مشوار الصراع السياسي الطويل في تشيلي بين اليمين واليسار

مشوار الصراع السياسي الطويل في تشيلي بين اليمين واليسار
TT

مشوار الصراع السياسي الطويل في تشيلي بين اليمين واليسار

مشوار الصراع السياسي الطويل في تشيلي بين اليمين واليسار

يعود الصراع بين اليمين واليسار في تشيلي إلى أواخر القرن التاسع عشر عندما تضافرت القوى العمالية في قطاع المناجم لتشكّل جبهة موحدة في أعقاب الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد عام 1891 بسبب من الفوارق الاجتماعية الحادة التي قسمت المجتمع معسكرين متناحرين.
في العام 1922 أُسس الحزب الشيوعي التشيلي، الذي ما زال إلى اليوم يلعب دوراً رئيسياً في المشهد السياسي رغم حظره لسنوات في العام 1948 بموجب «القانون الملعون» الذي أصدره الرئيس غابرييل غونزاليس فالديس. وغونزاليس فالديس هذا كان قد وصل إلى الحكم قبل سنتين بفضل تأييد الشيوعيين، لكنه اصطف إلى جانب الولايات المتحدة مع بداية «الحرب الباردة» وجعل من تشيلي رأس حربة لواشنطن في القسم الجنوب من القارة.
وبعد سنوات من الأزمات السياسية المتعاقبة والانقلابات العسكرية، اليمينية واليسارية، استقرّ المشهد السياسي طوال عقود على ما أطلق عليه «الأثلاث الثلاثة»، أي اليمين والحزب الديمقراطي المسيحي (الوسطي) وجبهة العمل الشعبي. واستأثر خلالها الطرفان الأولان بالحكم حتى العام 1970 عندما انتخب سالفادور الليندي رئيساً للجمهورية بنسبة 36.6 في المائة من الأصوات (وكسبه الرئاسة لاحقاً بدعم من الديمقراطيين المسيحيين ضد مرشح اليمين خورخي آليسندري). وكان أول قرار اتخذه الليندي تأميم مناجم النحاس المصدر الرئيسي للثروة في البلاد؛ ما آثار غضب إدارة ريتشارد نيكسون الأميركية ووزير خارجيته هنري كيسنجر. وفي الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 1973 وقع انقلاب يقوده الجنرال أوغوستو بينوتشيت (بينوشيه، كما يُكتب الإسم أحياناً)، الذي كان الليندي عيّنه قائداً للجيش، وكانت تدعمه واشنطن. لم تلبث أن سقطت حكومة الليندي الذي أطلق النار على نفسه وهو يدافع عن قصر الرئاسة الذي كان يتعرّض لقصف الانقلابيين.
بعد سقوط الليندي قامت ديكتاتورية عسكرية برئاسة بينوتشيت، اتسمت فترة حكمها الطويلة بالقمع الشديد، الذي أسفر حسب تقديرات لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة عن أكثر من ألف مفقود واغتيال أكثر من ثلاثة آلاف وتعذيب نحو خمسة وثلاثين ألفاً معظمهم من الحزب الشيوعي، فضلاً عن خروج نحو ربع مليون إلى المنفى.
وفور تسلم عهد بينوتشيت السلطة فإنه سلّم خبراء اقتصاديين من «مدرسة شيكاغو» (رائدة الغلو في الاقتصاد الحر والخصخصة) إعادة هيكلة الدولة وقطاعاتها الإنتاجية؛ ما أدى إلى تحقيق معدّل سنوي للنمو الاقتصادي يتجاوز 7 في المائة بين العامين 1976 و1981 صار يعرف في الغرب بـ«المعجزة التشيلية».
ثم، في العام 1980، ورغم الانتقادات التي صدرت عن العديد من المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، فرض بينوتشيت دستوراً جديداً كرّس سيطرة القوات المسلحة على مؤسسات الدولة السياسية والقضائية والاقتصادية. ولكن مع تراجع الأداء الاقتصادي بدأ يواجه معارضة متزايدة إلى أن اضطر إلى التخلي عن السلطة في مارس (آذار) 1990، تولّى بعده الرئاسة الديمقراطي المسيحي باتريسيو آلوين الذي قاد المرحلة الانتقالية التي تعاقب عليها أربعة رؤساء، كانت آخرهم الطبيبة الاشتراكية ميشيل باشيليت، قبل أن ينتقل الحكم إلى رجل الأعمال اليميني سيباستيان بينييرا في العام 2010. وما يذكر، أنه بعد بينييرا عادت باشيليت إلى الحكم، ثم عقبها بينييرا لولاية ثانية تكرّرت خلالها الاحتجاجات الطلابية التي واجهته في ولايته الأولى، والتي من رحمها خرج الرئيس الجديد غابرييل بوريتش.



الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
TT

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)

تُعَدُّ الشراكة بين السعودية والصين فرصة كبيرة لتعزيز التعاون في مجالات حيوية عدة. إذ يوفر التعاون في الطاقة النظيفة والابتكار التكنولوجي فرصاً لدعم أهداف السعودية في تحقيق «رؤية 2030» وزيادة استخدام الطاقة المستدامة، كما أن الاستثمار في مشاريع كبرى مثل «نيوم» يفتح آفاقاً واسعة للتنمية المستدامة ويعزز من النمو المشترك.

في مجالات التكنولوجيا والابتكار، يعزّز التعاون في قطاعي الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية من قدرة السعودية على تحقيق أهدافها التكنولوجية، ويقوّي الروابط الاقتصادية بين البلدين، ومن جهة أخرى، يعزز التبادل الثقافي والتعليم من العلاقات الإنسانية ويزيد من التعاون بين الشعبين.

مع هذا، تواجه الشراكة تحدياتٍ قد تؤثر على العلاقات الثنائية، وتشمل هذه التحديات التوترات الجيوسياسية الدولية التي تتطلب مزيداً من الحكمة والروية من أجل درء تعارض المصالح، والتقلبات الاقتصادية العالمية التي قد تؤثر على حجم التبادل التجاري والاستثمارات. ولا شك أن الاختلافات الثقافية والسياسية تستوجب تعزيز الحوار والتفاهم، كما يتطلب تحقيق التنمية المستدامة التنسيق بين المشاريع المشتركة وضمان توافقها مع معايير البيئة.

مستقبلاً، يتوقع أن يزداد التعاون في الطاقة النظيفة - وتقف مشاريع مثل «نيوم» حافزاً كبيراً لتعزيز الاستثمارات الصينية في المملكة -، كذلك عبر تكثيف الفعاليات الثقافية والتبادلات التعليمية، يؤمل تمتين الروابط بين الشعبين، ويمكن أن يشمل التعاون المستقبلي المجالات الأمنية مثل مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني لتعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي. وحقاً، من شأن دعم السعودية مبادرة «الحزام والطريق»، الإسهام في تعزيز البنية التحتية والنقل بين الصين والشرق الأوسط، مع الأخذ في الحسبان تكيّف الشراكة مع التحديات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية باعتماد استراتيجيات مرنة.

إن العلاقات السعودية الصينية اليوم نموذج للشراكة الاستراتيجية المتكاملة التي تستند إلى المصالح المشتركة والرؤية المستقبلية، ومع مواصلة تطوير هذه الشراكة يتوقع أن تشهد العلاقات بين البلدين مزيداً من النمو في مختلف المجالات؛ ما يخدم مكانتيهما على الساحة الدولية. وأخيراً، إن الشراكة بين السعودية والصين لا تقتصر على تعزيز العلاقات الثنائية فحسب، بل تمتد لتسهم في استقرار الاقتصاد العالمي وتنميته بشكل عام. إذ تجسّد هذه الشراكة نموذجاً ناجحاً للتعاون الدولي القائم على تحقيق مصالح مشتركة؛ مما يساهم في تعزيز السلم والاستقرار العالميين. وهنا تبرز خصوصاً الرؤية الاستراتيجية عند البلدين والتزامهما بالابتكار والتعاون ليفتحا أبواباً جديدة للتنمية والتفاهم والتعاون بين مختلف الشعوب والثقافات.