكم. الديمغرافيا لصالح العرب يا سيدتي، ونحن لا نستطيع أن نفعل شيئا ضد القنبلة الديمغرافية التي قد لا تقل خطورة عن القنبلة الذرية. إسرائيل سوف تغرق في بحر من العرب يوما ما لا محالة. وبالتالي فالنصر للعرب في نهاية المطاف حتى من دون قتال.. ولذا فمن مصلحتكم أن تجدوا حلا معهم لكي يقبلوا بكم يوما ما. فالحروب وسفك الدماء إلى ما لانهاية شيء عقيم. يضاف إلى ذلك أن قمع شعب بأسره على أرض آبائه وأجداده قد أفقدكم رصيدكم الأخلاقي وتعاطف العالم معكم ليس فقط بسبب المحرقة النازية، وإنما أيضا بسبب الاضطهاد أو الاحتقار الذي عانيتم منه على مدار القرون.. أخيرا، فإن اليهود ازدهروا يوما ما علما وفلسفة وأدبا في ظل الحضارة العربية الإسلامية إبان الأندلس الزاهرة. فهل سيعود مرة أخرى ذلك الفردوس المفقود؟



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لأحد أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذه العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف عن سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى إن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفاعلية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني ويستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقية تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسمح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

من جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين بأن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق بوصفها مكاناً لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».