مجلة «الشارقة الثقافية»: واقع القصة القصيرة ومستقبلها عربياً

مجلة «الشارقة الثقافية»:  واقع القصة القصيرة ومستقبلها عربياً
TT

مجلة «الشارقة الثقافية»: واقع القصة القصيرة ومستقبلها عربياً

مجلة «الشارقة الثقافية»:  واقع القصة القصيرة ومستقبلها عربياً

صدر أخيراً العدد 63 لشهر يناير (كانون الثاني) 2022 من مجلة «الشارقة الثقافية» التي تصدر عن دائرة الثقافة بالشارقة، وقد شددت الافتتاحية على أهمية الملكية الأدبية وحماية الإبداع والمبدعين «كضرورة ملحة في هذا العصر وكل عصر، وحاجة ضرورية لإحداث أي نقلة على المستويين الفكري والثقافي، فكلما جرى السهر على توفير هذه الحماية ازدهر التأليف وأينعت الأقلام وانتشرت الكتب ودور النشر، واتسعت الساحة للفعل الثقافي».
أما مدير التحرير نواف يونس؛ فتناول في مقالته «واقع ومستقبل القصة القصيرة عربياً»، مشيراً إلى أن المشهد القصصي العربي قد شهد في بدايات السبعينيات وحتى نهاية الألفية الثانية، إشراقات لافتة، شملت مشرق الوطن الكبير ومغربه، وبرزت أسماء قصصية تبوأت المشهد الثقافي العربي، منها على سبيل المثال محمد خضير وزكريا تامر ويحيى الطاهر عبد الله وواسيني الأعرج ورشيد بوجدرة وعز الدين المدني.
وفي تفاصيل العدد، توقف يقظان مصطفى عند حكيم الأندلس عباس بن فرناس الرجل الذي طار قبل 12 قرناً، وتناول د. هانئ محمد مشروع جورج سارتون حول تاريخ العلم الذي تميز بالنزاهة وقد أنصف العرب، وكتبت نوال يتيم عن أغناطيوس كراتشكوفسكي الذي كرس حياته لدراسة اللغة العربية، فيما رصدت أسماء أحمد رأفت تاريخ مدينة الخليل التي مرت عليها حضارات الآشوريين والبابليين والإغريق والرومان ودخلها العرب في القرن السابع الميلادي، أما محمد أحمد عنب، فجال في مدينة شنقيط التي تعد ذاكرة موريتانيا التاريخية التي تمتلك موروثاً علمياً ثقافياً.
وفي باب «أدب وأدباء»، تناولت شيرين ماهر رحلة عبد الرزاق قرنح نحو «نوبل»، وقدم د. ضياء الجنابي مداخلة حول تقنيات الحداثة عند رواد الشعر الحر، وقرأت زمزم السيد سيرة الأديب والناقد نبيل سليمان الذي «يحلم بالتفرغ للقراءة والكتابة»، فيما استعرض عزت عمر مرجعيات النص السردي عند ماركيز وروايته «مائة عام من العزلة»، وتناول د. سعيد بكور جدل الواقعي والمتخيل في سيرة عنترة، واستعرض عمر أبو الهيجاء كتاب «حارس الحكايات»، وتضمن شهادات ودراسات عن دور فيصل دراج الثقافي، بينما كتب وليد رمضان عن الكاتب والشاعر والناقد مارون عبود الذي يعد رائد النهضة الأدبية في لبنان، وفي الباب نفسه، توقف محمد حسين طلبي عند أعمال الأديب ياسمينة خضرا، التي ترجمت إلى 36 لغة عالمية، وسلط مفيد فهد نبزو الضوء على مجلة «الثقافة»، التي كانت من أعرق المجلات العربية، التي رأس تحريرها مدحة عكاش، وحاور أحمد حسين حميدان الشاعر مصطفى أحمد النجار الذي أكد أن التجديد والحداثة في جهة واحدة من الإبداع، واحتفى د. رضا عطية بالشاعر العماني سيف الرحبي «الذي شكل بصمة تعبيرية متفردة»، وكتب خليل الجيزاوي عن الكاتب محمد حافظ رجب، الذي عمل بائعاً متجولاً قبل أن يصبح كاتباً. أما عمر إبراهيم محمد، فقد توقف عند رحلة عبد الوهاب المسيري الفكرية وهو الغائب الحاضر في سفري الأدب والفكر، وأجرى عذاب الركابي مقابلة مع الكاتب والشاعر عيد عبد الحليم، الذي اعتبر أن الشاعر هو الرائي وسارق النار بامتياز، وتطرق محمد عبد الشافي القوصي إلى الشاعر عبد الحميد الديب، الذي يعد شاعر البؤس وآخر صعاليك الأدب.
وفي باب «تحت دائرة الضوء»، نشرت المجلة بعض قراءات لإصدارات: سؤال الهوية سؤال الوطن في «حرائق خضراء» د. هويدا صالح، و«المكان في روايات عبد الرحمن منيف» د. مريم اغريس، و«تباين صوت السارد وتوالي الحكي في (أصحاب ونس)» مصطفى غنايم، و«روبرت غرين وثقافة النجاح» نهلة خرستوفيدس، و«رحلة شعرية ممتعة مع آثار الحضارة المصرية»، ناديا عمر، و«تاريخ علوم اللغة العربية» نجلاء مأمون، و«عبد الحكيم الزبيدي قدم حالة النفي لنص تأملي» د. سعاد عريقات، و«جماليات السرد عند خليل الجيزاوي»، د. تامر عبد العزيز.
وأفرد العدد مساحة للقصص القصيرة والنقد والترجمات لمجموعة من الكتاب العرب، بالإضافة إلى مجموعة من المقالات الثابتة.



صائد الحاسوب

صائد الحاسوب
TT

صائد الحاسوب

صائد الحاسوب

(١)

حين تركنا الأوراق البيضاء

ورحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

لم يظهر ماذا يعني أن يرتبك الشاعر فوق الكلمات

أن يشطب مفردةً ويعيد صياغتها

ويعود إليها ثانيةً

ويحاول ثالثةً

ويخطَّ الخطَّ المائل فوق الكلمة

أو يرسم دائرة

ويشخبط فوق الأسطر ممتلئاً بالحزن وبالعبرات

مذ رحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

جفَّتْ أنهارٌ كثرٌ

وانسحبت من أقدام الشعراء الطرقات

الحاسوب صديق كهولتنا

جفف ما كنا نحمله من نزق العشاق المنسيين

على الشرفات

لا نعرف من أين نعود إلينا

نحن القديسين بلا صلوات

(٢)

قبل ثلاثين سنة

قالوا إن الحاسوب سيدخل قريتكم

وسيكفينا نزق الطباعين على الآلات

صفقنا للحاسوب القادم نحو منازلنا

وبدأنا نتحسسه

ونصادقه

ونبوح له بالأسرارْ

من يفتح هذا الغيب الغامض في شغفٍ

ويميط السر عن الأزرارْ؟

كيف سندخل هذا الصندوق الأسود؟

كيف نبوح له؟

وبماذا نكتب حيرتنا؟

ونشد العمر على الأسوارْ

يا حاسوب الدنيا حاول أن تأخذنا في رفقٍ

لتدلَّ عليك

حاول أن تفتح في هذي الظلمة عينيك

نحن البدو الرُحَّل منذ سنينَ عجافٍ

ننطر في هذا البرد القارس

دفء يديك

يا حاسوب الدنيا

ماذا يجري؟؟؟

بايعناك

ورافقناك

وضعنا فيك طويلاً

ضعنا فيك

لكنا حين أردنا أن نوقف حيرتنا المرة

ضعنا ثانيةً

وصرخنا خلفك

يا حاسوب الدنيا انتظر الناس قليلاً

فلقد جفَّ العمر على الشاشة

منكسراً وخجولا

ما عاد لنا في هذا العالم إلاك رسولا

لكنا يا حاسوب العمر

ذبلنا فوق الشاشات طويلا

وستأكلنا الوحشة

تأكلنا الوحشة

والتيه يمد يديه دليلا

ونعود من الحاسوب ضحايا منفردين

قتيلاً في الصحراء يدلُّ قتيلا

(٣)

بعد ثلاثين مضت

شاخ الحاسوب

وأنجب أطفالاً في حجم الكف

الحاسوب الآن يشيخ ويترك للناس صغاره

الحاسوب انتصر اليوم علينا

وقريباً جداً سوف يزفُّ لكل العالم

أجراس بشاره

الكل سيترك مخدعه ودياره

لا عائلةٌ تبقى

لا أطفال

الكل يقول ابتعد الآن

فقط الوحشة تطبق فكيها

وتصيح

تعالْ

المنزل ممتلئٌ بالأطفالْ

لكنَّ الأدغالْ

تمتد على الشرفات وفوق الأسطح

بين السكَّر في أقداح الشاي

وحدي أشربه ممتلئاً بالغربة

حتى حوَّلني الحاسوب

لبحِّة ناي

(٤)

لستُ وحيداً

لكني ممتلئٌ بالغربة يا الله

البيت الدافئ ممتلئٌ بالأولاد

صبيانٌ وبناتْ

ومعي امرأتي أيضاً

لكنا منفيون بهذا البيت الدافئ

* النص الكامل على الانترنتمنفيون

الكلمات تشحُّ علينا

اصرخ يومياً

يا أولاد تعالوا

لكنَّ الأولاد بعيدون

بعيدون

البيتُ الضيِّقُ يجمعنا

لكنَّا منفيِّون

ومنعزلون

جزرٌ تتباعد عن أخرى

وقلوبٌ ليس لهنَّ عيون

(٥)

ما أسعدني

يوم ذهبتُ إلى السوق وحيداً

أبتاع الحاسوب

وأرقص في فرحٍ

منتشياً بشراء صديقٍ

يتقاسم أفكاري وحياتي

هيأتُ له منضدةً في زاوية البيت

وبقيتُ أداريه مساءً وصباحا

حتى صار فتىً من فتيان البيت

أخاف عليه من الحمى

وأجسُّ حرارته

وأعدُّ له أكواب القهوة والشاي إذا صاحا

ماذا يحتاج الحاسوب صديقي أو ولدي؟

الشحن بطيء...؟

غيّرتُ الشاحن في غمضة عين

الحاسوب مريض...؟

رحتُ سريعاً أركض فيه إلى الجيران أو المستشفى

حيث الخبراء

يتلمس كلٌّ منهم زراً من أزرار الحاسوب المتعبْ

قالوا يا مجنون

خففْ عن كاهله الكلمات

أثقلتَ الحائط بالصرخات

وملأتَ السطح الأزرق

دمعاً ودماً وعويلَ محطات

(٦)

ماذا نصنع؟

هذا الحاسوب مريضٌ جداً

لا بدَّ له من وقتٍ كي يرتاح

لا بدَّ لهذي الجُملِ الملغومةِ أنْ تنزاح

عن صدر الحاسوب

لكي يغفو مبتهحاً

بفراغ الحائط

مكتفياً بالغابات المحروقة

في صدر الشاعر

أو بالحزن النابت في الأرواح

الحاسوب مريضٌ هذي الليلة يا أشباح

ماذا نفعل والروح معلقةٌ

بالشاحن والمفتاح

ولهذا رحنا نمسحُ آلاف الكلمات

ونزيح برفقٍ عن كاهله

ما تركته الروح من الكدمات

كي يرتاح الحاسوب

مسحنا ذاكرة كاملة

وغناءً عذباً

وبكاء أميرات

كي يرتاح الكلب ابن الكلب

ويضحك منتصراً

رحنا نصرخ مهزومين ومندحرين

الحاسوب سيعلن دولته الكبرى

وسنأتيه سبايا منكسرين

(٧)

مسح الحاسوب بضغطة زر واحدة

آلاف الكلمات

الذاكرة انطفأت هذي الليلة

كي يغفو الحاسوب بلا صرخات

ماذا يعني

أن تشطب أياماً

وتحيل قصائد للنسيان

هذا العالم محكومٌ في ضغط زرٍ

والإنسان بلا إنسان

(٨)

كتب الأجداد على الطين حكايتهم

وكتبنا نحن على الحاسوب حكايتنا

ومضوا

ومضينا

واختلف الدرب علينا

لا نحن حفظنا

ما كتب الأجداد

ولا الحاسوب الأخرس

ردَّ العمر إلينا

يا ضيعتنا

يوم نسينا

في عمق البحر يدينا

(٩)

أعلنا نحن المسبيين هزيمتنا

وكسرنا آخر أقلام الليل

والمسودَّات انهزمت

ومزاج الأوراق تغير

من يقنع هذي الشاشة

أني أكتب شعراً

وبأني أبكي فوق الأوراق طويلاً

كي يخرج سطرٌ

ممتلئٌ بالأطفال

والآن كما تبصر

آلاف الكلمات تجيء وتذهب

فوق الشاشة

والأطفال الموتى

يختبئون وراء الشاشة

أيقوناتٍ

وينامون على الأدغال

هذا عصرك يا ابن رغال

فاستعجل

من أبطأ خطوك؟

والكل يصيح عليك

تعال

(١٠)

كنا حين يموت لنا رجلٌ

نتوشح بالأسود أعواماً أعواما

لا نفتح مذياعاً

أو نسمع أغنيةً

أو حتى نعلك في السرِّ

فقد صرنا نحن الفتيان

فتيان القرية

أشباحاً ويتامى

نبكي ونصيح ونحزن

نقطع آلاف الأمتار

لنبكي هذا الرجل الراحل عنا

أما اليوم

والفضل يعود إلى الحاسوب

فقد حولهم أرقاماً أرقاما

لن نبكي

فهنالك وجه في الشاشة يبكي بدلاً عني

لن أحزن

الشاشة فيها وجه مرسوم للحزن

سيحزن قبلي في ضغطة زر واحدة

وسيكتب تعزيةً قبلي

وسيرسلها بدلاً عني

وأنا متكئٌ منسيٌّ

كنكاتٍ مرَّ عليها زمنٌ

فاهترأتْ

وبقيت أعاتب أياماً هرمت

وأشيل على ظهريَ أياما

(١١)

ما الذي يصنعه الحاسوب فينا يا إلهي

نحن أولادك ساعدنا

فقد بعثرنا ليل المتاه

ونسينا العمر مشحوناً ومربوطاً مع النقال

فيما نحن منفيون بين الأهل

ملقاةٌ أغانينا القديمات على الدرب

وهذا العمر مشرورٌ على حبل الغوايات

وساهِ

دلنا يا رب

نحن أبناؤك تهنا

والعلامات التي توصلنا للبيت ضاعت

واختفت كل المواعيد الأغاني

الضحك الحلو النكات السير في الليل

ولم يبق سوى

حسرةٍ تنسل من فوق الشفاه

(١٢)

كل شيءٍ قد تغير

كل شي

صالة البيت التي نأوي إليها

ذبلت فينا ونامت دون ضي

جرس البيت اختفى أيضاً

وباب البيت ملقى في يدي

لم يعد يطرقه جارٌ

ولا صحبٌ

وحتى لم يعد يعبث في لحيته

أطفالنا في الحي

بدأت تذبل فينا الكلمات

مثلاً جار لنا قد مات

جارٌ طيبٌ كانت تناغيه المنازل

ما الذي نفعله

والجار هذا الجار راحل

غير أن نبعث وجهاً باكياً

نرسله بين الرسائل

كيف يا رب اختصرنا ذلك الحزن

ومن أطفأ بركان المشاعل

(١٣)

لم يعد للحب معنى

لم يعد كانوا وكنا

هبط الليل علينا ثم لم ترجع

إلى القلب المنازل

لم يعد يبكي المحبون

ولم يطرق جدار القلب سائل

كل ما يفعله الآن المحبون القلائل

صورة جاهزة يرسلها النقال صمتاً

ثم تنسى بين آلاف الرسائل

صورة كررها قبلك آلاف وآلاف

إلى أن بهت اللون

وتاه الحب منسياً

على الشاشات

منسياً وذابلْ.