الكرد والسنّة يبدأون مفاوضات الترجيح بين الصدر و«الإطار التنسيقي»

بعد تأجيل «الاتحادية» العراقية المصادقة على نتائج الانتخابات

الكرد والسنّة يبدأون مفاوضات الترجيح بين الصدر و«الإطار التنسيقي»
TT

الكرد والسنّة يبدأون مفاوضات الترجيح بين الصدر و«الإطار التنسيقي»

الكرد والسنّة يبدأون مفاوضات الترجيح بين الصدر و«الإطار التنسيقي»

بعد انتظار لأكثر من شهر ونصف شهر بشأن إمكانية حسم الخلافات بين الكتلة الصدرية الفائزة الأولى بالانتخابات، وبين قوى الإطار التنسيقي الشيعي، يبدو أن العرب السنة والكرد قرروا النزول من التل، والبدء بمفاوضات الترجيح بين الطرفين المتخاصمين.
وفيما أعلن كل من الصدريين، وخصومهم قوى الإطار التنسيقي، الذي يضم القوى الشيعية الرافضة لنتائج الانتخابات (تحالف الفتح، ودولة القانون، وقوى الدولة، والعقد الوطني، والفضيلة، والنصر) عن تشكيل لجان للتفاهم فيما بينهم، ومع الشركاء، والمقصود بهم السنة والكرد، فإن الشركاء قرروا النزول إلى ميدان المعركة، خاصة بعد أن بدا أن المحكمة الاتحادية العليا ليست في وارد حسم النتائج والطعون قبل التوافق. ومنح التأجيل الأخير للمحكمة الاتحادية للطعون التي قدمها تحالف الفتح، بزعامة هادي العامري، بشأن إلغاء نتائج الانتخابات إلى 22 من الشهر الحالي، فرصة للأطراف كافة، ولا سيما الكرد والسنة لأن يعيدوا حساباتهم وترتيب أوراقهم لجسّ نبض الشركاء الشيعة المنقسمين بخصوص آلية تشكيل الحكومة المقبلة، بدءاً من حسم الرئاسات الثلاث.
القوى الشيعية وصلت إلى قناعة أن المحكمة الاتحادية ليست في وارد إلغاء النتائج، لكنها في الوقت نفسه لا تريد الاستعجال في المصادقة عليها، برغم مرور شهرين على الانتخابات، مستفيدة من الدستور الذي لا يلزمها بمدة محددة، وهو ما يعني الاتجاه إلى التفاهمات، سواء البينية منها (بين الشيعة أنفسهم) ومع الفضاء الوطني (السنة والكرد) في سبيل إنضاج طبخة التوافق على نار هادئة قبل بدء الصراع على الكتلة الأكبر.
وكانت المحكمة الاتحادية تصادق خلال الدورات الانتخابية الأربع الماضية على النتائج، وفي غضون أيام قليلة بمجرد إرسالها إليها من قبل المفوضية، والآن فإنها تجد نفسها أمام مشكلة مقبلة، تحتاج إلى نوع من التوافق أيضاً، وهي قصة الكتلة الأكثر عدداً. ففي ظل احتدام الخلاف بين الصدر الفائز الأول بالانتخابات (74 مقعداً) وبين قوى الإطار التنسيقي الذي إن خسرت بعض أطرافه الانتخابات، لكن المقاعد التي حصل عليها تكاد تكون متقاربة مع الصدر، سيسعى كل من الطرفين إلى استمالة كل من الكرد والسنة لتشكيل الكتلة الأكبر في الجلسة الأولى داخل قبة البرلمان.
ويرجح خبراء القانون العودة ثانية إلى المحكمة الاتحادية بشأن تفسير الكتلة الأكبر، فيما إذا كانت هي القائمة الفائزة بأعلى المقاعد أو تلك التي تتشكل داخل قبة البرلمان. فالصدر يصرّ على أنه هو الكتلة الأكبر، بينما خصومه في الإطار التنسيقي يذهبون إلى تفسير الاتحادية طبقاً لانتخابات عام 2010، الذي أعادت تفسيره خلال انتخابات 2014. ومع أن إشكالية الكتلة الأكبر تم تجاوزها خلال انتخابات عام 2018 عبر التوافق الهش بين الفتح، بزعامة هادي العامري و«سائرون» المدعومة من مقتدى الصدر، حيث خرجوا ببدعة لأغراض التمشية فقط، وهي أن العراق أكبر من الكتلة الأكبر، فإن هذه القصة لن تتكرر الآن.
الحكومة التي جاء بها العامري والصدر عام 2018 برئاسة عادل عبد المهدي لم تعمر كثيراً بسبب اندلاع المظاهرات الجماهرية الكبرى التي سميت «انتفاضة تشرين» وترتب عليها إقالتها وتغيير قانون الانتخابات وتشكيل حكومة انتقالية برئاسة مصطفى الكاظمي، التي أعدت للانتخابات المبكرة الأخيرة. وفي سياق كل هذه التغييرات في المشهد السياسي، فإن طبيعة التفاهمات هذه المرة سوف تكون مختلفة إلى الحد الذي لا بد من وجود طرف رابح مقابل طرف خاسر، حتى عند تشكيل الحكومة وتقسيم المواقع والمسؤوليات. ولأن الطرفين الأكثر ضعفاً في المعادلة هما الكرد والسنة، فإن الطريقة التي أعلنوا أنهم سيتفاهمون بموجبها مع الشيعة هي الشراكة في القرار لا المشاركة في الحكومة فقط.
لكن الخلافات لا تنحصر داخل البيت الشيعي فقط، بل إن الكرد زادت خلافاتهم بين الحزبين الرئيسيين (الديمقراطي، والاتحاد الوطني)، خاصة بعد خسارة الديمقراطي مقعدين أفقدته أرجحية (النصف زائد واحد في الإقليم) واتهامه رئيس الجمهورية برهم صالح القيادي البارز في الاتحاد الوطني في فقدان المقعدين. هذه الخلافات بدأت تنعكس بشكل جدي بشأن منصب رئاسة الجمهورية الذي بقدر ما يحتاج إلى توافق داخل البيت الكردي فإنه يحتاج إلى أصوات المكون الشيعي. فانتخاب رئيس الجمهورية لا يتم مثل رئيسي الوزراء والبرلمان عبر النصف زائد واحد، أي 166 صوتاً، بل يحتاج إلى أغلبية الثلثين من عدد أعضاء البرلمان أي (220 صوتاً).
أما العرب السنة فإن الخلاف لا يزال قائماً بين القوتين السنيتين الأبرز، وهما «تقدم» بزعامة محمد الحلبوسي، و«عزم» بزعامة خميس الخنجر، بشأن من يتسلم منصب رئيس البرلمان. لذلك، فإن المباحثات التي يجريها الكرد والسنة مع الشيعة تندرج في محاولة كل طرف منهما الاقتراب من طرف شيعي قوي، يمكن أن يضمن له العدد الكافي من الأصوات لتأييد مرشحه لمنصب رئاسة الجمهورية كردياً والبرلمان سنياً.
الشيعة من جانبهم، سواء أكانوا الصدريين أم الإطار التنسيقي، يحتاجون الصوت الكردي والسني، صدرياً لغرض حكومة الأغلبية، وبالنسبة للإطار التنسيقي لحكومة التوافق. وبين كل هذه التحركات، فإن المحكمة الاتحادية لا تزال تتحصن خلف الدستور الذي لا يلزمها بمدة معينة للمصادقة، وبالتالي ليس أمامها سوى الانتظار.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».