لبنان يستقبل العام الجديد بحكومة معطلة و{حوار مستحيل}

TT

لبنان يستقبل العام الجديد بحكومة معطلة و{حوار مستحيل}

يقول مصدر نيابي لبناني بارز إن دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون للحوار جاءت متأخرة ولا مبرر لها؛ لأنها تأتي قبل أقل من عام لانتهاء ولايته الرئاسية، وإن ما يطمح إليه هو إعادة تعويم وريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل لضمان استمرارية نهجه السياسي، مع أنه يدرك جيداً أن الظروف ليست مواتية لتسليفه دفعة على الحساب بعد أن أقحم نفسه في اشتباكات سياسية لا تزال تداعياتها تتفاعل ولم يبق له من حليف سوى «حزب الله». ويؤكد المصدر أن لا مشكلة تحول دون مشاركة رئيس المجلس النيابي نبيه بري في الحوار من موقع الاختلاف مع الرئاسة الأولى.
ويلفت المصدر النيابي لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه سبق للرئيس بري أن لبى دعوة الرئيس عون للحوار لكن تعذر انعقاده بسبب عدم اكتمال النصاب لاضطرار مكونات سياسية أساسية لمقاطعته بعد أن أصبح طرفاً في النزاع بدلاً من أن يحتفظ لنفسه بدور الحَكَم القادر على جمع اللبنانيين والتوفيق فيما بينهم. ويقول بأنه أضاع الفرصة ولم يُحسن توظيفها لوقف انهيار لبنان وإنقاذه.
ويسأل ما الذي منع الرئيس عون من التواصل مع جميع الأطراف، بدءاً بالانفتاح على خصومه ومن بينهم من انتخبوه رئيساً للجمهورية بخلاف المزاج الشعبي لمحازبيهم ومؤيديهم، وهذا ما ينطبق على زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري الذي خالف بانتخابه السواد الأعظم من قاعدته الشعبية؟ ويقول: هل إن جميع الذين اختلف معهم كانوا على خطأ، أم أن عناده ومكابرته وتجاوزه في غالب الأحيان للأصول الدستورية أوقعه في مأزق أفقده دور الحكم وحشره في الزاوية؟ وإلا لماذا اقتصرت لقاءاته في الآونة الأخيرة على «أهل البيت»؟
ويرى المصدر النيابي نفسه أن الرئيس عون اعتمد على فائض القوة التي يتمتع بها حليفه «حزب الله» بدلاً من أن يبادر إلى مراجعة حساباته بما يتيح له الإمساك بزمام المبادرة من جهة ومعاودة انفتاحه على الدول العربية بدلاً من إلحاق لبنان بمحور الممانعة بقيادة إيران، وهذا ما أدى إلى تصدع علاقاته بدول الخليج العربي.
ويؤكد المصدر النيابي أن لبنان يستعد لاستقبال العام الجديد بحكومة معطلة وبحوار مستحيل وبأزمات مستعصية تجره إلى الانهيار الشامل، ولا يمكن توفير الحلول لها بالرهان على أن الترياق سيأتيها من الخارج أو بانتحال دور يمكنه من مقاومة المتغيرات التي تشهدها المنطقة بدلاً من الالتفات إلى الداخل بتفعيل العمل الحكومي بالإفراج عن جلسات مجلس الوزراء والشروع بتطبيق ما ورد في دفتر الشروط التي وضعها له المجتمع الدولي كأساس للانتقال به من التأزم إلى مرحلة التعافي المالي.
ويعتبر المصدر أن لبنان قبل اندلاع الانتفاضة الشعبية هو غيره بعد اندلاعها في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وهذا ما يتطلب من المنظومة الحاكمة التوقف ملياً أمام مطالب الحراك الشعبي بصرف النظر عن الصعوبات التي تصطدم بها المجموعات المنضوية فيه والتي تتمثل بعدم قدرتها حتى الساعة على توحيد صفوفها لخوض الانتخابات النيابية ببرنامج عمل واحد وبلوائح انتخابية موحدة. ويلفت المصدر نفسه إلى أن الحوار، برغم أن الآمال المعقودة على انعقاده تبدو ضئيلة جداً، لن يؤدي إلى تعويم الطبقة الحاكمة والمنظومة السياسية وإنما سيتحول إلى «هايد بارك» سياسي بامتياز يؤمن الفرصة للمشاركين فيه بأن يعرضوا ما لديهم من بضائع لعلهم يستطيعون تحقيق فك اشتباك مع الحراك الشعبي من خلال دخولهم في مبارزات خطابية تغلب عليها المزايدات الشعبوية.
ويضيف أن هناك صعوبة في تهيئة الأجواء للولوج إلى الحوار لأن المشمولين بحضوره لن يبيعوا الرئيس عون مواقف مجانية، وهو يقترب حالياً من انتهاء ولايته الرئاسية يمكنه توظيفها لإعادة تعويم نفسه من جهة، وترميم تياره السياسي من جهة ثانية، ويسأل كيف يدعو للحوار وهو يدرك سلفاً بأن قوى سياسية رئيسية لن تلبي دعوته وستقاطعه.
ويؤكد المصدر نفسه أن معظم القوى السياسية ليست في وارد تعويم الرئيس الذي يستعد لإخلاء سدة الرئاسة الأولى وهي تحتفظ بما لديها من أوراق سياسية لاستخدامها مادة للتفاوض مع الرئيس القادم الذي لا يزال «مجهول الهوية»، وإن كان هناك من يراهن منذ الآن على أن «حزب الله» لن يكون طليق اليد في فرض الرئيس الذي يريده مستحضراً الدور الذي لعبه وقاد إلى انتخاب عون بعد أن عطل مع حلفائه جلسات الانتخاب ولم يفرج عنها إلا بعد أن ضمن إيصاله إلى بعبدا.
ويتابع بأن الظروف السياسية تغيرت الآن وهي معطوفة على الاشتباك السياسي المسيطر على الإقليم والمنطقة، وهذا ما يدعو للاعتقاد بأن الأبواب قد تكون مقفلة في وجه استنساخ رئيس جديد بالشروط السياسية التي فرضها «حزب الله» وأتاحت له المجيء بعون، خصوصاً أن مَنْ شارك في انتخابه من خارج منظومة قوى 8 آذار لم يتردد في تلاوة فعل الندامة على القرار الذي اتخذه، علماً بأنه يسجل للرئيس بري أنه كان صاحب رؤية صائبة بقراره الذي اتخذه بخلاف موقف حليفه الاستراتيجي «حزب الله».
ويعتقد أنه من الأفضل ترحيل الحوار إلى ما بعد إجراء الانتخابات النيابية لأن المجلس المنتخب هو من سينتخب رئيس الجمهورية العتيد ويتوقع أن الاستحقاق الانتخابي في حال كانت الطريق سالكة أمنياً وسياسياً لإنجازه سيختلف عن السابق وسيجري على أساس رفع السقوف السياسية من قبل خصوم «حزب الله» وسيشهد كباشاً سياسياً قد يكون الأول من نوعه.
وعليه، فإن المعركة الانتخابية لن تكون تقليدية بسبب مشاركة الحراك الشعبي فحسب، وإنما لأنها ستكون نسخة طبق الأصل عن الصراع الدائر في المنطقة والإقليم، وهذا يعني حكماً بأن الدعوة للحوار ستبقى حبراً على ورق لأن المنظومة الحاكمة تعتبر من وجهة نظر مصدر سياسي بارز بأنها أصبحت الآن منتهية الصلاحية سياسيا، وهذا ما ينسحب على عون وإن كانت صلاحيته الدستورية ستستمر حتى انتهاء ولايته في 31 أكتوبر 2022، وبالتالي سيتم ترحيل الأمور الخلافية إلى ما بعد إجراء الانتخابات.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».