«تاريخ جديد للإنسانية»... هل اللامساواة هي الثمن الحتمي للتطوّر البشري؟

جاء الكتاب نتيجة لمراسلات إلكترونية بين الكاتبين تطوّرت لتصبح كتاباً ضخماً

«تاريخ جديد للإنسانية»... هل اللامساواة هي الثمن الحتمي للتطوّر البشري؟
TT

«تاريخ جديد للإنسانية»... هل اللامساواة هي الثمن الحتمي للتطوّر البشري؟

«تاريخ جديد للإنسانية»... هل اللامساواة هي الثمن الحتمي للتطوّر البشري؟

يبدو تقدّم المجتمعات البشرية من أشكالها البدائية الأولى (المجتمعات الجوّالة جامعة الثمار) نحو مجتمعات أكثر تقنية وتحضراً (كمجتمعاتنا الحاضرة) وكأنّه نمطٌ من الحركة التاريخية الخطية التي صارت بمثابة سردية كبرى Meta Narrative. تتأسس معالم هذه السردية على جملة مواضعات، منها أنّ كلّ انتقالة تاريخية في نمط الجماعة البشرية يصاحبها تغيير في نمط الخبرات الجديدة المتحصلة مترافقاً مع خسارة خبرات قديمة، مع تعزيز حالة اللامساواة وتكريس معالم التراتبية الطبقية Class Heirarchy بين أفراد الجماعة البشرية. تبدو هذه السردية الكبرى وكأنها فكرة متفق عليها بين مدوّني تاريخ تطوّر المجتمعات البشرية في شتى تلوّناتها (سياسية، أنثروبولوجية، اقتصادية،،، إلخ)، ومن هؤلاء الساردين المعاصرين لحكاية تطوّر المجتمعات البشرية على سبيل المثال: يوفال نوح هراري Yuval Noah Harari في كتابه «الإنسان العاقل: موجز تأريخ الجنس البشري»، وجاريد دياموند Jared Diamond في كتابه «العالم حتى الأمس»، وفرانسيس فوكوياما Francis Fukuyama في كتابه «أصول النظام السياسي». تتفق هذه الكتب القياسية على فكرة مركزية فحواها أنّ المجتمعات البشرية عندما تصبح أكبر وأكثر تعقيداً وتحضراً وغنى، فإنها تصبح في الوقت ذاته أقلّ مساواة. تخبرنا سردية التطوّر الكبرى أنّ أوائل البشر عاشوا مثل جامعي الثمار في صحراء كالاهاري: جماعات صغيرة متنقلة تعيش بمساواة وديمقراطية كاملة؛ غير أنّ هذه المساواة اختفت مع تعاظم حالة الاستقرار في الأرض وارتقاء الزراعة لكون الزراعة منشطاً بشرياً يتطلّبُ إدارة حازمة للأرض واليد العاملة وموارد المياه. حصل بعد هذا نشوء المدن الصغيرة الأولى، ثمّ الدول في نهاية المطاف؛ الأمر الذي تطلّب المزيد من تعزيز التراتبيات الطبقية بفعل ظهور القادة والإداريين وتقسيم العمل والطبقات الاجتماعية. السردية التطوّرية – التي صارت مواضعة راسخة في الأذهان – واضحة إذن: المساواة البشرية تتطلب التضحية بها كثمن لا بديل عن دفعه في سبيل التطوّر البشري. شيء أقرب إلى مقايضة فاوستية حاسمة لا يمكن ملاعبتها أو تغييرها، وكلّ ما يمكننا فعله إزاءها هو القبول بها.
نُشِر في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 كتابٌ يناقضُ هذه السردية الاجتماعية التطوّرية الكبرى ويرى فيها سردية أسطورية. عنوان الكتاب هو فجرُ كلّ شيء The Dawn of Everything، مع عنوان ثانوي مثير: تاريخ جديد للإنسانية A New History of Humanity. الكتاب ضخمٌ يتجاوز السبعمائة صفحة، وفيه ملحق بيبلوغرافي شغَل وحده ثلاثاً وستين صفحة! أما مؤلفا الكتاب فهما: ديفيد غريبر David Graeber المتخصص بالأنثروبولوجيا الاقتصادية والناشط الفوضوي الذي أشغل مواقع جامعية مميزة في أميركا قبل أن توقفه جامعة ييل عن العمل بسبب نشاطه المؤثر في تأسيس حركة «احتلوا وول ستريت»، وعقب ذلك عمل غريبر في مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية. المؤلف الآخر هو ديفيد وينغرو David Wengrow أستاذ علم الآثار (الحفريات) في معهد الآثار التابع للكلية الجامعة في لندن. ثمة ملاحظتان مهمّتان في شأن هذا الكتاب: الأولى أنّه جاء نتيجة لمراسلات إلكترونية بين الكاتبين ناقشا فيها سردية التطوّر البشري، ثمّ تطوّرت هذه المراسلات لتصبح في نهاية المطاف كتاباً ضخماً. الملاحظة الأخرى، أنّ غريبر لم يشهد بنفسه نشر كتابه وتحقيقه أعلى المبيعات وانضمامه السريع إلى قائمة «البست سيلر»؛ فقد توفي في 2 سبتمبر (أيلول) 2020؛ أي قبل سنة من نشر الكتاب وبعد وقت قصير من إكماله متأثراً بمرض في البنكرياس.
يُرجِعُ مؤلفا الكتاب أصول السردية التطورية السائدة إلى فكر عصر التنوير الأوروبي، ويسوّغان رسوخ هذه السردية واستمراريتها غير المنقطعة لكونها مرغوبة من جانب كلّ الفرقاء السياسيين والاجتماعيين، سواء كانوا ذوي توجهات محافظة أو ليبرالية. بقدر ما يختصُّ الأمر بالليبراليين، على شاكلة آدم سميث Adam Smith مبتدع نظرية اليد الخفية التي تعمل على تحقيق التوازن الطبيعي في الأسواق، تمثل سردية التطور البشري قصة جميلة مرغوبة تعزز فكرة اللامساواة التي تتعاظم مع تزايد المناشط التجارية ونشأة الدولة الحديثة. الحال ذاتها تتماشى مع تنويعة أخرى في هذه السردية وظّفها اليساريون منطلقين من فكر الفيلسوف جان جاك روسو الذي رأى أن الحالة الطبيعية هي أن يكون الإنسان متحرراً من أي قيود مفروضة عليه؛ لكنّ مَقْدَمَ الزراعة وما تطلبته من امتلاك أراضٍ جعل الناس مقيّدين بقيود لم يعهدوها من قبلُ.
اندفع غريبر ووينغرو في كتابهما المشترك لتفنيد السردية الخطية للتطوّر البشري التي عضّدتها رؤى الأصوليين (المحافظين) والليبراليين (الثوريين)؛ فقد قدّما في كتابهما شواهد مستمدّة من البحث الأنثروبولوجي والآثاري لتفنيد مواضعات تلك السردية. ثمة على سبيل المثال في الكتاب كشوفات تفيد بأنّ حفريات في ولاية لويزيانا الأميركية أبانت أنّ الأميركيين الأوائل قرابة 1600 سنة قبل الميلاد أنشأوا أبنية ضخمة صالحة لحياة تجمعات بشرية ضخمة وليس جماعات بشرية متناثرة؛ الأمر الذي يوفر شاهدة مؤكدة بأنّ الجماعات البشرية الأولى من جامعي الثمار لم يكونوا محض بشر متفرقين يحيون حياة بسيطة منعزلة.
من المثير في الكتاب إشارة المؤلفين إلى «الثورة الزراعية»، تلك الانعطافة المفصلية في السردية التطورية للبشرية لكونها مثّلت قمّة هرم المقايضة الفاوستية عندما ارتضت البشرية أن تستبدل البساطة والمساواة بالغنى والرفعة الاجتماعية والتراتبية الطبقية. يرى المؤلفان – ببساطة – أنّ تلك الثورة لم تجرِ وقائعها بحسب التفاصيل المثيرة التي ترويها لنا السردية التطورية الكبرى بل جاءت الانتقالة من مجتمعات التقاط الثمار نحو المجتمعات الزراعية هادئة وممتدّة على مدى زمني طويل؛ فلم تكن الانتقالة تنطوي على أي خصائص ثورية، وقد تناغمت البنى الاجتماعية للانتقالة الزراعية مع البنى الاجتماعية السابقة. وبطريقة مماثلة لم تتطلب نشأة المدن الكبيرة ضرورة حتمية مسبقة لنشأة طبقة الملوك والكهنة والبيروقراطيين، ويقدّم غريبر ووينغرو أمثلة على بنى مجتمعية ظهرت فيها معالم سلطة شبيهة بمعالم سلطة المجتمعات المتحضرة الكبيرة؛ لكنّ الفرق أنّ السلطة في المجتمعات السابقة كانت غير ممركزة في مكان واحد.
من المهم عند قراءة هذه الكتاب الانتباه إلى حقيقة أساسية: عندما يقدّم المؤلفان أطروحة مناقضة للأطروحة السائدة لا يعني هذا أنهما يبشّران بحقبة ذهبية عاش فيها أسلافنا الأوائل من جامعي الثمار في حالة مساواة كاملة وحرية مطلقة. يؤكد المؤلفان في غير موضع من الكتاب على شيوع حالة الهُجنة Hybridity في المجتمعات البشرية الأولى: تراتبية في مواضع محدّدة ولاتراتبية في مواضع سواها، مساواة في ظروف محدّدة ولامساواة في ظروف سواها،،،، إلخ، ويقدّمان أقواماً مثل الشيروكي Cherokee والإنويت Inuit كأمثلة تطبيقية، حيث عاشت تلك الأقوام أزمنة تفاوتت بين الشمولية الطاغية والديمقراطية الناجزة اعتماداً على فصول السنة!
يؤكد المؤلفان في خاتمة الكتاب، أنهما كتبا هذا الكتاب مدفوعَيْن بمخرجات التنقيب الآثاري وبهجة ملاعبة الخيال الحر والتفكّر خارج صندوق المواضعات الراسخة، وأنّ أطروحتهما ليست سوى جهد فكري يحتملُ – بل يستوجب – النقد والتفكّر ومقاربة الموضوع من زوايا مغايرة غير مختبرة أو مدروسة بكفاية، وليس هذا سوى جزء من الحيوية الفكرية التي ينبغي أن نتعشقها في سعينا اللانهائي للبحث عن مغامرة الوجود البشري على هذه الأرض، ومآلاتها اللاحقة التي انتهت إلى ما نحنُ عليه اليوم.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.