حراك سني ـ كردي يفقد لأول مرة الأغلبية الشيعية في البرلمان العراقي

الصدر يلوّح بالذهاب للمعارضة في حال عدم تشكيله حكومة الأغلبية

صورة أرشيفية للبرلمان العراقي (رويترز)
صورة أرشيفية للبرلمان العراقي (رويترز)
TT

حراك سني ـ كردي يفقد لأول مرة الأغلبية الشيعية في البرلمان العراقي

صورة أرشيفية للبرلمان العراقي (رويترز)
صورة أرشيفية للبرلمان العراقي (رويترز)

يصر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الفائز الأول في الانتخابات العراقية الأخيرة، على تشكيل حكومة أغلبية وطنية. وفي مقابل ذلك، تصر قوى الإطار التنسيقي الذي يضم الكتل الشيعية الرافضة لنتائج الانتخابات على تشكيل حكومة توافقية. الكرد والسنّة الذين انتظروا طوال الشهرين الماضيين توافقاً شيعياً داخلياً، لكي يحددوا خياراتهم على صعيد الانضمام مع موقف شيعي موحد من أجل تشكيل الحكومة قرروا النزول إلى الساحة لتثبيت موقفهم من مفهومي الشراكة والمشاركة في الحكومة وفي صناعة القرار السياسي. البيت الشيعي وبسبب الخلاف الذي لا يزال عميقاً بين الصدريين والإطاريين بات يسهل على الكرد والسنة إمكانية فرض شروطهم على صعيد تكوين الكتلة الأكبر، ومن ثم تشكيل الحكومة. ولأن الأغلبية حين تشكل الحكومة تقابلها أقلية هي التي تعارضها، فإنها هذه المرة سوف تغير ولأول مرة قواعد اللعبة والعمل السياسي معاً.
زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر يقول إنه مستعد في حال لم يشكل هو حكومة الأغلبية أن يذهب إلى المعارضة. قوى الإطار التنسيقي ليس من بين خياراتها الذهاب إلى المعارضة، بل تشكيل حكومة توافقية يشترك فيها مثل الدورات البرلمانية الأربع الماضية جميع المكونات، لا سيما الرئيسية منها (الشيعة، الكرد، السنَّة). التطور الذي حصل مؤخراً، والذي يمكن أن يساعد مساعي الصدر في الذهاب نحو الأغلبية أو المعارضة، هو الإعلان، ولأول مرة منذ أول دورة انتخابية في العراق عام 2006، وإلى آخر دورة عام 2018، عن تشكيل تكتل معارض عابر للقوميات والطوائف، وهو التكتل الذي يضم حركة امتداد والجيل الجديد ويضم نحو 28 نائباً. وفي حال لم يتمكن الصدر من تشكيل حكومة أغلبية مثلما يأمل، فإنه في حال ذهابه إلى المعارضة سوف يكوّن كتلة ليست أقل من 100 نائب، إن لم يكن أكثر.
وفي هذه الحالة سوف ينشأ، وللمرة الأولى، ثلث معطل في البرلمان العراقي المكوَّن من 329 نائباً. القوى الشيعية التي يمثلها الإطار التنسيقي المكون من (الفتح، دولة القانون، قوى الدولة، العقد الوطني، الفضيلة) لا يمكنها وحدها تشكيل حكومة من دون الصدر، لأنها تخشى قوته التي سوف تكون مزدوجة في الشارع وداخل البرلمان، وهو ما يجعله قادراً على تعطيل أي تشريع لا يريده، مثلما سيكون قادراً، وببساطة، على استجواب وربما عزل أي وزير يخفق في أدائه. وفي حال اضطرت قوى الإطار التنسيقي الذي يضم نحو 76 نائباً حالياً إلى تشكيل حكومة أغلبية وطنية دون الصدر، وذلك بالاستعانة بالسنة والكرد الذين باتوا يملكون وحدهم في هذه الدورة أكثر من 100 نائب، فإنه في الوقت الذي بمقدور الكرد والسنّة تكوين ثلث معطل في حال أصروا خلال مفاوضاتهم الحالية على الشراكة في القرار لا المشاركة في الحكومة، فإنه ستكون هنالك خريطة جديدة يفقد فيها الشيعة الذين يملكون أكثر من 180 نائباً في البرلمان الأغلبية التي تجبر الآخرين على الدوران في فلكهم دون التأثير عليهم.
ففي حال تشكلت حكومة الأغلبية التي يصر الصدر عليها فإنها تحتاج إلى 166 نائباً لتمريرها في البرلمان في حال تم انتخاب رئيسي الجمهورية والبرلمان. لكن المشكلة التي تواجه أي من الطرفين الشيعيين (الصدر والإطار التنسيقي) إنهم يحتاجان، وبصرف النظر عن نوع الحكومة التي يشكلانها، إلى نحو 200 صوت لانتخاب رئيس الجمهورية، وهو ما يتطلب منهم الاتفاق مع الطرف الكردي الذي يرشح رئيس الجمهورية ويضمن له أغلبية الثلثين. والأمر نفسه ينطبق على السنة الذين يتعين عليهم ترشيح رئيس البرلمان وضمان الأغلبية البسيطة له (النصف زائد واحد) داخل البرلمان. لكن المشكلة التي تواجه الكرد والسنة أنهم في الوقت الذي باتوا يتمكنون إلى حد كبير من فرض غالبية شروطهم التي كانت معطلة بسبب وحدة الموقف الشيعي في الماضي، يخشون قوى الإطار التنسيقي في حال ذهبوا مع الصدر لتشكيل حكومة الأغلبية الوطنية، كما يخشون التيار الصدري في حال ذهبوا مع الإطار التنسيقي لتشكيل حكومة توافقية.
وبالتالي فإنه في الوقت الذي يملك فيه السنَّة والكرد القدرة على فرض شروطهم على أحد الطرفين، فإنهم يبقون يخشون قوة الطرف الآخر. الحل في هذه الحالة مع بقاء الموقف الشيعي منقسماً هو محاولة البحث عن توليفة بحيث لا ينفرد الصدر وحده مع شركاء سنة وكرد في تشكيل الحكومة، ولا ينفرد الإطار التنسيقي وحده مع شركاء سنّة وكرد لتشكيل الحكومة. هذه التوليفة تقوم على أغلبية شيعية ضمنية لن يكون لها في كل الأحوال إمكانية تمرير الحكومة وحدها من دون شراكة سنية - كردية مع أكثر من طرف شيعي لكي ينطبق عليها مفهوم الأغلبية أو التوافقية الوطنية. وخلاصة ذلك أنه في الوقت الذي لم يعد الشيعة يملكون الأغلبية، بينما سيكون للكرد والسنّة صوت قوي في البرلمان والحكومة المقبلة، فإن المعارضة التي سوف تتشكل سوف تكون وحدها مَن يتحكم بالطرفين سواء شكلوا حكومة أغلبية أم توافقية.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.