القضاء العراقي: أخبار كاذبة وراء مجزرة جبلة

تصديق أقوال 13 متهماً في الجريمة التي وقعت ببابل

TT
20

القضاء العراقي: أخبار كاذبة وراء مجزرة جبلة

حسم القضاء العراقي، أمس، الجدل والتضارب الذي امتد لأيام بشأن الملابسات والظروف التي أحاطت بـ«مجزرة جبلة» وتسببت في «إبادة» عائلة مؤلفة من 20 شخصاً؛ بينهم رضع، في منطقة جبلة بمحافظة بابل (نحو 100 كيلومتر) جنوب غربي العاصمة بغداد.
وقال إعلام مجلس القضاء الأعلى في بيان: «قاضي التحقيق المختص صدق أقوال ثلاثة عشر متهماً؛ من بينهم تسعة ضباط وثلاثة منتسبين، إضافة إلى المخبر الذي أدلى بالمعلومات غير الصحيحة».
وكانت المعلومات التي قدمتها بعض الجهات الأمنية بعد وقوع الحادث، الخميس الماضي، تحدثت عن صدور مذكرة قبض لتورط رب أسرة العائلة المغدورة رحيم كاظم الغريري بتجارة المخدرات وإيوائه مطلوبين للقضاء بتهم إرهاب. وفي إشارة إلى النقيب شهاب عليوي طالب؛ الذي تردد اسمه كثيراً عقب الحادث، ذكر بيان القضاء أنه «من خلال التحقيقات التي جرت مع المتهمين تبين أن سبب حصول الحادث هو بناء على إخبار كاذب من قبل (ابن أخ المجنى عليه/ زوج ابنته) نتيجة خلافات عائلية بينهما حيث أدلى بمعلومات غير صحيحة للأجهزة الأمنية مدعياً وجود إرهابيين مطلوبين وفقاً للمادة (4/ 1) من قانون مكافحة الإرهاب في دار (المجنى عليه) لتتم مداهمة منزله من قبل الأجهزة الأمنية».
وأشار بيان القضاء إلى أن «التحقيقات الأولية تشير إلى أن الحادث جنائي»، وأن «هناك أربعة أوامر قبض صدرت لمتهمين آخرين، وأن التحقيق جار وفق المادة (406/ 1/ ز) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969». وكان رئيس جهاز الأمن الوطني؛ حميد الشطري، الذي يتولى التحقيق في الحادث، أكد خلال زيارته موقع الحادث إلقاء القبض على بعض المتورطين في الحادث ووعد بإعلان نتائج التحقيق للرأي العام في وقت قريب.
وفي وقت لاحق أمس؛ أصدر مكتب القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بياناً أكد فيه أنه تابع باهتمام بالغ تفاصيل مجزرة جبلة بمحافظة بابل، وأنه أمر بتولي جهاز الأمن الوطني التحقيق في الجريمة؛ وأنه تلقى من رئيس الجهاز تقريراً أمس «يشمل تأشير التقصير الواضح في أداء المنظومة الأمنية، وتم بالتعاون مع السلطة القضائية إلقاء القبض على 14 من المشتركين في الجريمة سواء بنقل معلومات كيدية أو في التنفيذ».
وحسب البيان؛ جرى بناء على ذلك «تشكيل فريق تحقيق أمني؛ برئاسة رئيس أركان الجيش، وعضوية (وكيل جهاز الأمن الوطني، ووكيل وزارة الداخلية لشؤون الشرطة، ووكيل وزارة العدل، ووكيل مستشار الأمن القومي)، يتولى توسيع نطاق التحقيق في الظروف التي سمحت بالجريمة وتعدد مصادر المعلومات الاستخبارية، والاستمرار في تلقي إبلاغات كيدية والتصرف على أساسها من دون إخضاعها للتدقيق الموضوعي، وإحالة كل المقصرين إلى القضاء، وتقديم تقرير إلى القائد العام للقوات المسلحة خلال أسبوع واحد».
ويبدو أن استجابة القضاء للضغوط الشعبية والسياسية الشديدة التي مورست عليه وعلى السلطات الرسمية للكشف عن تفاصيل الحادث ومحاسبة الضالعين عبر بيانه الأخير، لم تكن كافية حتى الآن لبعض الكتاب والمراقبين الذين وجدوا أنها بحاجة إلى مزيد من العمل. وفي هذا الاتجاه كتب رئيس تحرير جريدة «الصباح» الرسمية السابق عبد المنعم الأعسم بشأن ما وصفه بـ«استهتار اللغة» في «مذبحة جبلة»: «غالباً ما تأتي اللغة الرسمية متأخرة، متثائبة، محمولة على ضبط النفس، وتجنب الإثارة، والتشكيك بالروايات التي تتناقلها منافذ الأخبار المختلفة، وتبدأ بالعادة في حساب دقيق (سري) للولاء السياسي للسفاحين والضحايا على حد سواء». وأضاف: «كلما ازداد غليان الشارع؛ ترتفع لسعة اللغة الخجولة، سواء حول منتسب أمني يغتصب طفلة، أو بصدد منتسب آخر يخطط وينفذ مذبحة لعائلة كاملة بنسائها وأطفالها ورجالها وبعض الجيران الذين حملتهم الغيرة على النجدة».
أما مقدم البرامج في «شبكة الإعلام العراقية الرسمية»، الإعلامي سعدون محسن ضمد، فرأى أن «بيان مجلس القضاء لا يكفي نهائياً، ويجب ألا تغلق القضية وتُخلي مسؤولية المؤسسة العسكرية؛ لأن استعمال الأسلحة المتوسطة والثقيلة يجب ألا يكون بهذه السهولة ولمجرد إخبار كاذب!». وأضاف متسائلاً: «كيف مُررت المعلومات وكيف صدرت الأوامر بتحرك القوات؟ ألا يفترض بأجهزة المعلومات أن يكون لها دور في تحرك القوات تجاه الأهداف الإرهابية؟ ماذا لو أراد مُخبر توريط قوة عسكرية كبيرة في كمين إرهابي؟ ما الذي سيحصل حينها؟».



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.