أوروبا تستعد لتشديد تدابير «كورونا» وقيود العزل

الاحتجاجات مرشحة للتصعيد مع اقتراب مواعيد تطبيق إلزامية التلقيح

مركز تطعيم يعمل على مدار الساعة في جزيرة كورسيكا الفرنسية (أ.ف.ب)
مركز تطعيم يعمل على مدار الساعة في جزيرة كورسيكا الفرنسية (أ.ف.ب)
TT

أوروبا تستعد لتشديد تدابير «كورونا» وقيود العزل

مركز تطعيم يعمل على مدار الساعة في جزيرة كورسيكا الفرنسية (أ.ف.ب)
مركز تطعيم يعمل على مدار الساعة في جزيرة كورسيكا الفرنسية (أ.ف.ب)

تستعد دول أوروبية لتشديد تدابير الوقاية وقيود العزل المفروضة لمكافحة «كوفيد-19»، وتضييق الطوق على غير الملقحين، وذلك رغم التـظاهرات الحاشدة التي عمَّت عشرات العواصم والمدن ضد هذه الإجراءات، وتحذيرات الأجهزة الأمنية من أن هذه الاحتجاجات باتت مرشحة للتصعيد، مع اقتراب مواعيد البدء في تطبيق إلزامية التلقيح في عدد من البلدان، بدءاً من مطلع الشهر المقبل.
وبينما يشغل بال السلطات الصحية الأوروبية الضغط المتزايد على المستشفيات، وارتفاع عدد المصابين تحت الحجر الصحي الذين يشكِّلون 12 في المائة من مجموع السكان في بعض البلدان، ينصب اهتمام السلطات السياسية على الدور الذي تلعبه الأحزاب والقوى اليمينية المتطرفة في هذه المظاهرات؛ خصوصاً في إيطاليا وألمانيا وبلجيكا والنمسا وفرنسا. كما شاركت نقابات عمالية رفعت شعارات تندد بخنق الحريات و«ديكتاتورية كوفيد».
وكانت المفوضية الأوروبية قد أعلنت دعمها لتشديد تدابير الوقاية والعزل والقيود الصارمة التي فرضتها عدة دول على غير الملقحين الذين يزيد عددهم في بعض البلدان، مثل ألمانيا، عن ربع السكان.
- «الرمز الأسود»
وكان المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض السارية والوقاية منها، قد حذَّر مجدداً من أن حالات الاستشفاء إلى ازديادٍ سيمتد حتى بلوغ الموجة الراهنة ذروتها مطلع الشهر المقبل، وأن بعض المنظومات الصحية بدأت تستعد للعودة إلى تفعيل «الرمز الأسود»، أي نظام المفاضلة بين الحالات الميؤوس منها والقابلة للشفاء، الذي اضطرت إلى تطبيقه في المراحل القاسية من الجائحة.
في موازاة ذلك، نبَّه العالم الفيزيائي المعروف روبرتو باتّيستون، الذي يطلق عليه لقب «عالم الرياضيات الفيروسية» من الاندفاع العام وراء الاعتقاد بأن متحور «دلتا» لم يعد سارياً؛ مشيراً إلى أنه لا توجد أي أدلة على ذلك «بل من المرجَّح أن يكون هذا المتحور هو المسؤول الرئيسي عن حالات الاستشفاء والعلاج في وحدات العناية الفائقة، والوفيَّات التي نشهدها حالياً».
وقال: «نحن الآن فيما يشبه المواجهة ضد جائحتين مختلفتين: واحدة بسبب متحور (دلتا) والثانية ناجمة عن متحور (أوميكرون) تتسبب في إصابات أقل خطورة؛ لكن سرعة سريانها غير المسبوقة قد تؤدي بنا إلى إقفال فعلي تام». وشدَّد الاختصاصي الذي كان لسنوات مستشاراً لدى منظمة الصحة العالمية، ويشغل حالياً منسَّق المرصد الوبائي الإيطالي، على أن التصدي بفاعلية لهذه المرحلة المعقدة من الأزمة الصحية، يقتضي التمييز بوضوح بين الإصابات بكل من هذين المتحورين.
- «دلتا» ما زال سارياً
وأوضح باتّيستون أن طغيان المتحور الجديد لا يعني أن متحور «دلتا» قد اختفى أو في طريقه إلى الاختفاء؛ مشيراً إلى أن البيانات الأخيرة تفيد بأن «دلتا» ما زال يتسبب بنسبة 20 في المائة في الإصابات الجديدة، ويواصل سريانه في جميع البلدان الأوروبية، وأنه وراء معظم الإصابات الخطرة والوفيات. وحذَّر من أنه في حال عدم اتخاذ التدابير العاجلة لتعزيز قدرات أقسام الطوارئ في المستشفيات، فستتعرض المنظومات الصحية للانهيار في غضون شهر على أبعد تعديل؛ نظراً لوجود عدد كبير من الأوروبيين الذين لم يتلقوا اللقاح حتى الآن.
وشدَّد الاختصاصي على مخاطر تخفيف تدابير الوقاية والقيود على التنقُّل؛ بحجة أن متحور «أوميكرون» لا يتسبب في إصابات خطرة «لأننا لا نواجه عدواً واحداً؛ بل نحن أمام متحورَين يختلف أحدهما كثيراً عن الآخر، والتركيز على المتحور الجديد من شأنه أن يؤدي لإعادة تنشيط متحور (دلتا) الذي هو الأكثر خطورة من المتحورات التي طرأت على فيروس (كورونا) المستجد حتى الآن».
- التسلسل الوراثي للفيروس
وتجدر الإشارة إلى أن تحديد المتحور الذي تنشأ عنه الإصابة يتم عن طريق التسلسل الوراثي للفيروس، وهي تقنية متطورة تطبقها الدول الأوروبية بنسبة متدنية جداً؛ مقارنة بتطور الجائحة «حيث إننا نتحرك في ظلام، ونستخدم الأسلحة نفسها ضد أهداف مختلفة جداً بعضها عن بعض»، كما يقول باتّيستون الذي يدعو إلى الاهتمام أيضاً باحتواء متحور «دلتا» نظراً لتداعياته الخطرة على غير الملقحين. وينبه إلى أن العودة إلى فتح المدارس، من شأنها أن تنشِّط سريانه؛ خصوصاً بين الأطفال، ما يدفع الأزمة إلى مرحلة حرجة ومعقدة جداً من الناحية اللوجستية، مع الانتشار السريع والكثيف لـ«أوميكرون».
ويذكر أن المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض السارية، كان قد أفاد بأن متوسط الوفيات اليومية تضاعف 6 مرات منذ أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الفائت، بسبب متحور «دلتا»، وليس متحور «أوميكرون» كما يسود الاعتقاد، وأن هذا المتوسط إلى ارتفاع.
وبينما يواجه سكان معظـم الدول الأوروبية أزمة الطوابير الطويلة أمام مراكز الاختبار، أعلنت الصين أمس (الأحد) بأنها ستجري اختبارات لجميع سكان مدينة تيانجين البالغ عددهم 14 مليوناً، بعد أن رصدت إصابتين محليتين بمتحور «أوميكرون». وتجدر الإشارة إلى أن هذه المدينة تبعد 150 كيلومتراً عن العاصمة بكين التي تستضيف دورة الألعاب الأولمبية الشتائية مطلع الشهر المقبل.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».