بغداد تدعو لمفاوضات «مباشرة» بين طهران وواشنطن

فؤاد حسين قال إن بلاده طرحت الأمر على الأميركيين والإيرانيين... وعبداللهيان انتقد الموقف الأوروبي «غير البنّاء»

وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين يجري مباحثات مع نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان في طهران أمس (إ.ب.أ)
وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين يجري مباحثات مع نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان في طهران أمس (إ.ب.أ)
TT

بغداد تدعو لمفاوضات «مباشرة» بين طهران وواشنطن

وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين يجري مباحثات مع نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان في طهران أمس (إ.ب.أ)
وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين يجري مباحثات مع نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان في طهران أمس (إ.ب.أ)

دعا وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، إلى إجراء «مفاوضات مباشرة» بين إيران والولايات المتحدة لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، فيما انتقد نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان الأطراف الأوروبية بأنها لم تقدم «مبادرات عملية جديدة» و«لم تكن بنّاءة» في الجولة الأخيرة من المفاوضات التي توقفت في 17 ديسمبر (كانون الأول) بطلب من طهران.
وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع عبداللهيان في طهران أمس، سلّط فؤاد حسين الضوء على أهم عقبة أمام تقدم محادثات فيينا، قائلاً إن «هناك مشكلة في آلية المفاوضات (...) المفاوضات مع الجانب الأميركي هي مفاوضات غير مباشرة ومن خلال المندوب الأوروبي». وقال: «نعتقد أن الوقت قد حان لمفاوضات مباشرة بين واشطن وطهران للوصول إلى تفاهمات مشتركة ليس فقط حول المشروع النووي ولكن أيضاً حول العقوبات المفروضة على إيران»، وشدد على الحاجة «إلى تواصل مباشر بين الطرفين، ونحن نسعى من أجل هذا»، منوهاً إلى أن «مصلحة العراق تتطلب منّا أن نساعد، إذا كان باستطاعتنا، الطرفين للجلوس إلى طاولة الحوار، ونحن من دعاة المفاوضات المباشرة بين الطرفين، وهذا ليس سراً»، وقال إن بغداد طرحت ذلك على واشنطن وطهران.
ولم يعلّق وزير الخارجية الإيراني في المؤتمر الصحافي بشكل مباشر على الموقف العراقي، إلا أنه تطرق إلى مباحثات فيينا، موضحاً أن الأميركيين «يبعثون ببعض الرسائل غير المكتوبة ويتلقون رداً عليها». وأعرب عن رغبة إيران «في الوصول إلى اتفاق جيد، ونأمل في أن يأتي الآخرون أيضاً للتفاوض بالجدية ذاتها والإرادة الجيدة ذاتها»، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.
أما وكالة «رويترز» فقد نقلت عن عبداللهيان قوله: «لا نرى موقف بعض الدول الأوروبية بنّاءً، خصوصاً موقف فرنسا». وأضاف: «عندما يقولون إنهم يشعرون بالقلق بسبب تقدم البرنامج النووي الإيراني، نقول بوضوح: إذا كنتم تريدون تهدئة مخاوفكم يتعين رفع جميع العقوبات»، مضيفاً أن إيران «تمكنت من الحصول على موافقات شفهية (من وجهات نظرنا) من جميع الأطراف في المسودة التي ستتم مناقشتها الأسبوع المقبل»، دون أن يقدم أي تفاصيل.
وأتاح الاتفاق النووي رفع عقوبات كانت مفروضة على طهران، في مقابل الحد من أنشطتها النووية. لكنّ مفاعيله باتت في حكم اللاغية مذ قرر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، سحب بلاده من الاتفاق الذي وصفه بـ«المعيب»، لعدم معالجة الأنشطة الإيرانية الإقليمية وانتشار برنامجها للصواريخ الباليستية.
والعلاقات الدبلوماسية مقطوعة بين إيران والولايات المتحدة منذ 1980 في أعقاب اقتحام السفارة الأميركية، واحتجاز الرهائن. وغالباً ما يجد العراق نفسه نقطة تجاذب بين العدوين اللدودين، إذ تحظى جارته بنفوذ سياسي وعسكري واسع فيه، ويحتاج إليها في مجالات التجارة والطاقة، بينما يمثّل للثانية مجموعة من المصالح السياسية والعسكرية.
وبلغ التوتر الإيراني - الأميركي في العراق ذروته بعدما قضى قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني، اللواء قاسم سليماني، بضربة جوية أميركية في بغداد في يناير (كانون الثاني) 2020، وردت طهران بقصف صاروخي على الأراضي العراقية، طال قاعدة «عين الأسد» في محافظة الأنبار حيث يوجد عسكريون أميركيون.
وشدد حسين على أن «العلاقات الأميركية الإيرانية بالنسبة إلى العراق ليست موضوعاً خارجياً بل هي أيضاً موضوع داخلي»، معتبراً أن التوتر أو الانفراج فيها ينعكس مباشرة على بلاده. وأضاف: «من منطلق المصلحة العراقية نحن نتباحث مع الإخوة في طهران حول العلاقات الأميركية - الإيرانية (...) ونتباحث مع أصدقائنا في واشنطن حول العلاقات الأميركية - الإيرانية». وتابع: «نحن لا نحمل الرسائل، ولكن نناقش الآراء بصراحة».
وشملت زيارة حسين لقاء الرئيس إبراهيم رئيسي، وفق الرئاسة الإيرانية.
وواصلت المواقع المؤيدة للفريق المفاوض النووي الجديد حملتها في الدفاع عن تكتيك إيران التفاوضي وإلقاء اللوم على الأطراف الأخرى. ونشرت وكالة «نور نيوز» التابعة للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، مساء الأربعاء، مقالاً تحت عنوان «أي جانب معنيّ بوضعية الطوارئ في المفاوضات؟». ويرهن المقال تقدم المحادثات «بسرعةٍ» بتوفر ما سمّاها «المبادئ الصحيحة التي تحكم المفاوضات». وعدّ السبب الوحيد لإضاعة الوقت في المفاوضات «هو أن الغرب يحاول أن يعطي أقل ويحصل على المزيد».
ووصفت الوكالة الأمنية «نفاد الوقت» في «أدبيات المفاوضات» بأنه «الكلمة الدلالية» لممارسة الضغوط المتزايدة على إيران. وقال إن «هذا الخط الإعلامي يتسارع الآن ووجد أبعاداً جديدة». ورأت في تصريحات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، والمبعوث الخاص بإيران روب مالي، والمسؤولين الأوروبيين «دليلاً على هذا السيناريو». ورأت أن تأكيد الأطراف الأخرى على الوقت، يتعارض مع «الركنين الأساسيين في الاتفاق: القيود الزمنية لبعض الأنشطة الإيرانية، والرفع الشامل والمؤثر للعقوبات». وتابعت: «أي عدم توازن في أعمدة هذا الاتفاق مثلما حدث، توجه تهديداً جدياً للاتفاق».
بدوره، كتب موقع «بولتون نيوز» الإخباري التابع لجهاز استخبارات «الحرس الثوري» أن الإدارة الأميركية «أرسلت إشارات واضحة حول تخطي الاتفاق النووي لعام 2015 وتسعى وراء مفاوضات تتجاوز خطة العمل المشترك (الاتفاق النووي)». وأشار في مقال تحت عنوان «هل بايدن ودّع الاتفاق؟» إلى مباحثات سوليفان في إسرائيل، في وقت صعّد المسؤولون الإسرائيليون ضد البرنامج النووي الإيراني. وكتب: «تل أبيب تطالب إدارة بايدن بممارسة المزيدة من الضغوط على طهران، واتخاذ إجراءات صارمة، لكن الإدارة الأميركية ليس لديها خيار لافت لممارسة المزيد من الضغط على إيران». وتابع الموقع: «تعقيدات وصعوبة الأوضاع الحالية أوجدت وضعاً مليئاً بالمفارقات، فمن جهة تريد إسرائيل التوصل لاتفاق سريع لوقف التقدم الحالي للبرنامج النووي الإيراني، ومن جانب آخر لا يريد أن تكون نتيجة إحياء الاتفاق رفع العقوبات عن إيران وتثبت دورها في المنطقة».



الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)

ازدادت مساحة التدخلات الحوثية في صياغة المناهج الدراسية وحشوها بالمضامين الطائفية التي تُمجِّد قادة الجماعة وزعيمها عبد الملك الحوثي، مع حذف مقررات ودروس وإضافة نصوص وتعاليم خاصة بالجماعة. في حين كشف تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن عن مشاركة عناصر من «حزب الله» في مراجعة المناهج وإدارة المخيمات الصيفية.

في هذا السياق، كشف ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن أعمال تحريف جديدة للمناهج، وإدراج المضامين الطائفية الخاصة بالجماعة ومشروعها، واستهداف رموز وطنية وشعبية بالإلغاء والحذف، ووضع عشرات النصوص التي تمتدح قادة الجماعة ومؤسسيها مكان نصوص أدبية وشعرية لعدد من كبار أدباء وشعراء اليمن.

إلى ذلك، ذكرت مصادر تربوية في العاصمة المختطفة صنعاء أن الجماعة الحوثية أقرّت خلال الأسابيع الأخيرة إضافة مادة جديد للطلاب تحت مسمى «الإرشاد التربوي»، وإدراجها ضمن مقررات التربية الإسلامية للمراحل الدراسية من الصف الرابع من التعليم الأساسي حتى الثانوية العامة، مع إرغام الطلاب على حضور حصصها يوم الاثنين من كل أسبوع.

التعديلات والإضافات الحوثية للمناهج الدراسية تعمل على تقديس شخصية مؤسس الجماعة (إكس)

وتتضمن مادة «الإرشاد التربوي» -وفق المصادر- دروساً طائفية مستمدة من مشروع الجماعة الحوثية، وكتابات مؤسسها حسين الحوثي التي تعرف بـ«الملازم»، إلى جانب خطابات زعيمها الحالي عبد الملك الحوثي.

وبيّنت المصادر أن دروس هذه المادة تعمل على تكريس صورة ذهنية خرافية لمؤسس الجماعة حسين الحوثي وزعيمها الحالي شقيقه عبد الملك، والترويج لحكايات تُضفي عليهما هالة من «القداسة»، وجرى اختيار عدد من الناشطين الحوثيين الدينيين لتقديمها للطلاب.

تدخلات «حزب الله»

واتهم تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن، الصادر أخيراً، الجماعة الحوثية باعتماد تدابير لتقويض الحق في التعليم، تضمنت تغيير المناهج الدراسية، وفرض الفصل بين الجنسين، وتجميد رواتب المعلمين، وفرض ضرائب على إدارة التعليم لتمويل الأغراض العسكرية، مثل صناعة وتجهيز الطائرات المسيّرة، إلى جانب تدمير المدارس أو إلحاق الضرر بها أو احتلالها، واحتجاز المعلمين وخبراء التعليم تعسفياً.

تحفيز حوثي للطلاب على دعم المجهود الحربي (إكس)

وما كشفه التقرير أن مستشارين من «حزب الله» ساعدوا الجماعة في مراجعة المناهج الدراسية في المدارس الحكومية، وإدارة المخيمات الصيفية التي استخدمتها للترويج للكراهية والعنف والتمييز، بشكل يُهدد مستقبل المجتمع اليمني، ويُعرض السلام والأمن الدوليين للخطر.

وسبق لمركز بحثي يمني اتهام التغييرات الحوثية للمناهج ونظام التعليم بشكل عام، بالسعي لإعداد جيل جديد يُربَّى للقتال في حرب طائفية على أساس تصور الجماعة للتفوق الديني، وتصنيف مناهضي نفوذها على أنهم معارضون دينيون وليسوا معارضين سياسيين، وإنتاج هوية إقصائية بطبيعتها، ما يُعزز التشرذم الحالي لعقود تالية.

وطبقاً لدراسة أعدها المركز اليمني للسياسات، أجرى الحوثيون تغييرات كبيرة على المناهج الدراسية في مناطق سيطرتهم، شملت إلغاء دروس تحتفي بـ«ثورة 26 سبتمبر (أيلول)»، التي أطاحت بحكم الإمامة وأطلقت الحقبة الجمهورية في اليمن عام 1962، كما فرضت ترديداً لـ«الصرخة الخمينية» خلال التجمعات المدرسية الصباحية، وتغيير أسماء المدارس أو تحويلها إلى سجون ومنشآت لتدريب الأطفال المجندين.

مواجهة حكومية

في مواجهة ما تتعرض له المناهج التعليمية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من تحريف، تسعى الحكومة اليمنية إلى تبني سياسات لحماية الأجيال وتحصينهم.

اتهامات للحوثيين بإعداد الأطفال ذهنياً للقتال من خلال تحريف المناهج (أ.ف.ب)

ومنذ أيام، أكد مسؤول تربوي يمني عزم الحكومة على مواجهة ما وصفه بـ«الخرافات السلالية الإمامية العنصرية» التي تزرعها الجماعة الحوثية في المناهج، وتعزيز الهوية الوطنية، وتشذيب وتنقية المقررات الدراسية، وتزويدها بما يخدم الفكر المستنير، ويواكب تطلعات الأجيال المقبلة.

وفي خطابه أمام ملتقى تربوي نظمه مكتب التربية والتعليم في محافظة مأرب (شرق صنعاء) بالتعاون مع منظمة تنموية محلية، قال نائب وزير التربية والتعليم اليمني، علي العباب: «إن ميليشيات الحوثي، تعمل منذ احتلالها مؤسسات الدولة على التدمير الممنهج للقطاع التربوي لتجهيل الأجيال، وسلخهم عن هويتهم الوطنية، واستبدال الهوية الطائفية الفارسية بدلاً منها».

ووفقاً لوكالة «سبأ» الحكومية، حثّ العباب قيادات القطاع التربوي، على «مجابهة الفكر العنصري للمشروع الحوثي بالفكر المستنير، وغرس مبادئ وقيم الجمهورية، وتعزيز الوعي الوطني، وتأكيد أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول) المجيدتين».

قادة حوثيون في مطابع الكتاب المدرسي في صنعاء (إعلام حوثي)

ومنذ أيام توفي الخبير التربوي اليمني محمد خماش، أثناء احتجازه في سجن جهاز الأمن والمخابرات التابع للجماعة الحوثية، بعد أكثر من 4 أشهر من اختطافه على خلفية عمله وزملاء آخرين له في برنامج ممول من «يونيسيف» لتحديث المناهج التعليمية.

ولحق خماش بزميليه صبري عبد الله الحكيمي وهشام الحكيمي اللذين توفيا في أوقات سابقة، في حين لا يزال بعض زملائهم محتجزين في سجون الجماعة التي تتهمهم بالتعاون مع الغرب لتدمير التعليم.

وكانت الجماعة الحوثية قد أجبرت قبل أكثر من شهرين عدداً من الموظفين المحليين في المنظمات الأممية والدولية المختطفين في سجونها على تسجيل اعترافات، بالتعاون مع الغرب، لاستهداف التعليم وإفراغه من محتواه.