تعاون الحكومة والبرلمان ممر إلزامي لإجراء الانتخابات

TT

تعاون الحكومة والبرلمان ممر إلزامي لإجراء الانتخابات

بعد طول صبر وعناء نجح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في إخراج التعطيل الحكومي من التأزم الذي كان يحاصره وتحريره من تبادل الضغوط بإرساء معادلة تقوم على أن يعاود مجلس الوزراء جلساته في مقابل موافقة رئيس الجمهورية ميشال عون على فتح دورة استثنائية تتيح للبرلمان مواصلة دوره التشريعي برغم أن العريضة النيابية المطالبة بفتحها أصبحت جاهزة بدءاً من اليوم، وهذا ما تصدر جدول أعمال اجتماعه أمس بعون الذي تخلله اتصالهما برئيس المجلس النيابي نبيه بري يُفترض أن يؤدي إلى تبريد الأجواء بين عون وبري، بعد أن احتدم السجال بينهما بشكل غير مسبوق بدخول رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل على خط التصعيد السياسي، على أن يُترك للقضاء إيجاد المخرج الذي أملى على «الثنائي الشيعي» مقاطعة جلسات مجلس الوزراء.
وهكذا نجح رئيس الحكومة بعد طول انتظار وتدوير للزوايا لتفادي انفجار الحكومة من الداخل، في فتح الأبواب أمام إنهاء التعطيل الحكومي بموازاة إقناع عون بفتح دورة استثنائية لأن امتناعه عن فتحها سيعيق إنجاز دفتر الشروط الذي وضعه المجتمع الدولي لوقف انهيار لبنان، في مقابل موافقة «الثنائي الشيعي» على إنهاء مقاطعة جلسات مجلس الوزراء.
وأدى قرار ميقاتي إلى حشر عون و«الثنائي الشيعي»، خصوصاً أنه ذهب بعيداً في مراعاته للأخير بعدم التسرع بدعوة مجلس الوزراء للانعقاد رغبة منه في الحفاظ على علاقته ببري برغم أنها دخلت في دائرة التوتر مع «حزب الله» على خلفية رد ميقاتي على أمينه العام حسن نصر الله بعد تهجم الأخير على المملكة العربية السعودية.
وفي هذا السياق يقول مصدر سياسي بارز لـ«الشرق الأوسط» إنه لم يعد من خيار أمام ميقاتي سوى الرد على نصر الله بعيداً عن المجاملة التي اتسم بها الموقف الذي صدر عن عون، ويضيف أنه منذ تولي رئاسة الحكومة أخذ على عاتقه التحرك دولياً وعربياً لإخراج لبنان من عزلته، فإذا به يفاجأ بموقف «حزب الله» المؤدي إلى إطباق الحصار عليه بلا أي مبرر ويعيق المهمة التي بدأها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والتي تُرجمت باتصالين تلقاهما منهما أثناء اجتماعهما في جدة.
ويلفت المصدر نفسه إلى أن الردود المحلية التي صدرت رداً على نصر الله تزامنت بشكل ملحوظ مع عدم دخول حركة «أمل» الحليف الاستراتيجي لـ«حزب الله» على الخط لنصرة الحزب، ما يعني أن تهجمه بقي محصوراً به بغياب شريكه في «الثنائي الشيعي».
ويكشف أن ميقاتي أوشك على اتخاذ قراره بدعوة مجلس الوزراء للانعقاد بغية حشر الجميع بدءاً بعون الذي وإن كان يطالب بانعقاده فإنه سيجد نفسه محرجاً بعدم فتح دورة استثنائية لاضطراره إلى فتحها استجابة للعريضة النيابية التزاماً منه بالدستور، إضافة إلى أن دعوة عون للحوار تفرض أن يدعم أقواله بالأفعال. إذ كيف يوفق بين رعايته للحوار وبين تعطيله للتشريع في البرلمان؟
ويضيف المصدر السياسي أن عدم فتح دورة استثنائية لإقرار الموازنة للعام الحالي يعني من وجهة نظر المجتمع الدولي عدم جدية الحكومة في الاستجابة لدفتر الشروط لمواصلة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ويؤكد أن ما يسري على عون في هذا المجال ينسحب على «الثنائي الشيعي» الذي بات مضطراً لملاقاة ميقاتي في منتصف الطريق بعد أن نفد صبر الأخير ولم يعد في وسعه أن يبقى في موضع شاهد الزور على انهيار البلد.
كما أن لا مفر من إقرار موازنة العام الحالي - بحسب المصدر نفسه - ليس لإعادة الانتظام إلى المالية العامة فحسب، وإنما لوقف انهيار سعر صرف الليرة في ظل استمرار ارتفاع سعر الدولار بشكل تجاوز كل التوقعات وبات يهدد آخر ما تبقى من الأمن الاجتماعي للسواد الأعظم من اللبنانيين.
ويؤكد أن وقف تعطيل العمل الحكومي بدأ يفرض نفسه بقوة، وهذا ما تُرجم بالمرونة التي أبداها عون وبري من موقع الاختلاف القائم بينهما لأن الوضع لم يعد يُطاق واستمراره سيدفع إلى مزيد من التفلت الأمني الذي سيرفع منسوب الانفجار الاجتماعي برغم الجهود الرامية للحفاظ على الاستقرار وضبط حركة الاحتجاجات من قبل القوى الأمنية.
ويرى أن عدم انعقاد مجلس الوزراء لمعاودة أعماله بدءاً بإقرار الموازنة وإحالتها على لجنة المال والموازنة النيابية لمناقشتها تمهيداً لإقرارها في البرلمان سيؤدي للإطاحة بالاستحقاق الانتخابي، وهذا ما يُدخل المنظومة الحاكمة في صدام مع المجتمع الدولي قد لا يقتصر على فرض عقوبات على من يعيق إجراء الانتخابات النيابية في موعدها.
ويحذر المصدر من عدم عودة مجلس الوزراء إلى الاجتماع لأن تحويل الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال يصلح لبعض الوقت وليس في جميع الأوقات، ويعزو السبب إلى أن من شروط إجراء الانتخابات في موعدها تعيين هيئة الإشراف على إنجازها مدعومة هذه المرة بمراقبة دولية والموافقة على نقل اعتمادات مالية لتغطية النفقات المترتبة على إتمامها، إضافة إلى أن هناك ضرورة لقبول مجلس الوزراء الهبات المالية المقدمة من الدول المانحة والمؤسسات الدولية المساهمة في تغطية النفقات المالية من جهة وتوفير النفقات للهيئات المشرفة على إجراء الانتخابات لأن العجز الذي تعاني منه المالية العامة يمنعها من زيادة بدل أتعابهم في ظل ارتفاع سعر الدولار وانعدام القدرة الشرائية للعملة الوطنية.
وتشكل كل هذه الشروط الممر الإجباري لإجراء الانتخابات، وهذا ما يفرض على الجميع تقديم «التنازلات» والتسهيلات المطلوبة لإنجازها في موعدها لتمرير الرسالة المطلوبة إلى المجتمع الدولي بأن تأمين إعادة تكوين السلطة في لبنان سيبقى في مأمن عن تبادل السجالات من جهة ولانتزاع شهادة حسن سلوك دولية تدحض رهان هذا الفريق أو ذاك على تعطيل الانتخابات بخلاف ما يدعيه هؤلاء في العلن.



لا موعد لعودة هوكستين ولا مكان للتقدم لتطبيق الـ1701

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستقبل المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين قبل اجتماعهما في مكتب رئيس الوزراء في القدس (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستقبل المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين قبل اجتماعهما في مكتب رئيس الوزراء في القدس (د.ب.أ)
TT

لا موعد لعودة هوكستين ولا مكان للتقدم لتطبيق الـ1701

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستقبل المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين قبل اجتماعهما في مكتب رئيس الوزراء في القدس (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستقبل المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين قبل اجتماعهما في مكتب رئيس الوزراء في القدس (د.ب.أ)

الترويج لمعاودة الوسيط الأميركي آموس هوكستين تحركه بين بيروت وتل أبيب للتوصل لوقف النار يبقى في إطاره الإعلامي، ما دام رئيسا المجلس النيابي نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لم يتبلغا بموعد عودته ولا بتحقيق بعض التقدم في زيارته الأخيرة لإسرائيل، وإلا فلماذا اضطر للعودة إلى واشنطن بدلاً من أن يعرج على بيروت لإطلاعهما على الأجواء التي سادت اجتماعه برئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو؟

وتقول مصادر سياسية إن مواصلته للوساطة الأميركية بين لبنان وإسرائيل للتوصل إلى وقف للنار تمهيداً لنشر الجيش اللبناني، إلى جانب قوات الطوارئ الدولية «يونيفيل» في جنوب الليطاني لتطبيق القرار الدولي 1701 بعد الاتفاق على آلية تنفيذه، تبقى عالقة على نتائج السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض بين الرئيس السابق دونالد ترمب ومنافسته كامالا هاريس، والتي ستظهر تدريجياً في الساعات المقبلة.

وساطة هوكستين وسباق الرئاسة الأميركية

وتؤكد مصادر سياسية لبنانية لـ«الشرق الأوسط» أن مصير الوساطة التي يتولاها هوكستين لنزع فتيل التفجير بين إسرائيل و«حزب الله» يتوقف على من سيحسم السباق الرئاسي الأميركي. وتقول إن انتخاب هاريس من شأنه أن يسهّل مهمته ويتيح له الاستقواء بوصولها إلى البيت الأبيض على نحو يمكّنه من وضع حد للابتزاز الذي يمارسه نتنياهو؛ لأنه سيكون في وسعها الاستعانة بالرئيس الحالي جو بايدن لوضع تطبيق الـ1701 على نار حامية، حتى قبل أن تبدأ ممارسة صلاحياتها الرئاسية في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، هذا في حال أنها حسمت أمرها وقررت إخراج الوساطة من المراوحة، أسوة بتلك التي أصابت مفاوضات غزة.

وترى المصادر ذاتها أن فوز ترمب بالرئاسة قد يؤدي إلى تمديد أمد المراوحة التي يحاول نتنياهو الإفادة منها لمواصلة تدمير القرى الأمامية التي لم تعد صالحة للإقامة فيها.

فوز ترمب يمدد فترة تفلت نتنياهو

وتخشى المصادر نفسها أن انشغال ترمب في تشكيل إدارته بالبيت الأبيض سيؤدي حتماً إلى تمديد فترة «السماح» لنتنياهو لترتيب الوضع في القرى الأمامية الحدودية، ولكن على طريقته، بما يمكّنه من انتزاع موافقة الحكومة اللبنانية للتسليم بتفسيره لتطبيق القرار الدولي استباقاً لإعادة ترتيب الوضع في المنطقة، آخذاً بعين الاعتبار إطباق الحصار على إيران والقضاء على أذرعها، بدءاً بـ«حزب الله»، بقطع كل أشكال الإمداد العسكري والمالي له، بالتلازم مع استهدافه للبنية الاقتصادية، ليس للحزب فقط، وإنما للطائفة الشيعية، وهذا ما يفسّر تدميره للأسواق والمصانع والمؤسسات والمرافق الحيوية التي لا غنى عنها للنهوض مجدداً بهذه المناطق.

وفي هذا السياق، تسأل المصادر عمّا إذا كان وصول ترمب يشكل محطة لاختبار مدى جديته بإنهاء الحروب، بدءاً بإعادة الهدوء المستدام إلى الجنوب، انسجاماً مع وعوده التي قطعها في لقاءاته مع الاغتراب اللبناني. فهل يضغط على إسرائيل لتطبيق الـ1701 بكل مندرجاته؟

استعصاء نتنياهو

وتستغرب المصادر السياسية وضع اللائمة على لبنان بتحميله مسؤولية إضاعته للفرص التي أتيحت لتطبيق الـ1701، وتقول إن نتنياهو هو من يستعصي ويتمرّد على الإدارة الأميركية برفضه التجاوب مع الإطار العام الذي اتفق عليه هوكستين مع بري لتسهيل تنفيذ القرار، وذلك بمطالبته بإدخال تعديلات عليه غير قابلة للتنفيذ، من وجهة النظر اللبنانية، كونها تجيز له استمرار تحليق الطيران الحربي والاستطلاعي في الأجواء اللبنانية، وتعطيه الحق بالتوغل في منطقة جنوب الليطاني ولو من باب الشبهة، بذريعة أن هناك من يعدّ لتحرك يراد منه تهديد أمن إسرائيل.

وتكشف المصادر عن أن هوكستين كان قد أبلغ مسؤولين لبنانيين، وهو في طريقه إلى تل أبيب للقاء نتنياهو، أن الأجواء إيجابية وتفتح الباب أمام التوصل لوقف النار. وتقول إنه تحدث لاحقاً عن حصول تقدُّم بقي إعلامياً، مع أنه، كما نُقل عنه، أمهل نتنياهو بعض الوقت نزولاً عند رغبته، ما أوحى له بأن للبحث صلة على طريق إنهاء الحرب.

نتنياهو يسعى لترتيبات أمنية

لكن، تبين بحسب المصادر أن لا أساس للتقدم الذي تحدث عنه هوكستين، وإلا فلماذا يوسع نتنياهو تدميره وحرقه للقرى؟ ما يدعو للتساؤل عمّا إذا كان يود خوض المفاوضات على طريقته، وتحت النار، للضغط على لبنان للتسليم له بإدخال «ترتيبات أمنية» على الـ1701، يمكن أن تسمح له بتفريغه من مضامينه، مع أن لبنان أقر بأن لا مفر من تطبيقه على قاعدة الاعتراف بالاستعداد للدخول في مرحلة سياسية جديدة غير تلك القائمة حالياً، وأدت إلى تعطيل تنفيذ القرار.

وترى المصادر أنه لم يعد من مبرر للربط بين جبهتي غزة والجنوب، وأنه لا بد من الفصل بينهما لعدم توفير الذريعة لنتنياهو للتفلت من وقف حربه على لبنان بتطبيق الـ1701، مع أنه لم يكن من ضرورة لإسناد «حزب الله» لغزة، الذي شكل بتفرُّده بقرار السلم والحرب إحراجاً للحكومة عربياً ودولياً، باعتبارها صاحبة الصلاحية في اتخاذه، فيما افتقد الحزب إلى من يناصره، بخلاف وحدة الساحات التي يدعو لها محور الممانعة بقيادة إيران، وهذا ما ألقى عليه عبء المواجهة منفرداً.