فرار المئات هرباً من هجمات تركية على ريف الحسكة

تحذير من أكبر موجة نزوح منذ توغل أنقرة في المنطقة

من القصف التركي في أغسطس على ناحية أبو راسين بريف الحسكة الشمالي (الشرق الأوسط)
من القصف التركي في أغسطس على ناحية أبو راسين بريف الحسكة الشمالي (الشرق الأوسط)
TT

فرار المئات هرباً من هجمات تركية على ريف الحسكة

من القصف التركي في أغسطس على ناحية أبو راسين بريف الحسكة الشمالي (الشرق الأوسط)
من القصف التركي في أغسطس على ناحية أبو راسين بريف الحسكة الشمالي (الشرق الأوسط)

فر آلاف المدنيين من منازلهم ببلدة أبو راسين شمال شرقي سوريا، عقب الهجوم التركي العنيف على المنطقة، منذ بداية العام الجديد، في وقت حذرت فيه الإدارة الذاتية ومنظمات حقوقية، من أكبر موجة نزوح، منذ توغل أنقرة داخل مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية»، نهاية عام 2019.
ولقي ما يصل إلى 10 أشخاص، بينهم طفل عمره 6 أشهر وسيدتان، مصرعهم في القصف الأخير، وكثف الجيش التركي هجماته على مناطق «قسد» بعد مقتل موظف مدني تركي الجنسية في منطقة عملية «نبع السلام». وشن الجيش التركي وفصائل سورية مسلحة موالية، قصفاً بالأسلحة الثقيلة وراجمات الصواريخ والمدفعية مواقع «قسد»، استهدفت قرى بلدة تل تمر وناحية أبو راسين ومنطقة زركان شمال محافظة الحسكة. وطالت الهجمات ممتلكات المدنيين ومحال تجارية، وتعرض الجامع الكبير ومقر مبنى المجلس المحلي للبلدة، لنيران القذائف التي خلفت أضراراً مادية ضخمة في الموقع، وأدت إلى تحطم زجاج أبنية سكنية وسيارات متوقفة في منطقة قريبة من المواقع. وكان بالإمكان سماع أصوات القصف والضربات على بعد أميال من مركز أبو راسين.
وبحسب الإدارة المدنية في أبو راسين وشهود وسكان محليين، فر أكثر من 1500 مدني تاركين منازلهم، وقصدوا مناطق أكثر أمناً، ونزحت مئات العائلات من مركز البلدة وقريتي الخضراوي والأسدية المجاورتين لمناطق الجيش التركي. واستهدف القصف التركي قرى الدردارة وتل شنان وبجارية وتل كيفجي وأم الكيف وطويلة والطريق السريع (إم 4)، الواقعة جنوب أبو راسين وشمال شرقي تل تمر المحاذية للطريق الرئيسي الواصل بين هذه البلدات.
ونقل فلمز (38 سنة) المنحدر من أبو راسين ويمتلك مخزناً لبيع قطع تبديل السيارات، أنه نزح العام الماضي، ثلاث مرات، وهذا نزوحه الأول في العام الجديد، وقال إن حياته انقلبت «رأساً على عقب». معتبراً، أنه «بعد سيطرة الجيش التركي على رأس العين، ارتبكت حياتنا، حتى سوق الناحية التجارية أصيب بالشلل والجمود الاقتصادي بعد نزوح السكان». ولم يخف خشيته من تجدد الحرب ويبحث عن منزل يستأجره في مدينة الحسكة أو بلدة الدرباسية المجاورة، قائلاً: «سيارتي تحولت إلى محل متنقل لبيع القطع ومكان مؤقت للنوم، لأننا نهرب باستمرار».
يذكر أن أبو راسين تقع بمحاذاة الحدود مع تركيا، وتحولت إلى مسرح للهجمات التركية ضد مناطق سيطرة قوات «قسد» التي تسيطر على مركز البلدة وريفها الجنوبي والشرقي، وتبعد عن محافظة الحسكة نحو 75 كيلومتراً كما تبعد قرابة 30 كيلومتراً عن مدينة رأس العين، وباتت خاضعة لسيطرة فصائل سورية مسلحة موالية لتركيا. وشهدت المنطقة مرور عربات عسكرية تركية وروسية وأميركية وتسيير دوريات تفقدية لخطوط التماس، إلى جانب تنقل سيارات عسكرية تابعة لقوات النظام من وإلى الخطوط الفاصلة بين الأطراف المتحاربة.
في قرية جديدة ميرزو التي تبعد قرابة 5 كيلومترات من جهة الشرق عن مركز البلدة، قال عيسى (45 سنة) إنه لم يهاجر إلى أوروبا كحال بقية إخوته، كان يشاهد ألسنة الدخان والنيران فوق إحدى النقاط التي قصفها الجيش التركي في مسقط رأسه، وعلق بغضب: «هذه حالنا منذ عامين و3 أشهر، حروب ومعارك وقتال، وتسيير دوريات عسكرية لثلاثة جيوش عالمية وانتشار 3 قوات عسكرية سورية، لم تفلح في خفض التصعيد، أما المدنيون، فيدفعون فاتورة الحروب».
باتت شوارع البلدة فارغة ومتاجرها مغلقة وأبواب المنازل موصدة تنتظر عودة أصحابها. وبين عشرة آلاف نسمة كانوا يسكنونها قبل أعوام؛ لم يتبق سوى بضع مئات من الأسر يتخوفون من تجدد المعارك واشتدادها في الأيام المقبلة.
وحذرت الإدارة الذاتية ومنظمات حقوقية من أكبر موجة نزوح، فيما كانت القوات الأميركية قد سيرت دوريات عسكرية في أبو راسين وتل تمر، نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ووصلت إلى نقاط التماس وخطوط المواجهة، وجالت في قرى عدة تقع بريف أبو راسين الجنوبي وريف تل تمر الشرقي، وجابت في قرية الدردارة التي تتعرض لقصف عنيف منذ أشهر.
تقول خانكي التي نزحت من رأس العين نهاية 2019 وقصدت أبو راسين لتعيش فيها، إن عائلتها انقسمت بين الحدود العسكرية كحال الكثير من العائلات السورية: «القسم الأكبر من سكانها فضلوا الابتعاد عنها وسافروا نحو مناطق الداخل، والقليل مثلي يعانون مرارة النزوح، والجميع ينتظر تحديد مصيرها». خانكي التي قصدت مزرعة أحد أقرباء زوجها مع أبنائها، لديها قناعة بأن «الحياة لن تعود إلى منطقتها في ظل الظروف الراهنة، فمن نزح وهاجر، لن يعود أبداً مع استمرار المعارك وتوتر الوضع الميداني ونيران الحروب». تقول بمرارة: «أنتظر وزوجي والكثيرون من أبناء المنطقة، عودة أهلي والجيران لرأس العين وأبو راسين، حقيقة أخشى أن تجبرنا هذه الحروب على الخروج من وطننا».



الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
TT

الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)

تعليقاً على الخطبة الأخيرة لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، والتي حاول فيها ترهيب اليمنيين من الانتفاضة ضد انقلاب جماعته على غرار ما حدث في سوريا، بشّر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني باقتراب ساعة الخلاص من طغيان الانقلابيين في بلاده، وقال إن تلك الخطبة تؤكد أن الرجل «يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، ولا يرى ما يحدث حوله».

وكان الحوثي حاول في أحدث خطبه، الخميس الماضي، أن يطمئن جماعته بأن الوضع في اليمن يختلف عن الوضع السوري، مراهناً على التسليح الإيراني، وعلى عدد المجندين الذين استقطبتهم جماعته خلال الأشهر الماضية تحت مزاعم محاربة أميركا وإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

وقال الإرياني في تصريح رسمي: «إن المدعو عبد الملك الحوثي خرج من كهفه بخطاب باهت، مرتبك ومتشنج، في محاولة بائسة لترهيب اليمنيين، وتصوير ميليشياته الإيرانية كقوة لا تُقهر».

وأضاف أن تلك الخطبة «تؤكد مرة أخرى أن زعيم الميليشيا الحوثية يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، لا يرى ما يحدث من حوله، ولا يدرك حجم الزلزال الذي ضرب المنطقة وأدى إلى سقوط المشروع التوسعي الإيراني، الذي سُخرت له على مدار أربعة عقود الإمكانات البشرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية والدينية، وارتداداته القادمة على اليمن بكل تأكيد».

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى أن الحوثي بدلاً من الاعتراف بأخطائه وخطاياه، والاعتذار والبحث عن مخرج له ولعصاباته، خرج ليهدد اليمنيين مجدداً بسفك دمائهم، مُكرراً مفردات التهديد والتخويف التي سبق أن استخدمها حسن نصر الله زعيم «حزب الله» ضد اللبنانيين والقوى السياسية اللبنانية.

وتساءل الإرياني بالقول: «ألم يردد حسن نصر الله، زعيم ميليشيا (حزب الله)، نفس الكلمات والوعيد؟ أين هو اليوم؟ وأين تلك (القوة العظيمة) التي وعد بها؟».

خطاب بائس

تحدث وزير الإعلام اليمني عن اقتراب ساعة الخلاص من الانقلاب، ووصف الخطاب الحوثي بـ«البائس»، وقال إنه يعكس واقعاً متجذراً في عقلية التطرف والعنف التي يُروج لها محور طهران، ويُظهر مدى تماهي الحوثي مع المشروع الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة، وأضاف: «إن ما يمر به الحوثي اليوم هو مجرد صدى لما مر به نصر الله وغيره من زعماء الميليشيات المدعومة من إيران».

مسلح حوثي خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

ونوّه الإرياني إلى أن البعض كان ينتظر من زعيم الميليشيا الحوثية، بعد سقوط المحور الفارسي والهزيمة المُذلة لإيران في سوريا، التي كانت تمثل العمود الفقري لمشروعها التوسعي في المنطقة، و«حزب الله» خط دفاعها الأول، أن يخرج بخطاب عقلاني يعتذر فيه لليمنيين عن الانقلاب الذي أشعل نار الحرب، وعن نهر الدماء والدمار والخراب الذي خلّفه، وعن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحقهم على مدى السنوات الماضية.

وتابع الوزير اليمني بالقول: «على عبد الملك الحوثي أن يعلم أن ساعة الخلاص قد اقتربت، فقد بات اليمنيون الذين عانوا الويلات منذ عقد من الزمان، وسُفكت دماؤهم ونهبت أموالهم، وهُتكت أعراضهم، وشهدوا بأم أعينهم أسوأ أنواع التعذيب والانتهاكات في المعتقلات السرية، أكثر إصراراً من أي وقت مضى على تحرير وطنهم من قبضة ميليشياته الفاشية، ولن يفوتوا هذه اللحظة التاريخية، وسيبذلون الغالي والنفيس لتحرير وطنهم والحفاظ على هويتهم الوطنية والعربية».

مفاجآت سارة

أكد الإرياني أن المستقبل يحمل النصر لليمنيين، وأن الأيام «حبلى بالمفاجآت السارة» - وفق تعبيره - وأن مصير الميليشيات الحوثية لن يكون مختلفاً عن باقي الميليشيات الإيرانية في المنطقة. وشدد الوزير على أن اليمن لن يكون إلا جزءاً من محيطه العربي، وسيظل يقاوم ويواجه الظلم والطغيان والتسلط حتى يستعيد حريته وسيادته، مهما كلف ذلك من تضحيات.

اليمنيون يأملون سقوطاً قريباً لانقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران (إ.ب.أ)

وأضاف الوزير بالقول: «الشعب اليمني، الذي دفع ولا يزال أثماناً باهظة في معركة البقاء، لن يتوانى عن دفع المزيد من التضحيات لإعادة وطنه حراً مستقلاً خالياً من النفوذ الإيراني التخريبي، وتحقيق النصر والتحرر والكرامة».

يشار إلى أن الأحداث المتسارعة في سوريا التي قادت إلى سقوط نظام بشار الأسد فتحت باب التطلّعات في اليمن نحو سيناريو مشابه يقود إلى إنهاء انقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران بأقل التكاليف، خصوصاً بعد الضربات التي تلقتها طهران في لبنان، وصولاً إلى طي صفحة هيمنتها على دمشق.