«حِجر العُلا»... سياحة بين «المقابر الأرستقراطية»

تاريخ يعيشه الزوار خلال ساعتين يستشعرون فيه هيبة «الأنباط» وبذخهم

مقبرة لحيان بن كوزا، المعروفة باسم قصر الفريد، تُدهش زوار العلا
مقبرة لحيان بن كوزا، المعروفة باسم قصر الفريد، تُدهش زوار العلا
TT

«حِجر العُلا»... سياحة بين «المقابر الأرستقراطية»

مقبرة لحيان بن كوزا، المعروفة باسم قصر الفريد، تُدهش زوار العلا
مقبرة لحيان بن كوزا، المعروفة باسم قصر الفريد، تُدهش زوار العلا

لا يوجد مكان يستطيع فيه الزائر استشعار هيبة العرب القدامى أكثر من «الحِجر» في العُلا، حيث كانوا ينظرون للموت باعتباره رحلة مستقبلية، بحثاً عن الخلود وإيماناً بفكرة الحياة الفاخرة ما بعد الممات، في تجهيز بيوت الأبديّة، كما كان ينعتها الأنباط، عبر مقابر ذات خمس نجوم، وهو ما يبدو واضحاً في فخامة الطقوس الجنائزية التي تُظهر بذخ الأنباط، وتباهي نخبتهم في امتلاك كل منهم مقبرة فارهة تعبّر عن طبقته الاجتماعية العليا.
كل هذه الحكايات ترويها جولة الحِجر، التي تضم أكثر من 100 مدفن أثري منحوت من التكوينات الصخرية التي دُفن فيها نخبة الأنباط، حيث تقدم العُلا لزائرها رحلة فريدة من نوعها، تستغرق ساعتين، للمقابر التي بُنيت لحفظ رفات الأسر أو الأفراد، وتعكس أحوالهم الاجتماعية في حجم مقابرهم الفاخرة، ودقة تفاصيلها، أما المقابر التي نحتت في أعالي الجبال فكانت أبسط، وربما تكون لعامة الشعب من ذوي المكانة الأدنى، كما تُظهر المعلومات المرافقة للجولة.
وما تزال بعض هذه المدافن المذهلة تحمل حتى يومنا هذا النقوش التي تتناول الشخصيات المدفونة فيها. وأثناء التجوّل، نجد مدافن مخصّصة للمُعالِجين، والشخصيات العسكرية، والقادة المحليين، وغيرهم. في حين تتوزّع النقوش في جميع أنحاء الحِجر، حيث تكشف عن أصول اللغة العربيّة، وتُسلّط الضوء على عادات ومعتقدات الحضارات القديمة.
وجولة الحِجر الذي يعد أول موقع في السعودية يتم إدراجه ضمن قائمة منظمة اليونيسكو لمواقع التراث العالمي، تشمل: جبل إثلب، جبل البنات، مقبرة لحيان بن كوزا (قلعة الفريد)، جبل الأحمر، جبل الخريمات. ويفيد المرشد السياحي زياد البلوي، أن هذه المقابر كان يبنيها الأنباط للعيش بعد الممات، مشيراً بيده إلى قلعة الفريد، قائلاً: «نحن الآن نقف أمام إحدى أشهر الواجهات الصخرية، واجهة مدفن القائد العسكري لحيان بن كوزا، التي تعد أكبر وأشهر واجهة في الحِجر، بارتفاع يقارب 27 متراً».
وأوضح البلوي لـ«الشرق الأوسط» أن لحيان أراد أن يتباهى بأضخم واجهة لقبره، مبيناً أن معظم المقابر تستغرق من سنة إلى سنتين لحين اكتمالها، وأن عملية النحت تبدأ من الأعلى إلى الأسفل، باستخدام الإزميل والمطرقة، ويضيف: «واجهة الفريد مزيّنة بأربعة أعمدة، كل عمود يضم تاجاً نبطياً، بما يشبه الهويّة للأنباط آنذاك». وبسؤاله عن الخطة المعمولة لذلك، أفاد بأن كل نبطي من عِلية القوم كان يشتري جبلاً ثم يوظف نحاتاً لتشكيله. ويردف: «وظيفة النحات كانت مهمة جداً في تلك الحقبة».
إلا أن الفريد لم تكتمل واجهته، وهو ما يمكن ملاحظته بوضوح في غياب بعض تفاصيله، ويؤكد البلوي أن الفريد هو أيقونة ورمز للعلا، وسمي بهذا الاسم لفرادته، حيث يعد أكبر وأضخم واجهة صخرية في العلا، إلى جانب تفرده بقبر واحد، بينما بقية المقابر عبارة عن مجموعات في جبل.
وبجواره، يقع جبل البنات، حيث تظهر الرسوم المختلفة على واجهات المقابر، مما يعكس تأثر الحِجر بالمجتمعات الأخرى التي تعامل معها النبطيون في التجارة، والتي شملت تصاوير النسور والأقنعة والثعابين وغيرها من الرموز. ويبدو لافتاً كذلك التأثير الروماني في المكان، حيث ضُمّت المملكة النبطية إلى الإمبراطورية الرومانية عام 106 ميلادي. وفي الواقع، فإن وجود مدينة الحِجر على طريق البخور وطرق التجارة عنى أن الأنباط والرومان كانوا حريصين على تزويدها بحماية عسكرية قوية.
وقبل مملكة الأنباط في الحِجر، كانت مملكة دادان ولحيان، التي لديها أيضاً طقوس خاصة للمدافن، كما توضح الراوية أنوار حميد، التي أخذت «الشرق الأوسط» في جولة تعريفية بتاريخ الممالك القديمة لشبه الجزيرة العربية، حيث تشير كلمة «دادان» إلى اسم المكان، وكلمة «لحيان»، تشير إلى اسم الشعب، وأبانت أنوار حميد وجود نحو 87 مقبرة، أبرزها المنقوش في الواجهة الصخرية جنوب دادان. بما يعكس المكانة الاجتماعية لمن دُفنوا هناك.
وأوضحت أنوار حميد أن المجتمع اللحياني تميّز آنذاك بفن الهندسة المعمارية والنحت، بما في ذلك نحت المقابر على الصخور، وأشهر تلك المقابر هي «مقابر الأسود»، وترمز الأسود المنحوتة إما إلى المكانة العالية أو إلى القوة، أو ربما تم نحتها لحماية أصحاب القبور، جميعها احتمالات ذكرتها أنوار حميد، نقلاً لما يراه المؤرخون، مضيفة: «التنقيبات تُركز حالياً على المعبد الديني القديم».
ولا يمكن رؤية مقابر الأسود بالعين المجردة، لارتفاعها في الجبل، مما يتطلب استخدام المنظار لتقريب الصورة والتمكّن من تأمل جمالية هذه النقوش الفريدة من نوعها، ويُرجح أن تكون بعض هذه المقابر تابعة لأفراد من المعينيين ممن عاشوا في دادان بعد القرن الخامس قبل الميلاد، بما في ذلك أحد مقابر الأسود.



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.