الحياة وسط الأطلال... مواقع أثرية تؤوي نازحين سوريين

محمد عثمان يلعب مع طفله في الموقع الأثري (رويترز)
محمد عثمان يلعب مع طفله في الموقع الأثري (رويترز)
TT

الحياة وسط الأطلال... مواقع أثرية تؤوي نازحين سوريين

محمد عثمان يلعب مع طفله في الموقع الأثري (رويترز)
محمد عثمان يلعب مع طفله في الموقع الأثري (رويترز)

يتذكر محمد عثمان مشاركته في رحلات مع المدرسة لمواقع أثرية في سوريا، ولم يكن يخطر على باله مطلقاً آنذاك أن أحد تلك المواقع سيصبح بيته ذات يوم، وفقاً لوكالة «رويترز» للأنباء.
ويعيش عثمان وعائلته في خيمة وسط أطلال أثرية في بلدة سرجبلة قرب الحدود التركية منذ فرارهم للنجاة بأنفسهم قبل نحو عامين ونصف العام في أثناء هجوم للقوات الحكومية في شمال غربي سوريا.
وتجمعت صخور من الموقع لينتهي بها الأمر إلى جوار خيمتهم، وهي واحدة من عشرات الخيام التي تؤوي عائلات فرّت من ديارها خلال الحرب السورية المستعرة منذ عشر سنوات.
وتعلق الأسرة ملابسها المغسولة لتجفّ على حبلين ممدودين بين الخيمة ورواق حجري أثري، ويتسلق الأطفال الحجارة ويمشون مستعرضين قدرتهم على التوازن فوق الجدران في ساحة لعب غير عادية إن لم تكن خطيرة.

وقال عثمان (30 عاماً): «في الصيف نواجه عقارب وأفاعي وتراباً وكل ضغوط الحياة، وفي الشتاء البرد. الوضع بائس. وليست هناك خدمات صحية». وأضاف أن القصف أجبرهم على الفرار من قراهم قرب معرة النعمان، وهي منطقة قريبة من خط المواجهة بين القوات الحكومية ومسلحي المعارضة وتعرضت للهجوم في نوبات مختلفة من المعارك خلال الصراع السوري المستمر منذ عقد.
ويكافح عثمان، وهو أب لأربعة أطفال، لكسب الرزق اعتماداً على عمل موسمي مثل قطف الزيتون وأي أعمال أخرى يجدها، وحين لا يُتاح له عمل يضطر للاستدانة لتوفير الاحتياجات الأساسية، وأطفاله لا يذهبون للمدارس.
وقال: «حين بدأ آخر قصف وهجوم غادرنا لنأتي إلى هنا. لم نجد مكاناً يؤوينا، لذلك نعيش هنا وسط الأطلال».
وهذا المكان الأثري، الذي كان مستوطنة مسيحية يعود تاريخها للقرن الخامس الميلادي، معروف جيداً للنازحين لأن إقامتهم فيه تكون مجانية على عكس المناطق الأخرى التي يطلب أصحابها منهم دفع إيجار.
وأضاف عثمان: «كنا معتادين على أن لدينا أرضاً نزرعها وسبلاً للعيش في قرانا ولا نحتاج لأحد. لكن نصيبنا أن نصبح مشردين. لم نغادر أرضنا بإرادتنا لنأتي لمنطقة لم تكن مسكونة منذ آلاف السنين».
وتقول الأمم المتحدة إن هناك نحو 2.8 مليون نازح في شمال غربي سوريا، بينهم 1.7 مليون في مواقع للنازحين داخل البلاد.

وفي منطقة ليست بعيدة عن سرجبلة، في زاوية أخرى بمحافظة إدلب بشمال غربي البلاد، تؤوي قرية بابسقا الأثرية أيضاً أناساً تعرضت بيوتهم للقصف.
وفي مرحلة مبكرة من الحرب، استخدم مسلحو المعارضة الموقع كقاعدة، وكانوا يعملون من كهوف قديمة محفورة في الصخر حيث ما زال من الممكن رؤية الأسلاك التي نصبها مقاتلو المعارضة.
ويُعرف المكان، الذي يعيش فيه الآن نحو 80 عائلة، باسم مخيم الخراب.
وأخذ مربو الماشية قطعان غنمهم وماعزهم معهم حين هربوا للمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة من مناطق تقع تحت سيطرة الحكومة السورية حالياً وتتغذى الغنم والماعز الآن وسط الحجارة الأثرية بينما من حولها الدواجن على الأرض.

واستخدم البعض حجارة من الأنقاض في بناء أماكن إيواء لهم وضعوا على بعضها من الخارج ألواحاً شمسية لتوفير الطاقة الكهربائية، وجرى تثبيت هوائي على جانب مأوى لتوفير خدمة الإنترنت.
ويُخّزن محمود أبو خليفة (35 عاماً)، وهو أب لسبعة أبناء، متاع العائلة وعلف الحيوانات في كهف قديم محفور في الصخر. ويحتفظ بغنمه في حظيرة وسط الحجارة.
وقال: «قبل أن نصبح نازحين كانت عندنا أرض زراعية ومحاصيل نعيش عليها، وكان كل شيء على ما يرام ونملك هذه الحيوانات».
وأضاف أن الوضع اختلف اليوم حيث «يعيش الأطفال وسط الأنقاض والوحل. الوضع بائس جداً»، وتابع: «مطلبنا الوحيد هو أن نعود لقرانا».



ما حدود الدعم العسكري المصري للصومال؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الصومالي حسن شيخ محمود يشهدان توقيع بروتوكول تعاون عسكري بالقاهرة في أغسطس الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الصومالي حسن شيخ محمود يشهدان توقيع بروتوكول تعاون عسكري بالقاهرة في أغسطس الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

ما حدود الدعم العسكري المصري للصومال؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الصومالي حسن شيخ محمود يشهدان توقيع بروتوكول تعاون عسكري بالقاهرة في أغسطس الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الصومالي حسن شيخ محمود يشهدان توقيع بروتوكول تعاون عسكري بالقاهرة في أغسطس الماضي (الرئاسة المصرية)

طرح الإعلان الصومالي المتكرر بشأن تلقي دعم عسكري من مصر، تساؤلات حول حدود هذا الدعم المقدم إلى حكومة مقديشو، التي تتنازع مع أديس أبابا، ومساعي الأخيرة للحصول على منفذ بحري في إقليم «أرض الصومال» الانفصالي.

وكشف وزير الخارجية الصومالي، أحمد معلم فقي، عن تلقي بلاده «مساعدات عسكرية وذخائر من مصر»، مضيفاً في تصريحات صحافية السبت، أن «القاهرة تلعب دوراً داعماً للصومال، ودائماً ما دافعت عن مقديشو تاريخياً».

وعدّد خبراء وعسكريون صور الدعم العسكري المصري إلى الصومال، وقالوا إنه يتضمن «الدفاع المشترك وتبادل المعلومات، مع المشاركة في قوات حفظ السلام الأفريقية»، في ضوء التحديات الأمنية التي يواجهها الصومال في الفترة الحالية.

وعارضت مصر توقيع الحكومة الإثيوبية في يناير (كانون الثاني) الماضي مذكرة تفاهم مع إقليم «أرض الصومال»، تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري يتضمن ميناءً تجارياً وقاعدة عسكرية، مقابل اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال دولة مستقلة، وعدّت القاهرة الاتفاق «اعتداء على السيادة الصومالية».

تبع ذلك توقيع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الصومالي حسن شيخ محمود، في القاهرة أغسطس (أب) الماضي، على «بروتوكول تعاون عسكري»، كما أعلن السيسي مشاركة بلاده في قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، بداية من يناير 2025.

ووفق مستشار الأكاديمية العسكرية المصرية، اللواء طيار دكتور هشام الحلبي، فإن الدعم العسكري المصري للصومال يأتي بناء على «طلب رسمي من الجانب الصومالي، قدّمه الرئيس الصومالي (السلطة الشرعية)».

وأضاف الحلبي لـ«الشرق الأوسط» أن «المساعدات الأمنية والعسكرية المقدمة من القاهرة لمقديشو، تأتي في مسارين، الأول في إطار قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، بمشاركة قوات مصرية بتسليح خفيف، لضمان حفظ الأمن وإنفاذ المساعدات الإنسانية والإغاثية»، بينما المسار الثاني «يأتي في إطار التعاون الثنائي بين القوات المسلحة في البلدين، ويتضمن برامج تدريبية لرفع كفاءة وقدرات الجيش الصومالي».

ويرى الحلبي أن «الدعم العسكري المصري ليس موجهاً ضد أحد، ولا يستهدف الحرب مع أطراف إقليمية أخرى»، مشيراً إلى أن «مصر تستهدف دعم الصومال في ضوء تحديات أمنية، تتعلق بخطر التنظيمات الإرهابية، وتأمين منطقة البحر الأحمر»، وهو «ما يتفق مع محددات السياسة الخارجية المصرية، القائمة على دعم المؤسسات الوطنية للدول التي تواجه نزاعات، حفاظاً على وحدتها وسيادتها، وهي السياسية المصرية ذاتها تجاه ليبيا والسودان واليمن وسوريا»، على حد قوله.

وأعلن الصومال، نهاية أغسطس الماضي، وصول معدات ووفود عسكرية مصرية للعاصمة مقديشو، في إطار مشاركة مصر بقوات حفظ السلام. أعقبه بيان إثيوبي انتقد «تدخلات خارجية» لدول لم يسمّها عدّها «تشكل مخاطر على المنطقة»، كما أشارت إثيوبيا إلى أنها «لن تقف مكتوفة الأيدي».

وفي المقابل، انتقد مستشار الأكاديمية العسكرية المصرية التحرك الإثيوبي في الصومال، للحصول على ميناء بحري على البحر الأحمر، مؤكداً أنه «يخالف قواعد القانون الدولي، وأن قلق الصومال مشروع، لأن التحرك الإثيوبي يمهد لانفصال الإقليم رسمياً».

فيما عدّد خبير الشؤون الأفريقية المصري، رامي زهدي، حدود وصور الدعم العسكري المصري للصومال، مشيراً إلى أنه يتضمن «اتفاقية دفاع مشترك، بجانب تبادل المعلومات، وبرامج تدريبية للقوات المسلحة الصومالية، والمشاركة في قوات حفظ السلام الأفريقية»، وقال إن «القوات المصرية في بعثة حفظ السلام قد تصل إلى 10 ألف فرد، سيتولى منهم 7 آلاف المشاركة في حماية الحدود، و3 آلاف يشاركون في حماية الوضع الأمني بالمدن».

وعدّ زهدي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «رغبة مصر في تحقيق الاستقرار والحفاظ على الصومال قد تجعل مستوى التعاون العسكري لا حدود له، ليصل لأقصى مدى ممكن، في ضوء اتفاقية الدفاع المشترك، وقواعد القانون الدولي».

وأوضح أن «القاهرة دائماً ما كانت مساندة لمقديشو منذ استقلال الصومال»، مشيراً إلى أن «هذا الدعم يزداد في فترات الأزمات، وتتعدد صوره»، واستشهد على ذلك «بزيارة الرئيس الصومالي الحالي للقاهرة 3 مرات منذ توليه المسئولية في مايو (أيار) 2022».

ويواجه الصومال تحدياً أمنياً، بسبب استمرار وجود قوات إثيوبية على أراضيه، وأشار زهدي إلى أن الوضع قد يتأزم حال تمسك أديس أبابا باستمرار قواتها، بعد انتهاء تفويضها بنهاية العام الحالي، ضمن بعثة حفظ السلام الأفريقية.

وكان وزير الخارجية الصومالي قد طالب في تصريحات إعلامية مؤخراً، بضرورة «مغادرة القوات الإثيوبية المشاركة في قوات حفظ السلام الأفريقية الأراضي الصومالية، بنهاية تفويضها هذا العام»، وعدّ بقاءها «احتلالاً عسكرياً، ستتعامل معه بلاده بكل الإمكانات المتاحة»، مشيراً إلى أن «أديس أبابا لا تسعى للحصول على موانئ بحرية فقط، ولكن السيطرة على الأراضي الصومالية وضمّها لسيادتها».