حداد شامل لمقتل 10 فلسطينيين بينهم 8 عمال في حادث سير

مسن دهسه شرطي وشاب قتل بالرصاص

وفاة 8 عمال بحادث سير في منطقة فصايل بالأغوار شمال أريحا (وفا)
وفاة 8 عمال بحادث سير في منطقة فصايل بالأغوار شمال أريحا (وفا)
TT

حداد شامل لمقتل 10 فلسطينيين بينهم 8 عمال في حادث سير

وفاة 8 عمال بحادث سير في منطقة فصايل بالأغوار شمال أريحا (وفا)
وفاة 8 عمال بحادث سير في منطقة فصايل بالأغوار شمال أريحا (وفا)

شهدت الضفة الغربية المحتلة عدة ضربات فتاكة أدخلت الفلسطينيين في حالة حزن خانق، وذلك إثر مقتل 10 مواطنين، ثمانية منهم عمال، تعرضوا لحادث سير مع سيارة فلسطينية أخرى، ورجل مسن دهسته سيارة شرطة إسرائيلية وفرّت من المكان من دون تقديم إسعاف، وشاب تعرض لإطلاق الرصاص من جنود الاحتلال.
وقد أعلن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، مساء أمس (الخميس)، الحداد وتنكيس الأعلام، اليوم (الجمعة)، حداداً على أرواح العمال، شهداء لقمة العيش، الذين قضوا في حادث السير قرب قرية فصايل شمال مدينة أريحا. وأصدر تعليماته باعتماد العمال في ملفات الدعم لدى وزارة التنمية الاجتماعية، وإقامة صلاة الغائب عليهم، معرباً عن أحر تعازيه ومواساته لأسرهم وذويهم.
وكان حادث الطرق المأساوي قد وقع، مساء أمس (الخميس)، باصطدام قرب قرية فصايل شمال أريحا، بين شاحنة باطون وسيارة نقل عمال من نوع ترانزيت. ويبدو أن السيارتين كانتا تسيران بسرعة فائقة، لأن سيارة الركاب دمرت بالكامل. وأفاد الناطق الإعلامي باسم الشرطة الفلسطينية، العقيد لؤي أرزيقات، بأن الشرطة تلقت بلاغاً بالحادث، وعلى الفور تحركت دوريات المرور للمكان. وفتح خبراء السير تحقيقاً بالحادث، حيث تبين أنه وقع بين مركبة فلسطينية خاصة وشاحنة فلسطينية لنقل الإسمنت السائل، على المفترق الرئيسي في المنطقة. وأضاف أزريقات أن المتوفين نقلوا إلى مستشفى أريحا وجميعهم عمال من بلدة عقربا في محافظة نابلس، فيما نقلت إصابات أخرى إلى مستشفيات داخل أراضي 1948. وتابع أن الشرطة في محافظة أريحا والأغوار، أوقفت سائق الشاحنة، وتم إبلاغ النيابة العامة بالحادث، وجارٍ استكمال الإجراءات القانونية حسب الأصول.
وفي إسرائيل، أعلنت المتحدثة باسم إسعاف نجمة داوود الحمراء، أن هناك ثلاثة مصابين آخرين، في الحادث، أحدهم في حالة إنعاش و2 في حالة حرجة، وأن طائرة مروحية تابعة للجيش الإسرائيلي نقلتهم إلى مستشفى إسرائيلي للعلاج.
وقد جاء هذا الحادث في وقت كانت فيه الضفة الغربية تئن تحت هجمة احتلالية استيطانية واسعة، سقط فيها شهيدان. الأول هو الشاب باكير حشاش (23 عاماً)، الذي قتل خلال هجوم لقوات الاحتلال على مخيم اللاجئين بلاطة قرب نابلس، فجر أمس. فقد حضرت قوات كبيرة لاعتقال مطلوبين، فتصدى لها الشبان. وخلال تراشق إطلاق النار، تلقى باكير رصاصة في صدره. وحسب عائلته، فإنه كان مطلوباً لمخابرات الاحتلال.
وأما الشهيد الثاني، فهو رجل طاعن في السن، الشيخ سليمان الهذالين (69 عاماً)، الذي قتل دهساً من شاحنة تابعة لشرطة الاحتلال. وقد روى شقيقه، إبراهيم الهذالين، بأن «الشاحنة دهست الشيخ سليمان أمام أعين الشرطة التي غادرت منطقة دهس الشيخ، من دون أن تقدم أي مساعدة أو إسعاف، أو حتى اتصال هاتفي مع سيارة إسعاف على الأقل». وأضاف: «بعد أن قامت الشاحنة التي حضرت برفقة الشرطة الإسرائيلية، إلى قرية أم الخير في مسافر يطا، بدهس الشيخ سليمان هربت من المكان، كما هربت الشرطة الإسرائيلية خلفها، فقام عدد من المواطنين بنقل المصاب بواسطة سيارة إلى مركز طبي ومن ثم إلى إسعاف، وبعدها وصل في حالة صحية خطرة إلى مستشفى الميزان». وقال منسق لجان الحماية والصمود في جبال جنوب الخليل، فؤاد العمور: «إن الشرطة الإسرائيلية، صادرت يوم أمس، بضع مركبات لمواطنين بحجة أنها غير قانونية، من قرية أم الخير، وتصدى لهم مجموعة من النشطاء والمواطنين، فقام سائق الشاحنة (ونش)، بدهس الشيخ سليمان الذي يعد من الأيقونات الفلسطينية التي تدافع عن الأرض وتواجه الاستيطان بشكل يومي، وقد تعرض عدة مرات لعمليات اعتقال واعتداء من قبل جيش الاحتلال ومستوطنيه».
وأعرب المواطنون عن قناعتهم بأن الحادث متعمد، لأن الشيخ سليمان كان مشهوراً في تصديه لقوات الاحتلال والمستوطنين، بعربة العجلات التي يستخدمها في تنقله. وأدانت وزارة الخارجية والمغتربين جرائم الدهس المتعمدة التي ترتكبها قوات الاحتلال والمستوطنين ضد المواطنين الفلسطينيين، والتي تتصاعد وتنتشر في أكثر من موقع بالضفة الغربية المحتلة، واعتبرتها شروعاً مقصوداً بالقتل، وامتداداً لعقلية استعمارية عنصرية تستبيح حياة المواطن الفلسطيني بأشكال مختلفة.
وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد نفذت، فجر الخميس، حملة اعتقالات واسعة طالت 26 مواطناً من الضفة، بينهم 11 مواطناً في رام الله و6 في منطقة نابلس و6 في منطقة الخليل. وكان بين المعتقلين زوجان تم اعتقالهما من فندق في أريحا، وامرأة من مدينة القدس كانت مرابطة في الأقصى. وأطلقت قوات الاحتلال، أمس، الرصاص تجاه رعاة الأغنام شرق مخيم المغازي وسط قطاع غزة. وهاجم مستوطنون، ورشة لتصليح المركبات على مدخل بزاريا شمال غربي نابلس. وشهدت المنطقة بين بلدتي برقة وبزاريا انتشاراً للمستوطنين المتطرفين، الذين يحاولون استهداف المواطنين وممتلكاتهم.
الرئاسة الفلسطينية حذرت من استمرار عمليات القتل والاعتقالات اليومية، وجرائم المستوطنين ومشاريع الاستيطان المدانة والمخالفة للشرعية الدولية، وحملت الحكومة الإسرائيلية مسؤولية هذا التصعيد المستمر على الأرض ضد الشعب الفلسطيني، إضافة إلى التصعيد الخطير الذي تشنه سلطات الاحتلال بحق أبطالنا الأسرى. وطالبت الإدارة الأميركية بتنفيذ ما التزمت به، والعمل الفوري بالضغط على إسرائيل لوقف جرائمها المستمرة بحق الشعب الفلسطيني. وطالبت الرئاسة، جميع القوى والفعاليات الشعبية باستمرار تصديها لإرهاب المستوطنين واعتداءاتهم المحمية من جيش الاحتلال.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.