القضاء العراقي: أخبار كاذبة وراء مجزرة جبلة

حسم القضاء العراقي، أمس، الجدل والتضارب الذي امتد لأيام بشأن الملابسات والظروف التي أحاطت بـ«مجزرة جبلة» وتسببت في «إبادة» عائلة مؤلفة من 20 شخصاً؛ بينهم رضع، في منطقة جبلة بمحافظة بابل (نحو 100 كيلومتر) جنوب غربي العاصمة بغداد.
وقال إعلام مجلس القضاء الأعلى في بيان: «قاضي التحقيق المختص صدق أقوال ثلاثة عشر متهماً؛ من بينهم تسعة ضباط وثلاثة منتسبين، إضافة إلى المخبر الذي أدلى بالمعلومات غير الصحيحة».
وكانت المعلومات التي قدمتها بعض الجهات الأمنية بعد وقوع الحادث، الخميس الماضي، تحدثت عن صدور مذكرة قبض لتورط رب أسرة العائلة المغدورة رحيم كاظم الغريري بتجارة المخدرات وإيوائه مطلوبين للقضاء بتهم إرهاب. وفي إشارة إلى النقيب شهاب عليوي طالب؛ الذي تردد اسمه كثيراً عقب الحادث، ذكر بيان القضاء أنه «من خلال التحقيقات التي جرت مع المتهمين تبين أن سبب حصول الحادث هو بناء على إخبار كاذب من قبل (ابن أخ المجنى عليه/ زوج ابنته) نتيجة خلافات عائلية بينهما حيث أدلى بمعلومات غير صحيحة للأجهزة الأمنية مدعياً وجود إرهابيين مطلوبين وفقاً للمادة (4/ 1) من قانون مكافحة الإرهاب في دار (المجنى عليه) لتتم مداهمة منزله من قبل الأجهزة الأمنية».
وأشار بيان القضاء إلى أن «التحقيقات الأولية تشير إلى أن الحادث جنائي»، وأن «هناك أربعة أوامر قبض صدرت لمتهمين آخرين، وأن التحقيق جار وفق المادة (406/ 1/ ز) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969». وكان رئيس جهاز الأمن الوطني؛ حميد الشطري، الذي يتولى التحقيق في الحادث، أكد خلال زيارته موقع الحادث إلقاء القبض على بعض المتورطين في الحادث ووعد بإعلان نتائج التحقيق للرأي العام في وقت قريب.
وفي وقت لاحق أمس؛ أصدر مكتب القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بياناً أكد فيه أنه تابع باهتمام بالغ تفاصيل مجزرة جبلة بمحافظة بابل، وأنه أمر بتولي جهاز الأمن الوطني التحقيق في الجريمة؛ وأنه تلقى من رئيس الجهاز تقريراً أمس «يشمل تأشير التقصير الواضح في أداء المنظومة الأمنية، وتم بالتعاون مع السلطة القضائية إلقاء القبض على 14 من المشتركين في الجريمة سواء بنقل معلومات كيدية أو في التنفيذ».
وحسب البيان؛ جرى بناء على ذلك «تشكيل فريق تحقيق أمني؛ برئاسة رئيس أركان الجيش، وعضوية (وكيل جهاز الأمن الوطني، ووكيل وزارة الداخلية لشؤون الشرطة، ووكيل وزارة العدل، ووكيل مستشار الأمن القومي)، يتولى توسيع نطاق التحقيق في الظروف التي سمحت بالجريمة وتعدد مصادر المعلومات الاستخبارية، والاستمرار في تلقي إبلاغات كيدية والتصرف على أساسها من دون إخضاعها للتدقيق الموضوعي، وإحالة كل المقصرين إلى القضاء، وتقديم تقرير إلى القائد العام للقوات المسلحة خلال أسبوع واحد».
ويبدو أن استجابة القضاء للضغوط الشعبية والسياسية الشديدة التي مورست عليه وعلى السلطات الرسمية للكشف عن تفاصيل الحادث ومحاسبة الضالعين عبر بيانه الأخير، لم تكن كافية حتى الآن لبعض الكتاب والمراقبين الذين وجدوا أنها بحاجة إلى مزيد من العمل. وفي هذا الاتجاه كتب رئيس تحرير جريدة «الصباح» الرسمية السابق عبد المنعم الأعسم بشأن ما وصفه بـ«استهتار اللغة» في «مذبحة جبلة»: «غالباً ما تأتي اللغة الرسمية متأخرة، متثائبة، محمولة على ضبط النفس، وتجنب الإثارة، والتشكيك بالروايات التي تتناقلها منافذ الأخبار المختلفة، وتبدأ بالعادة في حساب دقيق (سري) للولاء السياسي للسفاحين والضحايا على حد سواء». وأضاف: «كلما ازداد غليان الشارع؛ ترتفع لسعة اللغة الخجولة، سواء حول منتسب أمني يغتصب طفلة، أو بصدد منتسب آخر يخطط وينفذ مذبحة لعائلة كاملة بنسائها وأطفالها ورجالها وبعض الجيران الذين حملتهم الغيرة على النجدة».
أما مقدم البرامج في «شبكة الإعلام العراقية الرسمية»، الإعلامي سعدون محسن ضمد، فرأى أن «بيان مجلس القضاء لا يكفي نهائياً، ويجب ألا تغلق القضية وتُخلي مسؤولية المؤسسة العسكرية؛ لأن استعمال الأسلحة المتوسطة والثقيلة يجب ألا يكون بهذه السهولة ولمجرد إخبار كاذب!». وأضاف متسائلاً: «كيف مُررت المعلومات وكيف صدرت الأوامر بتحرك القوات؟ ألا يفترض بأجهزة المعلومات أن يكون لها دور في تحرك القوات تجاه الأهداف الإرهابية؟ ماذا لو أراد مُخبر توريط قوة عسكرية كبيرة في كمين إرهابي؟ ما الذي سيحصل حينها؟».