الحوثيون يعترفون بتردي قطاع الصحة في مناطق سيطرتهم وتفشي 5 أوبئة

TT

الحوثيون يعترفون بتردي قطاع الصحة في مناطق سيطرتهم وتفشي 5 أوبئة

اعترفت الميليشيات الحوثية بتردي الوضع الصحي وتفشي عدد من الأوبئة والأمراض في مناطق ومدن واقعة تحت سيطرتها، وذلك بالتوازي مع اتهامات عدة وجهها ناشطون ومنظمات حقوقية للجماعة باستمرار فساد الجماعة وإهمالها اللذين قادا إلى تراجع الخدمات الصحية وانتشار الأوبئة التي لا تزال تتهدد صحة وحياة الملايين من اليمنيين.
وكانت وزارة الصحة في حكومة الجماعة الانقلابية غير المعترف بها دولياً عقدت مؤتمراً صحافياً في العاصمة المختطفة صنعاء أعلنت خلاله عن انتشار عديد من الأمراض والأوبئة في المناطق تحت سيطرتها، منها أمراض: الكوليرا، والحصبة، والدفتيريا، والسعال الديكي، وحمى الضنك وأمراض جلدية وتنفسية أخرى.
وفي سياق مؤتمر الميليشيات، اعترف القيادي في الجماعة المدعو محمد المنصور بوجود نحو مليونين و500 ألف طفل يمني يعانون من سوء التغذية الحاد منهم 400 ألف مهددون بالموت بمدن يمنية عدة أغلبها خاضعة تحت سيطرتهم.
وذكر القيادي في الميليشيات أن وباء «الكوليرا» تفشى بمختلف مناطق السيطرة الحوثية منذ الموجة الأولى في عام 2016، والموجة الثانية في عام 2017، مشيراً إلى أن العديد من مناطقهم سجلت أسوأ وباء للكوليرا في العصر الحديث. ولفت إلى أن عدد الحالات المسجلة تراكمياً وصل إلى أكثر من مليونين و500 ألف حالة منها أربعة آلاف وفاة.
وفيما يتعلق بمرض «الدفتيريا»، اعترفت الجماعة التي لا تزال تحكم قبضتها على كافة إمكانات ومقدرات وزارة الصحة اليمنية بصنعاء، بأن ذلك الوباء عاد إلى اليمن في عام 2017 ووصل العدد التراكمي إلى 8 آلاف حالة منها 500 وفاة.
وأشارت الميليشيات إلى أن مرض الحصبة عاد إلى التفشي مجدداً بعدة محافظات يمنية بشكل مخيف، وقالت: إن حمى الضنك سجلت منذ عام 2017 أكثر من 200 ألف حالة، منها 500 حالة وفاة.
وفي الصعيد ذاته، كشفت الميليشيات عن أكثر من 7 آلاف حالة إصابة بالحصبة تم تسجيلها بمناطق سيطرتها خلال الفترة (2018 - 2021) وهي ضمن الأعوام التي أعقبت جريمة انقلابها وحروبها العبثية التي شنتها بحق اليمنيين.
وعد ناشطون محليون أن تدهور القطاع الصحي يعود للحروب التي شنتها الميليشيات ولا تزال لاجتياح المدن اليمنية وما خلفته من موجة نزوح كبيرة، إضافة إلى عبثها وتدميرها الممنهج على مدى سبعة أعوام بمقدرات القطاع الصحي بمناطق سيطرتها.
وفي ظل استمرار القيود الحوثية المشددة والتي لا تزال تشكل عائقاً كبيراً أمام عمل ما تبقى من المنظمات الإنسانية المحلية والدولية، عادت الميليشيات إلى الاستنجاد كعادتها كل مرة بالمنظمات الدولية، خصوصاً تلك العاملة في المجال الصحي ومطالبتها بالاستمرار بتقديم الدعم والمساندة لها، في ظل اتهامات يمنية متكررة للجماعة بالتلاعب بتلك المساعدات وتسخير الجزء الأكبر منها خدمة لمشاريعها ولصالح استمرار عملياتها العسكرية.
وكان ناشطون ومنظمات حقوقية وجهوا اتهامات عدة لقيادات حوثية بارزة بالعبث والفساد والتدمير المنظم للقطاع الصحي الذي أدى إلى عودة تفشي العديد من الأمراض والأوبئة في أغلب المناطق تحت سيطرة الجماعة.
وكشفت منظمات محلية وأخرى دولية في أوقات سابقة لـ«الشرق الأوسط»، عن تلقيها خلال أشهر ماضية بلاغات من محافظات يمنية خاضعة لسيطرة الجماعة، تؤكد ظهور إصابات جديدة وحالات وفاة نتيجة أمراض وأوبئة من بينها حمى الضنك، والكوليرا، والدفتيريا، والجدري، إلى جانب شلل الأطفال، و(كوفيد - 19)، والإسهالات المائية الحادة.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي. ذكرت منظمة الصحة العالمية إنه تم الإبلاغ في المحافظات الشمالية عن أكثر من 204 آلاف حالة إصابة، و291 حالة مشتبه بها، و53 حالة وفاة مرتبطة بوباء الكوليرا في اليمن خلال الأشهر العشرة الأولى من ذات العام.
وذكرت المنظمة في تقرير لها، أنها واصلت قيادة الاستجابة للكوليرا لدعم السلطات الصحية لمواجهة تفشي المرض المستمر من خلال إدارة الحالة والمسح والاختبارات المعملية.
وبخصوص وباء الدفتيريا، أفاد تقرير المنظمة بأنه تم الإبلاغ حينها من نفس المحافظات عن إجمالي 1147 حالة إصابة محتملة بالدفتيريا و80 حالة وفاة مرتبطة بها في الفترة من 1 يناير (كانون الثاني) إلى 25 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2020.
وأشار التقرير إلى أنه تم في الفترة المذكورة من ذات العام الإبلاغ عن ما مجموعه 41 ألفاً و465 حالة مشتبهاً بإصابتها بحمى الضنك من المحافظات الشمالية، مع 77 حالة وفاة مرتبطة بذلك.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.