«نجع بريطانيا العظمى» تستعيد زمن الاحتلال الإنجليزي لمصر

صراعات ونزوات متداخلة بين 3 أمكنة

«نجع بريطانيا العظمى» تستعيد زمن الاحتلال الإنجليزي لمصر
TT

«نجع بريطانيا العظمى» تستعيد زمن الاحتلال الإنجليزي لمصر

«نجع بريطانيا العظمى» تستعيد زمن الاحتلال الإنجليزي لمصر

يخيم زمن الاحتلال الإنجليزي لمصر على رواية «نجع بريطانيا العظمى» للروائي المصري حسام العادلي، الصادرة مؤخراً عن دار الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة، فالرواية تدور في إطار اجتماعي يتناول أحداثا سياسية من تاريخ مصر، حيث ترصد الفترة من مطلع القرن العشرين وما صاحبها من تأثيرات سياسية كبيرة ارتبطت بالحربين العالميتين الأولى والثانية وصولا إلى ثورة 23 يوليو (تموز) 1952، وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على المجتمع المصري في تلك الفترة. كما تتنقل الرواية بين ثلاثة أمكنة تنطلق منها مسارات السرد، الأول «نجع السعداوية» بصعيد مصر الذي استوحى منه المؤلف اسم الرواية، ثم يتنقل بأبطاله إلى العاصمة القاهرة، ومنها إلى العاصمة الإنجليزية لندن.
بين المواقع الثلاثة تتكشف دوائر الصراع، وتتنقل الرواية بشكل سلس بين شخوصها وحكاياتهم، كما تبدو الأمكنة الثلاثة بمثابة مرايا، تنعكس عليها مكنونات الشخوص، سواء كانت إنجليزية أو مصرية.
من «نجع السعداوية» والذي تحول إلى مستعمرة إنجليزية خاصة، تبدو كأنها مقتطعة من طينة الوطن، يبدأ «زين» بطل الرواية رحلته إلى القاهرة وتحديدا إلى سوق «روض الفرج» للقاء عمه «حسانين»، وبين الخروج من القرية حتى لقاء العم بالسوق، تعتمد الرواية على إيقاع «الفلاش باك» السينمائي، لتحدثنا عن أفراد عائلة «السعداوية» وصراعهم للحفاظ على منصب «العمدة» المتوارث فيما بينهم، وهو ما جعل هذه البقعة المصرية المهمشة ساحة للصراع الإنساني، تنعكس ملامحه على حوار بين العم وابن أخيه، حيث يقول «حسانين»: «ما تبصش تحت رجليك يا ولدي... النجع مفيهوش غير الفقر... زي طشت عقارب كله عايز يموت كله».
ثم تفاجئنا الرواية بأن العم «حسانين» هارب من هذا الصراع، وتحديدا من «جريمة قتل» قام بها يوم جنازة أبيه العمدة الطاغية «السيد»، عندما قام بقطع لسان أحد الشيوخ لأنه قرأ آيات في عزائه تتكلم عن ظلم الأب الراحل، وهي الحادثة التي تكشف للقارئ لماذا اختار مؤلف الرواية عنوان «نجع بريطانيا العظمى»، تقول الرواية عن الجريمة: «الوفديون (نسبة إلى حزب الوفد) راق لهم اعتلاء موجة الشجب والإنكار على حساب الإنجليـز، راحـوا يصفـون بشـاعة الجريمة ويهولـون مـن دلالاتها؛ صوروها على أنها دنشواي الجديدة، رسموا عنها كاريكاتيرا تحريضياً فلاحا - رمزا لحسانين – يلبس جلبابا فوق رأسـه قبعـة إنجليزية، ممسكا بسكين يقطر دماء، وفي يده الأخرى لسان الشيخ المقطوع، وخلفه يافطة النجع مكتوب عليها «نجع بريطانيا العظمى»! والبوليس يؤكد حياديته، معلنا مواصلة البحث عن المتهم الهارب لضبطه».
بهذا التكنيك الذي يمزج الواقع والمتخيل تلجأ الرواية في جانب منها إلى المقارنة بين حال الصعيد وحال القاهرة في عام 1956، وهو ما نقرأه على سبيل المثال في: «بفضل وجود الإنجليز، تغير النجع كثيرا عما كان عليه قبل ثلاثين سنة؛ قامت بيوت من الطوب لها شبابيك وأبواب، بدلا من قباب الطين والروث التي كان يسكنها الفلاحون، وقد تحسنت أحوالهم المالية بفضل تطوير الإنجليز للزراعـة ونظام الري، فلبسـوا أحذية وجلاليب، بعدما كان أغلبهم عراة وحفاة».
على العكس تظهر العاصمة، حيث يطالع «زين» وجه القاهرة الضاج بالمدنية ويتضاءل في نفسه، بينما يؤكد له العم أن: «العيشة هنا يا ولدي عيشة بني آدمين بصحيح».
تأخذنا الرواية إلى وجه آخر من الصراع الإنساني في لندن، حيث عاش ونشأ «هاريس»، ابن الخادمة ذلك الصعلوك ربيب حواري لندن، ثم رجل الإنجليز القوي المقرب من السفير البريطاني في مصر وقت الحرب العالمية الأولى والقائد الإنجليزي للكامب في النجع، تنقل الرواية صراعه مع زوجته «ماري»، ابنة اللورد مايكل أودونيزي، اللذين يقيمان في مصر المستعمرة البريطانية، حيث خيانة زوجته له مع «لابان» الدبلوماسي الفرنسي، وتشكك «هاريس» في نسب ابنته «كارمن»، ثم يتحول صراعه مع الأخيرة بعد مرور السنوات بعد وفاة الأم.
وفي كلمة له على غلاف الرواية، يقول الروائي الكاتب الروائي إبراهيم عبد المجيد: «نجع بريطانيا العظمى... عنوان لافت، فالنجع هو نجع السعداوية بالصعيد فمن أين جاء الكاتب بالعنوان؟، هنا تدخل الرواية لتكتشف أنك أمام تاريخ يتمدد إلى الخلف لبدايات القرن العشرين وصراع عائلة السعداوية للفوز بالعمودية، وخسارتها ولا ينفصل ذلك كله عن الوجود البريطاني والحرب العالمية الأولى والثانية حتى ثورة يوليو وما بعدها إلى 1956، كل ذلك التاريخ يتهادى ويتواتر ويتفجر مع زيارة زين سليل السعداوية إلى عمه حسانين الذي صار تاجرا كبيرا في روض الفرج، على ناحية السعداوية وأعدائها وأصدقائها وعلى ناحية مستر هاريس الإنجليزي وأصوله وزوجته وبنته، يتداخلون من أبواب السياسة والجنس والحرب والقتل وغير بشكل مذهل».
ويتابع: «لا يختلف الصعود هنا عنه هناك ولا النهايات. ليس بتداخل الحكايات فقط، لكن بالرؤية للإنسان بين طموحه ونزواته وجرائمه فلا فرق، النجع واحد هنا أوهناك. الفارق أن الكتابة عاشت المكان، وجعلته مدار رؤيتها وصراعاتها بشكل مذهل، عن الجنس والخيانات والاغتصاب والقتل والحب، وبلغة بنت المكان نفسه، بأشجاره ومائه ورماله وعاداته. لغة من يرى... لا من يحكي، وهذا هو أجمل إنجاز للفن، هذا ما يجعلك تقرأ بانبهار ولا تتوقف».



الحمادي: الكاتب مسكون بهواجس لا تُخرِسها الكتابة

الحمادي: الكاتب مسكون بهواجس لا تُخرِسها الكتابة
TT

الحمادي: الكاتب مسكون بهواجس لا تُخرِسها الكتابة

الحمادي: الكاتب مسكون بهواجس لا تُخرِسها الكتابة

يُولي الكاتب والروائي الكويتي عبد الوهاب الحمادي التاريخ اهتماماً كبيراً فيُعيد تشكيل أسئلته وغرائبه في عالمه الأدبي، منقباً داخله عن الحكايات الناقصة وأصوات الهامش الغائبة، وهو ما يمكن استجلاؤه بوضوح في روايته الأحدث «سنة القطط السمان»، الصادرة أخيراً عن دار «الشروق» بالقاهرة. وكان قد صدر له من قبل عدد من الأعمال منها «دروب أندلسية»، و«الطير الأبابيل»، ورواية «لا تقصص رؤياك»، التي وصلت للقائمة الطويلة لجائزة «البوكر» العربية عام 2015.

هنا حوار معه حول روايته الجديدة واهتمامه بالتاريخ وأدب الرحلة:

> تُلازم بطل «سنة القطط السمان» نبرة تأنيب ومراجعة ذاتية مُتصلة، هل وجدت أن استخدام ضمير المخاطب يُعزز تلك النبرة النقدية في صوت البطل؟

- اعتماد الراوي المخاطب للتعبير عن البطل، كان خياراً صعباً، ترددت كثيراً قبل اعتماده لمعرفتي أن القارئ قد لا يستسيغه، لكن بعد أن جرى نهر الكتابة وتشكلت الشخصيات والمواقف وتعقّدت الحبكة، وجدت أن ضمير المخاطب استطاع تكوين شخصية خاصة بالبطل، وأكسبه حضوراً خاصاً، ذلك، بالإضافة إلى الراوي العليم وكل الأدوات السردية التي استخدمتها محاولاً إيصال ما أريده. ثم عاد الخوف من انطباعات القراء بعد صدور الرواية، وسرعان ما تبدد الخوف بعد ظهور المقالات المتعددة من القراء والنقاد التي أكرموني بها.

> بطل الرواية (مساعد) دائماً ما يصطحب معه «القاموس»... تبدو علاقته باللغة مهجوسة بالمراجعة بالتصويب فهو «يصحح كلمات أصحابه»، فلا تبدو اللغة مجرد أداة عمله مترجماً، ولكنها أوسع من هذا. حدثنا عن تلك الآصرة اللغوية.

- اللغة بطبيعتها انتماء وهُوية وانسجام مع محيط واسع، هل كان البطل يبحث عن انتماء عبر تصحيح كلمات أصحابه؟ أو إرجاعه كلمات إلى أصولها؟ ربما والإجابة الأكيدة عند القارئ لا شك. لكنها التقاطة جميلة منكِ، ومُعبرة، عن مساعد، بطل العمل الذي صرّح في أحد الفصول بأن الزمان لو كان هانئاً لألَّف قاموساً يتتبع فيه أصول الكلمات. القاموس قصة غرام بين الشخصية الرئيسة والكلمات ويحمله أغلب الرواية، قاموس يتوسّط لغتين، العربية والإنجليزية، كأنما هو نقطة تلاقي الشرق بالغرب.

> أود الاقتراب من تشريح العمل لخريطة المجتمع الكويتي والمعتمد البريطاني والوافدين، ما بين مسرح «سوق الخبازين» وساحة المسجد ومكتب المعتمد البريطاني. حدثنا عن عنايتك بالترسيم المكاني في الرواية لرصد الحالة الكويتية في ثلاثينات القرن الماضي.

- لن أقول جديداً إن قلت إن صورة الخليج في الذهنية العربية أقرب لصورة نمطية، قد تتفوق في أحيان كثيرة على الصورة النمطية الغربية تجاه العرب. وأسباب هذه النظرة طويلة ومتجذرة ولن أخوض فيها حفاظاً على الوقت والمساحة، لكن أجدني دونما وعي أصف ما كان آنذاك من مكان وأناس وأحداث، لتثبيت صورة مُغايرة عمّا يرد لأذهان من عنيت في أوّل الإجابة... هل أكتبها لهم ولهذا الغرض؟ بالطبع لا، ففي المقام الأول وصف المكان أداة من أدوات الكتابة تُغني العمل عبر التفاعلات مع شخصياته، ولولا خصوصية المكان لن تكون الشخصيات نفسها والعكس قد يكون صحيحاً، إذ كما أسلفت العلاقة تبادلية، وهو ما يصنع خصوصية مكان ما وخصوصية شخصياته، ومما ساعدني في ذلك، انغماسي في قراءة كتب تاريخ المنطقة بشكل عام والكويت بشكل خاص، وأفادتني كتب مثل: «معالم مدينة الكويت القديمة» الذي صدر حديثاً عن مركز البحوث والدراسات، وإصدار آخر هو «الأسواق القديمة في الكويت»، بالإضافة إلى مراسلات المعتمد البريطاني آنذاك. وفي النهاية مشاورة الأصدقاء الضليعين في تاريخ المنطقة وتفاصيله.

> تتكشف ملامح شخصيات الرواية وأصواتها من المسافة التي تفصلهم من «الهندستاني»، ورغم أن الحدث المركزي في الرواية كان دائراً حول اللغط بشأن مطعمه، فإن حضوره ظلّ على مسافة، لماذا لم تمنحه صوتاً في الرواية؟

- في بداية كتابتي للرواية كان صوت الهندستاني حاضراً في الذهن والكتابة، ثم تقلّص ليكون مبثوثاً بصوته بين الفصول يتحدّث إلى (مساعد)، إلى أن اتخذت قراراً بحجبه كشخصية إلا على لسان الجميع، هل كنت أريده أن يكون أرضية للقصة تحرك الشخصيات والأحداث وفقاً لتفاعلاتها؟ ربما، لكنني فعلت ما أحسست أنه سيفيد الرواية ويجعل الحدث مركّزاً والأفكار متضافرة.

> استخدمت التقويم الزمني المحلي الكويتي «سنة الطفحة»، «سنة الهدامة»... كيف شكّلت تلك السنوات المتراوحة بين القحط والثروة لديك محطات تحريك لأحداث الرواية؟

- من المعروف أن العرب مثل كثير من الأمم تحفظ تاريخها بتسمية الأيام والأعوام، وأشهرها عام الفيل في التاريخ الإسلامي، الذي سبق زمن البعثة النبوية بقليل. واستطاع ذلك النهج عند المؤرخين والعامة أن يستمر وصولاً للعصر الحالي، عندما نقول عام أو سنة الاحتلال العراقي أو الغزو، سنة النكبة، سنة النكسة، سنة الكورونا إلى آخره. لذلك كنت محظوظاً عندما كانت لحظة الحدث الأساس في الرواية، حادثة المطعم، سنة مفصلية في تاريخ الكويت الحديث، لحظة بين بوار تجارة اللؤلؤ وإرهاصة اكتشاف النفط، وما لحقه من تبدّل نمط التجارة الكويتية تبدّلاً جذرياً، مما انعكس على طموحات الشباب المتعلم آنذاك، وما صاحبه من ثورة في وسائل المواصلات كالسيارة والطائرة والسفن الحديثة وهبوب رياح انتشار الطباعة في المنطقة، وبالتالي توفّر المجلات والكتب وارتفاع سقف الطموحات مما يجر الطموح والرغبة في التوسع، وبالتالي قد يجر الطمع. وهذا هو سياق فهم «مساعد» خلال أحداث الرواية، وربما ينطبق ذلك على أغلب الشخصيات التي وصفتها إحدى المقالات بمصطلح «الداروينية الاجتماعية».

> في «لا تقصص رؤياك» رسمت ملامح عنصرية داخل المجتمع الكويتي، ولكنها كانت تدور في زمن أحدث من «سنة القطط السمان». هل برأيك يظل الكاتب مسكوناً بأسئلة دائماً يبحث عنها عبر مشروعه حتى لو تنقّل بين الأزمنة الروائية؟

- سؤال رائع، بالفعل، يظل الكاتب في ظني مسكوناً بهواجس لا تُخرسها الكتابة، قد تخفف منها قليلاً، لكنها ما تلبث أن تتوهّج وتندلع في حريق وتبدأ كتابة جديدة. الأزمنة والأمكنة والشخصيات مجرد أعذار لكتابة الأسئلة المؤرقة والهموم الشخصية والعامة وأنصاف الإجابات على هيئة رواية.

> في روايتِك «ولا غالِب» تعرضت لحدث احتلال العراق للكويت عبر مدّ خيوط سردية مُتخيّلة تتواشج مع زمن سقوط الأندلس، هل كنت تبحث في عمق تلك الهزيمة التاريخية عن مرتكز لفهم فجيعة احتلال بلادك التي شهدتها في سنواتك المبكرة؟

- صحيح، كنت أفعل ما يمكّنني من فهم فجيعة هي الأقوى ليست في حياتي أو في تاريخ بلدي، بل هي الأكبر - برأيي - في المنطقة العربية، وتفوق برأيي النكسة، إذ إن حرب الأيام الستة كما تسمى في الغرب، كانت بين عدو واضح المعالم، ونظام عربي واضح، ولم تكن حرباً عربية - عربية، بل لا أجازف كثيراً إن سميتها: الحرب الأهلية العربية، حرب تبارت فيها الأنظمة والشعوب في الاستقطاب (مع أو ضد) والتعبير عن كل مخزونات المشاعر المتراكمة تجاه الآخر. في «ولا غالب» حاولت عبر الشخصيات الكويتية والمرشد الفلسطيني، واستغلال الحشد الأميركي لغزو العراق في عام القصة أواخر 2002. واختيار غرناطة الأندلس لتكون مكان الحدث، غرناطة الحاضر والماضي عبر التاريخ البديل، أن تشتعل المقارنة الفكرية بين القناعات، وجعل القارئ يناظرها عبر مفاهيمه ويجادل أفكاره كما فعلت أنا قبله أثناء الكتابة.

> تحتفظ كتب عبد الله عنان وشكيب أرسلان بمكانة خاصة لديك، حتى أنك أشرت لهما في مقدمة كتابك «دروب أندلسية». ما ملامح هذا «الهوى» الخاص الذي تتنسمه في تلك الكتابة المتراوحة بين الرحلة والتاريخ؟

- عندي هوى وهوس بالتاريخ القديم والحديث، وشغفت بالكتب التاريخية وأدين لها بالكثير، إذ لا يجاري مكانتها في نفسي شيء، وبالتالي إن جئنا للتاريخ الأندلسي سيكون لعنان تحديداً عامل فكري كبير مؤثر في نفسي، إذ، كيف استطاع ذلك المحامي غير المتخصص في التاريخ أن يراكم مجلدات تلك الموسوعة التي لم يجاوزها أحد منذ سبعين عاماً؟ كيف ترجم ونقل وقارن وحلل بذكاء نادر؟ وذلك انعكس في ذائقتي على صعيد الرواية قراءة وكتابة، ولا أخفي بالطبع تأثري بمسار وكتابات أمين معلوف بالدرجة الأولى ومن ثم غازي القصيبي، والطيب صالح، وفواز حداد، وبالطبع التجلي الروائي الأكبر عربياً وحتى عالمياً وهو نجيب محفوظ، صاحب الأثر الأهم في قناعاتي تجاه الحياة والكتابة.

> أنت مُحِب للسفر، هل ترافقك بين مشاهد المدن ومرافئها قصيدة «المدينة» لكفافيس، التي صدّرت بها روايتك الأخيرة، وما تعريفك الخاص لـ«المدينة التي تُلاحقك» بتعبير الشاعر اليوناني الراحل؟

- تطور السفر بالنسبة لي من خلال القراءة والكتابة، وتبعها تحويل كتابي الأول «دروب أندلسية» إلى رحلة تطوف إسبانيا، كان انبثاق تدشين مرحلة الرحلات الجماعية المهتمة باكتشاف العالم، عبر التعرف على تاريخه ومجتمعاته وحضاراته، وكنت محظوظاً مرّة أخرى لأن هذه الرحلات زادت معرفتي بالناس في البلدان المختلفة، بالإضافة لخبرات التعامل مع المشتركين المتحدرين من بلدان عدّة، كل ذلك منحني معرفة لا تشترى بمال ولا تعلّم في المدارس. وعندما واجهت قصيدة كفافيس وعدت إليها، وجدت أنها معبرة عن بطل رواية «سنة القطط السمان»، لكنها، ولأعترف، معبّرة عني في أحد معانيها، كما هي الحال في قصيدة محمود درويش «لا شيء يعجبني»، التي كانت تنافس كفافيس في تصدير الرواية حتى تفوقت قصيدة شاعر الإسكندرية وتصدّرت أولى عتبات النص الروائي. وسؤالي لكِ وللقراء: ألسنا كلنا ذلك الموجوع بمدينته؟ عندما وصفنا كفافيس: وما دمت قد خربت حياتك هنا، في هذا الركن الصغير، فهي خراب أينما كنت في الوجود!