السودان... سيناريوهات ما بعد استقالة حمدوك

رئيس الوزراء السوداني المستقيل عبد الله حمدوك (أ.ب)
رئيس الوزراء السوداني المستقيل عبد الله حمدوك (أ.ب)
TT

السودان... سيناريوهات ما بعد استقالة حمدوك

رئيس الوزراء السوداني المستقيل عبد الله حمدوك (أ.ب)
رئيس الوزراء السوداني المستقيل عبد الله حمدوك (أ.ب)

أعادت استقالة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، إلى الأذهان مجدداً حكاية استقالة رئيس الوزراء الانتقالي، سر الختم الخليفة، في حكومة ثورة أكتوبر (تشرين الأول) 1964، بسبب انقسام القوى السياسية إلى فئة تطالب بقيادة الأحزاب للمرحلة الانتقالية وفئة أخرى تطالب بإبعادها، مما أدى إلى اضطراب كبير وقتذاك، وهو السيناريو نفسه الحادث الآن مع بعض الفوارق نتجت بين الحالتين.
قال رئيس الوزراء حمدوك في تبرير استقالته، إنه فشل في تحقيق توافق سياسي بين مختلف مكونات الحكم وقوى الثورة، فيما استقال سر الختم الخليفة للسبب ذاته، إذ كانت هناك حينها جبهة الأحزاب وجبهة الهيئات، واليوم توجد أيضاً قوى تحالف «الحرية والتغيير» والحزب الشيوعي، وقوى «الميثاق الوطني»، وهو وضع يشبه أسباب خطاب استقالة حمدوك، ومراوحة الفكر السياسي السوداني مكانه منذ ستينات القرن الماضي.
استقال حمدوك وترك واقعاً سياسياً معقداً وعدم استقرار كبير في مختلف جوانب الحياة، أزمة اقتصادية طاحنة، وقوى سياسية متصارعة، وشارع ثائر يريد أن يلقي بالكل في نهر النيل المجاور للقصر الرئاسي، فما هي السيناريوهات المتوقعة التي يمكن أن تحدث؟

توازنات القوى
يمكن القول إن توازنات القوى المحلية والدولية هي التي ترسم السيناريوهات المتوقعة، فمحلياً يقف تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير الذي كان يمثل المرجعية السياسية لحكومة عبد الله حمدوك، وأيضاً حركات الكفاح المسلح في الجانب الآخر مع حلفائهم العسكريين الذين نفذوا الانقلاب الذي أطاح بالحكومة المدنية في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وفي الجانب الآخر تقف «لجان المقاومة الشعبية»، التي تقود الاحتجاجات والمواكب، ومن بعيد يقف الحزب الشيوعي رافضاً لكل شيء.
لم يفلح الانقلاب في تشكيل حكومة بديلة رغم مرور أكثر من شهرين على تسلم العسكريين وحلفائهم للسلطة، واضطروا لإعادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لممارسة مهام منصبه مجدداً، لكن حمدوك في مواجهة الرفض الشعبي لاتفاقه مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان الموقع في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لم يستطع هو الآخر تكوين حكومة، لأنه اشترط لتكوينها توافقاً عليها. فاستقال حمدوك وترك وضعاً في غاية الهشاشة، فالعسكريون غير قادرين على التحكم في احتجاجات الشارع، والسياسيون كل يغني ليلاه، بينما تعمل لجان المقاومة الشعبية على إبعاد الجميع من المشهد.
وفي ظل هذه السيولة تبرز سيناريوهات عديدة تتراوح بين انهيار الدولة وسيادة الفوضى، أو حدوث توافق اضطراري بين الفرقاء، أو سيطرة الجيش وقوات «الدعم السريع» على مقاليد الأمور والعودة مجدداً لعهود الديكتاتورية والقمع. والجيش بحكم التعبئة والتعبئة المضادة التي نظمت له، لا يمكن أن يظل هادئاً لأن هناك «ضابطا من ضباطه» يمكن أن يقلب المعادلة لصالح المدنيين، فيما يواجه ذهاب القيادة العسكرية الحالية صعوبات عملية عديدة، ليس أقلها أن الرجل القوي قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو «حميدتي»، قد لا يقبل العمل تحت قيادة ضابط سوى البرهان، في الوقت الذي يتململ فيه الجيش من وجوده بتلك الرتبة العالية والسيطرة شبه التامة على الأوضاع في البلاد.
وتقف الجهة العسكرية الأخرى وهي الحركات المسلحة التي وقعت اتفاق جوبا للسلام، بجيوشها تكتيكياً الآن إلى جانب البرهان، لكن الرجل وبحسب قراءة للواقع السياسي لا يملك أن يقدم لها أكثر مما حازت عليه، ما دفعها للبكاء على اللبن المسكوب، فتأسف رئيس «حركة العدل والمساواة» الذي يشغل منصب وزير المالية جبريل إبراهيم، في تغريدة على ذهاب حمدوك، ونسي أنه كان من أشد مؤيدي ذهابه. ومثله فعل رئيس «حركة تحرير السودان» مني أركو مناوي، فهو الآخر قد أرجع في تغريدة استقالة حمدوك إلى أزمة عدم التوافق، برغم أنه أحد كبار مشعليها.

قوات «الدعم السريع»
وتقف بين كل هؤلاء «قوات الدعم السريع»، فهي وإن كانت قد خلقت توازناً بين العسكريين الإسلاميين والثورة في وقت ما، فإن تطور الأحداث قد جعل منها أحد أسباب اختلال التوازن، فقائدها «حميدتي» قال في إحدى تغريداته: «فلتمطر حصى». وكان الرجل قد انتزع لنفسه موقع الرجل الثاني في الدولة، ولن يقبل بأي سيناريو يبقيه بعيداً عن السلطة، فيما ترتفع نغمة إبعاده وسط العسكريين الإسلاميين الذين يرون أنه صنيعتهم «الخائنة».
أما «الشارع السياسي» فيرفض الجميع، ويطالب بشكل صريح بذهاب البرهان ومكونه العسكري دفعة واحدة، ويواصل مواكبه المليونية التي تنظمها لجان المقاومة بشكل شبه يومي وترفع شعار: «لا شراكة، لا تفاوض، لا شرعية» للعسكر. وبعد أن أفلحت في الوصول للقصر الرئاسي، وواجهت عنفاً مفرطاً أدى لمقتل 56 شهيداً بعد الانقلاب لم تتوقف بل تتزايد مواكبها السلمية، وسط محاولات استخبارية لجرها لمنطقة العنف، وفقدان القوة الناعمة التي تعد مصدر قوتها الحقيقية. أما تحالف «الحرية والتغيير» الذي كان يمثل الحاضنة السياسية للانتقال، فقد انقسم على نفسه، جزء منها سمى نفسه «جماعة الإعلان السياسي» انحازت للاتفاق السياسي مع الجيش، فيما بقي الجسم الرئيس منها «المجلس المركزي» ليواجه اتهامات الشارع والثوار بأنهم أضاعوا الثورة بصراعات تقاسم كيكة السلطة، فيما يقف الحزب الشيوعي وحده بمواجهة الكل، يرفض كل شيء، ويصر على «حكومة مدنية كاملة»، دون أن يقدم سيناريو للوصول إليها سوى الرهان على مقاومة الشارع السياسي.

نزاعات الأقاليم
محلياً، يشهد إقليم دارفور المضطرب أصلاً، عودة الاضطراب مجدداً، فقد شهد هجمات وهجمات مضادة أدت لمقتل المئات خلال الفترة الماضية، ولم تفلح الحكومة في وضع حد لها، واكتفى قادة الفصائل التي كانت تقاتل باسم الإقليم، بـ«الوظائف» التي نالوها في الخرطوم، بل تحولت قواتها لمصدر للفوضى، بلغت حد الاعتداء على منشآت تابعة لبعثة حفظ السلام، وصندوق الغذاء العالمي أخيراً، ووقف حاكم الإقليم مناشداً.
اقتصادياً، تتفاقم الأزمة باضطراد وسط مخاطر تهديد المجاعة لأكثر من 14 مليون سوداني، وفقاً لتقارير مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية «أوتشا» الصادرة ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وتشهد أسعار السلع الرئيسية ارتفاعاً يفوق قدرات الناس الشرائية، ويتراجع سعر العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، وارتفاع معدلات التضخم، بدون أفق حلول بعد، خاصة بعد تجميد المساعدات والمنح والقروض التي وعد بها المجتمع الدولي حمدوك لإصحاح الأوضاع الاقتصادية بعد انقلاب البرهان.
الواقع السائد ينتج «ثلاثة سيناريوهات» أولها و«أقربها» سيناريو «الفوضى وانهيار الدولة»، وهو احتمال ترجحه معظم الدوائر، ولأنه لن يقف عند حدود البلاد، فقد يضطر المجتمع الدولي للضغط على الفرقاء السودانيين للوصول للسيناريو الثاني، بتوافق قوى إعلان الحرية والتغيير وقوى الكفاح المسلح، ولجان المقاومة الشعبية والعسكريين، على فترة انتقالية وأسس جديدة. أما السيناريو الأفضل، أن تتواصل الاحتجاجات لتنهك المؤسسة العسكرية، فتنقلب على قيادتها أو أن تستسلم للضغط الشعبي. وصدق رئيس الوزراء حين قال في خطاب استقالته: «ما أشبه الليلة بالبارحة».



مشروع قانون مصري يوسّع مظلة المستفيدين من «الدعم النقدي»

مجلس النواب المصري خلال مناقشة قانون الضمان الاجتماعي الجديد (وزارة الشؤون النيابية)
مجلس النواب المصري خلال مناقشة قانون الضمان الاجتماعي الجديد (وزارة الشؤون النيابية)
TT

مشروع قانون مصري يوسّع مظلة المستفيدين من «الدعم النقدي»

مجلس النواب المصري خلال مناقشة قانون الضمان الاجتماعي الجديد (وزارة الشؤون النيابية)
مجلس النواب المصري خلال مناقشة قانون الضمان الاجتماعي الجديد (وزارة الشؤون النيابية)

عقب «موافقة مبدئية»، يواصل مجلس النواب المصري (البرلمان)، مناقشة مشروع قانون «الضمان الاجتماعي والدعم النقدي»، الذي قدَّمته الحكومة، بهدف «توسيع مظلة الدعم النقدي» للفئات الفقيرة.

وأقرَّ «النواب»، مبدئياً مشروع القانون، الأحد الماضي، في حين واصل أعضاؤه مناقشة نصوصه، على مدار يومَي الاثنين والثلاثاء. وقالت وزيرة التضامن الاجتماعي المصرية، مايا مرسي، إن «القانون يعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية، ويستهدف مأسسة منظومة الدعم النقدي، بتحويل المنظومة من مجرد برنامج ومبادرات مثل (تكافل وكرامة) إلى حق ينظمه القانون»، وفق بيان لوزارة التضامن.

وأقرَّت الحكومة المصرية عام 2015، برنامجاً للحماية الاجتماعية باسم «تكافل وكرامة» لتقديم دعم نقدي بشكل شهري للفئات الأكثر فقراً. ويصل عدد المستفيدين منه 21 مليوناً، جرى تخصيص 41 مليار جنيه مصري لهم، في موازنة العام المالي، وفق وزارة التضامن المصرية (الدولار يوازي 49.6 جنيه مصري).

ووفق البيان، عدَّدت وزيرة التضامن، أهداف التشريع الجديد، ومنها «استدامة دعم الفئات الأكثر احتياجاً، وحوكمة الدعم، والتحقق من المستفيدين سنوياً»، إلى جانب «ضمان أن يكون الدعم مقدماً من موازنة الدولة، وليس من خلال قروض ومنح مؤقتة».

وأشارت إلى أن «التشريع الجديد، يلتزم بمعايير حقوق الإنسان، بتوفير الحماية الاجتماعية والتكافل الاجتماعي لكل شخص بالمجتمع».

ومن المواد التي أقرَّها مجلس النواب، الثلاثاء، أن «لكل مواطن تحت خط الفقر القومي، ولا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعي، الحق في التقدم للحصول على دعم نقدي»، كما أقرَّ نصّاً بشأن «درجة الفقر للأفراد والأسر بناء على خريطة الفقر والمؤشرات الدالة عليه»، على أن تحدد اللائحة التنفيذية للقانون درجات الفقر، والإجراءات المتبعة لمَن يستحق الدعم النقدي.

ووفق تقرير للبنك الدولي، في مايو (أيار) الماضي، ارتفع معدل الفقر في مصر، من 29.7 في المائة في العام المالي 2019 - 2020، إلى 32.5 في المائة عام 2022.

ويمثل مشروع القانون، «استحقاقاً دستورياً»، وفق وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي بمصر، المستشار محمود فوزي، الذي أشار إلى أن «التشريع يستهدف مدَّ مظلة الضمان الاجتماعي، واستكمال الاستحقاقات الدستورية المتعلقة بشبكة الأمان الاجتماعي، والتوسع في مفهوم الفئات الأولى بالرعاية والحماية، باستحداث وضم وشمول فئات جديدة، لم تكن مستفيدة»، وفق إفادة لوزارة الشؤون النيابية.

وكانت الحكومة المصرية، أحالت التشريع الجديد، إلى البرلمان، في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي.

وحسب تقرير لجنة التضامن بالبرلمان المصري، فإن القانون يستهدف «حماية الأسر الأفقر، والأقل دخلاً»، إلى جانب «كفالة حقوق ذوي الإعاقة، وكبار السن، والأيتام»، بجانب «إلزام الأسر المستفيدة من الدعم، بالاستثمار في صحة الأطفال، وانتظامهم في التعليم»، ولا يتوقف القانون عند تقديم الدعم، ولكنه يهدف إلى «التمكين الاقتصادي لهذه الفئات، للخروج تدريجياً من الفقر».

بدوره، يرى عضو البرلمان المصري ومقرر لجنة أولويات الاستثمار بالحوار الوطني، أيمن محسب، أن «التشريع الجديد سيسهم في تحسين شبكة الأمان الاجتماعي وتوسيع مظلته، لتشمل جميع الفئات الأولى بالدعم، وكفالة حقوقهم»، مشيراً إلى أن «القانون يتسق مع خطوات الإصلاح الاجتماعي التي تسعى لها الحكومة المصرية حالياً».

وينصُّ مشروع القانون على نوعين من المساعدات النقدية: الأول، يشمل دعماً نقدياً مشروطاً (تكافل)، ويُقدَّم للأسر الفقيرة، بما فيها الأسر التي لديها أبناء، أما الدعم الثاني فهو غير مشروط (كرامة)، ويُقدَّم للأفراد الفقراء من ذوي الإعاقة والمرضى وقدامى الفنانين والرياضيين والأدباء، وأسند القانون، لرئيس الوزراء، قرار تحديد قيمة الدعم النقدي، على أن تتم مراجعة القيمة كل 3 سنوات.

وقال محسب لـ«الشرق الأوسط»، إن «التشريع الجديد، يمهِّد الطريق أمام الحكومة المصرية، للتحول إلى نظام الدعم النقدي بدلاً من العيني». وأعاد ذلك إلى أن «القانون ينص على حوكمة برامج الدعم المُقدَّمة للحماية الاجتماعية، ويعتمد على قواعد بيانات دقيقة يتم تحديثها بشكل دوري، وسيتم ربطها بالمتغيرات الاقتصادية مثل معدلات التضخم»، عادّاً أن تلك الإجراءات، «من بين خطوات تطبيق الدعم النقدي».

وتتزامن مناقشات التشريع الجديد، مع مناقشات أخرى أعلنتها الحكومة المصرية، داخل «الحوار الوطني» (الذي يضم شخصيات عامة وحزبية وأكاديميين)، مع خبراء ومتخصصين، لبحث التحول من نظام الدعم العيني إلى نظام الدعم النقدي للفئات الأولى بالرعاية.

وتتطلع الحكومة المصرية لبدء تطبيق منظومة الدعم النقدي، مع العام المالي الجديد، بداية من يوليو (تموز) 2025. وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، بداية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، إن «بلاده قد تبدأ في التحول من دعم السلع الأولية الأساسية، إلى تقديم مساعدات نقدية مباشرة، للفئات الأولى بالرعاية»، وربط البدء في التطبيق «بالتوصل إلى توافق في الآراء بشأن قضية الدعم النقدي في الحوار الوطني».

وتُطبِّق الحكومة المصرية منظومةً لدعم السلع الضرورية منذ عقود طويلة، بهدف خفض نفقات المعيشة للفئات الأولى بالرعاية، ويحصل المواطن على السلع المدعمة من خلال منظومة البطاقات التموينية، لكن الحكومات المتعاقبة تشكو من الأعباء الاقتصادية لمنظومة الدعم على الموازنة العامة، في ظل التوسع في عدد السلع المدعمة خلال السنوات الماضية.

من جهته، ينظر مدير «مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية»، عبد المنعم السيد، إلى مشروع القانون بوصفه «منظماً لسياسات الحماية الاجتماعية في مصر»، مشيراً إلى أن «القانون يختلف في نصوصه عن تشريعات مماثلة في دول أخرى، وفق الأولويات الاقتصادية والاجتماعية في مصر».

ويرى السيد، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن التشريع «يحقق مرونة أمام الحكومة المصرية في تقديم الدعم النقدي خلال الأزمات والكوارث الطبيعية والأوبئة، كما حدث في جائحة (كورونا)»، مضيفاً أنه «يشمل تحت مظلته، فئات تتضرر بشكل مفاجئ مثل العاملين في القطاعات غير الرسمية، والذين يفقدون وظائفهم».