إسرائيل تحجب قطع غيار لأجهزة تكرير المجاري في غزة

«جيشا» تحذر من دوافع سياسية

لا يزال قطاع غزة يعاني من دمار منذ القصف الإسرائيلي في مايو الماضي (أ.ف.ب)
لا يزال قطاع غزة يعاني من دمار منذ القصف الإسرائيلي في مايو الماضي (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تحجب قطع غيار لأجهزة تكرير المجاري في غزة

لا يزال قطاع غزة يعاني من دمار منذ القصف الإسرائيلي في مايو الماضي (أ.ف.ب)
لا يزال قطاع غزة يعاني من دمار منذ القصف الإسرائيلي في مايو الماضي (أ.ف.ب)

في الوقت الذي يعاني فيه أهالي قطاع غزة من نقص شديد في المياه وانهيار البنية التحتية للمجاري في الحرب الأخيرة، شكى أهالي القطاع أمس، من تأخير متعمد في إدخال قطع الغيار لأجهزة تكرير المجاري، مما يمنع إنقاذ ما يمكن إنقاذه ويهدد بتفاقم أزمة صحية أخطر من كورونا.
وقد شكى رؤساء البلديات الساحلية ومسؤولو مصلحة المياه في القطاع، من قيام إسرائيل بتأخير دخول مئات قطع الغيار التي تحتاجها مصلحة المياه والبلديات، لتأمين عمل أجهزتها المستخدمة في إدارة شؤون المياه والمجاري. وبسبب النقص في هذه القطع، أعطبت مئات الأجهزة وفقدت المؤسسات السيطرة على مجرى المياه والمجاري، فتضاعف النقص في مياه الشرب للبيوت وتدفقت كميات هائلة من المجاري في الشوارع وإلى البحر.
وقد وردت الشكاوى في تقرير نشرته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أمس الأحد، وجاء فيه أن هناك أكثر من 500 جهاز تستخدم في إدارة شؤون المياه والمجاري في بلدات القطاع، بعضها ينقصها مواسير وبعضها مضخات وبعضها سدادات، وغير ذلك من القطع الصغيرة والحيوية، التي من دونها لا تعمل الأجهزة.
وتعطلت بسبب ذلك عملية تزويد المياه وعملية تطهير المياه وعملية توجيه المجاري، وشلت أجهزة تحلية مياه البحر. وعلى سبيل المثال، انخفض إنتاج جهاز تحلية المياه في دير البلح، من 6 آلاف متر مكعب إلى 1600 بسبب هذا النقص. وقالت منظمة «جيشا» الإسرائيلية، التي تتابع الأوضاع في غزة وآثار سياسة الحصار الإسرائيلي، إنها مقتنعة بأن هذا التأخير لم يأت صدفة، بل هو جزء من سياسة إسرائيلية مقصود بها ممارسة الضغوط السياسية لأغراض أخرى. وقالت إن هذه السياسة متبعة في إسرائيل واعتبرتها «ممارسة وحشية».
يقول المهندس ماهر نجار، الذي يعمل في مصلحة مياه بلديات الساحل في القطاع 22 عاماً، إن: «الوضع هنا كارثي، نحن بحاجة ماسة لـ5.000 قطعة غيار مختلفة لإصلاح شبكات وأنظمة المياه التي دمرها القصف الإسرائيلي، ولكن إسرائيل لا تسمح لنا بإدخال أي منها إلى قطاع غزة». وأعرب النجار عن قلقه الشديد من خطر التدهور، وناشد إسرائيل أن تخرج موضوع المياه من الصراع.
وفي رد على ما جاء في التقرير، نفى الناطق بلسان الإدارة المدنية في الجيش الإسرائيلي، هذه الاتهامات، وادعى أنها جاءت للتشويه والتضليل، وقال إن النقص في المياه يعود بالأساس إلى سرقات المياه التي تتم في غزة، أكان من طرف حكومة حماس وذراعها العسكرية أو من مواطنين ينتهزون الفساد ويسرقون الماء بأنفسهم. وقد رد نجار على هذا التصريح، قائلاً: «قبل الحرب الأخيرة لم تكن هناك مشكلة وقد تمكنا من الاستجابة لاحتياجات الناس عندنا. لكن الحرب دمرت البنى التحتية وما زلنا عاجزين عن تصليح الأجهزة، رغم أنها وصلت إلى موانئ إسرائيل».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.