تشهد محافظة درعا ذات الطابع الريفي، عاماً بعد عام، تفاقماً في مشكلة الجفاف، مع تراجع معدلات هطول الأمطار، إلى أن باتت درعا تشهد مؤخراً، خلال الأعوام الثلاثة الماضية، تراجعاً كبيراً في منسوب مياه الأمطار أدى إلى جفاف سدود عدة، أو تراجع نسبة المياه فيها إلى حد كبير، مثل سد مدينة درعا، إضافة إلى تأثير قلة الأمطار على المحاصيل الزراعية مثل القمح والشعير في درعا، والأشجار المثمرة مثل التفاح والكرمة والحمضيات في السويداء.
وبلغت أزمة المياه حداً جعل كثيراً من المزارعين يبتعدون عن الزراعة والاعتناء بالأراضي الزراعية، نتيجة تراجع نسبة هطول الأمطار في المنطقة الجنوبية، المعتمدة بشكل رئيسي في زراعتها على الأمطار.
وقال أحد المهندسين الزراعيين في درعا لـ«الشرق الأوسط» إن كمية الأمطار التي هطلت كانت قليلة خلال العامين الماضيين، وحتى في هذا العام فإن كميات الأمطار التي هطلت حتى الآن غير مبشرة، إضافة إلى تأخر قدومها، إذ إن الينابيع والمياه الجوفية تحتاج إلى تعويض ما خسرته خلال السنوات الماضية، وتحتاج إلى هطول الأمطار والثلوج بشكل أكبر مما هو عليه الآن.
وأضاف أن المياه الجوفية في درعا تعتبر الخزان الرئيسي لمصدر المياه، والمياه الجوفية في منطقة حوران تتراوح أعماقها ما بين 80 إلى 800 متر، بدءاً من المنطقة الغربية وحتى السهول الشرقية، موضحاً أن مصدر المياه الجوفية هو جبل الشيخ وجبل العرب.
وتقوم معظم الآبار التي تنتشر في الجنوب السوري على واحة مياه باطنية غير متجددة إلا بالتغذية الجوفية الآتية من الأمطار والثلوج، ومن الممكن أن تنضب في أي وقت، خصوصاً بعد انتشار الحفر العشوائي للآبار، وتراجع نسب الأمطار والثلوج في السنين الأخيرة.
وأشار إلى أن الدراسات تفيد بأن الينابيع في حوران، جنوب سوريا، تتوزع في المنطقة الغربية، ومعظمها في منطقة حوض اليرموك، حيث هناك سلسلة ينابيع وادي الأشعري، ومنها نبع بحيرة المزيريب، ونبع زيزون، ونبع بحيرة العجمي، وهي ينابيع تنتهي في وادي اليرموك، الذي يعتبر مصدراً رئيسياً لتغذية «سد الوحدة الكبير». وباتت معظم هذه الينابيع موسمية مع تراجع تساقط الأمطار، والحفر الجائر والعشوائي للآبار خلال السنوات الماضية. ويجف بعض هذه الينابيع بشكل تام في الصيف، ويعود شتاءً، وبعضها يجف بشكل جزئي في الصيف بنسبة تصل إلى أكثر من ٥٠ في المائة، ما يؤثر على جريان مياه وادي اليرموك ومخزون مياه «سد الوحدة الكبير» الذي تم بناؤه في مشروع مشترك بين الأردن وسوريا في العام 2004.
وتحوي محافظة درعا 16 سداً، منها اثنان متصدعان وهما سد العلان وسد الشيخ مسكين، و14 قائمة أهمها سد مدينة درعا وسد سحم وسد الوحدة، و5 بحيرات مائية أهمها بركة الحج الرومانية في مدينة بصرى الشام، وبحيرة المزيريب وبحيرة زيزون.
وقالل أحد الموظفين السابقين في مديرية الري والثروة المائية في درعا لـ«الشرق الأوسط» إن محافظة درعا تتأثر بشكل كبير بمحافظتي السويداء والقنيطرة، لأنها تتوسط هاتين المحافظتين، وتعتمد مياهها الجوفية ومياه السدود والوديان فيها على الأمطار والثلوج المتساقطة على السفوح الجبلية، سواء في جبل العرب في السويداء أو جبال القنيطرة، كحال سد مدينة درعا الشرقي الشهير الذي يشهد جفافاً منذ سنوات، ويقع إلى الجنوب الشرقي من مدينة درعا، على مجرى وادي الزيدي ووادي الذهب، الذي يبدأ من جبل العرب في محافظة السويداء مروراً بمدينة بصرى الشام وقرى الريف الشرقي، وصولاً إلى السد. ويعود إنشاء سد درعا إلى العام 1970، وتبلغ سعته الكاملة ما يزيد على 15 مليون متر مكعب، وكان يغذي مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، فضلاً عن كونه مكاناً يستقطب الأهالي للاصطياف والاستجمام وصيد الأسماك.
وأضاف أن بحيرة المزيريب تعتبر من أهم التجمعات المائية في محافظة درعا، ومن أكبر البحيرات في سوريا، وتعد من أهم المصادر المائية في محافظة درعا. فهي كانت تؤمن مياه الشرب لعدد كبير من السكان، خصوصاً في المدن والبلدات القريبة منها، وكانت مصدراً لري المحاصيل الزراعية فيها، لكنها شهدت انخفاضا كبيراً في مخزونها المائي خلال الأعوام الماضية، جعلها تصاب بالجفاف، وذلك بسبب الظروف الطبيعية والمناخية وقلة الأمطار خلال السنوات الأخيرة، وكذلك الاستخدام الجائر للمخزون المائي وحفر الآبار العشوائية في المناطق القريبة منها، بعد أن خرجت المنطقة سابقاً عن سيطرة النظام السوري، ما أثر على العروق الجوفية المائية التي كانت تغذي البحيرة وأوصلها إلى حالة الجفاف في عام 2017، وتحولت إلى بحيرة موسمية تجف في فصل الصيف وتعود إليها المياه بنسب منخفضة عن السابق في الشتاء.
وتقع بحيرة المزيريب في بلدة المزيريب في محافظة درعا جنوب سوريا، وتبلغ مساحتها نحو كيلومتر مربع تقريباً، ويبلغ طولها 500 م وعرضها 250 م.
وتعاني معظم مناطق محافظة درعا حالياً من صعوبة توفير مياه الشرب عبر شبكات الضخ الرئيسية، التي لا توصل المياه إلى كل مدينة أو بلدة إلا لساعات محدودة، ولا تكفي جميع العائلات، خصوصاً في ريف درعا الشمالي والشرقي، ما دفع الأهالي منذ سنوات إلى تأمين مياه الشرب من مياه الآبار التي يتم نقلها بواسطة الصهاريج إلى المنازل، بأسعار مرتفعة.
يشار إلى أن الجفاف الذي بدأت تشهده محافظة درعا الريفية دفع مديرية الموارد المائية إلى تنفيذ مشروع استجرار 8 ملايين متر مكعب من سدود القنيطرة في صيف عام 2020 إلى سدي غدير البستان وعابدين في درعا، بهدف استكمال الموسم الزراعي، خصوصاً في منطقة نوى، والمقدرة مساحتها بحوالي 850 هكتاراً من الأراضي المزروعة بالمحاصيل الصيفية المختلفة، وحوالي 360 هكتاراً من المحاصيل الشتوية. وتعد محافظة درعا في طليعة المحافظات السورية لجهة الإنتاج الزراعي من الخضار والقمح والشعير.
سدود وبحيرات جافة... وإنتاج زراعي متراجع
محافظة درعا تعاني من تداعيات انخفاض معدلات هطول الأمطار
سدود وبحيرات جافة... وإنتاج زراعي متراجع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة