الوقفات الاحتجاجية... سلاح ليبي بلا تأثير

وسط اتهامات للنخب السياسية بالإخفاق في حشد المواطنين

ليبي يحمل لافتة في 24 ديسمبر (كانون الأول) الماضي رفضاً لتأجيل الانتخابات (رويترز)
ليبي يحمل لافتة في 24 ديسمبر (كانون الأول) الماضي رفضاً لتأجيل الانتخابات (رويترز)
TT

الوقفات الاحتجاجية... سلاح ليبي بلا تأثير

ليبي يحمل لافتة في 24 ديسمبر (كانون الأول) الماضي رفضاً لتأجيل الانتخابات (رويترز)
ليبي يحمل لافتة في 24 ديسمبر (كانون الأول) الماضي رفضاً لتأجيل الانتخابات (رويترز)

على الرغم من تنظيم أطياف سياسية ليبية مختلفة مظاهرات ووقفات احتجاجية عدة في أنحاء البلاد، على مدار الأشهر الماضية للضغط على السلطات لتنفيذ مطالبهم الاجتماعية، أو السياسية المتعلقة بضرورة إجراء الانتخابات العامة، فإنها لم تنل الاستجابة المطلوبة وبدت سلاحاً بلا تأثير، الأمر الذي عزاه متابعون إلى «فشل القوى السياسية في الحشد الجماهيري».
وقال عضو مجلس النواب الليبي محمد عامر العباني، إن «محدودية المتظاهرين الذين يصطفّون في الوقفات الاحتجاجية يدفع صنّاع القرار السياسي للاستخفاف، ولا يتعاطى مع مطالبهم بدعوى أنهم لا يمثلون أي إرادة شعبية».  
ودعا العباني في تصريح لـ«الشرق الأوسط» الليبيين إلى الخروج والتظاهر السلمي وفقاً للقوانين والقواعد المتعارف عليها، وقال: «عدم الخروج قد يترجَم على أنه قبول بالوضع الراهن (...) لكن في حال خرجت أعداد كبيرة للتعبير عن رأيها وتحولت الوقفات إلى مظاهرات حاشدة، فستكون رسالة تُجبر الجميع سواء الطبقة الحاكمة أو البعثة الأممية لدى البلاد والدول ذات التأثير بالملف الليبي، على الاستماع واحترام مطلب إجراء الانتخابات».
غير أن عضو المجلس الأعلى للدولة عادل كرموس، رأى أن حالة الانقسام التي تجذرت خلال العقد الماضي «باتت عقبة أمام تحريك الشارع الليبي إزاء أي قضية مهما بلغت من الأهمية»، متابعاً: «تدريجياً تَرسخ الشعور لدى البعض بعدم إمكانية التعويل على الحراك الشعبي، ولجأ الجميع لمواقع التواصل الاجتماعي بوصفها منصة آمنة لطرح آرائهم وانتقاداته وصب غضبهم على الأوضاع السائدة».  
وقال كرموس لـ«الشرق الأوسط» إن «الليبيين مدركون أن نزولهم للاحتجاج في الشارع على أي حدث سياسي كتأجيل الانتخابات قد يصب في صالح  تعزيز حسابات تيارات أخرى بالساحة، وبالتالي يحجمون عن المشاركة جراء الاختلاف وانقسام المواقف».
ونوّه كرموس بأن «الجميع يتطلعون بدرجة كبيرة لإزاحة الأجسام كافة التي تسيطر على المشهد السياسي منذ سنوات؛ سواء تحدثنا عن مجلس النواب أو الأعلى للدولة»، مستكملاً: «هذا يفسر إخفاق بعض النخب السياسية في تنظيم مظاهرات حاشدة كما توعدوا في بياناتهم إذا لم تُجرَ الانتخابات في الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قبل أن تؤجَّل».
ولفت إلى أن «أعداد المحتجين في الوقفات التي نُظِّمت للتنديد ورفض ترشح بعض الشخصيات للسباق الرئاسي، أو للاعتراض على إقصاء آخرين خلال فترة الطعون الانتخابية، كانت أكثر بكثير ممن شاركوا في الوقفات الرافضة لتأجيل الانتخابات، رغم أن الأخيرة تمثل مصلحةً عامةً للجميع».
وتطرق كرموس إلى قانون الاستحقاق الرئاسي، داعياً للإسراع بتعديل ما سماه «القصور الموجود في القوانين الانتخابية التي أصدرها مجلس النواب دون أن تحظى بالتوافق السياسي والمجتمعي، وفتحت الباب لترشح الشخصيات الجدلية ومن ثم توقف العملية الانتخابية». 
وحول ما يبديه البعض من علامات تعجب لغياب مشاركة أنصار النظام السابق وتحديداً الداعمين لسيف الإسلام، نجل الزعيم الراحل معمر القذافي، في الوقفات المطالبة بتحديد موعد جديد لعملية الانتخابات، قال موسى إبراهيم،  آخر متحدث رسمي باسم نظام القذافي، إن العمل السياسي للتيار الشعبي الداعم لسيف القذافي، «مر بموجات عدة منها النزول للشارع وتنظيم الوقفات، ثم انتقل حالياً وبعد قرار تأجيل الانتخابات للعمل على مستوى المجالس المحلية المنتخبة بمختلف المدن والمناطق الليبية وذلك لتعويض تهميش وجوده  في تلك الأطر خلال السنوات الماضية». 
وأشار إبراهيم إلى أن الخروج للشارع والتظاهر السلمي  قد «يكونان خياراً لتياره في الفترة المقبلة إلى جانب خيارات أخرى، لكن الأولوية حالياً  تكمن في تشكيل تحالفات شعبية مع مختلف التيارات السياسية على مستوى جميع القبائل والمدن الليبية».
ويرى إبراهيم أن مشاركة تيارات سياسية عدة في أي احتجاجات من شأنه تسليط الضوء على مطالب أكثر من مليوني ونصف مليون ليبي سجلوا أسماءهم في سجلات الناخبين، في الاحتكام لصندوق الانتخابات، متابعاً: «لكن القرار النهائي سيظل للقوى الدولية والإقليمية التي تتحكم في المشهد وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية التي باتت تمسك كل الخيوط». 
وفي أعقاب تقديم كل من سيف القذافي وخليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني» أوراق ترشحهما للرئاسة، تظاهر المئات في كلٍّ من مصراتة وطرابلس اعتراضاً على ذلك،   فيما  احتفل أنصار رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، في «ميدان الشهداء» بطرابلس ابتهاجاً بإلغاء حكم قضائي باستبعاده من السباق الرئاسي.
وفي الشأن ذاته، توقع الناشط السياسي حسام القماطي، تزايد دعوات الخروج وتنظيم المظاهرات في البلاد كلما امتدت حالة الانسداد السياسي. وقال القماطي لـ«الشرق الأوسط»: «هناك أطراف سياسية تعوّل على دور الشارع في إجبار الجميع على الاستماع لمطالبه».
ونوه القماطي بأن «بعض الليبيين يتخوفون من أعمال العنف حال خروجهم للتظاهر، تستهدف قمعهم بالقوة مثلما حدث معهم في السنوات الماضية».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».