طارق إمام يواصل لعبة الغرابة في «ماكيت القاهرة»

طارق إمام يواصل لعبة الغرابة في «ماكيت القاهرة»
TT

طارق إمام يواصل لعبة الغرابة في «ماكيت القاهرة»

طارق إمام يواصل لعبة الغرابة في «ماكيت القاهرة»

عن «دار المتوسط» في إيطاليا؛ صدرت حديثاً رواية «ماكيت القاهرة» للروائي طارق إمام. وفيها يواصل اللعب على أوتار الواقع المصري بكل تحولاته الاجتماعية والسياسية والثقافية من بوابة الحلم والفانتازيا، وهي إحدى الركائز الفنية الحميمة في تجربته الروائية؛ فالحلم في الرواية ليس مجرد نقطة تقاطع بين الذاكرة والواقع فحسب؛ وإنما طاقة حالمة بواقع أفضل، تمنح الإنسان إحساساً خاصاً بانتمائه للمكان.
تبرز الفانتازيا في التعامل مع الزمن والشخوص، وخلق وشائج تواصل حية بينهما، تنطوي على دلالات متنوعة لعلاقة البشر بالمدينة والتاريخ، كأنها مفاتيح للزمن وعين سحرية تربط الخيال بالواقع.
وتتخذ الرواية من شطح الخيال معولاً للصعود والتحليق فوق الواقع، وخلخلة العقد والفواصل الزمنية والتراتب المنطقي في العلاقات بين الأشياء والعناصر.
هكذا؛ ومن نقطة خيالية، ينسج الكاتب دوائر الصراع في الرواية، عبر إعلان غاليري للفنون في عام 2045 عن مشروع فني يهدف لتشييد واستعادة شكل القاهرة العاصمة السابقة قبل 25 عاماً. وبذلك تتحول فانتازيا الواقع إلى حلم يتأرجح دائماً بين الممكن والمستحيل، وتتسم لحظة الصدام بينهما بالغرابة؛ حيت تتحول لعبة الماكيت إلى «عجينة غرائبية تظلل كل شيء»؛ بداية من طبيعة مهام صناعة التصور الهندسي للماكيت، وأفق الرؤية الذي ينطوي عليها، حتى أسماء الشخوص أبطال الرواية.
وإمعاناً في الغرابة؛ يوزع الكاتب هذه المهام على 3 شخصيات؛ هي: أوريجا، وبلياردو، ونود، حيث يمثل كل منهم حقبة من الزمن، ثم توزع هذه المحاور الزمنية على 4 تواريخ؛ اثنان في الماضي القريب والحاضر، وهو 2011، في إشارة ضمنية إلى ثورة «25 يناير (كانون الثاني)»، ثم 2020 كأنه عين على هذه الثورة ترصد مآلاتها على سطح الماكيت. والثالث في المستقبل وهو 2045. والرابع؛ ما بعدها، كأنه خلاصة الرؤية وبؤرتها في لعبة مرايا الأزمنة.
تتماهى حيوات الرواية بحيوات الوجود، مما يمنح الصراع حيوية الانفتاح على تصورات مستقبلية أكثر نزقاً وإشراقاً تمنح الواقع بهاء اكتمال الصورة، والقدرة على تمديدها في الزمان والمكان.
تتسم «ماكيت القاهرة» بلغة سردية سلسة، ممسوسة بالشعر وإيقاع المشهد البصري... من أجوائها يقول الكاتب: «ثمة أشخاص يعبرون العالم دون أن ينفقوا سوى كلمات قليلة، ينتهي الأمر بهؤلاء إلى الموت وقد خلفوا وراءهم عدداً هائلاً من الكلمات التي لم تُقل!».
يذكر أن الكاتب طارق إمام من مواليد 1977، وتخرج في قسم اللغة الإنجليزية بجامعة الإسكندرية، وحصد عدداً من الجوائز الأدبية؛ من أبرزها «جائزة الدولة التشجيعية» عام 2010، و«جائزة ساويرس في القصة القصيرة» - 2012، و«جائزة متحف الكلمة الإسبانية» - 2013... ومن أعماله الروائية: «هدوء القتلة»، و«مدينة الحوائط اللانهائية»، و«طعم النوم».



سوريا بحاجة لاستعادة أبنائها

فواز حداد
فواز حداد
TT

سوريا بحاجة لاستعادة أبنائها

فواز حداد
فواز حداد

لدى السوريين عموماً عناوين غير مختلف عليها حول سوريا الجديدة: دولة مدنية. ديمقراطية. سيادة القانون. دستور. انتخابات. تداول السلطة. المواطنة. حرية التعبير والرأي. المساواة بين الرجل والمرأة. تَمتُّع إخوتنا الأكراد بحقوقهم كاملة في دولة لا تمثل كل طائفة ولا عرقية على حدة، وإنما جميع السوريين طائفة واحدة.

هذه هي سوريا الجديدة التي نطمح إليها، تبدو دولة مثالية حلمنا بها دائماً، ثم استعصى الحلم علينا، إلى أن نجحت الثورة ووضعتنا على أعتابها. لم يبقَ سوى أن نخطو نحوها، لكن لا بد أولاً من صناعتها على أرض الواقع؛ فهي وإن كانت متخيلة، فلا ينبغي بقاؤها أسيرة المخيلة.

يواجه تحقيق الدولة أكثر من معضلة، أهمها مسألة العلمانية. سوريا بلد متدين؛ ما يشمل جميع حملة الأديان؛ المسلمين والمسيحيين بمذاهبهم كلها دونما استثناء، كذلك الأكراد.

تفصل العلمانية الدين عن الدولة؛ ما يشكل حماية لجميع العقائد. ويتحدد الاختلاف حول تفسير العلمانية، ويتراوح بين الاعتدال والتشدد، وأعتقد أن هناك شِبه توافق على علمانية معتدلة حسب التعريف السابق، من دون الدخول في التفاصيل؛ ما يشكل الفضاء الروحي للإنسان، في حين أن المتشددة تلغي الدين ورموزه وتجلياته، وقد يبلغ بها الأمر المطالبة بتقنين المساجد ومنع الأذان، والدروس الدينية في المدارس.

وحتى لا يبقى هذا الجانب محل نزاع، ولا محل تجاذب سلبي في الدولة الجديدة، ينبغي التأكيد على حرية الاعتقاد، وصيانة المعتقد واحترامه، وعدم التعدي عليه. إن السوريين شعب مؤمن، خصوصاً مع ارتفاع نسبة الإيمان في العقد الأخير، في طبقات المجتمع من دون استثناء؛ الفقراء والأغنياء، نلاحظه في انتشار الحجاب الذي كان الرد الشعبي على القمع، والرد على التسيُّب الأخلاقي. فللأديان رأي في حياة البشر وسلوكياتهم وتوجهاتهم، وإن كانت غير ملزمة، لكنها غير ممنوعة من التعبير عنها.

يجب تحقيق توازن نحن بحاجة إليه؛ أي التعامل مع الواقع وليس إهماله، فالعلمانية مثل الديمقراطية؛ ليست ديناً، ولا بديلاً عنه، ولا تحل محله، ويحظر توريطه في أجندات سياسية. إن إدراك مُنظِّري العلمانية الصلبة أنهم لا يعيشون وحدهم في هذا البلد؛ يعني أنهم لا يستطيعون فرض مفاهيمهم المتطرفة على المجتمع.

إن ضمانة حرية المعتقد من ناحية الإيمان أو عدم الإيمان، من الحريات الشخصية التي لا يجوز المساس بها. والسبب؛ نحن لسنا بلداً غربياً، يجب ألا يكون الدين محل تجاذب... الوزارة ليست حزبية وإنما تكنوقراط لإنقاذ البلد من الضائقة الاقتصادية المستفحلة... الوزارة لا تمثل جهات ولا أحزاباً.

لدى الشعب السوري طاقات عظيمة تهدر في داخل البلد وخارجه. نحن بحاجة إلى استعادة أبنائنا، لكن يجب أن نقدم لهم الحوافز ولو بالحد المعقول.

* روائي سوري