مجلة فرنسية: 80 دعوى في دول أوروبية بحق مجرمي حرب سوريين

فريق من الأمم المتحدة يزور مصابين في معضمية الشام عام 2013 (أرشيف - رويترز)
فريق من الأمم المتحدة يزور مصابين في معضمية الشام عام 2013 (أرشيف - رويترز)
TT

مجلة فرنسية: 80 دعوى في دول أوروبية بحق مجرمي حرب سوريين

فريق من الأمم المتحدة يزور مصابين في معضمية الشام عام 2013 (أرشيف - رويترز)
فريق من الأمم المتحدة يزور مصابين في معضمية الشام عام 2013 (أرشيف - رويترز)

في تحقيق مطول نشرته مجلة «لوبوان» الفرنسية، رصد شبه كامل للمساعي الجارية لملاحقة مجرمي الحرب في سوريا الموجودين على الأراضي الأوروبية الذين يقدر المحامي السوري أنور البني اللاجئ في ألمانيا عددهم بألف.
ويفيد التقرير بأن ما لا يقل عن 80 دعوى أقيمت حتى اليوم في العديد من الدول الأوروبية بينها 11 محاكمة جارية حاليا، منها 4 في فرنسا و3 في ألمانيا وواحدة في كل من السويد والنمسا وهولندا والنرويج. ويضيف البني ان هولندا وإسبانيا تبحثان في الأمر. وما تحقق حتى اليوم هو ثمرة جهود مبذولة منذ سنوات عدة منها ما قام به «المركز السوري للإعلام وحرية التعبير» الذي يديره في باريس المعارض مازن درويش. و«الأرشيف السوري» المتخصص بتوثيق جرائم الحرب الذي أسسه المنشق هادي الخطيب في برلين بمساعدة ناشطين سوريين. ويقول الخطيب عن هذا المركز إن هدفه الأساسي هو «المحافظة على الأدلة التي توثق جرائم الحرب وتشكيل الذاكرة الرقمية للأحداث» التي جرت في سوريا منذ العام 2011.
وبعد أن بدأ الخطيب عمله منفردا، تكثف العمل وتوسع وتحولت الخلية الى بنية سميت «منيمونيك» Mnemonic والتي يساهم في عملها عشرون شخصا. ومما قامت به جمع ما لا يقل عن ألف تسجيل فيديو تم تحليلها والتأكد من صحتها لمراكمة الأدلة على جرائم النظام والأطراف الأخرى الضالعة فيها. ويؤكد الخطيب للمجلة الفرنسية أن ما يسعى إليه هو تحقيق العدالة و«التأكد أن أيا من المجرمين لن يفلت من العقاب». وما يسهل مساعي ملاحقة مجرمي الحرب أن عددا من البلدان الأوروبية تتبنى ما يسمى «العدالة العالمية» التي تتيح محاكمة شخص ما وإن لم يرتكب جريمته على أراضي الدولة المعنية. ويضاف الى ما سبق إنشاء لجان متخصصة مثلا حول الجرائم التي ارتكبت ضد الإيزيديين...
يعد الصحافيان اللذان أعدا التقرير أن محاكمة العقيد في الجيش السوري أنور رسلان فتحت كوة للأمل في أن تجد العدالة طريقها لمحاكمة المسؤولين في النظام السوري عن الجرائم التي ارتكبها. ذلك أن العقيد المذكور كان ضابط استخبارات ومسؤولا عن الوحدة 251 لأمن الدولة ما بين العامين 2011 و2012، وهو متهم بتعذيب أكثر من 4000 معتقل بينهم 58 توفوا في السجن. ورسلان هرب من سوريا الى برلين في سبتمبر (أيلول) 2012. إلا أنه تم التعرف إليه في العاصمة الألمانية من قبل ضحاياه وأُلقي القبض عليه في العام 2019 بالتعاون بين ألمانيا وفرنسا. وتقدم 17 مدعيا بشكاوى بحقه ما فتح الباب لمحاكمته ومحاكمة أحد أعوانه المدعو فيصل الغريب في مدينة كوبلانس الواقعة غرب ألمانيا. وينتظر أن يصدر الحكم بحقه في 13 يناير (كانون الثاني) علماً أن الادعاء طلب السجن مدى الحياة للمتهم.
يقول المحامي أنور البني الذي كان وراء الدعاوى ويؤكد أنه من تعرف على أنور رسلان في أحد محلات العاصمة الألمانية لأنه كان من ضحاياه، إن «هذه المحاكمة هي للتاريخ. ولأن المحكمة تتحدث عن جرائم ضد الإنسانية ولأنها جاءت على اسم (بشار) الأسد خمس مرات لن يكون مجال للمجرمين أن يفلتوا من العدالة ».
ويورد تقرير المجلة الفرنسية أن البني هرب من سوريا عبر لبنان في العام 2014 واستقر في برلين حيث بدأ عملية تجميع الوثائق عن الوحدات 215، 227، 235، 251 وغيرها من الوحدات الضالعة في عمليات القمع والتعذيب.
وتبدو ألمانيا الأكثر تقدما في المحاكمات التي تشمل النظام والتنظيمات المتطرفة. ففي 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أصدرت محكمة فرنكفورت العليا حكما صارما بحق العراقي طه الجملي البالغ من العمر 29 عاما لارتكابه «جريمة إبادة وجريمة ضد الإنسانية أدت الى الوفاة، وجريمة حرب». وجريمة هذا الرجل أنه «اشترى» فتاة إيزيدية عمرها خمس سنوات ثم تركها تموت لاحقا من العطش. والجملي تم توقيفه في اليونان ومنها استردته ألمانيا التي تلجأ الى «الأهلية العالمية» التي تتيح لها محاكمة أي شخص في العالم متهم بارتكاب جرائم.
بيد أن الملف الرئيسي الذي يراهن عليه المعارضون السوريون لتجريم النظام السوري هو استخدامه السلاح الكيماوي في العام 2013 ضد الغوطة الواقعة جنوب دمشق وضد خان شيخون في العام 2017. وفي العام 2021 قدمت منظمات سورية للدفاع عن حقوق الإنسان ثلاث شكاوى ضد النظام السوري في ألمانيا والسويد وفرنسا. ويؤكد هادي الخطيب أنه شارك في التحقيق الذي حصل في ألمانيا، فيما يعد المركز السوري للإعلام وحرية التعبير الدافع الرئيسي لتقديم الدعاوى، وقال مديره مازن درويش لمجلة «لوبوان» إن العمل على الملف الكيماوي جرى لأربع سنوات وتم جمع 491 دليلا إضافة الى صور وتسجيلات فيديو وشهادات عديدة. ولأن فرنسا لا تعتمد مبدأ الأهلية العالمية للعدالة، فقد نجحنا في العثور على عائلة مزدوجة الجنسية (فرنسية ــ سورية) أصلها من مدينة دوما وقد أصابها الهجوم الكيماوي عام 2013، وننتظر أن يتقدم التحقيق وقد أُجريت أولى عمليات الإستماع». ويضيف درويش: «بالطبع، لا نتوقع أن تفضي المحاكمة الى إرسال بشار الأسد وأخيه ماهر، - وهما متهمان باستخدام غاز السارين في الغوطة - الى السجن. لكننا نأمل أن يصدر حكم يدين النظام، إذ من من الضروري مواجهة الرواية الكاذبة التي تتهم الاستخبارات المركزية الأميركية أو الموساد الإسرائيلي أو القبعات البيضاء بأنها هي من دبر ذلك».
يؤكد تقرير «لوبوان» أن ثلثي الدعاوى المقامة في أوروبا تستهدف النظام والثلث الآخير داعش» والمعارضة السورية والمقاتلين الأكراد. ويؤكد البني أن جل ما هو مطلوب «تحقيق العدالة بغض النظر عن الأتنية أو الدين أو التوجه السياسي إذ المطلوب معاقبة كل المجرمين من دون استثناء». ويروي التقرير قصة السوري المدعو مجدي نيما الذي كان الناطق السابق باسم مجموعة «جيش الإسلام» وهو متهم بارتكاب جرائم حرب والمشاركة في عمليات إعدام وتعذيب. والأمر المحير أن هذا الشخص الذي نجح في الإنتساب الى مجموعة علمية في إسطنبول، وصل الى مدينة مرسيليا المتوسطية بفضل دعوة من جامعة إيكس أو بروفانس في جنوب فرنسا. إلا أن سوريين تعرفوا عليه مما أدى الى توقيفه وما زال محتجزا حتى اليوم بانتظار محاكمته.
بيد أن الأمور لم تنتهِ عند هذا الحد، إذ الساعين لجر النظام السوري وأركانه أمام المحاكم الأوروبية لم يتوقفوا عند ما أشير إليه سابقا.
فالتعاون بين الأطراف الناشطة في فرنسا وألمانيا وبلجيكا أفضى الى تقديم دعاوى بحق ضباط كبار من الجيش السوري أو الاستخبارات أو قوى الأمن. وأبرز هؤلاء علي المملوك. إلا أن التقرير يستبعد أن تحصل هذه المحاكمات بسبب التردد الأوروبي وبسبب حسابات سياسية ملمحا ألى أن الإتهامات المساقة بحق هؤلاء الضباط تستخدم بشكل رئيسي لمنع قدومهم الى أوروبا.



محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر
TT

محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر

خلافاً للكثير من القادة الذين عاشوا في الظل طويلا، ولم يفرج عن أسمائهم إلا بعد مقتلهم، يعتبر محمد حيدر، الذي يعتقد أنه المستهدف بالغارة على بيروت فجر السبت، واحداً من قلائل القادة في «حزب الله» الذين خرجوا من العلن إلى الظل.

النائب السابق، والإعلامي السابق، اختفى فجأة عن مسرح العمل السياسي والإعلامي، بعد اغتيال القيادي البارز عماد مغنية عام 2008، فتخلى عن المقعد النيابي واختفت آثاره ليبدأ اسمه يتردد في دوائر الاستخبارات العالمية كواحد من القادة العسكريين الميدانيين، ثم «قائداً جهادياً»، أي عضواً في المجلس الجهادي الذي يقود العمل العسكري للحزب.

ويعتبر حيدر قائداً بارزاً في مجلس الجهاد في الحزب. وتقول تقارير غربية إنه كان يرأس «الوحدة 113»، وكان يدير شبكات «حزب الله» العاملة خارج لبنان وعين قادة من مختلف الوحدات. كان قريباً جداً من مسؤول «حزب الله» العسكري السابق عماد مغنية. كما أنه إحدى الشخصيات الثلاث المعروفة في مجلس الجهاد الخاص بالحزب، مع طلال حمية، وخضر يوسف نادر.

ويعتقد أن حيدر كان المستهدف في عملية تفجير نفذت في ضاحية بيروت الجنوبية عام 2019، عبر مسيرتين مفخختين انفجرت إحداهما في محلة معوض بضاحية بيروت الجنوبية.

عمال الإنقاذ يبحثون عن ضحايا في موقع غارة جوية إسرائيلية ضربت منطقة البسطة في قلب بيروت (أ.ب)

ولد حيدر في بلدة قبريخا في جنوب لبنان عام 1959، وهو حاصل على شهادة في التعليم المهني، كما درس سنوات عدة في الحوزة العلمية بين لبنان وإيران، وخضع لدورات تدريبية بينها دورة في «رسم وتدوين الاستراتيجيات العليا والإدارة الإشرافية على الأفراد والمؤسسات والتخطيط الاستراتيجي، وتقنيات ومصطلحات العمل السياسي».

بدأ حيدر عمله إدارياً في شركة «طيران الشرق الأوسط»، الناقل الوطني اللبناني، ومن ثم غادرها للتفرغ للعمل الحزبي حيث تولى مسؤوليات عدة في العمل العسكري أولاً، ليتولى بعدها موقع نائب رئيس المجلس التنفيذي وفي الوقت نفسه عضواً في مجلس التخطيط العام. وبعدها بنحو ثماني سنوات عيّن رئيساً لمجلس إدارة تلفزيون «المنار».

انتخب في العام 2005، نائباً في البرلمان اللبناني عن إحدى دوائر الجنوب.