اجتماعات متسارعة في السودان لثني حمدوك عن الاستقالة

مساعٍ مكثفة لإنقاذ «الموقف المتدهور بسرعة»

رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك (إ.ب.أ)
TT

اجتماعات متسارعة في السودان لثني حمدوك عن الاستقالة

رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك (إ.ب.أ)

بدأ حزب «الأمة القومي» في السودان إجراء مشاورات واسعة وسط القوى السياسية والمدنية والكيانات الشبابية والنسوية للتفاكر حول الرؤى المطروحة في الساحة السياسية للخروج من الأزمة المستفحلة التي تعيشها البلاد، وتزيد من تعقيداتها الأنباء المتواترة بكثافة عن نية رئيس الوزراء عبد الله حمدوك تقديم استقالته من منصبه بعد أكثر من شهر على توقيعه اتفاقاً سياسياً مع قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بغرض العودة لمسار الانتقال الديمقراطي.
وقال الأمين العام لحزب الأمة القومي، الواثق البرير، لـ«الشرق الأوسط»؛ طرحنا خريطة طريق للخروج من المأزق الحالي الذي تعيشه البلاد. وأضاف؛ بدأنا في إجراء نقاشات مع المجلس المركزي لتحالف «الحرية والتغيير» والقوى المؤمنة بالتحول الديمقراطي في مجموعة «الميثاق الوطني» لإيجاد صيغة مشتركة لعرضها على رئيس الوزراء والمكون العسكري لإنقاذ البلاد من الموقف المتدهور بسرعة.
وأضاف البرير قوله؛ المطلوب من كل القوى السياسية والمدنية الآن الاستفادة من التجارب التي عقّدت المشهد السياسي والعمل على خلق أكبر توافق ممكن لإنهاء حالة الانقسام في البلاد وإنقاذها من المنزلق الخطير الذي يمكن أن تقع فيه. وشدد البرير على أهمية الإسراع في التوصل إلى أكبر قدر من الإجماع «لكي نصل من خلاله إلى رؤية مشتركة، خاصة أن البلاد تواجه في الوقت الحالي مشكلات أمنية واقتصادية كبيرة».
وأشار إلى أن حزبه يعتزم طرح خريطة الطريق في أسرع فرصة ممكنة بعد إنهاء المشاورات مع القوى السياسية، بما ذلك الحزب الشيوعي ولجان المقاومة والكيانات النسوية.
وقال الأمين العام لحزب الأمة القومي؛ إن الأوضاع في البلاد متأزمة، ولا بد للخروج من هذا النفق من الحوار بين كل أطياف المجتمع السوداني.
وبحسب مصادر حزبية متطابقة، تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، هذه التحركات وسط القوى السياسية لا تنفصل عن المساعي المستمرة التي تقودها دوائر في الداخل والخارج، لثني رئيس الوزراء عن تقديم استقالته. وكانت مصادر أشارت إلى أن حزب الأمة اقترح على «الحرية والتغيير» في وقت سابق مساعدة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لاختيار حكومة من الكفاءات الوطنية المستقلة «تكنوقراط» وتكوين لجنة مشتركة لتعديل الوثيقة الدستورية.
وفي غضون ذلك، نفى المجلس المركزي لتحالف «قوى الحرية والتغيير» بشكل قاطع أي تواصل مع مجلس السيادة، بعد تداول أنباء عن عرض قدّمه رئيس المجلس الفريق عبد الفتاح البرهان للتحالف بالعودة إلى ما قبل الانقلاب العسكري. وأوضح، في بيان أمس، أن المجلس لم يستمع إلى أي عروض من قائد الانقلاب، ولا رئيس وزرائه. وأكد البيان أن الشراكة الانتقالية انتهت بـما اسمه «انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول)، وأن غاية ما يشغلنا العمل مع شعبنا على إسقاط هذا الانقلاب ومحاسبة قادته، لا مشاركة رئيسه سلطته». وندّد تحالف «الحرية والتغيير» بالانتهاكات الجسيمة والقمع الذي تواجه به السلطات المظاهرات السلمية، مبدياً أسفه أن تأتي هذه التطورات في أعقاب اتفاق 21 نوفمبر الموقّع بين البرهان وحمدوك.
ومن جهة ثانية، عقد رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو «حميدتي»، مساء أول من أمس، اجتماعاً مع رئيس الوزراء حمدوك، لإثنائه عن الاستقالة، ولم يصدر أي تصريح رسمي بما توصل إليه الاجتماع، وسط ما يتردد عن إصرار الأخير على مغادرة منصبه. ونقلت قناة «الشرق» عن مصادر أن حمدوك أبلغ البرهان وحميدتي البحث عن رئيس وزراء جديد.
ومن جهة ثانية، رددت مصادر صحافية في الخرطوم أن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك أبلغ العاملين في مكتبه أن يوم أمس هو آخر يوم له في منصبه رئيساً للوزراء، مشيرة إلى أنه نقل أغراضه من مكتبه إلى منزله بضاحية كافوري. وأضافت المصادر أن العاملين في المكتب يباشرون مهام عملهم، وقد أوشكوا على الانتهاء من إجراءات تجهيز وثائق التسليم والتسلم.
وكانت «الشرق الأوسط» قد نقلت أمس عن مصادر قريبة من رئيس الوزراء حمدوك أنه ينوي تقديم استقالته في غضون الأيام القليلة المقبلة، وذلك بعد أن كان قد أرجأها الأسبوع الماضي استجابة لوساطات إقليمية ودولية وضغوط محلية. غير أن تطور الأحداث والعنف المفرط الذي استخدمته القوات الأمنية ضد المتظاهرين السلميين في الأيام الماضية، دفع حمدوك إلى التراجع عن إرجاء الاستقالة، والتلويح بها مجدداً.
وقال مصدر موثوق من مكتب رئيس الوزراء لـ«الشرق الأوسط» إن العاملين في مكتبه تلقّوا توجيهاً بـ«الاستعداد لإجراءات تسليم وتسلم»، وإنهم شرعوا بالفعل في إجراءات تسليم الملفات للأمانة العامة لمجلس الوزراء، لكن المصدر لم يكشف الموعد المحدد الذي يُتنظر أن تُعلن فيه الاستقالة رسمياً.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.