على الرغم من تنظيم أطياف سياسية ليبية مختلفة مظاهرات ووقفات احتجاجية عدة في أنحاء البلاد، على مدار الأشهر الماضية للضغط على السلطات لتنفيذ مطالبهم الاجتماعية، أو السياسية المتعلقة بضرورة إجراء الانتخابات العامة، فإنها لم تنل الاستجابة المطلوبة وبدت سلاحاً بلا تأثير، الأمر الذي عزاه متابعون إلى «فشل القوى السياسية في الحشد الجماهيري».
وقال عضو مجلس النواب الليبي محمد عامر العباني، إن «محدودية المتظاهرين الذين يصطفّون في الوقفات الاحتجاجية يدفع صنّاع القرار السياسي للاستخفاف، ولا يتعاطى مع مطالبهم بدعوى أنهم لا يمثلون أي إرادة شعبية».
ودعا العباني في تصريح لـ«الشرق الأوسط» الليبيين إلى الخروج والتظاهر السلمي وفقاً للقوانين والقواعد المتعارف عليها، وقال: «عدم الخروج قد يترجَم على أنه قبول بالوضع الراهن (...) لكن في حال خرجت أعداد كبيرة للتعبير عن رأيها وتحولت الوقفات إلى مظاهرات حاشدة، فستكون رسالة تُجبر الجميع سواء الطبقة الحاكمة أو البعثة الأممية لدى البلاد والدول ذات التأثير بالملف الليبي، على الاستماع واحترام مطلب إجراء الانتخابات».
غير أن عضو المجلس الأعلى للدولة عادل كرموس، رأى أن حالة الانقسام التي تجذرت خلال العقد الماضي «باتت عقبة أمام تحريك الشارع الليبي إزاء أي قضية مهما بلغت من الأهمية»، متابعاً: «تدريجياً تَرسخ الشعور لدى البعض بعدم إمكانية التعويل على الحراك الشعبي، ولجأ الجميع لمواقع التواصل الاجتماعي بوصفها منصة آمنة لطرح آرائهم وانتقاداته وصب غضبهم على الأوضاع السائدة».
وقال كرموس لـ«الشرق الأوسط» إن «الليبيين مدركون أن نزولهم للاحتجاج في الشارع على أي حدث سياسي كتأجيل الانتخابات قد يصب في صالح تعزيز حسابات تيارات أخرى بالساحة، وبالتالي يحجمون عن المشاركة جراء الاختلاف وانقسام المواقف».
ونوّه كرموس بأن «الجميع يتطلعون بدرجة كبيرة لإزاحة الأجسام كافة التي تسيطر على المشهد السياسي منذ سنوات؛ سواء تحدثنا عن مجلس النواب أو الأعلى للدولة»، مستكملاً: «هذا يفسر إخفاق بعض النخب السياسية في تنظيم مظاهرات حاشدة كما توعدوا في بياناتهم إذا لم تُجرَ الانتخابات في الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قبل أن تؤجَّل».
ولفت إلى أن «أعداد المحتجين في الوقفات التي نُظِّمت للتنديد ورفض ترشح بعض الشخصيات للسباق الرئاسي، أو للاعتراض على إقصاء آخرين خلال فترة الطعون الانتخابية، كانت أكثر بكثير ممن شاركوا في الوقفات الرافضة لتأجيل الانتخابات، رغم أن الأخيرة تمثل مصلحةً عامةً للجميع».
وتطرق كرموس إلى قانون الاستحقاق الرئاسي، داعياً للإسراع بتعديل ما سماه «القصور الموجود في القوانين الانتخابية التي أصدرها مجلس النواب دون أن تحظى بالتوافق السياسي والمجتمعي، وفتحت الباب لترشح الشخصيات الجدلية ومن ثم توقف العملية الانتخابية».
وحول ما يبديه البعض من علامات تعجب لغياب مشاركة أنصار النظام السابق وتحديداً الداعمين لسيف الإسلام، نجل الزعيم الراحل معمر القذافي، في الوقفات المطالبة بتحديد موعد جديد لعملية الانتخابات، قال موسى إبراهيم، آخر متحدث رسمي باسم نظام القذافي، إن العمل السياسي للتيار الشعبي الداعم لسيف القذافي، «مر بموجات عدة منها النزول للشارع وتنظيم الوقفات، ثم انتقل حالياً وبعد قرار تأجيل الانتخابات للعمل على مستوى المجالس المحلية المنتخبة بمختلف المدن والمناطق الليبية وذلك لتعويض تهميش وجوده في تلك الأطر خلال السنوات الماضية».
وأشار إبراهيم إلى أن الخروج للشارع والتظاهر السلمي قد «يكونان خياراً لتياره في الفترة المقبلة إلى جانب خيارات أخرى، لكن الأولوية حالياً تكمن في تشكيل تحالفات شعبية مع مختلف التيارات السياسية على مستوى جميع القبائل والمدن الليبية».
ويرى إبراهيم أن مشاركة تيارات سياسية عدة في أي احتجاجات من شأنه تسليط الضوء على مطالب أكثر من مليوني ونصف مليون ليبي سجلوا أسماءهم في سجلات الناخبين، في الاحتكام لصندوق الانتخابات، متابعاً: «لكن القرار النهائي سيظل للقوى الدولية والإقليمية التي تتحكم في المشهد وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية التي باتت تمسك كل الخيوط».
وفي أعقاب تقديم كل من سيف القذافي وخليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني» أوراق ترشحهما للرئاسة، تظاهر المئات في كلٍّ من مصراتة وطرابلس اعتراضاً على ذلك، فيما احتفل أنصار رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، في «ميدان الشهداء» بطرابلس ابتهاجاً بإلغاء حكم قضائي باستبعاده من السباق الرئاسي.
وفي الشأن ذاته، توقع الناشط السياسي حسام القماطي، تزايد دعوات الخروج وتنظيم المظاهرات في البلاد كلما امتدت حالة الانسداد السياسي. وقال القماطي لـ«الشرق الأوسط»: «هناك أطراف سياسية تعوّل على دور الشارع في إجبار الجميع على الاستماع لمطالبه».
ونوه القماطي بأن «بعض الليبيين يتخوفون من أعمال العنف حال خروجهم للتظاهر، تستهدف قمعهم بالقوة مثلما حدث معهم في السنوات الماضية».
الوقفات الاحتجاجية... سلاح ليبي بلا تأثير
وسط اتهامات للنخب السياسية بالإخفاق في حشد المواطنين
الوقفات الاحتجاجية... سلاح ليبي بلا تأثير
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة