روسيا ترسم «خطوطها الحمر» على الساحة العالمية

روسيا ترسم «خطوطها الحمر» على الساحة العالمية
TT

روسيا ترسم «خطوطها الحمر» على الساحة العالمية

روسيا ترسم «خطوطها الحمر» على الساحة العالمية

مر العام المنصرم، الذي لم يكن سهلاً على المجتمع الدولي بأسره، متسماً بنمو سعي روسيا إلى لعب دور مستقل ومهم في السياسة العالمية، بما يتوافق مع مصالحها الوطنية.
موسكو عدّت نفسها مدافعة عن حق الدول المستقلة في العيش وفقاً للقانون الدولي، وليس وفقاً لـ«القواعد» التي وضعتها بعض الدول القوية، ومن دون أن تخضع لمحاولات الإملاء من جانب هذه الدول تجاه الدول الضعيفة. وفي دفاعها عن مصالحها وقيمها لم تخشَ المخاطرة، وغالباً ما دخلت في صراعات مع خصومها.
يبدو هذا واضحاً على وجه الخصوص، من خلال حال العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة والدول الغربية بشكل عام. وصول الرئيس جو بايدن إلى السلطة بعث في البداية الآمال بإحداث تغييرات إيجابية في هذه العلاقات. إذ إن تمديد معاهدة «ستارت 3» بشأن خفض الأسلحة الاستراتيجية والحد منها، والاتفاق على بدء حوار حول الاستقرار الاستراتيجي خلقا مزاجاً تفاؤلياً. كما أن الحاجة إلى العمل معاً لمكافحة الوباء وغيره من التهديدات المشتركة دفعت كلا الجانبين إلى التعاون.
لكن الآمال المبنية على تحسن العلاقات لم تتحقق. علاوة على ذلك، فإن العلاقات بين روسيا، التي تقترب بسرعة من جمهورية الصين الشعبية في إطار شراكة استراتيجية شاملة، من ناحية، وبين الولايات المتحدة مع حلفائها من ناحية أخرى، تراجعت بشدة لدرجة أن بعض السياسيين بدأوا الحديث على محمل الجد عن ضرورة منع العالم من الانزلاق نحو حرب عالمية جديدة.
دعونا ننظر في هذا السياق إلى أحداث شهر ديسمبر (كانون الأول) التي توّجت هذا العام. لقد شهدت «المحادثات عبر الفيديو أونلاين» التي جرت في 7 ديسمبر بين الرئيسين الروسي والأميركي، على الرغم من أنها إيجابية في حد ذاتها، على وجود خلاف عميق بين القوتين النوويتين العظميين حول قضايا الأمن الدولي الرئيسية. إذ أوضح خلالها بوتين لبايدن، على وجه الخصوص، مفهومه لما يسمى «الخطوط الحمر» بالنسبة لروسيا، وهي: أولاً وقبل كل شيء استمرار توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى الشرق، فضلاً عن نشر أنظمة الأسلحة الأجنبية الحديثة في أوكرانيا. فإذا ظهرت أنظمة هجومية في أوكرانيا قادرة على الوصول إلى موسكو في غضون بضع دقائق، ستكون حينها روسيا مضطرة للرد على ذلك بخلق تهديدات مماثلة؛ وانضمام أوكرانيا إلى الناتو سيعني تجاوز «الخطوط الحمر»، ما سيتطلب رداً جدياً من روسيا. ما يمكن أن تقبله موسكو هو فقط تقديم ضمانات مكتوبة من الغرب بأنّ هذا لن يحدث. وهذا المطلب غير قابل لإعادة النظر فيه. لكن جاء رد فعل القيادات الأميركية وحلف شمالي الأطلسي على طلب روسيا هذا قاسياً للغاية: لا وجود لأي خطوط حمر. ليس بإمكان أحد التنبؤ بكيفية تطور الأحداث لاحقاً. في الوقت نفسه، لفت الانتباه في روسيا تصريح بايدن بأن الولايات المتحدة والناتو، في حال وقوع هجوم روسي على أوكرانيا، سيرسلان قواتهما إلى دول الجناح الشرقي للناتو، أو ما تسمى دول «قمة بوخارست التسع»، وليس إلى أوكرانيا.
أصبح الهجوم الروسي، المزعوم وسيئ السمعة، المخطط له على أوكرانيا ذريعة مزعجة في خطابات الكثير من السياسيين الغربيين، على الرغم من أن الزعيم الروسي ومسؤولين آخرين ينفون بشكل قاطع أي خطط من هذا القبيل. وبدأوا بتهديد موسكو بفرض عقوبات جديدة قاتلة، مع أن العقوبات في الوقت الحالي لا تعد ولا تحصى. لكن موسكو، كما لاحظ الخبراء الغربيون، حضّرت نفسها لإجراءات كهذه وغيرها، مثل فصلها عن نظام SWIFT، ما سيضر شركاءها أيضاً. ومع ذلك، هناك بعض المؤشرات على إمكان حل الخلافات الجدية دبلوماسياً، حيث لا أحد معنياً بتصعيد المواجهة. فلدى الأطراف خبرة في التفاعل والعمل المشترك، على سبيل المثال، في عملية التخلص من الأسلحة الكيميائية في سوريا أو في مفاوضات مجموعة 5 + 1 مع إيران بشأن برنامجها النووي.
في الحقيقة لا يوجد أي تقدم في حل الأزمة الأوكرانية. الكرملين يقنع الغرب بأن كييف لا تريد تنفيذ اتفاقات مينسك، التي تحضها الولايات المتحدة على الامتثال لها، بينما يتم تفسير هذه الاتفاقات بشكل مختلف بين الولايات المتحدة وروسيا. بالنسبة لموسكو، فإن رغبة كييف في مراجعة هذه الاتفاقات غير مقبولة، بما في ذلك مراجعة منح دونيتسك ولوغانسك الحكم الذاتي الكامل داخل أوكرانيا، ومنح عفو للمشاركين في الأعمال القتالية، أو مراجعة منع كييف من بسط سيطرتها على حدودها مع روسيا قبل إجراء الانتخابات في هاتين المنطقتين. بينما يثير حشد قوات أوكرانية في منطقة الدونباس مخاوف جدية بشأن نيات كييف لمحاولة حل مشكلة المناطق الشرقية باستخدام القوة.
كما أن الأحداث المأساوية التي جرت خلال العام المنصرم في أفغانستان خلقت مخاطر بالنسبة إلى موسكو، لا سيما فيما يتعلق بالمصالح الأمنية لحلفائها في آسيا الوسطى. إلا أن الاتصالات التفاوضية للدبلوماسيين الروس مع ممثلي حركة «طالبان» في موسكو، والتي بدأت منذ أكثر من خمس سنوات، لعبت دوراً إيجابياً، بالإضافة إلى أن كلاً من موسكو ودول آسيا الوسطى تقدمان مساعدات إنسانية كبيرة لكابل. فموسكو تنظر إلى حكم «طالبان» على أنه أمر مفروغ منه، ويجب أن يؤخذ بالحسبان، لكن قانونياً لا تزال لا تقبل الاعتراف به.
أسهمت الأحداث في أفغانستان في تقارب الدول الأعضاء في «منظمة معاهدة الأمن الجماعي» وتفعيلها. بدأت هذه المنظمة العمل على ترسيخ إمكاناتها لحفظ السلام في أنشطة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. كما أنها مصممة، على وجه الخصوص، على الانضمام إلى «الخوذ الزرق» في المناطق الساخنة في الشرق الأوسط. ولهذه الغاية تعرّف ممثلو هيئة الأركان المشتركة لـ«منظمة معاهدة الأمن الجماعي» في بداية ديسمبر في لبنان على تجربة بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (يونيفيل). هذا لا يعني تراجعاً في اهتمام المنظمة بالفضاء ما بعد الاتحاد السوفياتي، بل على العكس من ذلك، تضمنت مهامها الآن قمع محاولات المتطرفين من أفغانستان التسلل إلى رابطة الدول المستقلة، والتي اتخذت من أجلها تدابير جادة لتطوير البنية التحتية العسكرية لطاجيكستان. في الوقت نفسه، كانت هناك أحياناً توترات بين الدول الأعضاء، ولا سيما على الحدود الطاجيكية القرغيزية، حيث لا تتدخل المنظمة في تسويتها.
تطورت العلاقات بين روسيا والدول العربية بنجاح. فقد أثمرت الجهود المبذولة لمواجهة الإرهابيين وتدمير أوكارهم في سوريا، التي تواصل روسيا تقديم المساعدة الإنسانية لها. وحدثت تحولات في العلاقات بين دمشق وعدد من الدول العربية. تعمل روسيا بنشاط على تعزيز عملية المصالحة الوطنية، التي ما زالت تواجه صعوبات كبيرة.
بشكل عام، واصلت موسكو مسارها في تطوير العلاقات مع جميع اللاعبين الإقليميين في الشرق الأوسط، بما في ذلك ممن هم في صراع بعضهم مع بعض. ويعد التطور الناجح للتعاون مع دول شبه الجزيرة العربية، بما في ذلك في المجال الاقتصادي، بمثابة إنجاز. ومن الأمثلة الساطعة على ذلك استحواذ صندوق «مبادلة» الإماراتي السيادي في الأسابيع الأخيرة على 1.9% من حصة شركة «سيبور»، والتي اندمجت الخريف الماضي بنسبة 100% مع شركة «تايف». وراء هذا كله تكمن الثقة المتبادلة بين الشركاء. يشهد ظهور المفهوم الروسي المحدَّث للأمن الجماعي في الخليج على اهتمام موسكو بهذه المنطقة.



مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

رجحت سلطات أرخبيل مايوت في المحيط الهندي، الأحد، مقتل «مئات» أو حتى «بضعة آلاف» من السكان جراء الإعصار شيدو الذي دمر في اليوم السابق قسماً كبيراً من المقاطعة الفرنسية الأفقر التي بدأت في تلقي المساعدات. وصرّح حاكم الأرخبيل، فرانسوا كزافييه بيوفيل، لقناة «مايوت لا بريميير» التلفزيونية: «أعتقد أنه سيكون هناك مئات بالتأكيد، وربما نقترب من ألف أو حتى بضعة آلاف» من القتلى، بعد أن دمر الإعصار إلى حد كبير الأحياء الفقيرة التي يعيش فيها نحو ثلث السكان، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أنه سيكون «من الصعب للغاية الوصول إلى حصيلة نهائية»، نظراً لأن «معظم السكان مسلمون ويدفنون موتاهم في غضون يوم من وفاتهم».

صور التقطتها الأقمار الاصطناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار «شيدو» فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وصباح الأحد، أفاد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الإعصار الاستوائي الاستثنائي خلّف 14 قتيلاً في حصيلة أولية. كما قال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، إن «الأضرار طالت المستشفى والمدارس. ودمّرت منازل بالكامل. ولم يسلم شيء». وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، مما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل.

الأضرار التي سببها الإعصار «شيدو» في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

كانت سلطات مايوت، التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، قد فرضت حظر تجول، يوم السبت، مع اقتراب الإعصار «شيدو» من الجزر التي تبعد نحو 500 كيلومتر شرق موزمبيق، مصحوباً برياح تبلغ سرعتها 226 كيلومتراً في الساعة على الأقل. و«شيدو» هو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً، حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرانس-ميتيو). ويُرتقَب أن يزور وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، مايوت، يوم الاثنين. وما زالت المعلومات الواردة من الميدان جدّ شحيحة، إذ إن السّكان معزولون في منازلهم تحت الصدمة ومحرومون من المياه والكهرباء، حسبما أفاد مصدر مطلع على التطوّرات للوكالة الفرنسية.

آثار الدمار التي خلَّفها الإعصار (أ.ف.ب)

في الأثناء، أعلن إقليم لاريونيون الواقع أيضاً في المحيط الهندي ويبعد نحو 1400 كيلومتر على الجانب الآخر من مدغشقر، أنه جرى نقل طواقم بشرية ومعدات الطبية اعتباراً من الأحد عن طريق الجو والبحر. وأعرب البابا فرنسيس خلال زيارته كورسيكا، الأحد، تضامنه «الروحي» مع ضحايا «هذه المأساة».

وخفّض مستوى الإنذار في الأرخبيل لتيسير حركة عناصر الإسعاف، لكنَّ السلطات طلبت من السكان ملازمة المنازل وإبداء «تضامن» في «هذه المحنة». واتّجه الإعصار «شيدو»، صباح الأحد، إلى شمال موزمبيق، ولم تسجَّل سوى أضرار بسيطة في جزر القمر المجاورة من دون سقوط أيّ ضحايا.