سوريا... 3 «دويلات» و«جحيم» بدرجات

2021 سنة ثبات {الحدود» واستمرار غارات إسرائيل... ودول عربية اختبرت التطبيع مع دمشق

فتى وسط السيول في مخيم للنازحين بإدلب شمال غربي سوريا 20 ديسمبر (رويترز)
فتى وسط السيول في مخيم للنازحين بإدلب شمال غربي سوريا 20 ديسمبر (رويترز)
TT

سوريا... 3 «دويلات» و«جحيم» بدرجات

فتى وسط السيول في مخيم للنازحين بإدلب شمال غربي سوريا 20 ديسمبر (رويترز)
فتى وسط السيول في مخيم للنازحين بإدلب شمال غربي سوريا 20 ديسمبر (رويترز)

خمسة عناصر مفتاحية خيّمت بظلِّها على سوريا وأهلها، حيثما كانوا، في السنة المنصرمة. جميع الخيوط، ليست بذات الأهمية، لكنّ تشابكها ومآلاتها ستترك أثراً في مستقبل البلاد والعباد خلال السنة المقبلة أو السنوات اللاحقة، كما أنها ستترك آثارها في قرارات «اللاعبين» الخارجيين والجيوش الخمسة (روسيا، وإيران، وتركيا، وأميركا، وإسرائيل) والتأرجح بين التسويات والصدامات على أرض الشام.

دولة و «دويلات»

للسنة الثانية، بقيت خطوط التماس ثابتة في الدولة السورية بين مناطق النفوذ الثلاث أو «الدويلات السورية»: واحدة تحت سيطرة الحكومة بدعم روسي وإيراني، وتشكّل تقريباً ثلثي مساحة سوريا البالغة إجمالاً 185 ألف كلم مربع، وسط البلاد وغربها وجنوبها، كانت قبل سنوات تسمى «سوريا المفيدة»، إلى أن تم اكتشاف أن سوريا المفيدة حقاً تقع في الضفة الأخرى من نهر الفرات، وهي تشكل المنطقة الثانية من حيث الثروات والمكونات والجيوسياسيات التي تختزن معظمها، وتمثل من حيث الجغرافيا أقل من ربع مساحة البلاد، وتقع هذه المنطقة تحت سيطرة التحالف الدولي بقيادة أميركا وحلفائها في «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية - العربية، وتقع عموماً شرق نهر الفرات، مع جيبين في منبح بريف حلب شمالاً وفي التنف جنوب شرقي البلاد، قرب حدود الأردن والعراق.
في اللعبة الكبرى، يقع «الجيب الكبير» في زاوية الحدود السورية - التركية - العراقية. ولهذا معنى كبير. يضاف إليه جيب جيوسياسي آخر، يقع في الزاوية السورية - العراقية - الأردنية، في قاعدة التنف. يضاف إليه عنصر آخر، وهو أن هذه القاعدة هي «العين الساهرة»، التي تستفيد من طاقاتها إسرائيل في الإطلالة استخباراتياً على سوريا والعراق... و«معاقل إيران».
أما منطقة النفوذ الثالثة فهي تقع تحت سيطرة فصائل سورية أو «مهاجِرة» مختلفة، مدعومة بدرجات متفاوتة من الجيش التركي، وتضم ثلاثة جيوب: واحد بين رأس العين وتل أبيض شرق الفرات، وثانٍ في عفرين وجرابلس والباب بريف حلب شمال سوريا، والثالث في إدلب وأقسام من أرياف حماة واللاذقية وحلب، في شمال غربي البلاد.
وتشكل هذه الجيوب نحو عشرين ألف كيلومتر، أي ضِعف مساحة لبنان. وتضم بشرياً نحو 3.5 مليون شخص، يضاف إليهم عدد مماثل يقيمون لاجئين في تركيا، التي «تحتضن» أكبر عدد من المقترعين السوريين في حال أُتيحت لهم ذات يوم فرصة الاقتراع. إنهم حقاً «خزان بشري».
ومع لمسة مبالغة، يذكّر واقع «الدويلات الثلاث» تحت المظلة الروسية منذ 2015 بـ«دويلات سوريا» خلال فترة الانتداب الفرنسي في العقود الأولى من القرن الماضي، إذ منذ الاتفاق بين الرئيسين الروس فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان في موسكو في 5 مارس (آذار) من عام 2020 لم يطرأ تغيير كبير على هذه الخطوط بين «الدويلات». وقد سعت دمشق، بل وعد موالون للسلطات، بشن حملة عسكرية للتقدم نحو إدلب، لكن الجانب الروسي كان ينصح ثم يردع هذه الرغبات، التزاماً بتفاهماته مع تركيا. وهي التزامات مرتبطة بلعبة أكبر بين بوتين وإردوغان تخص ليبيا وناغورنو قره باغ وأوكرانيا ومصير «حلف شمال الأطلسي»، وصفقات اقتصادية وعسكرية وجيوسياسية بين أنقرة وموسكو. في ظرف كهذا، مسكينة دمشق وإدلب عندما ترتميان على طاولة «القيصر» بوتين و«السلطان» إردوغان.
الجروح ليست أقل عمقاً عندما تشرَّح الخريطة السورية على طاولة البيت الأبيض والكرملين. إذ تعززت خطوط التماس في السنة الماضية لدى تسلم الرئيس جو بايدن الحكم، والانسحاب الكارثي من أفغانستان، حيث اتخذت واشنطن قراراً بعدم الانسحاب العسكري من شمال شرقي سوريا، وأبلغت ذلك إلى الروس وحلفائها الأكراد السوريين، بحيث بدا أن الوجود العسكري الأميركي باقٍ على حاله، على الأقل إلى نهاية ولاية بايدن بعد ثلاث سنوات.
هذا الثبات الأميركي، لم يعد رهن تغريدة من «المغرد الكبير» دونالد ترمب، إذ يعود ثبات الخطوط أيضاً إلى تفاهمات عسكرية روسية - أميركية تضبط العمليات بين الجيشين منذ منتصف 2017، وجرى تأكيدها في نهاية 2019 بعد الانسحاب الجزئي الأميركي بقرار أو تغريدة من ترمب، ودخول قوات روسية وسورية وتركية إلى منطقة النفوذ الأميركية.
أمام الثبات في الخطوط، فقد حصل تغيير وحيد في جنوب غربي سوريا، إذ إن الجانب الروسي قاد أو فرض عملية مصالحات، تضمنت «انقلاباً» على تفاهمات سابقة أميركية - أردنية - روسية في منتصف 2018، وقضت وقتذاك بعودة قوات الحكومة مقابل خروج إيران وتخلي المعارضة عن السلاح الثقيل. التسويات الجديدة قضت بتخلي المقاتلين المعارضين عن جميع أنواع السلاح، بما فيه الشخصي، وعودة كاملة لدمشق إلى درعا «مهد الثورة» التي انطلقت في ربيع 2011، ذاك الربيع الذي لا يحبه بوتين، واكتوى بنيرانه في دول الكتلة الشرقية قبل عقود.
قَبِلت قوى إقليمية، تقدم العربات الروسية إلى جنوب سوريا، على أمل، أو رهان، بأن يؤدي ذلك إلى إبعاد إيران عن حدود الأردن وخط فصل الاشتباك في الجولان مع إسرائيل. لم لا، ما دام أنه ليست هناك ضمانة أخرى لـ«حماية أمن الحلفاء» جنوب سوريا، غير الجرأة الروسية؟

غارات إسرائيل

هذه «الجرأة» بدت في الغطاء الذي قدمه بوتين لإسرائيل في ملاحقة إيران عسكرياً في سوريا. فعلاً، شيء لافت أن يسمح بوتين لإسرائيل بقصف مكثف للإيرانيين، حلفائه في سوريا وغيرها.
في العام المنصرم، حصلت في سوريا بعض المناوشات هنا أو هناك. فقبل قمة الرئيسين بوتين وإردوغان في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، قامت طائرات روسية بقصف فصائل محسوبة على تركيا في ريفي إدلب وحلب، كما استمر القصف المدفعي عبر «الجبهات»، لكن لم يحصل تغيير جوهري على مكان الخطوط.
التغيير الوحيد، أو ربما الثابت الوحيد عسكرياً، هو استمرار القصف الإسرائيلي في جنوب سوريا وشمالها وشرقها ووسطها وغربها. قد يكون هذا بين الأمور القليلة التي تحظى بدعم الكرملين والبيت الأبيض: أمن إسرائيل. استمرت الغارات الإسرائيلية على «مواقع إيرانية» امتداداً لـ«حرب الظل» الإيرانية - الإسرائيلية في البر والبحر والجو في منطقة الشرق الأوسط. ومنذ تدخل روسيا في سوريا نهاية 2015، حصل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، على «حرية الحركة ضد إيران في سوريا» من الرئيس فلاديمير بوتين. ورغم حصول بعض التوترات، لكن قاعدة حميميم بقيت ملتزمة بعدم الرد وعدم تشغيل منظومات الصواريخ المتطورة من «إس 400» و«إس 300» ضد الطائرات الإسرائيلية لدى استهدافها «مواقع لـ(حزب الله) في الجولان، وقواعد عسكرية إيرانية، ومصانع أو مخازن صواريخ باليستية».
خضعت هذه التفاهمات لاختبار لدى تسلم نفتالي بنيت موقعه رئيساً للوزراء في يونيو (حزيران) الماضي. وبالفعل، سعت روسيا إلى «تقييد» حركته في سوريا، إلى أن التقى الرئيس بوتين في سوتشي في 22 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وقبل اللقاء، استهدفت مسيرات إيرانية قاعدة التنف الأميركية جنوب شرقي سوريا، «رداً» على قصف إسرائيل قاعدة إيرانية في ريف حمص، ضمن مساعي طهران للضغط على موسكو قبل لقاء بنيت - بوتين. لكنّ هذا اللقاء استمر لخمس ساعات، وكان «حاراً وسرياً ودافئاً»، وعاد رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد إلى تل أبيب بـ«أفضل مما كان في جعبة نتنياهو». جرى تفعيل آلية التنسيق العسكرية بين قاعدة حميميم وتل أبيب، وصعّدت إسرائيل من غاراتها في سوريا، بل إنها استخدمت صواريخ أرض - أرض لقصف ريف دمشق في أكتوبر، ثم قصفت للمرة الأولى ميناء اللاذقية على البحر المتوسط.
وقبل أن يطوي العام أيامه الأخيرة، كشفت مصادر إسرائيلية عن استهداف عشرات الأهداف لـ«حزب الله» في جنوب سوريا خلال السنوات الثلاث الماضية من دون رد إيراني أو من «حزب الله». وكان آخرها أمس، عندما استهدفت إسرائيل مطار اللاذقية على بُعد عشرين كيلومتراً من قاعدة حميميم الروسية، وذلك للمرة الثانية في أقل من شهر.

المساعدات الإنسانية

منذ وصول بايدن إلى الحكم، تراجعت أولوية الملف السوري في أجندته، بشكل أكبر من تراجع ملفات الشرق الأوسط الأخرى. واكتفت الإدارة الأميركية بتحديد ثلاثة أهداف: تقديم مساعدات إنسانية إلى كل السوريين، ومنع عودة «داعش»، والحفاظ على وقف النار وثبات خطوط التماس.
وضمن الصورة الأوسع ثنائياً ودولياً، أبلغ بايدن بوتين لدى لقائهما في جنيف في يونيو الماضي، أن تمديد قرار مجلس الأمن للمساعدات الإنسانية «عبر الحدود» قبل انتهاء ولاية القرار في يوليو (تموز)، هو «الاختبار» لإمكانية التعاون حول ملفات أخرى تخص سوريا. وبالفعل، اتفق مبعوثو الرئيسين خلال لقاء سري في جنيف بداية يوليو على مسودة قرار جديد، تضمن مقايضة: روسيا توافق على تمديد قرار المساعدات «عبر الحدود»، مقابل موافقة أميركا على تقديم المساعدات «عبر خطوط التماس» وعبر دمشق، إضافةً إلى تمويل مشاريع «التعافي المبكر». الهدف الروسي من هذين البندين: توسيع الاعتراف بسلطة دمشق والالتفاف على «الخط الأحمر» الأميركي - الغربي - العربي بـ«عدم تمويل مشاريع الإعمار قبل تحقيق تقدم لا رجعة عنه في العملية السياسية وفق القرار 2254».
عُقد لاحقاً لقاءان آخران بين الروس والأميركيين في جنيف، لبحث تمديد القرار لستة أشهر أخرى في بداية العام المقبل وتوسيع المساعدات «عبر الخطوط» و«التعافي المبكر»، إضافة إلى تساهل واشنطن بتقديم استثناءات من العقوبات لدعم المشاريع الإنسانية ومواجهة «كورونا».
وبقي الملف الإنساني رئيسياً في جدول المحادثات من دون العبور إلى قضايا سياسية أعمق وأكبر، حتى إن المبعوث الأممي غير بيدرسن نجح بالكاد في عقد اجتماعات بسيطة للجنة الدستورية. لكنّ موقف إدارة بايدن هذا، وعدم اهتمامها بالملف السياسي، فتحا المجال للعنصر الرابع الأساسي في سوريا، الذي يتعلق بالتطبيع مع دمشق، خصوصاً في ضوء إلحاح وإصرار الجانب الروسي على العرب لإعادة دمشق إلى «الحضن العربي»، والاعتراف بـ«الأمر الواقع» وإعادة «الشرعية إلى الحكومة الشرعية»، وضخ الأموال لإعمار سوريا، و«عدم تكرار التجارب الغربية الفاشلة في تغيير الأنظمة في العراق وليبيا وغيرها».

التطبيع العربي

منذ نهاية 2011 اتخذ مجلس الجامعة العربية قراراً بـ«تجميد» عضوية سوريا فيه. وبقي الوضع على حاله سنوات، بل إن ممثلي «الائتلاف الوطني السوري» المعارض حضروا مؤتمرات للقمة العربية، وحظي باعتراف دول واسعة في الجمعية للعامة للأمم المتحدةـ. لكن الحكومة بقيت ممثلة في مؤسسات الأمم المتحدة، لأن مجلس الأمن لم يتخذ قراراً بتجميد العضوية.
ومع تغير الظروف في سوريا وتدخل إيران وتركيا وتغيير ظروف الإقليم والعالم خلال عقد، بدأت بعض الدول تدريجاً بإعادة فتح أبواب مع دمشق، حيث عادت سفارة الإمارات والبحرين للعمل جزئياً في نهاية 2018، وجرت زيارات أو اتصالات أمنية وسياسية، علنية وسرية، من مسؤولين عرب مع الحكومة السورية. لكن لم يكن هناك إجماع على عودتها إلى الجامعة وحضور القمم العربية.
ومع تسلم إدارة بايدن وغياب الدور القيادي الأميركي في الملف السوري وتخليها بوضوح عن سياسة «الضغط الأقصى» التي اتّبعتها إدارة دونالد ترمب ضد دمشق وطهران، ومع «تغييرات في الواقع»، إضافةً إلى إعلان إدارة بايدن بوضوح القطيعة مع مبدأ «بناء الأمم» و«تغيير الأنظمة» بعد فشل تجربة أفغانستان عقب عقدين، والعراق وليبيا بعد سنوات، مضت دول عربية بخطوات انفرادية أوسع نحو التطبيع، حيث تلقى العاهل الأردني الملك عبد الله في بداية أكتوبر اتصالاً من الأسد، الذي استقبل في نوفمبر (تشرين الثاني) وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد. وهاتان الخطوتان كانتا الأبرز في مجال التطبيع العربي منذ 2011، وإن كانت سبقتهما خطوات أخرى، تضمنت اتصالات من قادة عرب بالأسد بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت في مايو (أيار) ولدى أداء القسم في يوليو.
لكن، بعد مرور أشهر على تلك الخطوات، لوحظ جمود في مسار التطبيع العربي، وانخفض سقف التوقعات باحتمال حضور سوريا القمة العربية المقررة في الجزائر نهاية مارس المقبل. وقيل إن السبب هو أن دمشق لم تقم بتقديم تنازلات للدول العربية فيما يتعلق بالعملية السياسية الداخلية، أو «خروجها من الأجندة الإيرانية»، أو محاربة تهريب المخدرات وتفكيك شبكاتها، أو محاربة الإرهاب وتبادل معلومات عنه.
وعليه، تلاشت آمال سوريين في تحسين الأوضاع الاقتصادية. وهذا هو العنصر الخامس البارز في سوريا في 2021.

أزمة وهجرة

مشهد السوريين يركبون «قوارب الموت» للهروب من الحرب عبر البحار إلى أوروبا، كان صادماً في 2015، وساد اعتقاد أنه انتهى، خصوصاً مع ثبات «خطوط التماس» وبعض الإشارات التطبيعية العربية والتغيير في مواقف دول غربية وعربية. لكن الأسابيع الأخيرة قدمت صورة مختلفة، حيث وصل السوريون إلى حدود بيلاروسيا مع بولندا «هرباً من الجحيم» في سوريا للوصول إلى «الحلم الأوروبي». كما تناقلت وسائل تواصل اجتماعي صور سوريين بالآلاف أمام مؤسسات الهجرة للحصول على جوازات سفر.
المحرك الرئيسي لموسم الهجرة في 2015 كان الحرب والأمان. والدافع الأساسي للموسم الجديد من الهجرة كان اقتصادياً، وغياب الأمل لدى فئة واسعة من السوريين، خصوصاً في منطقة سيطرة الحكومة. وظهر انطباع بأن «النصر العسكري» لم يُترجم إلى ملاءة اقتصادية ومكاسب معيشية وأخرى تتعلق بالأمان والعيش اليومي.
كان الرهان على رفع العقوبات بعد التطبيع العربي، وعودة الكهرباء والنور إلى دمشق وأخواتها، بعد إشارات وخطوات التطبيع وبيانات الدعم وإشارات الصمت ودعم إدارة بايدن لموافقة مصر على مد «أنبوب الغاز العربي» إلى سوريا ولبنان عبر الأردن. لكن سيف عقوبات «قانون قيصر» بقي مسلطاً ومتحالفاً مع شبكات الفساد في سوريا والترهل الإداري وغياب الخبراء، فبقيت دمشق في الظلمة، يعاني أهلها الفقر والجوع، أو يبحثون عن حلم وراء الحدود، وبقي أهلها وشبابها يطاردون الأحلام والأنوار في جغرافيا وضفاف أخرى.

مآلات وأسئلة

لا شك أن عام 2021 كان محطة في الصراع السوري بعد عِقد على اندلاعه، فتح عيون السوريين. فثبات خطوط التماس لم يُنهِ المعاناة، بل إن المعاناة عنوان يجمع السوريين حيثما كانوا، داخلاً أم خارجاً. فمن هو في الداخل يريد الهجرة، والمهاجر يريد توفير ظروف العودة. وعليه، سيكون العام المقبل محطة أساسية أخرى لفحص هذه التطورات التي تبلورت في السنة المنصرمة، والحصول على إجابات لأسئلة رئيسية: هل تبقى خطوط التماس ثابتة؟ وإلى متى؟ وهل مصير سوريا التقسيم أم اللامركزية أم العودة إلى «السيادة الكاملة»؟ هل ينعكس أي توتر في أوكرانيا على التفاهمات الأميركية - الروسية شرق الفرات من جهة، أو الترتيبات الروسية - التركية في إدلب من جهة أخرى، ويغيِّر حجم وحدود «الدويلات»؟ هل يبقى الضوء الروسي أخضر أمام إسرائيل في ملاحقة إيران في سوريا؟ وكيف سينعكس مصير مفاوضات الملف النووي الإيراني، اتفاقاً أم انهياراً في سوريا؟ هل تبقى «حرب الظل» الإسرائيلية - الإيرانية مضبوطة أم تفلت من أيدي «الساحر» بوتين؟ ما مصير التطبيع العربي وحدوده وبرنامجه الزمني؟ وهل تحضر سوريا القمة العربية في الجزائر؟ وكيف سيكون مسار التطبيع العربي وموقف واشنطن منه في حال فاز الجمهوريون بالانتخابات النصفية المقبلة؟ وأين سوريا في الحوار الروسي - الأميركي؟ هل ينجح المبعوث الأممي في مقاربة «خطوة مقابل خطوة» وتشكيل «مجموعة اتصال جديدة»؟ بين هذا وذاك، أين سيكون السوريون؟ هل يعود الموجودون في الخارج أم يغادرون «الكابوس»؟ أم بالفعل، يسمع الخارج نصيحة أهل الداخل، عندما قالوا: «لاتعودوا، نحن نريد الخروج من الجحيم»؟



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.