«المبادرة الصينية» لإحياء طريق الحرير القديم

دراسات تناقش الموقف العربي من توغل بكين في الشرق الأوسط

خريطة طريق الحرير القديم
خريطة طريق الحرير القديم
TT

«المبادرة الصينية» لإحياء طريق الحرير القديم

خريطة طريق الحرير القديم
خريطة طريق الحرير القديم

يتضمن كتاب «الحزام والطريق... إحياء للماضي أم استشراف للمستقبل؟» الذي صدر حديثا عن مكتبة الإسكندرية مجموعة من الدراسات والأبحاث التحليلية والاستشرافية حول مبادرة «الحزام والطريق» الصينية، التي أطلقتها الصين في عام 2013 بهدف إحياء طريق الحرير القديم، والانتشار الممنهج من خلاله في بلدان الشرق الأوسط، وضخ استثمارات هائلة لإقامة مشروعات متنوعة تدعم وتقنن الوجود الصيني هناك. ولا تمثل هذه الدراسات، حسب رأي الدكتور مصطفى الفقي في مقدمته للكتاب، «صوتاً لوجهة النظر المحلية والعربية والإقليمية فقط، بل تعرض لوجهة نظر الجانب الصيني بصفته الفاعل الرئيسي في المبادرة وحجر الأساس في الدراسات المتنوعة للوصول لرؤى متعددة لمبادرة الحزام والطريق، والبحث فيما لها وما عليها على مختلف الأصعدة وليس فقط على الصعيد الاقتصادي والسياسي، بل والثقافي والأكاديمي.
وتركز الدراسات التي تضمنها الكتاب على طرح وجهات نظر مختلفة قدمها باحثون وسفراء صينيون بالقاهرة، وتسلط الضوء على مبادرة الحزام والطريق على المستوى الإقليمي والعالمي بشكل عام، ومصر بشكل خاص، وذلك بصفتها محطة مهمة ورئيسية في المبادرة. وحول آليات تعزيز التعاون بين مصر والصين وسُبل إنجاحه وتحقيق المنفعة المتبادلة بين الطرفين، ركز المفكر الصيني والوزير المفوض بسفارة الصين بالقاهرة «شياو جون جنغ» في بحثه «الحزام والطريق وآليات تعزيز البناء المشترك بين مصر والصين»، على سبل الاستمرار في تحقيق المنفعة المتبادلة، وتعزيز البناء المشترك بين الصين ومصر التي تقع عند تقاطع الطرف الغربي من «الحزام والطريق»، وتتمتع بمزايا جغرافية فريدة ومكانة محورية، باعتبارها شريكا في البناء المشترك للمبادرة.
وذكرت السفيرة جياو ليينع في بحثها «الحزام والطريق... فرص جديدة للتعاون بين مصر والصين» أن مبادرة التشارك في بناء الحزام والطريق تنتمي إلى العالم، وتتأصل في التاريخ، وتتطلع إلى المستقبل، وتلتفت إلى قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا بشكل رئيسي، وهي في الوقت نفسه تنفتح على جميع الشركاء. وتجاوز الحدود بين مختلف الدول والمناطق والمراحل التنموية والتقاليد التاريخية والثقافات والأديان والأعراف والعادات، وتدعو إلى التنمية السلمية والتعاون الاقتصادي، ولا تسعى وراء تشكيل تحالف جيو سياسي أو عسكري، كما أنها لا تمارس التمييز الآيديولوجي، وهي الأسس التي يعتمد عليها التعاون الوثيق بين الصين والدول العربية وأفريقيا ومصر في إطار البناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق، والذي نتج عنه توقيع وثائق تعاون من أجل البناء المشترك للمبادرة مع مصر، والسعودية، والإمارات.
وأشارت إلى أن حجم التجارة الثنائية بين الصين والدول العربية بلغ 266.4 مليار دولار أميركي عام 2019، وتدفق الاستثمار المباشر الصيني في الدول العربية 1.4 مليار دولار أميركي، وعلى الجانب الأفريقي قامت 44 دولة أفريقية ولجنة الاتحاد الأفريقي بتوقيع اتفاقيات تعاون في مبادرة الحزام والطريق، وتم تنفيذ عدد كبير من مشاريع السكة الحديد، والطرق السريعة، والمطارات، والموانئ، ومحطات الطاقة ما أدى إلى إحداث تغيرات كبيرة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية بالقارة. وبلغ حجم التجارة الثنائية بين الصين وأفريقيا قبل عامين «208.7» مليار دولار أميركي، وكان تدفق الاستثمارات غير المباشرة 3 مليارات دولار أميركي.
أما باقي الدراسات التي حملت عناوين «استراتيجية الحزام والطريق والدول العربية... الفرص والتحديات» للدكتورة شيرين جابر، و«المد الصيني في القارة الأفريقية... المحددات والرؤى الاستراتيجية» للدكتور محمود عزت عبد الحافظ، و«الصين والشرق الأوسط ومصر... جهود التعاون لبناء السلام وتعزيز الشراكة الاستراتيجية» للباحثة سارة عبد العزيز الأشرفي فقد تركزت جميعها على التحديات التي تواجه الجانب الصيني إثر انتشار جائحة «كورونا» على مستوى العالم وتأثيرها على النمو الاقتصادي الدولي بشكل عام ودول ومدن الطريق الجديد بشكل خاص. وتتجاوز الدراسات النطاق المحلي المتعلق بمصر ودورها المهم في هذه المبادرة، إلى النطاق الإقليمي الممثل في الدول العربية وموقفها من التوغل الصيني بشكل عام ومن مبادرة الحزام والطريق على وجه التحديد، وكذلك التحديات والعثرات التي تواجه هذه المبادرة؛ وعلى رأسها الديون المالية التي قد تهدد نجاح المبادرة، في حالة تعسر الدول عن السداد، والتوتر الأمني الذي تشهده بعض الدول العربية؛ ومنها سوريا والعراق واليمن وليبيا، وكيفية ضم هذه الدول، وتعزيز مشاركتها في المبادرة، وتحليل الموقف الصيني منها والموقف الأوروبي والأميركي إزاء ذلك.
ولم يكن الشأن العربي هو الشأن الإقليمي الوحيد الذي طرحه الباحثون في دراساتهم، بل كان للشأن الإقليمي على نطاق قارة أفريقيا والتوغل الصيني والانتشار فيها، نصيب كبير من النظر والتفنيد والتحليل سواء فيما يخص انعكاس ذلك على الدول الأفريقية ذاتها أو على موقف القوى الدولية من هذا التوغل الصيني والانتشار في أفريقيا بشكل استثماري متنوع الأبعاد.
وإلى جانب كل هذه الرؤى والدراسات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية المتنوعة، جاءت وجهات النظر المتعلقة بالشأن الثقافي والأكاديمي والفني والحضاري على المستوى نفسه من الأهمية والتحليل. فهذا الجانب يمتد بجذوره على طول الطريق القديم وفي مدنه ودروبه المتفرعة منه، وكان له دور مهم في تعزيز التعاون بأشكاله المختلفة بين شعوب تلك عيد طرح ما كان من قبل، والاستفادة منه في طرح نقاط جديدة جديرة بالدراسة والأخذ بعين الاعتبار؛ لتعزيز دور المبادرة في تدعيم أواصر الشعوب الواقعة على طول الطريق، ونقل الثقافات المتباينة فيما بينها، والوقوف على نقاط الضوء المشتركة وتعزيزها، والتعرف على ثقافات جديدة تُضيف بُعداً ونكهة مختلفة لشعوب الحرير.
وفي دراستها قالت الدكتورة شيرين جابر إن العالم العربي يشكل أهمية قصوى للدبلوماسية الصينية كما أنهما يقتسمان اهتمامات مشتركة في عدد من القضايا ولهما رؤى متطابقة إلى حد كبير، يشكل المحدد الاقتصادي السمة البارزة خاصة إذا ما نظرنا إلى مجالات العلاقات الثنائية بين الطرفين، وتعد العلاقات الصينية السعودية على سبيل المثال نموذجاً حيوياً لذلك.
وتنطلق الدراسة التي قدمتها جابر من فرضية أساسية مفادها أن الفرص الاستراتيجية لدعم العلاقات العربية الصينية عقب مبادرة الحزام والطريق تفوق التحديات التي تواجهها. وحاولت جابر توضيح هذه الفرص من أجل العمل على استثمارها للوصول إلى الشراكة الاستراتيجية الفعالة بين الطرفين، فضلا عن تناول التحديات التي تحتاج إلى إعادة نظر وتفكير واتخاذ كل من الطرفين خطوات جادة الطرفين للتغلب على هذه التحديات.



كتب أحلم بقراءتها 2025

كتب أحلم بقراءتها 2025
TT

كتب أحلم بقراءتها 2025

كتب أحلم بقراءتها 2025

هناك كتب عديدة أحلم بقراءتها في مطلع هذا العام الجديد المبارك. لكني أذكر من بينها كتابين للمفكر الجزائري المرموق لاهوري عدي. الأول هو: «القومية العربية الراديكالية والإسلام السياسي». والثاني: «أزمة الخطاب الديني الإسلامي المعاصر - ضرورة الانتقال من فلسفة أفلاطون إلى فلسفة كانط». وربما كان هذا أهم كتبه وأشهرها. والدكتور لاهوري عدي اشتهر، منذ عام 1992، ببلورة أطروحة لافتة عن صعود موجة الإسلام السياسي، بعنوان: «التراجع الخصب أو الانتكاسة الخصبة والمفيدة». هذا المصطلح شاع على الألسن وبحق. ما معناه؟ ما فحواه؟ مصطلح التراجع أو الانتكاسة شيء سلبي وليس إيجابياً، على عكس ما يوحي به المؤلف للوهلة الأولى، ولكنه يتحول على يديه إلى شيء إيجابي تماماً، إذا ما فهمناه على حقيقته. ينبغي العلم أنه بلوره في عز صعود الموجة الأصولية الجزائرية و«جبهة الإنقاذ». قال للجميع ما معناه: لكي تتخلصوا من الأصوليين الماضويين اتركوهم يحكموا البلاد. هذه هي الطريقة الوحيدة للتخلص من كابوسهم. وذلك لأن الشعب الجزائري سوف يكتشف بعد فترة قصيرة مدى عقم مشروعهم وتخلفه عن ركب الحضارة والعصر، وسوف يكتشف أن وعودهم الديماغوجية الراديكالية غير قابلة للتطبيق. سوف يكتشف أنها فاشلة لن تحل مشكلة الشعب، بل وستزيدها تفاقماً. وعندئذ يلفظهم الشعب وينصرف عنهم ويدير ظهره لهم ويفتح صدره للإصلاحيين الحداثيين الليبراليين. هذه الأطروحة تذكرنا بمقولة «مكر العقل في التاريخ» لهيغل، أو بـ«الدور الإيجابي للعامل السلبي في التاريخ». بمعنى أنك لن تستطيع التوصل إلى المرحلة الإيجابية قبل المرور بالمرحلة السلبية وتذوُّق طعمها والاكتواء بحرِّ نارها. لن تتوصل إلى الخير قبل المرور بمرحلة الشر. لن تتوصل إلى النور قبل المرور بمرحلة الظلام الحالك. ينبغي أن تدفع الثمن لكي تصل إلى بر الخلاص وشاطئ الأمان. وقد سبق المتنبي هيغل إلى هذه الفكرة عندما قال:

وَلا بدَّ دونَ الشَّهْد من إِبرِ النحلِ

هذه الأطروحة تقول لنا ما معناه: الأصولية المتطرفة تشكل وهماً جباراً مقدساً يسيطر على عقول الملايين من العرب والمسلمين. إنهم يعتقدون أنها ستحلّ كل مشاكلهم بضربة عصا سحرية، إذا ما وصلت إلى الحكم. ولا يمكن التخلص من هذا الوهم الجبار الذي يخترق القرون ويسيطر على عقول الملايين، إلا بعد تجريبه ووضعه على المحك. عندئذ يتبخر كفقاعة من صابون. ولكن المشكلة أنه لم يتبخر في إيران حتى الآن. بعد مرور أكثر من 40 سنة لا تزال الأصولية الدينية المتخلفة تحكم إيران وتجثم على صدرها. فإلى متى يا ترى؟ إلى متى ستظل الأصولية الدينية القروسطية تحكم بلداً كبيراً وشعباً مثقفاً مبدعاً كالشعب الإيراني؟ بعض الباحثين يعتقدون أن هذا النظام الرجعي لولاية الفقيه والملالي انتهى عملياً، أو أوشك على نهايته. لقد ملَّت منه الشبيبة الإيرانية، ومِن الإكراه في الدين إلى أقصى حد ممكن. وبالتالي، فإما أن ينفجر هذا النظام من الداخل وينتصر محمد جواد ظريف وبقية الليبراليين الإصلاحيين المنفتحين على التطور والحضارة الحديثة. وإما أن يعود ابن الشاه من منفاه ويعتلي عرش آبائه مرة أخرى. ولكم الخيار.

وبخصوص إيران، أحلم بقراءة مذكرات فرح بهلوي للمرة الثانية أو ربما الثالثة. وهو كتاب ضخم يتجاوز الأربعمائة صفحة من القطع الكبير. وتتصدره صورة الشاهبانو الجميلة الرائعة. ولكنها لم تكن جميلة فقط، وإنما كانت ذكية جداً وعميقة في تفكيرها. من يُرِد أن يتعرف على أوضاع الشعب الإيراني قبل انفجار الثورة الأصولية وفيما بعدها أنصحه بقراءة هذا الكتاب. مَن يرد التعرف على شخصية الخميني عندما كان لا يزال نكرة من النكرات، فليقرأ الصفحات الممتازة المكرَّسة له من قبل فرح ديبا. كان مجرد شيخ متزمت ظلامي معادٍ بشكل راديكالي لفكرة التقدُّم والتطور والإصلاح الزراعي الذي سنَّه الشاه في ثورته البيضاء التي لم تُسفَك فيها قطرة دم واحدة. كان مع الإقطاع والإقطاعيين الكبار ضد الفلاحين البسطاء الفقراء. وكان بإمكان الشاه أن يعدمه، ولكنه لم يفعل، وإنما تركه يذهب بكل حرية إلى منفاه. بعدئذ تحول هذا الشيخ القروسطي الظلامي إلى أسطورة على يد أشياعه وجماعات الإسلام السياسي أو المسيَّس. هذا لا يعني أنني أدافع عن الشاه على طول الخط، كما تفعل فرح ديبا؛ فله مساوئه ونقائصه الكبيرة وغطرساته وعنجهياته التي أودت به. ولكن ينبغي الاعتراف بأنه كانت له إيجابيات، وليس فقط سلبيات مُنكَرة. ولكن الموجة الأصولية دمرته ودمرت سمعته كلياً، وقد آن الأوان لتدميرها هي الأخرى، بعد أن حكمت إيران مدة 45 سنة متواصلة. وعلى أي حال، فإن أفعالها وأخطاءها الكبرى هي التي دمرتها أو ستدمرها. لقد أشاعت الحزازات المذهبية في المنطقة، وأعادتنا 1400 سنة إلى الوراء. هل سننتظر مليون سنة لكي نتجاوز الفتنة الكبرى التي مزقتنا؟ هنا يكمن خطأ التفكير الأصولي الرجعي المسجون في عقلية ماضوية عفى عليها الزمن. متى ستتحقق المصالحة التاريخية بين كافة المذاهب والطوائف عندنا مثلما تحققت المصالحة التاريخية الكاثوليكية - البروتستانتية في أوروبا وأنقذتهم من جحيم الانقسامات الطائفية والمذهبية؟ متى ستنتصر الأنوار العربية الإسلامية على الظلمات العربية الإسلامية؟ بانتظار أن يتحقق ذلك ينبغي على جميع الأقليات أن تلتف حول الأكثرية، لأنها هي العمود الفقري للبلاد، ولأن نجاحها سيكون نجاحاً للجميع، وفشلها (لا سمح الله) سيرتد وبالاً على الجميع.

أضيف بأن الحل الوحيد للتطرف هو الإسلام الوسطي العقلاني المعتدل السائد في معظم الدول العربية، إن لم يكن كلها. «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً»، كما يقول القرآن الكريم. وهو الذي نصّت عليه «وثيقة الأخوة الإنسانية» في أبوظبي عام 2019، و«وثيقة مكة المكرمة» الصادرة عن «رابطة العالم الإسلامي»، في العام ذاته، وهو الذي تعلمته أنا شخصياً في ثانوية مدينة جبلة الساحلية السورية، على يد أستاذ التربية الدينية الشيخ محمد أديب قسام. كان فصيحاً بليغاً أزهرياً (خريج الأزهر الشريف). كان يحببك بدرس الديانة غصباً عنك. لا أزال أتذكر كيف كان يشرح لنا الحديث التالي: «دخلت النار امرأة في هرة حبستها، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت». كأني أراه أمام عيني الآن وهو يشرح لنا هذا الحديث النبوي الشريف. هنا تكمن سماحة الإسلام ومكارم الأخلاق. فإذا كان الإسلام يشفق على الهرة أو القطة أو الحيوانات؛ فما بالك بالبشر؟ هنا يكمن جوهر الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين لا نقمة عليهم ولا ترويعاً لهم.