لتُرفع «كأسُ العرب» نخْبَ الأخوّة والسّلام!

في محبّة كرة القدم وسحرها العابر للحدود

من مباراة منتخبي السعودية والمغرب في الدوحة (رويترز)
من مباراة منتخبي السعودية والمغرب في الدوحة (رويترز)
TT

لتُرفع «كأسُ العرب» نخْبَ الأخوّة والسّلام!

من مباراة منتخبي السعودية والمغرب في الدوحة (رويترز)
من مباراة منتخبي السعودية والمغرب في الدوحة (رويترز)

على الرغم من أننا نزحف بتؤدة نحو عالم رقمي نظري، يشحنه تطور علمي سريع الإيقاع، وتسارع اكتشاف تقنيات غير معهودة تحبس الأنفاس، فإن رغبة الإنسان في أن يتسلى ويروّح عن نفسه الضاجّة بالأسئلة، تظل عارمة وملحّة... فهل من الغرابة أن تهفو نفس الإنسان إلى «الكرة»؟ بخاصة لعبة كرة القدم ذات الشعبية منقطعة النظير... كرة القدم التي هي اللغة المحلية - العالمية المشتركة بين جميع عشاقها المكتظة بهم الأركان الأربعة من الكوكب؟
نعم كرة القدم هي اللغة المحلية - العالمية بامتياز، يتحدثون بها دون تكلف ولا صعوبة ولا لكْنَة أجنبية. مئات الملايين عبر العالم من مختلف الألوان والثقافات والديانات والمعتقدات. لغة لا تُتَحدَّث باردة، بل حارة متقدة محمومة تتحرك لنطقها الحبال الصوتية فتتداعى لها سائر الأعضاء.
ثم لا شك أن العلم يعِدُ البشرية برفع حجب كانت مسدلة لدُهور، ويخترق من خلالها الأنماط التقليدية ويتجاوزها في طرق التعامل مع شؤون الحياة، فيصبح لكل كائنٍ واقعي كائنٌ افتراضي آخر يكمّله، ويمثله في حياة برزخية بين الواقع والافتراض، فليس ثمة مستحيل أن يقوم من خلال هذه الحياة بزيارة الكواكب أو التسوّق أو... لكن أغلب الظن أن أمنيات الإنسان الأقرب إلى قلبه هي أن يصبح عضواً افتراضياً في فريق لكرة القدم...
لا بد أنك وأنت تتفرج الآن على إحدى مباريات كأس العرب لكرة القدم ستقول: ياه... ما أغرب ذلك، سيكون رائعا فعلاً لو تحقق. ثم لماذا نعشق كرة القدم؟
صحيح ما أغربه... معك حق. إلا أن كل هذا لا يزيدنا إلا رغبة في الانكباب على تاريخ هذا الكائن البشري ومحاولة تحليله وتفسيره وفهمه.
فمنذ بدء خليقة الإنسان وضع القدر في طريقه كُرتين. بل رمى في شباكه كُرَتين. واحدة من طين وأخرى من ريح. يأتي إلى الوجود يجدهما تنتظرانه وهما تتدحرجان ضاحكتين بلؤم. كلاهما نزقة لا تثبت على جنب. كلاهما مدورة، زئبقية، قلقة ولا تستقر على ضلع. وبلا ضلع.
في البدء يسقط رأسه في الأولى: كرة الطين العظيمة المدهشة. الأرض. مسقط رأسه. ذات الأربعة مليارات ونصف المليار من السنوات، من طين وماء وحجر وشجر ودرّ في أحشائها كامن، وثروات عجيبة لا تُحصى ولا تُعد. تدوّخه كرة الطين. تتحرك تحت قدميه. تذكِّره بأنه ذاهب لا محالة نحو حتفه وعليه أن يركض، أو يرقص، أو يلعب، تُفقده توازنه تارةً وتارةً ترده إليه.
أما الكرة الأخرى، كرة الريح فقد جاءت من بعيد أيضاً، حين عبَرتْ فكرة طريفة خيالَ أجداده السابقين في بلاد الصين منذ القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد، كانوا يرومون قليلاً من التسلية، فصنعوا كرة من القطن والريش، ولأن كرة الطين متحركة فقد وصلت كرة الريح في القرون الوسطى إلى بلاد النورماندي على أطراف بحر المانش ثم وضع لها الإنجليز قوانينها التي ستعرف تغييرات مع الزمن ومع نضج التجربة، وتبدأ أول مباراة بين فريقين في كرة القدم في بريطانيا 1860 لتصبح لعبة كرة الريح الأكثر شهرة بين الألعاب فوق ظهر كرة الطين، في مستطيل الشكل، حسب القانون رقم واحد لكرة القدم، بتسعين إلى مائة وعشرين متراً طولاً، وخمسة وأربعين إلى تسعين متراً عرضاً.
ها أنت ترى، لم تخفت دهشة البشر بسحرها منذ عصر الصين حتى أيامنا هذه ونحن نتفرج بكامل الحماسة على مباريات كأس العرب.
صحيح أنها من الجِلد ومشتقاته، وليس في أحشائها سوى الريح، إلا أنها إذ تلعب بها الأقدام فهي تلعب بالرؤوس.
يحدث أن تتحدى كرة الريح كرة الطين الأرضية فتعبث بقوانينها. ساخرةً منها تراها غريبة الأطوار، شُقت فوقها حدود وخرائط ملونة. خطوط طول وخطوط عرض وجمارك. وعليها متاريس، وأسلاك شائكة، وأسلحة فتاكة وجيوش جرارة، وحراس حدود، وحدود مرسومة بدقة وبغير دقة، ومسالك عبور ضيّقة وصارمة الحراسة. لكنها في غمرة كبريائها تنسى كرة الريح أنها كوِّرت على شاكلتها ومنها استوحى الإنسان، اللاعب بطبعه، فكرة تصميم كرة اليد، وكرة القدم، وكرة المضرب، والكرة الطائرة والزاحفة والعائمة، وأغلب الظن أنه استوحى منها تصميم القنبلة، والقنبلة الموقوتة، والقنبلة النووية...
ثم إن مباريات كرة الريح في رمزيتها إنما هي حروب صغيرة وهمية في حياة البشر منذ أزمنة بعيدة، تذكّر بالحروب الحقيقية الناشبة في أمكنة شتى من كرة الطين. حروب يوجد بها دوماً خاسر ورابح، ومتفرجون حزانى وآخرون يُبدون السعادة والانتصار. وكثيراً ما تتبدل الأدوار، فيضحى الرابح خاسراً والخاسر رابحاً، والحزانى القدامى يُشهرون سعادتهم في وجوه السعداء القدامى الذين أمسوا حزانى جدداً.
وإنها الحكمة؛ تقول جدتي الحكيمة: الحمد لله... من حكمة التنزيل أن الخرائط والحدود ليست مرسومة بحذافيرها في الكتب السماوية!
نعم... لعله تمرين لمدى قدرة البشر في تجربتهم العسيرة لقبول غيرهم من البشر، والتعامل الطيب مع غيرهم من المخلوقات على هذه الكرة الأرضية. لعله امتحان أبديٌّ للإنسان، لقدرته على التعايش وعلى الاختلاف، وتأقلمه مع المجموعات البشرية التي انقسمت منذ آدم أو منذ نوح عليهما السلام، كما تنقسم الخلية.
قدر الإنسان كرتان. يلعب الزمن بالأولى تدور في كون لا متناهٍ من الأجرام والكواكب والنجوم، يركلها فتدور في الفلك. أما الثانية فيلعب بها الإنسان، يركلها فتلعب به.
تمحو الثانية الحدود التي رسمها البشر على ظهر الأولى وتجمع الشمل حين تفرّقه السياسات. ويحدث أن تخلط أوراق السياسيين المطوية بحرص شديد، والمواثيق الرسمية وغير الرسمية التي تحفر هوة العداء بين الشعوب.
فلتُرفع كأس العرب نكايةً في جهالة حرب داحس والغبراء، وفي صحة المحبة بين الشعوب التواقة للحرية والحلم والمحبة والسلام. ولتُرفع الجسور فوق الهاويات التي حفرتها السياسة ونَزعات التفرقة، والصراعات.
ولأن لا أحد منّا يملك القوة التكنولوجية ولا مفتاح القوة النووية وأزرارها، أو كود أسلحة الدمار الشامل، فبكل بساطة لا مجال للاستعراض، فالقوة توجد في مكان آخر. إذاً فلنترك اللعبة المسلية تجمع الشعوب ولا تفرقها أكثر وتساعدها في الإقبال على الحياة ومواجهة مصاعبها ولو إلى حين.



«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
TT

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي»، بدولة قطر، مساء الثلاثاء، الفائزين في فئات الدورة العاشرة، وذلك خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد آل ثاني الممثل الشخصي لأمير البلاد، وشخصيات بارزة، وأعضاء البعثات الدبلوماسية، ونخبة من الباحثين والعاملين بمجال الترجمة.

وتهدف الجائزة إلى تكريم المترجمين وتقدير دورهم في تمتين أواصر الصداقة والتعاون بين شعوب العالم، وتقدير دورهم عربياً وعالمياً في مد جسور التواصل بين الأمم، ومكافأة التميز في هذا المجال، وتشجيع الإبداع، وترسيخ القيم السامية، وإشاعة التنوع، والتعددية والانفتاح.

الشيخ ثاني بن حمد لدى حضوره حفل تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كما تطمح إلى تأصيل ثقافة المعرفة والحوار، ونشر الثقافة العربية والإسلامية، وتنمية التفاهم الدولي، وتشجيع عمليات المثاقفة الناضجة بين اللغة العربية وبقية لغات العالم عبر فعاليات الترجمة والتعريب، ويبلغ مجمل قيمة الجائزة في مختلف فئاتها مليوني دولار أميركي.

وقال الدكتور حسن النعمة، أمين عام الجائزة، إنها «تساهم في تعزيز قيم إنسانية حضارةً وأدباً وعلماً وفناً، اقتداءً بأسلافنا الذي أسهموا في بناء هذه الحضارة وسطروا لنا في أسفار تاريخها أمجاداً ما زلنا نحن اليوم الأبناء نحتفل بل ونتيه مفتخرين بذلك الإسهام الحضاري العربي في التراث الإنساني العالمي».

وأشاد النعمة بالكتاب والعلماء الذين ترجموا وأسهموا في إنجاز هذه الجائزة، وبجهود القائمين عليها «الذين دأبوا على إنجاحها وإخراجها لنا في كل عام لتكون بهجة ومسرة لنا وهدية من هدايا الفكر التي نحن بها حريُّون بأن نرى عالمنا أجمل وأسعد وأبهج وأرقى».

الدكتور حسن النعمة أمين عام الجائزة (الشرق الأوسط)

من جانب آخر، أعربت المترجمة والأكاديمية، ستيفاني دوغول، في كلمة نيابة عن الضيوف وممثلة للمترجمين، عن شكرها لجهود دولة قطر وجائزة الشيخ حمد للترجمة في تكريم المترجمين والمثقفين من كل أنحاء العالم، موجهة التحية لجميع الفائزين، وللغة العربية.

يشار إلى أنه في عام 2024، توصلت الجائزة بمشاركات من 35 دولة حول العالم، تمثل أفراداً ومؤسسات معنية بالترجمة، من بينها 17 دولة عربية. وقد اختيرت اللغة الفرنسية لغة رئيسية ثانية إلى جانب اللغة الإنجليزية، بينما اختيرت الهنغارية والبلوشية والتترية واليوربا في فئة اللغات القليلة الانتشار.

الفائزون بالدورة العاشرة

وفاز بالجائزة هذا العام «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية»، في المركز الثاني رانية سماره عن ترجمة كتاب «نجمة البحر» لإلياس خوري، والثالث إلياس أمْحَرار عن ترجمة كتاب «نكت المحصول في علم الأصول» لأبي بكر ابن العربي، والثالث (مكرر): ستيفاني دوغول عن ترجمة كتاب «سمّ في الهواء» لجبور دويهي.

وعن «فئة الترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية»، فاز بالمركز الثاني الحُسين بَنُو هاشم عن ترجمة كتاب «الإمبراطورية الخَطابية» لشاييم بيرلمان، والثاني (مكرر) محمد آيت حنا عن ترجمة كتاب «كونت مونت كريستو» لألكسندر دوما، والثالث زياد السيد محمد فروح عن ترجمة كتاب «في نظم القرآن، قراءة في نظم السور الثلاث والثلاثين الأخيرة من القرآن في ضوء منهج التحليل البلاغي» لميشيل كويبرس، والثالث (مكرر): لينا بدر عن ترجمة كتاب «صحراء» لجان ماري غوستاف لوكليزيو.

من ندوة «الترجمة من اللغة العربية وإليها... واقع وآفاق» (الشرق الأوسط)

أما (الجائزة التشجيعية)، فحصل عليها: عبد الواحد العلمي عن ترجمة كتاب «نبي الإسلام» لمحمد حميد الله. بينما فاز في «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية»، حصلت على المركز الثالث: طاهرة قطب الدين عن ترجمة كتاب «نهج البلاغة» للشريف الرضي. وذهبت الجائزة التشجيعية إلى إميلي درومستا (EMILY DRUMSTA) عن ترجمة المجموعة الشعرية «ثورة على الشمس» لنازك الملائكة.

وفي (فئة الترجمة من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية) حصل على المركز الثاني مصطفى الفقي وحسام صبري عن ترجمة كتاب «دليل أكسفورد للدراسات القرآنية» من تحرير محمد عبد الحليم ومصطفى شاه، والثاني (مكرر): علاء مصري النهر عن ترجمة كتاب «صلاح الدين وسقوط مملكة بيت المقدس» لستانلي لين بول.

وفي «فئة الإنجاز»، في قسم اللغة الفرنسية: (مؤسسة البراق)، و(دار الكتاب الجديد المتحدة)، و«في قسم اللغة الإنجليزية»: (مركز نهوض للدراسات والبحوث)، و(تشارلز بترورث (Charles E. Butterworth)، وفي لغة اليورُبا: شرف الدين باديبو راجي، ومشهود محمود جمبا. وفي «اللغة التترية»: جامعة قازان الإسلامية، و«في قسم اللغة البلوشية»: دار الضامران للنشر، و«في اللغة الهنغارية»: جامعة أوتفوش لوراند، وهيئة مسلمي المجر، وعبد الله عبد العاطي عبد السلام محمد النجار، ونافع معلا.

من ندوة «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة» (الشرق الأوسط)

عقدٌ من الإنجاز

وعقدت الجائزة في الذكرى العاشرة لتأسيسها ندوة ثقافية وفكرية، جمعت نخبة من أهم العاملين في مجال الترجمة والمثاقفة من اللغة العربية وإليها، تتناول الندوة في (الجلسة الأولى): «الترجمة من اللغة العربية وإليها: واقع وآفاق»، بينما تتناول (الجلسة الثانية): «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة، وكيفية تطوير هذا الدور».

وخلال مشوارها في عشر سنوات، كرّمت الجائزة مئات العاملين في الترجمة من الأفراد والمؤسسات، في نحو 50 بلداً، لتفتح بذلك آفاقاً واسعة لالتقاء الثقافات، عبر التشجيع على الاهتمام بالترجمة والتعريب، ولتصبح الأكبر عالمياً في الترجمة من اللغة العربية وإليها، حيث اهتمت بها أكثر من 40 لغة، كما بلغت القيمة الإجمالية السنوية لمجموع جوائزها مليوني دولار.

ومنذ تأسيسها، كرمت الجائزة 27 مؤسسة ودار نشر من المؤسسات التي لها دور مهم في الترجمة، و157 مترجماً و30 مترجمة، حيث فاز كثيرون من مختلف اللغات الحية عبر العالم. حتى اللغات التي يتحدث بها بضعة ملايين بلغتها الجائزة وكرمت رواد الترجمة فيها من العربية وإليها. أما اللغات الكبرى في العالم فكان لها نصيب وافر من التكريم، مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألانية والصينية والكورية واليابانية والتركية والفارسية والروسية.

وشملت الجائزة كذلك ميادين القواميس والمعاجم والجوائز التشجيعية للمترجمين الشباب وللمؤسسات الناشئة ذات الجهد الترجمي، وغطت مجالات الترجمة شتى التخصصات الإنسانية كاللغوية والتاريخية والدينية والأدبية والاجتماعية والجغرافية.

وتتوزع فئاتها على فئتين: «الكتب المفردة»، و«الإنجاز»، تختص الأولى بالترجمات الفردية، سواء من اللغة العربية أو إليها، وذلك ضمن اللغات الرئيسية المنصوص عليها في هذه الفئة. وتقبل الترشيحات من قبل المترشح نفسه، ويمكن أيضاً ترشيح الترجمات من قبل الأفراد أو المؤسسات.

أما الثانية فتختص بتكريم الجهود الطويلة الأمد المبذولة من قبل الأفراد والمؤسسات في مجال الترجمة من اللغة العربية أو إليها، في عدة لغات مختارة كل عام، وتُمنح الجائزة بناء على عدد من الأعمال المنجزة والمساهمة في إثراء التواصل الثقافي والمعرفي.