استياءٌ من مواقف نصر الله ورفضٌ لاستخدامه لبنان «صندوق بريد»

توجّه لإطلاق «المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني» الأسبوع المقبل

فؤاد السنيورة
فؤاد السنيورة
TT

استياءٌ من مواقف نصر الله ورفضٌ لاستخدامه لبنان «صندوق بريد»

فؤاد السنيورة
فؤاد السنيورة

لا يزال تصعيد أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله، ضد المملكة العربية السعودية يحتل مساحة واسعة من الانتقاد في لبنان مع توالي المواقف المستنكرة لتصريحات نصر الله والداعية إلى تحرير لبنان من هيمنة سلاحه والكف عن إدخال لبنان في لعبة المحاور.
وفي هذا الإطار، شدد رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، على «ضرورة العمل لتصويب بوصلتنا الوطنية بما يخدم مصلحة اللبنانيين». وتحدث عن العلاقة مع الأشقاء العرب بالقول: «لبنان لطالما كان قائماً على أساس أن تكون هناك فعلياً سياسة نأي بالنفس عن الخلافات وعن المحاور الإقليمية، وقد مررنا في محن عديدة في العقود الماضية والسنوات الماضية منها ما حصل في عام 2006 عندما اجتاحت إسرائيل لبنان، والثاني فيما جرى في تفجير مرفأ بيروت؛ في عام 2006 وقفت جميع الدول العربية إلى جانب لبنان ولو لم يكن هناك وقوف حقيقي من دول الخليج العربي خلال عام 2006 لما أمكن إعادة إعمار كل ما دُمِّر خلال تلك السنوات، والحقيقة أن القسم الأكبر من المعونات الذي وصل إلى لبنان عام 2006 كان من الخليج العربي، إذ إن المبلغ الذي قدموه يصل إلى نحو 1200 مليون دولار نقداً، ذلك باستثناء المعونات التي كانت عينية، في المقابل نجد أن القسم الأكبر من تلك المعونات كانت من المملكة العربية السعودية والتي فعلياً كانت مسؤولة عن إعادة إعمار وبناء وترميم 50% من مجموع الدمار الذي حصل في الوحدات السكنية التي تعرضت للدمار أو للتخريب عام 2006».
وأضاف: «في المقابل، نجد أن ما حصل في مرفأ بيروت بالإضافة إلى الخسائر البشرية الكبرى التي تعرّض لها لبنان وبعدد الضحايا الكبير الذي تعرض له، أن هناك دماراً ما زلنا نبحث عمّن يساعد لبنان في إعادة الإعمار. أقول هذا من أجل أن نعود إلى ما يسمى التبصر في أحوالنا وحاجات مجتمعنا من أجل إعادة بناء هذا التخريب الذي جرى والخروج من هذا المأزق».
من جهته، يرى الوزير السابق أشرف ريفي أن مواقف نصر الله تأتي نتيجة الواقع المأزوم الذي يعيشه المشروع الإيراني في المنطقة من العراق إلى اليمن وسوريا وحتى في طهران، وفي لبنان يبدو واضحا أن «حزب الله» بات مطوقاً من كل القوى السياسية على اختلاف طوائفها، وهو بدأ في هذا الإطار يرسل موفدين إلى بعضهم محاولاً بعث رسائل طمأنة». ويقول ريفي لـ«الشرق الأوسط»: «إن هذا الإرباك بدا واضحاً في خطاب نصر الله الأخير، وما قاله هو نتيجة أمر عمليات إيرانية لعملاء طهران في المنطقة وهي التي قد تتصاعد أو تتراجع وفق الأوامر»، متوقفاً عند وجود اثنين من اليمنيين بلباسهما التقليدي مع الخنجر في الصفوف الأمامية خلال إلقاء نصر الله كلمته، واضعاً هذا الأمر في خانة الرسالة إلى لبنان.
ورأى ريفي أن «(حزب الله) بات اليوم في لبنان محاصراً بالجرائم التي ارتكبها؛ من جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري وصولاً إلى تورطه بتفجير المرفأ، وهو ما تؤكده محاولته الإطاحة بالمحقق العدلي طارق البيطار بعد إزاحة سلفه، ويرى أن كل ذلك يؤدي إلى تراجع هيبة الحزب حتى في بيئته، وسيأتي يوم سيحاسبه اللبنانيون وهذا اليوم بات قريباً، وستعكسه أيضاً صناديق الاقتراع في الانتخابات النيابية، حيث ستكون النتائج صادمة»، متوقعاً أن تكون على غرار نتائج الانتخابات العراقية حيث تلقى صفعة المشروع الإيراني.
ويرفض ريفي توصيف نصر الله للبنانيين المغتربين في السعودية بالرهائن، قائلاً: «نحن كلبنانيين رهائن و(حزب الله) هو الخاطف وبتنا نتمنى أن نكون رهائن لدى المملكة بعدما قام نصر الله وحزبه بكل شيء لتدمير لبنان بكل قطاعاته، وكانت انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 2019 ثورة على هذا الواقع».
ويضيف: «السعودية لم تقم إلا بمساعدة اللبنانيين داخل لبنان والمغتربين الموجودين على أراضيها من دون أن تتدخل في السياسة الداخلية، بل على العكس، لطالما كانت ولا تزال حريصة على العيش المشترك في لبنان ومساعدة مؤسساته ولا سيما منها الأمنية والعسكرية والتعامل مع السلطة السياسية في لبنان، وليس كإيران التي تدعم فئة بعينها وعملاء لها وتقدم السلاح لهم من خارج إطار الشرعية محوّلين لبنان إلى معسكر تدريبي ويحاولون تغيير تركيبته».
من جهته، يقول النائب السابق فارس سعيد، إن نصر الله يتعامل مع لبنان كصندوق بريد، مؤكداً ضرورة تحريره من الاحتلال الإيراني. ويقول سعيد لـ«الشرق الأوسط»: «مشكلة نصر الله هي مع اللبنانيين قبل أن تكون مع المملكة العربية السعودية عبر إلغائه الجمهورية مختزلاً إياها بصندوق بريد لإرسال رسائل إيرانية باتجاه المملكة بما يصبّ في مصلحته ومصلحة إيران». ويتوقف سعيد عند تخطي نصر الله وعدم إعطائه أي أهمية لما قاله حليفه الرئيس ميشال عون، ومن ثم حليفه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي أتى به إلى رئاسة الحكومة، عن رفضهما الإساءة للمملكة، مضيفاً: «لم يأخذ بعين الاعتبار كل ذلك واستمر في استخدام لبنان كصندوق بريد بما يتناسب ومصلحته ومصلحة إيران، لذا تبقى المهمة الأساسية اليوم في ضرورة العمل على تحرير لبنان من الاحتلال الإيراني». ويشير سعيد إلى توجهه الأسبوع المقبل، بمشاركة شخصيات سياسية وثقافية وإعلامية تعكس التنوع اللبناني، لإطلاق «المجلس الوطني اللبناني لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان». ويوضح أن «أبرز أهداف هذا المجلس هو تأكيد أنه لا يمكن إيجاد حلّ للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها لبنان إلا باستقلال لبنان عبر رفع الاحتلال الإيراني وهو أحد أولوياته، إضافةً إلى تأكيد رفض المسّ بالدستور واتفاق الطائف، والوقوف ضد محاولات سلخ لبنان عن الحضن العربي، ورفض الخروج من الشرعية الدولية، والتمسك بالقرارات الدولية».
وفي إطار رفض مواقف نصر الله أيضاً والمطالبة برفض الهيمنة الإيرانية، تمنّت «الجبهة السيادية من أجل لبنان» (تضم مجموعة من الشخصيات السياسية) في اجتماعها الأسبوعي، «خروج لبنان من جهنم من خلال رفع هيمنة السلاح الإيراني وأغطية السلاح عن كاهل الوطن»، داعمةً صرخة المطران إلياس عودة بقوله إن «مَن يغضّ الطرف عن سلاح خارج الشرعية مجرم بحق الوطن».
ورأت أن «ما ورد في الإطلالات المتلفزة لرئيس الجمهورية ولوريثه رئيس التيار الوطني الحر، ما هو إلا تقديم أوراق اعتماد جديدة لدى (حزب الله) وسوريا لينقذاهما من الخسارة الشعبية التي تنتظرهما في عام 2022». ورأت أن «إصرار الأمين العام لـ(حزب الله) على الإساءة إلى العلاقات الخارجية للبنان، وبخاصة مع دول الخليج العربي، يؤكد ضرورة الحياد، وأقله تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية وتجنيبه الانعكاسات السلبية للتوترات والأزمات الإقليمية حسب البند 12 من إعلان بعبدا الذي وافق ووقّع عليه الحزب في عام 2012، لأنه لا حلّ إلا بقيام دولة فعلية تبسط سيادتها على كامل أراضيها وتحافظ على علاقاتها الممتازة مع جميع الدول خصوصاً العربية منها».



احتفالات عيد الميلاد تعود إلى بيت لحم بعد عامين من الحرب على غزة

احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

احتفالات عيد الميلاد تعود إلى بيت لحم بعد عامين من الحرب على غزة

احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

تجوب فرق الكشافة شوارع بيت لحم، الأربعاء، مع بدء الاحتفالات بعيد الميلاد في المدينة الواقعة بالضفة الغربية المحتلّة، بعد عامين خيّمت عليهما حرب غزة التي حرمت مسقط رأس السيد المسيح، حسب المعتقد المسيحي، من الاحتفال.

لكن هذا العام، بدت المدينة الواقعة في جنوب الضفة الغربية أكثر حيوية، بعد اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، حيث يواجه مئات الآلاف برد الشتاء القارس بعد أن تركتهم الحرب في خيام مهترئة ومنازل مدمرة.

تجوب فرق الكشافة شوارع بيت لحم (أ.ب)

وفي الفاتيكان، من المقرر أن يترأس البابا لاوون الرابع عشر قداس عيد الميلاد الأول له عند الساعة 20:30 بتوقيت غرينتش في كاتدرائية القديس بطرس، بعدما دعا إلى «24 ساعة من السلام في العالم أجمع».

وانتخب الحبر الأعظم الأميركي من قبل مجمع الكرادلة، في مايو (أيار)، عقب وفاة البابا فرنسيس، وهو يتميّز بأسلوب أكثر هدوءاً من سلفه، لكنه سار على خطاه في قضايا أساسية، مثل الهجرة والعدالة الاجتماعية.

«أمل»

في بيت لحم، طغت على الأجواء أصوات الطبول ومزامير القِرَب التي تعزف ألحان تراتيل ميلادية شهيرة، بينما توجّه المسيحيون، صغاراً وكباراً، نحو وسط المدينة حيث ساحة المهد.

وقالت ميلاغروس إنسطاس (17 عاماً) التي ترتدي الزي الأصفر والأزرق لكشافة الساليزيان في بيت لحم «اليوم مليء بالفرح، لأننا (من قبل) لم نكن قادرين على الاحتفال بسبب الحرب».

وعلى غرار سائر دول الشرق الأوسط، يشكّل المسيحيون أقلية في الأراضي المقدسة، إذ لا يزيد عددهم على 185 ألفاً في إسرائيل، و47 ألفاً في الأراضي الفلسطينية.

وشارك مئات الأشخاص في المسيرة التي جابت شارع النجمة الضيق المفضي إلى كنيسة المهد والساحة المؤدية لها.

وتجمّع حشد غفير في ساحة المهد، فيما أطلّ عدد قليل من المتفرجين من شرفات مبنى البلدية لمتابعة الاحتفالات.

وفي وسط الساحة، وقفت شجرة الميلاد الكبيرة المزينة بكرات حمراء وأخرى ذهبية لتزيد بهجة على الأجواء.

ويعود بناء الكنيسة إلى القرن الرابع، وقد بُنيت فوق مغارة يعتقد المسيحيون أن السيد المسيح وُلد فيها قبل أكثر من ألفي عام.

وقالت كاتياب عمايا (18 عاماً)، وهي من أعضاء الكشافة أيضاً، إن عودة الاحتفالات تمثّل رمزاً مهماً لوجود المجتمع المسيحي في المنطقة.

وأضافت لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «هذا يمنحنا أملاً بأن المسيحيين ما زالوا هنا يحتفلون، وأننا ما زلنا نحافظ على التقاليد».

في وسط الساحة، وقفت شجرة الميلاد الكبيرة المزينة بكرات حمراء وأخرى ذهبية لتزيد بهجة على الأجواء (أ.ف.ب)

«إخوتنا وأخواتنا في غزة»

خلال الحرب المدمرة التي دارت في قطاع غزة، عمدت بلدية بيت لحم المنظمة للاحتفالات الخاصة بعيد الميلاد إلى تخفيف مظاهر الاحتفال، فاقتصرت على المراسم الدينية.

وقالت عمايا: «هذه الاحتفالات هي بمثابة أمل لشعبنا في غزة... بأنهم سيحتفلون يوماً ما ويعيشون الحياة من جديد».

وقبل ساعات ظهر الأربعاء، وصل بطريرك اللاتين في القدس، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، إلى بيت لحم، استعداداً لترؤس قداس منتصف الليل التقليدي في كنيسة المهد.

وقال لدى وصوله إلى كنيسة المهد أمام المئات من المحتشدين: «أُوصِل لكم التحيات والصلوات من إخوتنا وأخواتنا في غزة».

وكان بيتسابالا زار غزة المدمّرة من الحرب في عطلة نهاية الأسبوع، وترأس قداس عيد الميلاد في رعية العائلة المقدسة بمدينة غزة الأحد.

بطريرك اللاتين في القدس، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا وسط الحشود (أ.ب)

وأُبرم اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» برعاية أميركية وقطرية ومصرية وتركية، ودخل حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن السكان ما زالوا يواجهون حياة صعبة وبائسة بعد فقدان منازلهم وأحبتهم.

وتتبادل إسرائيل و«حماس» الاتهامات بخرق الاتفاق.

«مكان مميّز جداً»

يأمل سكان بيت لحم أن تسهم عودة احتفالات عيد الميلاد في إعادة الحياة إلى المدينة وتحفيز عودة السياح.

ويعتمد اقتصاد مدينة بيت لحم، على وجه الخصوص، على السياحة.

وتسببت الحرب في غزة بعزوف السياح عن المجيء خلال الحرب إلا أعداد قليلة جداً، كما تسببت الحرب بارتفاع معدلات البطالة.

لكن الزوار المسيحيين بدأوا، في الأشهر الأخيرة، بالعودة تدريجياً إلى المدينة المقدسة.

يأمل سكان بيت لحم أن تسهم عودة احتفالات عيد الميلاد في إعادة الحياة إلى المدينة وتحفيز عودة السياح (أ.ف.ب)

وقال جورج حنا، من بلدة بيت جالا المجاورة «بيت لحم مكان مميّز جداً، نريد أن تصل رسالتنا إلى العالم كله، وهذه هي الطريقة الوحيدة».

وخلص إلى القول: «نأمل أن نتمكن من الاحتفال، وأن يكون الأطفال سعداء، هذا هو العيد بالنسبة لنا».


التفاهم المصري - الأميركي على «إعمار غزة» يكتنفه الغموض وغياب التفاصيل

فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)
TT

التفاهم المصري - الأميركي على «إعمار غزة» يكتنفه الغموض وغياب التفاصيل

فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)

رغم اتفاق القاهرة وواشنطن على ضرورة تفعيل خطة لإعادة إعمار غزة، فإن النهج الذي ستتبعه هذه الخطة ما زال غامضاً، فضلاً عن عدم تحديد موعد لعقد مؤتمر في هذا الشأن.

ووسط تسريبات إسرائيلية عن مسعى لإعمار جزئي، وتناغم خطة أميركية جديدة مع هذا المسار العبري من دون رفض للخطة المصرية في إعمار كامل وشامل، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية تميم خلاف، لـ«الشرق الأوسط» إن مصر تهدف إلى «إطلاق مسار متكامل بشأن إعمار غزة».

تلك الجهود أكدتها أيضاً الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» قائلة إنها «تتواصل بشكل فعال مع الشركاء بشأن إعمار غزة».

المسار الأول

ومنذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ظهر مساران، أحدهما مصري والآخر أميركي يبدو متناغماً مع طرح إسرائيلي، والاثنان يقودان تصورات على أرض الواقع بشأن إعمار القطاع المدمر بسبب الحرب الإسرائيلية على مدار نحو عامين.

وعقب الاتفاق، كان المسار المصري أسرع في الوجود، وجدد الرئيس المصري التأكيد على عقد مؤتمر لإعمار قطاع غزة، وكان موعد نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، هو المحتمل لذلك التنظيم، ومع عدم عقده قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، قبل أسابيع، إن القاهرة تعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تهيئة البيئة المناسبة لنجاح مؤتمر «لتعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة». في معرض ردّه على سؤال عن سبب تأجيل المؤتمر.

ولتسريع الجهود، قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحافي ببرلين، مع نظيره الألماني يوهان فاديفول، أوائل ديسمبر (كانون الأول) الحالي: «نتشاور مع الولايات المتحدة لتكوين رئاسة مشتركة لمؤتمر الإعمار، ونأمل التوافق على توقيت في أسرع وقت ممكن لعقد هذا المؤتمر، بالتعاون مع الشركاء».

لقطة عامة لخيام نازحين وسط أحوال جوية قاسية في خان يونس جنوب قطاع غزة 18 ديسمبر 2025 (رويترز)

واعتمدت «القمة العربية الطارئة»، التي استضافتها القاهرة في 4 مارس (آذار) الماضي، «خطة إعادة إعمار وتنمية قطاع غزة» التي تستهدف العمل على التعافي المبكر، وإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين، وفق مراحل محددة، وفي فترة زمنية تصل إلى 5 سنوات، وبتكلفة تقديرية تبلغ 53 مليار دولار.

ودعت القاهرة إلى عقد مؤتمر دولي لدعم إعادة الإعمار في غزة، بالتنسيق مع الأمم المتحدة.

إعمار من دون تهجير

وحسب عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية والأكاديمي المصري أحمد فؤاد أنور، فإن «مصر تسعى لتوفير توافق أكبر على جعل أي نهج للإعمار، سواء عبر خطة مصرية أو غيرها وفق إطار جعل غزة مكاناً ملائماً للحياة دون أي تهجير أو تهديد للأمن القومي المصري»، متوقعاً أن «تنجح الدبلوماسية المصرية في ذلك كما نجحت في مؤتمر شرم الشيخ للسلام».

ويضيف أنور: «الأولوية لدى مصر هي توفير طوق نجاة للجانب الفلسطيني، وتواصل التعاون مع الشركاء بشكل جدي من أجل توفير الزخم اللازم لإنجاز مهمة الإعمار، سواء كانت نابعة من خطة مصرية أو أميركية شريطة أن تصل بنا لجعل غزة مكاناً ملائما للسكن وليس للتهجير أو المساس بحق الفلسطينيين أو الأمن القومي المصري».

المسار الآخر

وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بدأت بوادر المسار الآخر الأميركي، وأكد جاريد كوشنر، صهر ترمب في مؤتمر صحافي بإسرائيل، أن إعادة إعمار غزة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي «مدروسة بعناية، وهناك اعتبارات جارية حالياً في المنطقة الخاضعة لسيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي، إذا أمكن تأمينها لبدء البناء، بوصفها غزة جديدة؛ وذلك بهدف منح الفلسطينيين المقيمين في غزة مكاناً يذهبون إليه، ومكاناً للعمل، ومكاناً للعيش»، مضيفاً: «لن تُخصَّص أي أموال لإعادة الإعمار للمناطق التي لا تزال تسيطر عليها (حماس)».

ومطلع الأسبوع الحالي، تحدث تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن خطة أعدها كوشنر والمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف تسمى «مشروع شروق الشمس» لإعمار غزة مع اشتراط نزع سلاح «حماس»، بدءاً من الجنوب في رفح على مدار 10 سنوات، وتعنون بـ«رفح الجديدة» (تتمسك بها إسرائيل للبدء بها، والتي تقع على مقربة من الحدود المصرية) دون تحديد أين سيقيم نحو مليوني فلسطيني نازح خلال فترة إعادة البناء.

هذا المسار الأميركي المنحاز لإسرائيل، وفق تقديرات فؤاد أنور، «أقرب لصفقة تفاوضية، تريد أن تضع شروطاً تخدم مطالب إسرائيل بنزع (سلاح المقاومة)، والضغط عليها وفي الوقت ذاته احتمال تمرير التهجير دون أن ترفض الخطة المصرية صراحة، وبالتالي هناك اختلاف بين رؤيتي القاهرة وإسرائيل».

أي المسارين سينجح؟

وسط ذلك الاختلاف، والتساؤل بشأن أي المسارين سيكتب لها التموضع، قال وزير الخارجية التركي في تصريحات أدلى بها للصحافيين، السبت، إن «هناك تفاهمات تبعث على الأمل رغم تعنت إسرائيل»، مضيفاً: «هناك دراسة أولية بشأن إعادة إعمار غزة، تم تقديمها ونقاشها بشكل تمهيدي»، وفقاً لما ذكرته وكالة «الأناضول» التركية، غداة اجتماع للوسطاء في مدينة ميامي الأميركية، لبحث مستجدات اتفاق وقف إطلاق النار.

وخرج تقرير «بلومبرغ»، الاثنين، التي نقلت خلاله عن مصادر، أن الولايات المتحدة وحلفاءها يجددون مساعيهم لعقد مؤتمر حول إعادة إعمار قطاع غزة، مطلع الشهر المقبل على أقرب تقدير على أن يعقد في واشنطن أو مصر أو مواقع أخرى في ظل سعي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإعطاء زخم جديد لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس».

عمال فلسطينيون يُصلحون قبل أيام طريقاً تضرر من الحرب بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وتعليقاً على تقرير «بلومبرغ»، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، في تصريح خاص، الأربعاء، إن «الجهود الدولية لا تزال مستمرة للتشاور والتنسيق بين الأطراف المعنية، بما في ذلك مصر والولايات المتحدة، وبالتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين؛ بهدف تهيئة الظروف الملائمة لإطلاق مسار متكامل للتعافي المبكر وإعادة الإعمار».

وأضاف خلاف: «لا تزال المشاورات جارية بشأن إعادة الإعمار، لدعم الشعب الفلسطيني وتخفيف معاناته، وبما يتسق مع الجهود الأوسع لتثبيت وقف إطلاق النار ودفع مسار التهدئة».

وبشأن مستجدات عقد مؤتمر الإعمار، وهل سيكون بشراكة مع مصر أم منفرداً، وحول مكان انعقاده، قالت الخارجية الأميركية في تصريح خاص مقتضب، إن الولايات المتحدة «تتواصل بشكل فعال مع الشركاء بشأن إعمار غزة».

وتحفظت وزارة الخارجية الأميركية عن الإدلاء بتفاصيل حالية، قائلة: «نتواصل بشكل فعّال مع شركائنا، وليس لدينا أي بيانات رسمية في الوقت الحالي».

ويرى فؤاد أنور، أن «مسار مصر أقرب للنجاح وسط المحادثات والمشاورات المصرية المستمرة لإنجاز مسار الاتفاق»، مشيراً إلى أن «واشنطن لن تغامر بالانحياز الكامل لإسرائيل في المرحلة الثانية المنتظرة والمرتبطة بترتيبات أمنية وإدارية مهمة، وقد تتجاوب مع الأفكار المصرية العربية ونرى مقاربة مغايرة أفضل قليلاً وتبدأ النقاشات بشأنه للوصول لرؤية ذات توافق أكبر».


وفد من «حماس» يبحث مع وزير الخارجية التركي مجريات تطبيق اتفاق غزة

«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
TT

وفد من «حماس» يبحث مع وزير الخارجية التركي مجريات تطبيق اتفاق غزة

«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)

قالت حركة «حماس» إن وفداً بقيادة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية التقى مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في أنقرة اليوم الأربعاء، وبحث معه مجريات تطبيق اتفاق إنهاء الحرب، والأوضاع السياسية، والميدانية.

وذكرت «حماس» في بيان أن الحية أكد لوزير الخارجية التركي التزام الحركة ببنود اتفاق وقف إطلاق النار، محذراً من استمرار «الاستهدافات، والخروقات» الإسرائيلية المتكررة في قطاع غزة، والتي قال إنها تهدف إلى «عرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، وتقويض التفاهمات القائمة».

وفيما يتعلق بالأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة، أشار الحية إلى أن المساعدات الإغاثية التي تدخل القطاع «لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات»، موضحاً أن 60 في المائة من الشاحنات التي تسمح إسرائيل بدخولها هي شاحنات لبضائع تجارية، وليست مساعدات إنسانية.

وأكد الحية أن ذلك «يحرم الشريحة الكبرى من أبناء شعبنا من الحصول على احتياجاتهم الأساسية من غذاء، ودواء، وخيام بشكل إغاثي عاجل».

وتناول اللقاء أيضاً التطورات في الضفة الغربية، والقدس، حيث أكد وفد «حماس» على خطورة الممارسات «الإجرامية» الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، والمقدسات الإسلامية، والمسيحية.

كما ناقش الجانبان مسار تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية لمواجهة «المخططات» التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، بحسب بيان «حماس».