حين يرسم الفنان نفسه

من المواضيع التي تم تناولها بشكل نادر في الفن التشكيلي السعودي

الفنانة السعودية فاطمة النمر ولوحتان من أعمالها
الفنانة السعودية فاطمة النمر ولوحتان من أعمالها
TT

حين يرسم الفنان نفسه

الفنانة السعودية فاطمة النمر ولوحتان من أعمالها
الفنانة السعودية فاطمة النمر ولوحتان من أعمالها

تتعدد المواضيع التي يتناولها الفنان التشكيلي في أعماله، ومن أقدم وأبرز هذه المواضيع، رسوم صور الأشخاص، ورسوم الطبيعة، ورسوم الطبيعة الصامتة، ورسوم المواضيع التاريخية، أو الاجتماعية والثقافية وغيرها. ويعد رسم الفنان التشكيلي لنفسه من المواضيع الشائعة في الفن التشكيلي، فمن خلال هذه اللوحات، يصور الفنان نفسه كما يراها، ويشعر بها، وليس كما يراها الآخرون، فالفنان التشكيلي بذلك يكشف عن ذاته وما في داخله، لذلك كثير من البورتريهات للفنانين تختلف، حينما يرسمون أنفسهم وحين يرسمهم آخرون، كما في لوحات فريدا كاهلو حين ترسم نفسها، وصورة لفريدا كاهلو من رسم زوجها وشريك حياتها الفنان دييغو ريفييرا، ففي لوحات كاهلو نجد ملامح الحزن والكآبة في عينيها، بينما رسمها زوجها ريفييرا بملامح امرأة قوية.
وكثيراً ما نجد تجارب لكبار الفنانين التشكيليين في رسم أنفسهم؛ مثل ألبرخت درر وليوناردو دافنشي وفان جوخ ورينوار وبيكاسو وغيرهم. وفي حالة بعض الفنانين مثل رمبرانت، نجد أن الفنان تميز برسومه الذاتية لصوره الشخصية وذلك على مدى سنوات عمره، من مراحل الصبا والشباب ثم المشيب، حيث عبّر رمبرانت عن تحولاته الذاتية وتأثير الزمن والعمر على صوره الشخصية وتعبيراته، وهو ليس مجرد تعبير عن التغيرات الشكلية التي فرضها الزمن عليه، بقدر ما هو رصد للتغيرات النفسية والشخصية والذاتية له من خلال أسلوب رسمه وتعبيره عن ذاته. وكذلك الفنانة المكسيكية فريدا كاهلو التي تميزت برسم صورها الشخصية بأسلوب سيريالي أشبه ما يكون بالواقعية السحرية التي تميزت بها أميركا اللاتينية. كما اشتهرت بعض الصور الشخصية للفنانين بشكل واسع، وأصبحت بعض هذه الصور من أبرز وأهم أعمال الفنان التشكيلي، كما في بورتريه الفنان ماكس آرنست، وبورتريه «رجل يائس» الذي رسم فيه الفنان جوستاف كوربيه نفسه.
ومع أن هذا الموضوع يعد موضوعاً رئيسياً من مواضيع الفن التشكيلي، ومنتشراً لدى كثير من فناني العالم قديماً وحديثاً، فإنه من المواضيع التي تم تناولها بشكل قليل ونادر محلياً في الفن التشكيلي السعودي. فيندر أن نجد فناناً تشكيلياً رسم ذاته بشكل واضح ومميز وقدم لوحاته وكشفه ذاته للمتلقي، سوى حالات نادرة جداً وربما تكون رسوماً ذاتية لأجل الدراسة والتخطيط، عدا حالة فريدة للفنانة فاطمة النمر التي تميزت بهذا الأسلوب.
في أعمال فاطمة النمر نجد صورتها لنفسها في التعبير حتى عن نساء أخريات، هي ترى نفسها فيهن، أو ترى أثرهن عليها. هي تتقمص هذه الشخصيات، لتعبّر عن حالات المرأة المختلفة من خلال صورتها الذاتية. الفنان يرسم نفسه لأنه يعرفها، يراها ويفهمها أكثر، لأنها أقرب إليه. ففي الصور الشخصية يعكس الفنان صورته الداخلية التي قد لا تُرى في الحالات العادية، فالنمر تعكس حالات المرأة وداخلها، وتأملها لذاتها، ومشاعرها، وتاريخها، وصمتها.
ومقابل كثافة الحضور للمرأة -ذاتها- في أعمال فاطمة النمر، يلاحَظ شبه غياب الآخر -الرجل- إلا في أعمال قليلة. ومقابل الحضور الفردي في هذه الأعمال يلاحَظ غياب الجماعة، رغم أهمية هذه الجماعة وحضورها القوي في المجتمع خارج حدود أعمالها الفنية، كوننا في مجتمع عربي إسلامي تذوب غالباً فيه الفردانية، إلا أنها ترفعها في هذه الأعمال. والفردانية في هذه الأعمال لا تلغي الانتماء؛ الفرد يشكّل هذه الجماعة وينتمي إليها، فحضور الجماعة يظهر من خلال الفرد نفسه، بثيابه وثقافته وتراثه وبيئته التي تنعكس في صورتها الشخصية.
رسم الصور الشخصية يظهر لدى فنانين آخرين بشكل غير مباشر، عندما يرسم الفنان من ذاكرته، ولأن الصورة الأقوى في الذاكرة هي صورة الشخص نفسه، لذلك تظهر هذه الصورة حتى عندما يرسم الفنان آخرين، أو شخوصاً من الخيال.
هذا الموضوع رغم أهميته فإن غيابه محلياً قد يحمل دلالات عن ثقافة المجتمع، مثل محاذير رسم الصور الشخصية مثلاً، أو ثقافة الابتعاد عن الأنا والتعبير عن النفس، حتى في الأدب والكتابة، يلاحَظ ذلك في قلة وغياب ثقافة كتب السير الذاتية، والتحفظ على كتابتها رغم الخبرات الغنية التي قد تكشفها.
إن التعبير عن الصور والسير الذاتية ليس تضخيما للأنا بقدر ما هو تعبير صادق عن أقرب ما للإنسان، وهو نفسه وروحه. وتجربته مهما كانت تظل قيمة حتى لو لم يكن هذا التعبير مطابقاً للواقع، إلا أنه يكشف عن صورة الفنان أو الأديب لنفسه، وما يرغب في قوله وما يذكّره الناس به.
* تشكيلية وكاتبة سعودية،
دكتوراه في النقد الفني



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.