مصر: تحرك رسمي وبرلماني بعد انتحار موظف بمقر عمله

العاصمة المصرية القاهرة (أ.ف.ب)
العاصمة المصرية القاهرة (أ.ف.ب)
TT

مصر: تحرك رسمي وبرلماني بعد انتحار موظف بمقر عمله

العاصمة المصرية القاهرة (أ.ف.ب)
العاصمة المصرية القاهرة (أ.ف.ب)

أثارت قضية انتحار موظف بإحدى الشركات الخاصة في العاصمة المصرية القاهرة، الجدل في الأيام الماضية، بعدما أقدم على الانتحار في مقر عمله.
وأعلنت النيابة العامة المصرية، اليوم (الثلاثاء)، أنها أمرت بندب أحد الأطباء الشرعيين لتشريح جثمان المتوفى، وكلفت الشرطة بالتحري حول الواقعة، ومدى وجود شبهة جنائية بها من عدمه، وأنه لا صحة لحرق كاميرات المراقبة بالشركة.
وأقدم الموظف المنتحر، والذي كان يعمل في شركة «Teleperformance» العالمية لخدمة العملاء، على إلقاء نفسه من الطابق الثالث في الشركة الواقعة بمنطقة التجمع الخامس شرق القاهرة الأسبوع الماضي.
وأضافت النيابة العامة، في بيان رسمي لها عبر موقع «فيسبوك»، اليوم (الثلاثاء)، أنها انتقلت لمناظرة جثمان الشاب المنتحر، وتبينت ما به من إصابات، وطالعت مقاطعَ سجلتْها آلات المراقبة بالشركة، أظهرت صعود المتوفى إلى الطابق الثالث وقفزه من أعلى الشركة.
وأكدت النيابة العامة أن تحقيقاتها في الواقعة حتى الآن، لم تقطع بالأسباب التي دفعت المتوفى للانتحار، وتوصلت فقط إلى أنه ألقى بنفسه من أعلى الشركة المذكورة، وأن النيابة العامة قد حصلت على تلك تسجيلات كاميرات المراقبة ولا صحة بأنها تعرضت للحريق أو التلف، وأنها ماضية في تحقيقاتها لإثبات مدى وجود شبهة جنائية في واقعة الوفاة من عدمه.
https://www.facebook.com/ppo.gov.eg/posts/452664109555784
وتداولت وسائل إعلام مصرية أن سبب الانتحار هو خلاف بينه وبين مديره المباشر، بعد توبيخه له وخصم 4 أيام من راتبه بسبب دخوله دورة المياه. وكانت زميلة للموظف قد تحدثت عبر مواقع التواصل الاجتماعي ولوسائل إعلام مصرية، وزعمت أن الموظف كان مديوناً بمبلغ 15 ألف جنيه مصري (قرابة 950 دولاراً)، ووصفت نظام العمل في الشركة بأنه «متعسف».
من جهتها، عبرت شركة «Teleperformance» العالمية عن «الخسارة المأساوية لفقد أحد زملائنا»، وذكرت في بيان رسمي لها عبر صفحتها الرسمية على موقع «فيسبوك»، أمس (الاثنين)، أنه «على الفور تم استدعاء الإسعاف بينما هرع الطبيب الداخلي لمساعدته. وصل المسعفون إلى مكان الحادث في الدقائق التالية ونقلوه إلى أقرب مستشفى، ولكن لسوء الحظ لم يستطع الأطباء إنقاذ حياته. وقد تواصلنا مع عائلته على الفور لتقديم أكبر قدر ممكن من المساعدة والدعم، وسنواصل القيام بذلك».
ووفقاً للبيان، قال مصطفى فهمي المدير التنفيذي للشركة، إن «ما حدث لزميلنا كان بمثابة صدمة لنا جميعاً وندعو له بالرحمة، ولعائلته وزملائه بالصبر والسلوان، إن زميلنا عضو عزيز في فريقنا وسيظل في ذاكرتنا دائماً». وتابع فهمي: «إن سلامة موظفينا هي أولويتنا القصوى، وسنوفر الدعم النفسي والمشورة لزملائه خلال هذا الوقت العصيب. ونتعاون حالياً بشكل كامل مع السلطات المحلية ونجري أيضاً تحقيقاً داخلياً لفهم الظروف التي أدت إلى هذه المأساة. كما نحترم رغبة الأسرة في الخصوصية ولن نقدم أي تفاصيل أخرى للجمهور».
https://www.facebook.com/TeleperformanceEgypt/posts/4663445327102590
وفي السياق ذاته، قال مدحت الغمراوي، مدير مديرية القوى العاملة بالقاهرة، خلال مداخلة للإعلامي عمرو أديب في برنامج الحكاية على فضائية "إم بي سي مصر" أمس (الاثنين)، إن مكتب العمل يجري يومياً تفتيشاً على كل المنشآت الخاضعة لقانون العمل المصري، لمتابعة السلامة الصحية المهنية، والوقوف على أي حادث جسيم يحدث، مثلما جرى الآن في حادث انتحار عاشور، ومعرفة أبعاد الحادث الذي وقع فيها.
وتابع الغمراوي: «حتى الآن لم نعرف طبيعة عمل الشركة ولا وضعها، ونحن في طريقنا حالياً لمعرفة كافة التفاصيل الخاصة باسم الشركة وطبيعة عملها ووضعها القانوني والأسباب الحقيقية وراء هذا الحادث الجسيم».
https://www.youtube.com/watch?v=nCkP3UiPsJw
وتابع المسؤول الحكومي أن «الشخص المتسبب في وفاة الشاب، مصيره في يد النيابة، ولو ثبتت التحقيقات أنه تعمد في تلك الواقعة فهو قرار يرجع للنيابة وشأنها». وأردف أن أسرة الموظف المتوفى ستأخذ تعويضاً بعد وفاة نجلها، وذلك بعد الرجوع إلى قانون التأمينات وقانون العمل على أساس أن لهم مكافأة ومصاريف جنازة للورثة.
وكان مجلس النواب المصري قد شهد أول إجراء بشأن واقعة انتحار الموظف الشاب، إذ تقدم النائب هشام حسين، أمين سر لجنة المقترحات والشكاوى بمجلس النواب، الأحد، بطلب إحاطة لرئيس مجلس الوزراء ووزير القوى العاملة، حول التعسف في حقوق العاملين بالقطاع الخاص وغياب الرقابة بسبب تعرض عاشور للتعنيف المعنوي ومنعه من الحصول على حقوقه.
وقال النائب في طلب الإحاطة: «انتحار الموظف الشاب يفتح ملف غياب الرقابة من جانب الحكومة ممثلة في وزارة القوى العاملة على التزام القطاع الخاص بضوابط العمل وقانون العمل الذي من الضروري أن يضمن التوازن بين العامل وصاحب العمل».
وطالب النائب بأن «تنتبه له الحكومة وتعمل الأجهزة الرقابية على تفعيل دورها بشكل مختلف برقابة صارمة على أداء الشركات بالقطاع الخاص حفاظاً على حقوق العاملين التي يكفلها الدستور، بجانب الدور التوعوي للعاملين بشأن حقوقهم والحفاظ عليها، وأن يكون لديهم الشجاعة في إثبات المخالفات ومواجهتها بشكل قانوني».



دعوة مستثمر مصري للعمل 12 ساعة يومياً تثير جدلاً

رجل الأعمال في أثناء حديثه بالبودكاست (يوتيوب)
رجل الأعمال في أثناء حديثه بالبودكاست (يوتيوب)
TT

دعوة مستثمر مصري للعمل 12 ساعة يومياً تثير جدلاً

رجل الأعمال في أثناء حديثه بالبودكاست (يوتيوب)
رجل الأعمال في أثناء حديثه بالبودكاست (يوتيوب)

في حين أوصت دراسة من جامعة كامبريدج بتقليص ساعات العمل وتطبيق «أربعة أيام عمل في الأسبوع» لتعزيز الإنتاجية والحفاظ على الصحة النفسية للموظفين والعاملين، صرّح محمد فاروق، المستثمر ورجل الأعمال المصري المعروف بـ«الشارك حمادة»، بضرورة زيادة ساعات العمل لتحقيق النجاح الاقتصادي وزيادة الإنتاجية.

وأثارت التصريحات جدلاً عبر «السوشيال ميديا» بمصر، فبينما عدّ البعض تلك التصريحات تضر بحقوق العمال، عدّها آخرون تستهدف الحماس والتفوق في العمل.

وقال رجل الأعمال المصري محمد فاروق، إنه من الضروري العمل 12 ساعة يومياً لمدة 6 أيام في الأسبوع، وأضاف في برنامج بودكاست بعنوان «حكاية مدير» أن الدول الناجحة والمتقدمة تطبق هذا الأمر، ضارباً المثل بالصين وأن الناس هناك تعمل من 9 صباحاً إلى 9 مساء لستة أيام في الأسبوع.

وانتقد فاروق ما يروجه البعض حول التوازن بين العمل والحياة الشخصية، عادّاً هذا الحديث الذي ظهر خلال «جائحة كورونا» نوعاً من «الدلع»، مؤكداً «عدم نجاح الدول التي اتبعت هذا الأسلوب»، وفق تقديره.

وعدّ عضو مجلس النواب المصري عن حزب التجمع، عاطف مغاوري، أن «هذا الكلام يذكرنا بعقلية بدايات النظام الرأسمالي الذي كان يستنزف العمال في أوقات عمل طويلة، إلى أن تمكنت حركات النضال العمالية من تنظيم عقد عمل وحقوق عمال ومواعيد للعمل، وهذا متعارف عليه عالمياً».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أن «التشريعات العمالية حين منحت العمال إجازات أو حددت لهم ساعات عمل كان هذا لمصلحة العمل وليس لصالح العامل، لأنك لو استنزفت العامل فلن تكون لديه قدرة على الاستمرار، كما أن منحه إجازات يجعله يجدد طاقته ونشاطه».

وأشار إلى أن «الاجتهاد يجب أن يكون في إطار الدستور والقوانين الموجودة لدينا، لكن المنطق الذي يطرح حالياً ربما يكون الهدف منه نبيلاً، وهو تحويل المجتمع إلى مجتمع منتج، ولكن ليس باستنزاف العامل».

وزارة القوى العاملة في مصر (فيسبوك)

ولفت إلى وجود «تشريعات حديثة تدعو لاحتساب الوقت المستغرق للوصول إلى العمل والعودة منه ضمن ساعات العمل».

وينظم ساعات العمل في القطاع الحكومي (العام) في مصر والقطاع الخاص، قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 وما طرأ عليه من تعديلات، بالإضافة إلى اللوائح والقرارات التنفيذية الداخلية بكل مؤسسة أو شركة، وتقر المادة 85 من قانون العمل المصري بأنه «في جميع الأحوال لا يجوز أن تزيد ساعات العمل الفعلية على عشر ساعات في اليوم الواحد».

وعدّ الخبير في «السوشيال ميديا» محمد فتحي أن «البودكاست أصبح يتم استغلاله في الدعاية بشكل لافت»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «بعض رواد الأعمال يستغلون هذه المنصة لبناء صورتهم الشخصية وعلاماتهم التجارية».

وأشار الخبير «السوشيالي» إلى سعي العديد من رجال الأعمال إلى بناء صورة إيجابية لأنفسهم وعلاماتهم التجارية من خلال المشاركة في البودكاست، حيث يمكنهم الوصول إلى جمهور واسع والتأثير في آرائه، للبحث عن الشهرة»، وفق تعبيره.

لكنه عدّ نقل الخبرات والمعرفة من الجوانب الإيجابية لظهور رجال الأعمال في البودكاست، بما يساهم في تطوير المهارات الريادية لدى الشباب، وكذلك إلهام الآخرين وتحفيزهم على تحقيق أهدافهم.

ووفق فتحي فإن «الأمر لا يخلو من جوانب سلبية لظهور رجال الأعمال في البودكاست من أهمها التسويق الخفي، بالإضافة إلى التركيز على النجاح الفردي بشكل مبالغ فيه، مما قد يخلق انطباعاً خاطئاً لدى المستمعين حول سهولة تحقيق النجاح».

وتوالت التعليقات على «السوشيال ميديا» حول تصريحات فاروق، بين من يعدّونه نموذجاً ويطالبون بتركه يتحدث، وآخرين عَدُّوه يتحدث بمنطق رجال الأعمال الذين لا يراعون العمال. وعلقت متابعة على الحلقة في «يوتيوب»، وكتبت: «المفروض يتعمل نادي لرجال الأعمال علشان يتجمعوا ويطوروا ويفيدوا بعض... وعجبتني جداً رؤية محمد فاروق للتكنولوجيا وحماسه تجاهها».

في حين كتب متابع آخر: «من السهل أن يعمل 12 ساعة وأكثر لأنها أعمال مكتبية، لا يمكن مقارنتها بعامل يقف على قدميه طوال اليوم لمدة 12 ساعة».

ويرى استشاري الأعمال الدولي، محمد برطش، أن «ساعات العمل لها قانون يحددها في أي مجتمع، لكن هناك ظروف استثنائية يمكن أن يعمل فيها الشخص 12 و20 ساعة لو هناك ما يتطلب ذلك».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «أرفض المقارنة بين مصر ودول أخرى، خصوصاً أوروبا وأميركا وأستراليا، فهذه دول تحملت الكثير لكي تصل إلى ما هي عليه الآن، وظروفها لا تشبه ظروفنا».

وتابع: «فكرة 12 ساعة عموماً يمكن الموافقة عليها أو رفضها بعد الإجابة عن عدة أسئلة، مثل: في أية ظروف وبأي مقابل، في القطاع العام أو الخاص؟ فمثلاً لو قلنا إن مصر لديها مشروع قومي لتصبح دولة صناعية حقيقية وسنطبق 12 ساعة عمل لتنفيذ مشروع قومي في مجال إنتاج بعينه حتى يتحقق الهدف من المشروع فهذا مقبول، لكن في الظروف العادية فهذا يتنافى مع قانون العمل».

وتبلغ ساعات العمل الأسبوعية في القطاعات المختلفة بمصر نحو 55 ساعة عمل أسبوعياً، وفق إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء صادرة عام 2022.