السودان: «الانقلابيون» يدفعون لنزع «سلمية الثورة»

مقتل عميد في الشرطة ومحتج وإصابة عشرات خلال «مليونية 13 يناير»

احتجاجات حاشدة شهدتها مدن العاصمة الثلاث للمطالبة بالحكم المدني في السودان (أ.ف.ب)
احتجاجات حاشدة شهدتها مدن العاصمة الثلاث للمطالبة بالحكم المدني في السودان (أ.ف.ب)
TT

السودان: «الانقلابيون» يدفعون لنزع «سلمية الثورة»

احتجاجات حاشدة شهدتها مدن العاصمة الثلاث للمطالبة بالحكم المدني في السودان (أ.ف.ب)
احتجاجات حاشدة شهدتها مدن العاصمة الثلاث للمطالبة بالحكم المدني في السودان (أ.ف.ب)

شهدت «مليونية 13 يناير (كانون الثاني)»، أمس، تطورات ميدانية تؤشر إلى شكل جديد من المواجهات بين قوات الأمن والمحتجين السلميين. فمع سقوط قتيل من المتظاهرين بالرصاص الحي، جرى الإعلان عن مقتل ضابط شرطة برتبة عميد من دون تحديد السبب، وانتبه ناشطون إلى محاولة السلطات «تجريم الثورة» ودفعها إلى التخلي عن سلميتها.
وتدفق آلاف المحتجين، الذين تجمعوا في منطقة «باشدار» جنوبي الخرطوم، باتجاه القصر الرئاسي، استجابةً لدعوة وجّهتها لجان المقاومة الشعبية وقوى سياسية للاحتجاج على الانقلاب العسكري، والمطالبة بحكم مدني كامل، وتقديم قتلة الشهداء لمحاكمات، وعودة العسكريين للثكنات، فيما تجمع الآلاف في مدينتي الخرطوم بحري وأم درمان، وحاولوا عبور الجسور للوصول إلى القصر الرئاسي. بيد أن قوات الأمن تصدّت لهم بالغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية والرصاص المطاطي والحي.
وقالت مصادر صحافية إن محتجاً على الأقل قُتل بالرصاص الحي أُصيب برصاصة في البطن، فيما أُصيب عدد كبير من المحتجين بإصابات متفاوتة. وأطلقت نقابة أطباء السودان الشرعية نداءً عاجلاً أعلنت فيه حاجة مستشفى الخرطوم بحري لأطباء جراحين ونواب جراحة، لوجود عدد كبير من الإصابات بالرصاص الحي.
وقالت لجان المقاومة في بيان مقتضب، إن الثوار يتعرضون للاعتقال، وتقوم القوات العسكرية بضربهم بالسكاكين وإخلاء سبيلهم بإصابات خطيرة، إلى جانب إصابات بالرصاص الحي والغاز المسيل للدموع.
وقالت الشرطة في بيان نشرته على صفحة وزارة الداخلية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، إن العميد شرطة علي بريمة حماد قُتل في أثناء تأدية واجبه في حماية مواكب المتظاهرين بجوار «معامل استاك»، وهي المنطقة التي كانت يرتكز عندها الطوق الأمني الذي حاول منع المحتجين من الاقتراب من القصر الرئاسي. ولم تذكر الشرطة سبب مقتل الضابط.
واستطاع المحتجون القادمون من جنوبي الخرطوم، كسر الطوق الأمني واقتربوا من الوصول إلى القصر الرئاسي، فوُجهوا بسحابة من الغاز المسيل للدموع أطلقتها القوات الأمنية المرابطة عند مدخل شارع القصر، وإطلاق كثيف لقنابل الصوت والرصاص، ما اضطرهم إلى التراجع قبل أن يستعيدوا صفوفهم ليشنوا هجوماً جديداً أجبر القوات الأمنية على التراجع. وتواصلت عمليات الكر والفر بين الفريقين لعدة ساعات، قبل أن تنشر السلطات قوات كبيرة من الجيش والأمن على مركبات مسلحة، واستخدمت عنفاً مفرطاً ضد المحتجين السلميين، وطاردتهم في طرقات المدينة.
وقالت لجنة أطباء السودان المركزية في بيان إن «ميليشيات السلطة الانقلابية» مارست أبشع الانتهاكات لفض مواكب «مليونية 13 يناير»، استخدمت خلالها الرصاص الحي، وجميع أنواع القمع والأساليب الوحشية. وأضافت: «هناك جرائم حقيقية تُرتكب الآن في حق شعبنا الثائر».
وذكرت اللجنة أن عمليات القمع والأساليب الوحشية التي اتّبعتها ميليشيات الانقلاب أوقعت عشرات الإصابات بين المحتجين، بالرصاص الحي و«الطعن» والغاز المسيل للدموع.
وناشدت اللجنة العالم والمجتمع الدولي والمؤسسات النشطة في مجال حقوق الإنسان الانتباه لـ«الانتهاكات التي ظلت ترتكبها السلطة الانقلابية في حق شعب السودان السلمي المسالم».
لجنة الأطباء ونشطاء على مواقع التواصل عدّوا أحداث أمس محاولة لتجريم الثورة السلمية وجرها إلى العنف. وقالوا: «تحاول السلطة الانقلابية من خلال جهاز أمنها وبقايا النظام البائد صياغة خطاب مخاتل عن عدم سلمية الثورة السودانية الباسلة... محاولات دمغ مواكب شعبنا ومليونياته السلمية بالعنف لا تَفوت على فطنة الثوار، ومخططات بالية حفظها شعبنا جيداً، ولن يقع ضحية لها». وتعهدوا باستمرار سلمية الحراك الثوري وأن تظل عنواناً عريضاً للسلمية يتدارسه التاريخ، بالقول: «بلا شك وراء احتفاء الإنسانية بالثورة هو أن السلمية هي السمة الملازمة لها، السلمية التي نكست بنادق الانقلابيين وآلة قمعهم، وعرّتهم وفضحتهم أمام العالم، وهي السلمية التي انتصرت قبلاً بسقوط نظامهم المخلوع، وما زالت تُسقط الطغاة والجبابرة، هي السلمية أقوى من كل ترساناتهم، وهي السلاح الأمضى ضد ما يدبرون».
ولم يسلم الصحافيون من عمليات القمع الوحشي، إذ اعتدت قوة عسكرية على الصحافية شمايل النور بالضرب المبرح. وقالت الصحافية على صفحتها على «فيسبوك» إنها «تعرضت وآخرين للضرب المبرح بالقرب من حديقة القرشي من جنود الجيش الذين انهالوا عليهم كالكلاب المسعورة».
ونجا الصحافي عثمان فضل الله من محاولة دهس بعربة عسكرية سبّبت له بعض الرضوض، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن عربة تابعة للجيش كانت تطارده في محاولة لدهسه، إلاّ أنه استطاع النجاة بأعجوبة بعدما دهست رجله.
وداهمت قوات عسكرية مكتب قناة «العرب»، وألقت القبض على الطاقم الصحافي والفني، وهو يتألف من مشغّل المكتب إسلام صالح، والمراسل وائل محمد الحسن، والمصور مازن أونور، ومساعده أبو بكر علي، وتعرض مشغل المكتب للضرب بالهراوات من قوات الأمن في أثناء المداهمة.
واستخدمت الأجهزة الأمنية تكتيكاً جديداً لمواجهة موكب 13 يناير، لم تستخدمه منذ انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فقد درجت على إغلاق الجسور الرابطة بين مدن الخرطوم الثلاث، ونشر قوات كبيرة في الساعات الأولى من صباح يوم الموكب، تحسباً لعبور المحتجين إلى الخرطوم والوصول للقصر الرئاسي، بيد أنها أبقت الجسور مفتوحة ولم تنشر قوات كبيرة، وفجأة أغلقت الجسور ونشرت قوات كبيرة من الشرطة والأمن ولحقت بها قوات أخرى من الجيش. ووفقاً لتقارير لجنة أطباء السودان المركزية، بلغ عدد القتلى بين المحتجين منذ الانقلاب العسكري في أكتوبر الماضي 64 قتيلاً، بينهم نساء وأطفال دون سن التكليف، وإصابة المئات بجراح بعضها خطيرة، ولا يزال كثيرون يتلقون العلاج في المستشفيات.



عباس: ينبغي أن تمارس السلطة الفلسطينية ولايتها الكاملة في غزة بما في ذلك معبر رفح

الرئيس الفلسطيني محمود عباس على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة (رويترز)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة (رويترز)
TT

عباس: ينبغي أن تمارس السلطة الفلسطينية ولايتها الكاملة في غزة بما في ذلك معبر رفح

الرئيس الفلسطيني محمود عباس على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة (رويترز)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة (رويترز)

استحوذت حرب غزة والقضية الفلسطينية والأزمات المختلفة في عدد من البلدان العربية على حيز واسع من مجريات اليوم الثالث من أعمال الدورة السنوية الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك؛ إذ صعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى منبرها للمطالبة بتجميد عضوية إسرائيل في المنظمة الدولية، ووقف تزويدها بالأسلحة، وإرغامها على تنفيذ التزاماتها وقرارات مجلس الأمن.

ودعا الرئيس الفلسطيني، الخميس، المجتمع الدولي إلى وقف تزويد إسرائيل بالأسلحة؛ لمنع إراقة الدماء في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة.

وقال عباس من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة: «أوقفوا هذه الجريمة، أوقفوها الآن، أوقفوا قتل الأطفال والنساء، أوقفوا حرب الإبادة، أوقفوا إرسال السلاح لإسرائيل».

وأضاف: «إسرائيل دمرت القطاع بالكامل تقريباً، ولم يعد صالحاً للحياة». وأوضح أمام الجمعية العامة التي تضم 193 عضواً: «لا يُمكن لهذا الجنون أن يستمر. إن العالم بأسره يتحمل المسؤولية إزاء ما يجري لشعبنا».

وعرض عباس رؤية لإنهاء الحرب في غزة؛ تتضمن بسط سلطة منظمة «التحرير الفلسطينية» على جميع الأراضي الفلسطينية بما في ذلك غزة. وطالب الرئيس الفلسطيني بأن تمارس السلطات الفلسطينية ولايتها الكاملة في غزة، بما في ذلك على معبر رفح، بوصفه جزءاً من خطة شاملة.

كما قال عباس إن إسرائيل «غير جديرة» بعضوية الأمم المتحدة، مشدداً على أن الدولة العبرية تحدت قرارات المنظمة الدولية ذات الصلة بالصراع.

وأضاف من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة: «إسرائيل التي ترفض تنفيذ قرارات الأمم المتحدة غير جديرة بعضوية هذه المنظمة الدولية»، معرباً عن أسفه لأن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض في مجلس الأمن الدولي ضد إعطاء دولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.

وتابع: «يؤسفنا أن الإدارة الأميركية عطّلت 3 مرات مشاريع قرارات لمجلس الأمن تطالب إسرائيل بوقف إطلاق النار باستخدامها الفيتو، وفوق ذلك زوّدتها بالأسلحة الفتّاكة التي قتلت آلاف الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ، وهو ما شجّع إسرائيل على مواصلة عدوانها». وخلص إلى القول «فلسطين سوف تتحرر».

وأعلنت إسرائيل، الخميس، الحصول على مساعدة عسكرية أميركية بقيمة 8.7 مليار دولار.

كذلك عرض الرئيس الفلسطيني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة رؤية لإنهاء الحرب في غزة، تتضمن بسط سلطة منظمة «التحرير الفلسطينية» على جميع الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك غزة.

وطالب عباس بأن تمارس السلطات الفلسطينية ولايتها الكاملة في غزة، بما في ذلك معبر رفح، بصفته جزءاً من خطة شاملة، فالفلسطينيون يرفضون إقامة مناطق عازلة إسرائيلية، مشدداً: «لن نسمح لإسرائيل بأخذ سنتيمتر واحد من غزة».

اليمن ووكلاء إيران

من جهته، تحدّث رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد محمد العليمي، أولاً عن الوضع في بلاده، قائلاً: «إن تعافي اليمن ليس مجرد قضية وطنية، بل حاجة إقليمية وعالمية»، لأن «استقراره يعد أمراً حاسماً للحفاظ على السلام وأمن المنطقة، وطرق التجارة في البحرين الأحمر والعربي والممرات المائية المحيطة».

وأضاف: «أن الحكومة اليمنية تظل ملتزمة بنهج السلام الشامل والعادل، لكنه من الضروري في هذه الأثناء تعزيز موقفها لمواجهة أي خيارات أخرى، بالنظر إلى تصعيد الميليشيات الحوثية المتواصل على الصعيدين المحلي والإقليمي، وتهديد الملاحة الدولية، ولمنع تواصل توسع واستدامة هذا التصعيد».

ولفت إلى أن «هجمات الحوثيين المستمرة على حركة التجارة العالمية في البحر الأحمر والممرات المائية المحيطة تظهر أنها تُشكل تهديداً متزايداً ليس فقط للداخل اليمني، ولكن أيضاً لاستقرار المنطقة بأكملها».

وعن الوضع في بقية الشرق الأوسط، قال العليمي: «إن الحرب الإسرائيلية الوحشية على الشعب الفلسطيني يجب أن تتوقف على الفور، لأن ذلك هو مفتاح السلام المنشود، ومدخل لرفع الغطاء عن ذرائع إيران ووكلائها لتأزيم الأوضاع في المنطقة».

وتطرق إلى الوضع في لبنان، قائلاً: «إن السبيل الوحيدة لردع العدوان الإسرائيلي الغاشم على لبنان ستكون بموقف حازم من المجتمع الدولي، ووحدة اللبنانيين أنفسهم واستقلال قرارهم وعدم التدخل في شؤون بلدهم الداخلية، واستعادة الدولة اللبنانية لقرار السلم والحرب».

ليبيا نحو الانتخابات

وسبقه إلى المنبر رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، الذي قال إن الليبيين هم الأقدر على تقرير مصيرهم من خلال «الاستفتاءات النزيهة وعقد انتخابات شاملة (...) لإنهاء أي انسداد سياسي»، مؤكداً أن «الحل السياسي الشامل في مساراته المالية والاقتصادية والأمنية، إضافة لمسار المصالحة الوطنية، هو السبيل الوحيدة لتوحيد المؤسسات وضمان الاستقرار وصولاً إلى الانتخابات، وتجديد الشرعية لجميع المؤسسات وتقرير الشعب الليبي لمصيره».

وشدد المنفي على أن ما يرتكبه «الاحتلال الإسرائيلي من جرائم إبادة وتطهير عرقي ضد الشعب الفلسطيني واللبناني يُمثل انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية».

وشدد على أن إبعاد «شبح نشوب حرب إقليمية» في المنطقة يكون من خلال معالجة الوضع في غزة، وإيقاف «الانتهاكات والاعتداءات الجسيمة» في فلسطين.