«تسويات» الرقة... الإدارة الذاتية تتهم دمشق بضرب استقرار مناطقها

يرفضها شيوخ قبائل عربية ونشطاء

دوار ميدان الساعة وسط مركز مدينة الرقة شمال سوريا (الشرق الأوسط)
دوار ميدان الساعة وسط مركز مدينة الرقة شمال سوريا (الشرق الأوسط)
TT

«تسويات» الرقة... الإدارة الذاتية تتهم دمشق بضرب استقرار مناطقها

دوار ميدان الساعة وسط مركز مدينة الرقة شمال سوريا (الشرق الأوسط)
دوار ميدان الساعة وسط مركز مدينة الرقة شمال سوريا (الشرق الأوسط)

بعد أيام من لقاء نائب المبعوث الأميركي الخاص لسوريا ماتيو بيرل مع شيوخ ووجهاء محافظة الرقة شمال شرقي سوريا بهدف دعم عمليات الاستقرار والحفاظ على اتفاقيات خفض التصعيد، أعلنت الحكومة السورية افتتاح «مركز تسوية» في بلدة السبخة بريف الرقة الشرقي، والمحاذية للمناطق الخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) المدعومة من تحالف دولي تقوده واشنطن، في وقت أصدر زعماء قبائل عربية وشيوخ بياناً رفضوا فيه عمليات التسوية، معتبرين أنها تهدد استقرار المدينة وريفها، في حين قالت مسؤولة كردية إن حكومة دمشق وقوى إقليمية ودولية تستهدف النسيج الاجتماعي وتعمل على ضرب استقرار المناطق الخاضعة لسيطرة «الإدارة الذاتية لشمال وشرقي» سوريا.
وأفادت الوكالة السورية للإنباء (سانا) أول من أمس ببدء عملية «التسوية الشاملة»، على حد وصفها، الخاصة بأبناء محافظة الرقة بمركز السبخة في ريفها الشرقي، بالتوازي مع عمليات التسوية في دير الزور شرق سوريا، وهذه المناطق خاضعة لنفوذ القوات الحكومية الموالية للرئيس السوري بشار الأسد وميليشيات إيرانية، غير أنها تقابل الأراضي الخاضعة لسيطرة قوات «قسد» وتنتشر فيها قواعد للتحالف الدولي والجيش الأميركي.
وعقد شيوخ قبائل ووجهاء وشخصيات من أبناء الرقة اجتماعاً الثلاثاء في مضافة شيخ قبيلة العفادلة العربية هويدي شلاش المجحم بحي المشلب شرقي المدينة، وأصدروا بياناً رافضين عملية التسويات التي أعلنت عنها حكومة دمشق، «عشائر الرقة موقفها واضح برفض هذه التسويات التي تشكل خطراً يهدد استقرار المدينة وريفها، سواء كانت في الرقة أو حتى في دير الزور المجاورة».
ويقول شيخ قبيلة البو مانع العربية محمد الجاسم بأن بيان العشائر كان بمثابة رسالة لإظهار موقف عشائري رافض للعملية: «نرفض بشكل قاطع دعوات التسوية التي أعلنت عنها الحكومة التي لم تقدم أي رؤية للحل في السنوات الماضية، ودائماً تستهدف مناطق شمال شرقي البلاد عبر خلاياها النائمة والأشخاص المرتبطين بأجندتها الخارجية». وطالب الشعب السوري بمن فيهم أبناء القبائل بـ«عدم نسيان ما قامت به القوات الحكومية طوال السنوات العشر الماضية من قتل وتشريد للسوريين»، على حد تعبيره.
وكان ماتيو بيرل قد عقد اجتماعاً في 9 من الشهر الحالي مع شيوخ ووجهاء من الرقة وأعضاء مجلسها المدني وبحث عمليات دعم الاستقرار والأوضاع الأمنية والاقتصادية والجهود الإغاثية. وتحدثت أمينة أوسي، نائب رئاسة المجلس التنفيذي بالإدارة الذاتية في حديث لـ«الشرق الأوسط»، عن عمليات التسوية في الرقة، معتبرة أن «حكومة دمشق وبإعلانها عن التسويات محاولة لاستهداف النسيج الاجتماعي لسكان المنطقة، وضرب استقرار المناطق التي تديرها الإدارة الذاتية». واتهمت قوى إقليمية ودولية بدعم مساعي دمشق لفرض سيطرتها عسكرياً وأمنياً على كامل الأراضي السورية، وأضافت: «هذه القوى تحاول ضرب مشروع الإدارة وإفشاله بهدف زعزعة وضرب الاستقرار في شمال شرقي البلاد».
وأصدرت الإدارة الذاتية شرقي الفرات قراراً داخلياً نهاية العام الفائت يمنع بموجبه: «بناءً على مقتضيات المصلحة العامة وحفاظاً على الأمن والاستقرار، يصدر قرار بالفصل النهائي بحق كل شخص يعمل ضمن الإدارة المدنية بدير الزور وقام بإجراء مصالحة مع النظام»، وشدد التعميم بعدم أحقية الشخص الذي أجرى التسوية في العمل «بأي مفصل من مفاصل الإدارة أو المنظمات المحلية العاملة ضمن مناطق الإدارة المدنية بدير الزور».
وأوضحت القيادية الكردية أمينة أوسي بأن موقف الإدارة بخصوص فصل الموظفين الذين يجرون التسويات: «موقف قيم وعلى كل مؤسسات الإدارة الذاتية الالتزام بذات الموقف، وعلى حكومة دمشق البحث عن حل سياسي شامل يضم كل المناطق السورية لإخراج البلد من دوامة الأزمة والحرب المتواصلة».
وتقع مدينة الرقة على الضفة الشرقية لنهر الفرات، وتبلغ مساحتها نحو 27 ألف كيلومتر مربع وهي أولى المدن التي خرجت عن سيطرة النظام الحاكم ربيع 2013، لكن عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي أحكموا قبضتهم عليها نهاية العام نفسه، قبل أن يطردوا على يد «قوات سوريا الديمقراطية» بدعم من التحالف الدولي والولايات المتحدة الأميركية في أكتوبر (تشرين الأول) 2017.
وتفاعل نشطاء ورواد مواقع التواصل الاجتماعي من أبناء الرقة مع إعلان الحكومة بدء عمليات التسوية، وتصدر الخبر الصفحات الزرقاء ونشروا تعليقات ساخرة وصوراً بثتها وكالة (سانا) للأنباء بالتزامن مع ترويج صفحات وحسابات موالية للحكومة تتحدث عن مئات الأشخاص الذين وصلوا لإجراء التسويات.
وكتب المدون ماهر العايد المتحدر من الرقة بعد إعلان التسوية على صفحته بموقع الفيسبوك: «مندس ينوي الاستفادة من الفرصة التي لن تتكرر بعد مكرمة سيادته وفتح باب التوبة والعودة لحضن الوطن، بدنا مساعدة ومحتاج آلية تركس لرفع معنويات التسوية وبدنا نقول ونعيد حرية للأبد».
أما مازن خليل من أبناء الرقة نشر تغريدة ساخرة على حسابه بموقع تويتر ليقول: «ضربة أخرى للمغتربين وتستمر عطاءات ومنح الأسد بافتتاح مركز للتسوية والمصالحة ببلدة السبخة، وسيطل علينا حسن نصر الله يطفح بالوطنية مطالباً بالمقاومة الشعبية ضد الأميركيين في شمال شرقي سوريا».
ويرى مراقبون ومتابعون للوضع في مدينة الرقة أن عمليات التسوية نوع من أنواع إعادة السيطرة الجغرافية والديموغرافية للقوات الحكومية على هذه البقعة أكثر من السيطرة العسكرية، والتي تندرج ضمن الاستراتيجية الروسية لأنهم دخلوا لصالح الحكومة لإعادة قبضتها من جهة وتأهيلها من جهة ثانية.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.